image
imagewidth (px)
269
2.48k
text
stringlengths
3
131
ومجمل رأيي في "الهمداني" أنه قد أفادنا ولا شك بوصفة للعاديات
التي رآها بنصه على ذكر أسمائها، وأفادنا أيضاً في إيراده
ألفاظا يمانية كانت مستعملة في أيامه استعمال الجاهليين لها: وقد وردت
في نصوص المسند، فترجمها علماء العربيات الجنوبية ترجمة غير صحيحة،
فمن الممكن تصحيحها الآن على ضوء استعمالها في مؤلفات الهمداني
أما من حيث علمه بتأريخ اليمن القديم، فإنه وإن عرف بعض
الأسماء إلاّ أنه خلط فيها في الغالب، فجعل اسم الرجل الواحد اسمين،
وصير الأماكن إباء وأجداداً، وجعل أسماء القبائل أسماء رجال، ثم هو
لا يختلف عن غيره في جهله بتأريخ اليمن القديم، فملأ الفراغ بإيراده
الأساطير والخرافات والمبالغات
على أنه لم يكن يفهم نصوص المسند، وليس له علم بتاًريخها وبتواريخ أصحابها، وأنه
لا يمتاز بشيء عن الهمداني أو سائر علماء اليمن
في فهم معاني النصوص وفي قراءتها وشرحها وتفسرها، ولعله لم يكثر منا،
الأغلاط نفسها التي وقع فيها الهمداني "فذكر جملاً مسجوعة على إنها من وصايا
التبابعة، وعبارات متكلفة
لم يغير فيه سوى ما قاله: "غير أني اختصرت شيئاً ذكره في النسب، ليس
هو من جملته بمحتسب بل هو مما ذكره من الاختلاف في التأريخ و نحوه، من
وجاءوا بدليل آخر في إثبات أن الإسلام كان له دخل في طمس معالم
تأريخ الجاهلية، أو ينشدوا بعض الأشعار الجاهلية، فكان جوابهم:
لقد جب الله ذلك بالإسلام، فلم الرجوع" @ فوجدوا في
امتناعهم عن رواية الشعر الجاهلي أو أخبار الجاهلية،
أما حديث "الإسلام يهدم ما قبله"، فهو حديث لا علاقة له البتة بتأريخ الجاهلية
ولا بهدم الجاهلية، وقد استل من حديث طويل ورد في صحيح مسلم في "باب كون الإسلام
يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج"، وبعد "باب هل يؤاخذ بأعمال الجاهلية"، وقد
ورد جواباً عن أسئلة الصحابة عن أعمال منافية للإسلام ارتكبوها في الجاهلية،
وهناك رواية أخرى تشرح لنا الأسباب التي حملت عمر على النهي عن
رواية بعض الشعر الجاهلي، وهي انه "قدم المدينة، في خلافة الفاروق،
عبد الله بن الزبعري وضرار بن الخطاب - وكانا شاعري قريش في الشرك -
فنزلا على أبي احمد بن جحش، وقالا له: تحبّ أن ترسل إلى حسان بن ثابت
حنى يأتيك فتنشده وينشدنا
قال حسان: أفتبدآن، أم أبدأ? قالا: نبدأ نحن، قال: ابتدئا فأنشداه
حتى فار فصار كالمرجل غضباً، ثم استويا على راحلتيهما يريدان مكة، فخرج حسان
حتى دخل على عمر، فقص عليه قصتهما وقصته فقال له عمر: لن يذهبا عنك بشيء إن
شاء الله، وأرسل من يردّهما، وقال له عمر: لو لم تدركهما إلا بمكة، فأرددهما علي
فلما كان بالروحاء، قال ضرار لصاحبه: با ابن الزبعري، أنا أعرف
عمر وذبّه عن الإسلام وأهله، وأعرف حسان وقلة صبره على ما فعلنا
به، وكأني به قد جاء وشكا إليه ما فعلنا، فأرسل في آثارنا،
وقال لرسوله: إن لم تلحقهما إلا بمكة، فارددهما عليّ فأربح
بنا ترك العناء، وأقم بنا مكاننا،
لقد حرم الإسلام أشياء من الجاهلية، واقر أشياء أخرى
نص عليها في الكتاب والسنة، ولم يرد أنه حرم أقلام الجاهلية
أو الشعر الجاهلي أو النثر الجاهلي أو أي أدب أو علم جاهلي،
ولم يصل إلى علمنا أنه أمر بهدم المباني الجاهلية وطمس معالمها،
وما يتعلق بها من أمور مما كان من صميم الوثنية أو كانت له علاقة بإِعادتها إلى الذهن مثل التصوير ولم نسمع أنه أمر
بإِتلاف كتابات الجاهلية، أو أنه نهى عن قراءتها والاستفادة منها، أو انه منع استعمال اللهجات الأخرى، التي كان يستعملها
الجاهليون، أو إن علماء الإسلام منعوا رواية أخبار الجاهلية
و أما أنهم كانوا ينظرون إلى "الأخباري" نظرة سيئة، فيها شيء من ازدراء وعدم التقدير، فما
ازدراء لكونه من رواة أخبار الجاهلية بل وثق في هذه الناحية وأخذ عنه دون ردّ أو اعتراض
ولو كان الإسلام قد حث على طمس أخبار الجاهلية أو إطفاء ذكر الأصنام والأوثان، لما كان في وسع "ابن الكلبي" ولا غيره التحدث
عنها والإشارة اليها، ولما أخذ العلماء عنه ورووا كتبه وتوارثوا كتاب "الأصنام"، بل القرآن نفسه حجة في ردّ هذا الزعم، ففيه ذكر
لرؤوس أصنام العرب، وفيه مفصل حياة أهل الجاهلية ومثلهم
وقد تحدث "ابن النديم" في كتابه "الفهرست"، في المقالة الثالثة التي خصصها "
صاحب السرة، و "أبي مخنف" و "الواقدي" و "الهيثم بن عدي" و "أبي البختري"
ب "النسابة"، وقيل عن أحدهم "أحد النسابين" أو "وكان ناسباً"، أو بالتفسير
أو برواية الشعر وما شاكل ذلك من معارف فهو مؤرخ ذلك الزمن إذن،
وهذا نرى لفظة "أخبار" بمعنى تاريخ، ورد في "الفهرست" في أثناء الحديث عن
إلا إن هذا الإطلاق لم يكن واسعاً كثير الاستعمال، وفي استطاعتنا ذكر
إطلاق لفظة "مؤرخ" و "المؤرخ" و "تاريخ" بصورة واسعة في
جملة العهد الذي عاش فيه "ابن الكلبي"، ما دام العرف فيه إطلاق
لفظة "أخبار" بمعنى "تاريخ"،
عادة قلع المباني القديمة لاستخدام أنقاضها فيَ مبان جديدة، والاعتداء على الأطلال
والآثار والقبور في بحثا عن الذهب والأحجار الكريمًة والأشياء النفيسة الأخرى، هي عادة
قديمة جدأَ، ربما رافقت الإنسان منذ يوم وجوده وهي عادة لا تزال معروفة في كثير من
بلدان الشرق الأوسط حتى اليوم، بالرغم من وجود قوانين تحرم هذا الاعتداء
كانت لا تزال ظاهرة قائمة، واستعملوا الحجارة الضخمة التي كانت مترامية على سطح
الأرض، وأزالوا بعض الجدر و@ الأسوار وحيطان البيوت
ويضاف إلى ما تقم عامل آخر، هدَمَ الآثار عليها بالجملة، وأعني به الحروب وسوف نرى حروباً
متوالية اكتسحت جميع مناطق العربية الجنوبية، وأتت على مدنها، إذ استعمل القادة سياسة حرق
المدن والمواقع والمزارع، وقتل السكان بالجملة فأدى ذلك إلى اندثار الآثار وتشريد
الناس وهربهم إلى البوادي وتحول الأرضين الخصبة إلى أرضين جرد
ومن رجوع أهل الأخبار إلى الأعراب لأخذ أخبار قبائلهم وأيامهم وأنسابهم
وشعرهم وغير ذلك، إن غالبية أهل الجاهلية لم تكن لهم كتب مدونة في تأريخهم،
ولم تكن عندهم عادة تدوين الحوادث وتسجيل ما يقع لهم في كتب وسجلات، بل كانوا
ولما كانت الذاكرة محدودة الطاقة، لا تستطيع إن تحل كل ما تحمل، ضاع الكثير من الأخبار،
بتباعد الزمن، وبوفاة شهود الحوادث، ولم يبق بتوالي الأيام غير القليل منها ومن هنا كان تعليل
وغزو فارس والروم، ولهت عن الشعر وروايته فلما كثر الإسلام، وجاءت الفتوح
واطمأن العرب بالأمصار، راجعوا رواية الشعر، فلم يئلوا إلى ديوان مدوّن، ولا كتاب مكتوب،
أمور على جانب خطير من الأهمية بالقياس إلى المسلمين، فهل يعقل بقاء أخبار
وقد كانت أسفار أولئك السياح مغامرات ومجازفات،إذ تعرضت حياة أكثرهم
للخطر، بسبب عدم استقرار الأمن إذ ذاك، وبسبب سوء الأوضاع الصحية، ولعدم
وجود أماكن مريحة، تناسب حياتهم التي تعوّدوها، إلا أنهم لم يبالوا ذلك ولم يحفلوا
به، وتحايلوا بمختلف الحيل للتغلب على تلك الصعوبات ولكسب ودّ رؤساء القبائل
والحكام لتسهيل @ مهمتهم
وقد قضى نفر منهم نحبه في أسفاره هذه وقد كانت اكثر أسفار هؤلاء
الروّاد أسفاراً فردية قام بها أفراد من العلماء ومن الضباط والمغامرين
والأسفار الفردية، مهما كانت، لا تأتي بالنتائج التي تنجم عن دراسات
البعثات المتخصصة بمختلف الشؤون، لذلك نتطلع إلى اليوم الذي
تتمكن فيه البعثات العلمية الكبيرة من اختراق آفاق بلاد العرب
ونستطيع إن نعدّ السائح الدانماركي "كارستن نيبور الذي قام في سنة
ـ1761 للميلاد برحلة إلى جزيرة العرب، أول رائد من روّاد الغرب
ظهر في القرون الحديثة، وصف بلاد العرب، ولفت أنظار العلماء إلى المسند
والرقم العربية وقد أثارت رحلته هذه همم العلماء والسياح، فرحل
من بعده عدد منهم
فزار الدكتور "سيتزن" جنوبي بلاد العرب، ويمكن من نقشر صور نصوص عربية جنوبية أرسلها إلى أوروبة عام 1810 م
ومنه النصوص على قصرها وغلطها، أفادت في تدوين تاريخ العرب قبل الإسلام إفادة غير مباشرة لأنها لفتت أنظار
المستشرقين إليها والى دراسة التاريخ العربي القديم، حتى آل الأمر إلى حل رموز تلك الكتابة
كتابة علمية وقد زار آثار الأنباط وعاصمتهم "البتراء"
ولم يتمكن العلماء الذين عالجوا مشكلة الكتابة العربية الجنوبية من معرفة الحروف كلها،
ولذلك لم يستطيعوا قراءة أكثر النصوص التي جيء بها إلى أوروبة وفهم معناها، كما إن النصوص
المقروءة لم تكن مضبوطة ضبطاً تاماً، فاستطاع هذا العالم بجهوده العظيمة قراءة كل النصوص