text
stringlengths 1
16.3k
|
---|
ويمكن تقسيم الأطوار والمراحل التي مر بها المذهب الحنفي منذ نشأته وحتى يومنا إلى ثلاث مراحل:
|
تأسيس المذهب ونشأته وهذه المرحلة تبدأ من عهد الإمام أبي حنيفة حتى وفاة الحسن بن زياد اللؤلؤي (ت 204 هـ) أحد كبار تلامذته. ويُعنى بتلك المرحلة: مرحلة تأسيس المذهب وقيامه، ووضع أصوله، وإرساء قواعده، والتي على أساسها يتم استنباط الأحكام، وتخريج الفروع، وقد تم ذلك على يد الإمام نفسه، وبإرشاد منه؛ كما رجح ذلك الشيخ محمد أبو زهرة، مع مشاركة كبار تلامذته؛ حيث كان لأبي حنيفة طريقة فريدة في التدريس؛ تقوم على المحاورة والمناظرة في المسائل الفقهية حتى يستقر الرأي على حكم، وحينئذ يأمر أبا يوسف بتدوينه.
|
يقول الموفق المكي مبيناً طريقة أبي حنيفة في تدريس أصحابه: «فوضع أبو حنيفة مذهبه شورى بينهم، لم يستبد فيه بنفسه دونهم؛ اجتهاداً منه في الدين، ومبالغة في النصيحة لله ورسوله والمؤمنين، فكان يُلقي مسألة مسألة، يقلبهم ويسمع ما عندهم، ويقول ما عنده، ويناظرهم شهراً أو أكثر من ذلك حتى يستقر أحد الأقوال فيها، ثم يُثبتها القاضي أبو يوسف في الأصول، حتى أثبت الأصول كلها». وبناء على ذلك فإن تلاميذ أبي حنيفة كانوا مشاركين في تأسيس هذا البناء الفقهي، ولم يكونوا مجرد مستمعين، مُسلّمين لما يطرح عليهم. ولم يكن أبو يوسف وحده هو الذي يقوم بتدوين ما استقر عليه الرأي، بل كان يوجد في حلقة أبي حنيفة عشرة يقومون بالتدوين، على رأسهم الأربعة الكبار: (أبو يوسف، محمد بن الحسن الشيباني، زفر بن الهذيل، الحسن بن زياد اللؤلؤي).
|
ولقد قام هؤلاء الأصحاب - خاصة الصاحبين: (أبا يوسف ومحمد بن الحسن) - بعد وفاة شيخهم بجهود كبيرة في تطوير المذهب وتنقيحه؛ فقاموا بتنقيح تلك الآراء التي اعتمدوها على عهد شيخهم، وأعادوا النظر فيها، وراجعوها في ضوء ما استُجد من أدلة وما حصل من تغيُّر في حياة الناس ومشاكلهم، ولذا وجدنا أبا يوسف ومحمد بن الحسن قد تراجعا عن كثير من الآراء التي اعتمدها إمامهم لمّا اطلعا على ما عند أهل الحجاز. وكان من آثار ذلك أن خالفوا إمامهم في جملة من المسائل الأصلية والفرعية، ومع ذلك فهم مجتهدون ومنتسبون إلى الإمام؛ لأنهم اعتمدوا قواعده، وساروا على طريقته في الاجتهاد. ولذلك دُوّنت آراؤهم مع آراء أبي حنيفة، وعُدّ الجميع مذهباً للحنفية، بل أحياناً تكون الفتوى عندهم على رأي أبي حنيفة، وأحياناً على رأي الصاحبين أو غيرهما.
|
وتبدأ هذه المرحلة من وفاة الإمام الحسن بن زياد اللؤلؤي (ت 204 هـ)، وتنتهي بوفاة الإمام عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي (ت 710 هـ) صاحب المتن المشهور «كنز الدقائق»، وهذا يعني أن ابتداء هذه المرحلة كان من بدايات القرن الثالث الهجري، وحتى نهاية القرن السابع الهجري. وقد مثلت هذه المرحلة أزهى وأغنى المراحل التي مر بها الفقه الحنفي، من حيث التوسع والانتشار، ومن حيث توسع اجتهاداته، وتطور آرائه؛ فقد ظهر في بداية هذه المرحلة طبقة المشايخ، أو كبار علماء المذهب، الذين بذلوا جهوداً ضخمة في تحرير المذهب، وتحديد مصطلحاته، وبيان أصول الترجيح والتخريج، وكانت كتب محمد بن الحسن الشيباني أو ما اصطلح على تسميتها بكتب «ظاهر الراوية» هي الممثل الأول للمذهب، والناطق بآرائه وأقواله.
|
كما نشطت حركة التأليف والتدوين، وطرقت شتى الأبواب والمسائل الفقهية، وتعرضت لبيان رأي المذهب فيما استجد من نوازل وقضايا في تلك المرحلة، فظهرت المتون أو المختصرات؛ كمختصر الطحاوي (ت 321 هـ)، والكَرْخي (ت 340 هـ)، والقدوري (ت 428 هـ)، وبداية المبتدي لبرهان الدين المرغيناني (ت 593 هـ)، وغيرهما. كما ظهرت الشروح والمطوّلات؛ كالمبسوط لشمس الأئمة السرخسي (ت 490 هـ)، وبدائع الصنائع لعلاء الدين الكاساني (ت 587 هـ)، والهداية للمرغيناني، وغيرها. كما ظهرت كتب الفتاوى والنوازل؛ كفتاوى النوازل للفقيه أبي الليث السمرقندي (ت 375 هـ)، وفتاوى الحسن بن علي الحلواني (ت 448 هـ)، وفتاوى الصدر الشهيد (ت 536 هـ)، وفتاوى قاضيخان (ت 592 هـ)، وغير ذلك كثير من المصنفات والمدونات التي تعد ثروة علمية ضخمة من التراث الحنفي، خلّفتها لنا تلك المرحلة النشطة من تاريخ المذهب الحنفي.
|
وظهر في تلك المرحلة أيضاً، وتحديداً في القرن الرابع الهجري نوع آخر من التأليف عن الحنفية، وهو ما يُعرف بالتأصيل الحديثي للمذهب؛ كما تشير إلى ذلك مصنفات الإمام الطحاوي الحديثية؛ كشرح معاني الآثار، ومُشكِل الآثار. كما برزت مدرستان أصوليّتان عند الحنفية، لكل منهما ما يميّزها عن الأخرى، وهما: مدرسة العراقيين، وعلى رأسها أبو الحسن الكَرْخي: وتعد تلك المدرسة امتدادا لطريقة الإمام أبي حنيفة وأصحابه الأوائل. مدرسة مشايخ سمرقند، وعلى رأسها أبي منصور الماتريدي: وقد تميزت تلك المدرسة بربط مسائل الأصول بمسائل العقيدة؛ مما أدي إلى وجود بعد الاختلافات والانفرادات عن مدرسة العراقيين.
|
مرحلة الاستقرار وتبدأ تلك المرحلة من وفاة الإمام حافظ الدين النسفي (ت 710 هـ)، أو من بداية القرن الثامن الهجري، وحتى وقتنا المعاصر. وأهم ما يميز هذه المرحلة هو غلبة الركود والجمود الفقهي، على عكس ما كانت عليه المرحلة السابقة؛ حيث اكتفى أصحاب هذه المرحلة بالاعتماد على ما خَلّفه الأوّلون من الآراء والأقوال الفقهية، دون تجاوز إلا على سبيل الشرح، أو التعليق، أو الردود؛ فكانت كل مصنفات تلك المرحلة وفقاً لذلك. وقد ترتّب على ذلك أن أُشبعت مسائل المذهب وفروعه بحثاً، ومناقشة، وإيضاحاً، وتأييداً، مما جعل المذهب أو الرأي الراجح فيه يظهر بصورة أكثر وضوحاً. ومما يصوّر لنا الجمود الذي كان سمة لتلك المرحلة؛ أن المجتهد الذي بلغ رتبة الاجتهاد لا يسعه الخروج عن أقوال المذهب إلا للضرورة، وإن كان ما توصَّل إليه باجتهاده أقوى دليلاً من سائر أقوال المذهب؛ يقول الإمام ابن عابدين معلقاً على المقولة المأثورة عن الإمام أبي حنيفة: «إذا صح الحديث فهو مذهبي»: . وبناء على ذلك ردُّوا ترجيحات الإمام الكمال بن الهمام، وهو خاتمة المحققين كما نعته ابن عابدين، ولم يعملوا بها، حتى قال تلميذه العلامة قاسم: «لا يُعمل بأبحاث شيخنا التي تخالف المذهب».
|
أصول الاستنباط العامة في المذهب أصول الاستنباط عند الاحناف ثلاثة، وهي كتاب الله، والسنة، وإجماع الأمة، والأصل الرابع هو القياس. كما قيده فقيه ماوراء النهر فخر الإسلام البزدوي صاحب الطريقة وصاحب المنتخب الحسامي الإمام حسامِ الدين محمّدِ بنِ محمّد عمر الأخسيكثي. ورغم أن الإمام أبا حنيفة لم يُؤثر عنه تفاصيل المنهج الذي اعتمده في بناء مذهبه، ولا القواعد التفصيلية التي جرى عليها في بحثه واجتهاده، إلا أنه قد رُويت عنه عدة روايات توضح الخطوط العريضة التي سار عليها، والمنهج العام الذي اعتمده في إرساء قواعد المذهب وأصوله، ومن هذه الروايات ما يلي: ما رواه الصّيمَري والخطيب البغدادي عن يحيى بن ضُرَيس قال: «شهدت سفيان وأتاه رجل، فقال له: ما تنقم على أبي حنيفة؟ قال: وما له؟ قال: سمعته يقول: آخذ بكتاب الله، فما لم أجد فبسُنة رسول الله، فإن لم في كتاب الله ولا سُنة رسول الله، أخذت بقول أصحابة؛ آخذ بقول من شئت منهم، وأدع من شئت منهم، ولا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم، فأما إذا انتهى الأمر، أو جاء إلى إبراهيم، والشعبي، وابن سيرين، والحسن، وعطاء، وسعيد بن المسيّب، وعدد رجالاً، فقوم اجتهدوا فأجتهد كما اجتهدوا».
|
وروى الموفق المكي في كتابه مناقب الإمام أبي حنيفة عن عبد الكريم بن هلال عن أبيه قال: سمعت أبا حنيفة يقول: «إذا وجدت الأمر في كتاب الله تعالى أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخذت به، ولم أصرف عنه، وإذا اختلف الصحابة اخترت من قولهم، وإذا جاء من بعدهم أخذت وتركت». وروى ابن المكي أيضاً عن سهل بن مزاحم قال: «كلام أبي حنيفة أخذٌ بالثقة، وفرار من القبح، والنظر في معاملات الناس وما استقاموا عليه، وصلُح عليه (أمرهم)، يُمضي الأمور على القياس، فإذا قَبُح القياس يمضيه على الاستحسان ما دام يُمضي له، فإذا لم يُمضِ له، رجع إلى ما يتعامل المسلمون به، وكان يوصل الحديث المعروف الذي أجمع عليه، ثم يقيس عليه ما دام القياس سائغاً، ثم يرجع إلى الاستحسان، أيهما كان أوفق رجع إليه. قال سهل: هذا علم أبي حنيفة رحمه الله، علم العامة». وروى أيضاً عن الحسن بن صالح قال: «كان أبو حنيفة شديد الفحص عن الناسخ من الحديث والمنسوخ، فيعمل بالحديث إذا ثبت عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه، وكان عارفاً بحديث أهل الكوفة، وفقه أهل الكوفة، شديد الاتّباع لما كان عليه الناس ببلده».
|
ومن خلال هذه الروايات التي تنبّه على منهج الإمام وطريقته في الاستنباط، بَلْور أئمة الحنفية هذه المنهجية، وحدّدوا معالمها، ووضعوها في قالبها الأصولي، وجعلوا أصول الاستنباط عند الإمام على النحو التالي:
|
فهو أصل الأصول، ومصدر المصادر، وما من مصدر إلا يرجع إليه في أصل ثبوته، وهو نور الشريعة الساطع. والمراد من الكتاب بعض الكتاب وهو الآيات المتعلقة بالأحكام والحلال والحرام، ومقداره - كما هو المشهور - خمس مائة آية والباقي قصص ونحوها.
|
شرائع السابقة الباقية إذا قصها الله في الكتاب من غير انكار كقوله: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
|
السنة وهي المصدر الثاني من مصادر الشريعة، المبيّنة، والشارحة، والمفسرة للكتاب؛ فكان أبو حنيفة يأخذ بما صح عن النبي، فإذا صح عن النبي قولان وتعارضا؛ أخذ بالأخير منهما. وهذا في السنة المتواترة والمشهورة، وكذا أخبار الآحاد، إلا إذا خالفت قياساً راجحاً؛ - والقياس الراجع عن الحنفية هو الأصل العام الذي ثبتت قطعيته، وكان تطبيقه على الفرع قطعياً - فحينئذ يُقدِّم القياس، ليس عن هوى، ولا إعراض عن حديث صحيح، وإنما لمزيد من الحرص والاحتياط. ومعلوم تشدد أبي حنيفة في قبول الرواية؛ صيانة لحديث النبي، أو لأن تلك الأخبار -أخبار الآحاد- عارضت أصلاً عاماً من أصول الشرع ثبتت قطعيته، وكان تطبيقه على الفرع قطعياً؛ فحينئذ يُضعِّف تلك الأخبار، ويحكم بالقاعدة العامة التي لا شُبهة فيها. والشاهد أن الأصل عن أبي حنيفة تقديم خبر الآحاد على القياس؛ كما يقول أبو زيد الدبُّوسي: «الأصل عند علمائنا الثلاثة -يعني أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني- أن الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق الآحاد مقدَّم على القياس الصحيح».
|
لكنه قد يخرج عن هذا الأصل لتأويل محتمل عنده؛ كما يقول ابن عبد البر: «وكان ردُّه لما رَدَّ من أخبار الآحاد بتأويل محتمل، وكثير منه قد تقدَّمه إليه غيره، وتابعه عليه مثله ممن قال بالرأي، وجُلُّ ما يوجد له من ذلك ما كان منه اتباعاً لأهل بلده؛ كإبراهيم النخعي، وأصحاب ابن مسعود...». إلى أن قال: «ليس لأحدٍ من علماء الأمة يُثبت حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم يردُّه دون ادعاء نَسْخ عليه بأثرٍ مثله، أو بإجماع، أو بعملٍ يجب على أصله الانقياد إليه، أو طعن في سنده، لو فعل ذلك أحدٌ سقطت عدالته، فضلاً عن أن يُتّخذ إماماً، ولزمه إثمُ الفسق».
|
شرائع الأمم السابقة الباقية إلا ما لم يقصها الرسول وما قصها الرسوله ثم أنكر بعد القصة صريحا بان قال لا تفعلوا مثل ذلك أو دلالة بأن قال ذلك جزاء ظلمهم. أقوال الصحابة فيما لا يعقل، وذلك إذا اختلفوا وتعددت أقوالهم، فإنه يتخيّر منها ما يراه أقرب إلى روح الشريعة، ولا يخرج عن أقوالهم، ولاحتمال السماع من الرسول عليه السلام، بل هو الظاهر في حقه وان لم يسند إليه.
|
الإجماع وذلك إذا لم يجد في المسألة نصاً من القرآن، ولا من السنة، ووجد إجماعاً؛ فإنه يأخذ به ويقدمه. ويشير إلى ذلك قوله في معرض حديثه عن القياس: «وهذا القياس الذي نحن فيه... ويكون العمل على الكتاب والسنة والإجماع».
|
العُرْف أو تعامل الناس، وذلك إذا لم يكن نص، ولا إجماع، ولا حمل على النصوص بطريق القياس أو الاستحسان؛ فإنه ينظر في معاملات الناس، ويبني الحكم على ما تعارفوا عليه. وجاز الاستحسان للإجماع الثابت بالتعامل، وفي القياس لا يجوز.
|
القياس وذلك إذا لم يجد شيئاً مما سبق، فحينئذٍ يجتهد فيقيس إذا ما وجد القياس سائغاً، ولا يقدّم القياس على شيء مما سبق، حتى إنه في بعض المسائل كان يرى القول بالقياس فيها ظاهراً، لكنه يترك ذلك لأجل النص؛ كما في خبر أبي هريرة في الذي يأكل أو يشرب ناسياً؛ فإنه أعمله وقال به رغم مخالفته للقياس عنده، وقال: «لولا الرواية لقلتُ بالقياس».
|
الاستحسان، وهو دليل الذي يعارض القياس الظاهر، وذلك إذا قَبُح القياس ولم يستقم، فحينئذٍ يستحسن. والاستحسان عنده ليس قولاً بالتشهي، ولا عملاً بما يستحسنه من غير دليل قام عليه شرعاً، فهو أجلُّ قدراً، وأشد ورعاً من أن يفعل ذلك. وإنما الاستحسان عنده كما قال أبو الحسن الكَرْخي: «أن يَعْدل الإنسان عن أن يحكم في المسألة بمثل ما حكم به في نظائرها إلى خلافه؛ لوجه أقوى يقتضي العدول عن الأول». وهو أحسن ما قيل في تعريف الاستحسان كما قال الشيخ محمد أبو زهرة. أقوال الصحابة فيما لا يعقل، ملحقة بالقياس، وهذا لدفع دخل بعض أنه قد يثبت الحكم الشرعي بقول الصحابي سواء كان فيما يدرك بالقياس أو لا.
|
المذهب الحنفي هو أوسع المذاهب انتشاراً، وأكثرها أتباعاً، وبناءً على ذلك فقد كثرت مصنفاته ما بين متون ومختصرات، وشروح ومطولات، وحواشٍ وتعليقات، وفتاوى ومنظومات... غير أن بعض هذه المصنفات طار ذكرها، وانتشر خبرها، وسار الرُّكبان بها، وتلقّاها علماء المذهب بالقبول، واعتمدوها أكثر من غيرها؛ إذ هي مَعنيّة بنقل الصحيح والراجح من المذهب. ومعلوم أن المحققين من متأخري الحنفية كابن عابدين، وعبد الحي اللكنوي قسموا الكتب المصنفة في المذهب إلى كتب معتمدة في نقل المذهب، وكتب غير معتمدة، ولا يجوز الإفتاء منها.
|
وقد ذكروا في أسباب عدم اعتمادها: كونها تجمع الأقوال الضعيفة والمسائل الشاذة، وإن كان مؤلفوها من كبار الفقهاء؛ كما هو الحال في كتاب القُنية للزاهدي (ت 658 هـ)، والسراج الوهاج شرح مختصر القدوري لأبي بكر الحدادي (ت 800 هـ)، والدر المختار لعلاء الدين الحصكفي (ت 1088 هـ). أو لكونها لم يُطّلع على حال مؤلفيها؛ هل كانوا فقهاء معتمدين، أم كانوا جامعين بين الغث والسمين؛ كما هو الحال بالنسبة لشمس الدين القهستاني (ت 953 هـ) صاحب شرح النُقاية المسمّى بجامع الرموز، وكما هو الحال بالنسبة لمنلا مسكين (ت 954 هـ) صاحب شرح كنز الدقائق. وقد يكون عدم اعتمادها راجعاً إلى إعراض أجلّة العلماء وأئمة الفقهاء عنها، فإن هذا يُعدّ علامة واضحة على عدم اعتبارها عندهم.
|
أما المصنفات المعتمدة فكثيرة، وهي مُقسّمة على النحو التالي: ويأتي على رأسها كتب ظاهر الراوية. ومرتبة هذه الكتب في المذهب كمرتبة الصحيحين في الحديث؛ إذ هي الأصل الذي يُرجع إليه في فقه أبي حنيفة وأصحابه. ولذا عُني بها العلماء عناية كبيرة حتى إن الإمام محمد بن محمد ابن أحمد المروزي المعروف بالحاكم الشهيد (ت 334 هـ) قام بجمعها واختصارها في كتاب واحد سمّاه: الكافي. ولذا عدّه أئمة الحنفية أصلاً من أصول المذهب، وتباروا في شرحه، فكان أجلّها وأشهرها كتاب المبسوط لشمس الأئمة السرخسي.
|
ونقل ابن عابدين عن العلامة قاضي القضاة عماد الدين الطرطوسي قوله في مبسوط السرخسي: «مبسوط السرخسي لا يُعمل بما يخالفه، ولا يُركن إلا إليه، ولا يُفتى ولا يعوّل إلا عليه».
|
ثانياً: المتون المعتمدة: وهذه المتون تنقسم إلى: متون معتمدة عند المتقدمين. متون معتمدة عند المتأخرين.
|
والمراد بالمتقدمين: قيل: هم من أدرك الأئمة الثلاثة (أبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمد بن الحسن الشيباني)، والمتأخرون من لم يدركهم. وقيل: الحد الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين: رأس القرن الثالث؛ فالمتقدمون قبله، والمتأخرون بعده. أما المتون المعتمدة عند المتقدمين: فهي تلك التي صنّفها كبار المشايخ والفقهاء؛ كأبي بكر الخصّاف (ت 261 هـ)، وأبي جعفر الطحاوي (ت 321 هـ)، والحاكم الشهيد (ت 334 هـ)، وأبي الحسن الكَرْخي (ت 340 هـ)، وأبي بكر الجصّاص (ت 370 هـ)، وغيرهم. فهذه المتون والمختصرات ملحقة بمسائل الأصول، وظواهر الروايات في صحتها وثقة رواتها. يقول العلامة المطيعي: "فاللازم أن يأخذ بما في رواية الأصول، ثم بما في المتون والمختصرات؛ كمختصر الطحاوي، والكرخي، والحاكم الشهيد، فإنها تصانيف معتبرة، ومؤلفات معتمدة، قد تداولها العلماء...". وأما المتون المعتمدة عن المتأخرين: فقد نص عليها ابن عابدين بقوله: "المتون المعتبرة كالبداية، ومختصر القُدُوري، والمختار، والنُّقاية، والوقاية، والكنز، والملتقى، فإنها الموضوعة لنقل المذهب مما هو ظاهر الرواية.
|
وفيما يلي عرض لهذه المتون، وبعض شروحها بإيجاز، وذلك على النحو التالي:
|
مختصر القدوري: لشيخ الحنفية في زمانه أبي الحسين القُدُوري (ت 428 هـ)؛ وهو مختصر في الفروع جمع فيه الإمام القُدُوري الراجح من الروايات في كتب ظاهر الراوية. وهو الذي يطلق عليه لفظ (الكتاب) في المذهب. قال حاجي خليفة في كشف الظنون: «وهو متن متين معتبر متداول بين الأئمة الأعيان، وشهرته تُغني عن البيان». وشروحه كثيرة جداً منها: اللباب لجلال الدين اليزدي (ت 591 هـ)، ومنها: الترجيح والتصحيح على القُدُوري لابن قطلوبغا الحنفي (ت 879 هـ). بداية المبتدي: للإمام برهان الدين المرغيناني (ت 593 هـ)؛ جمع فيه بين مختصر القُدوري، والجامع الصغير لمحمد بن الحسن الشيباني. ثم قام بشرحه في مصنفه الشهير بالهداية، ومع الوقت صار الهداية كتاباً أصليّاً، قام بشرحه كثير من أئمة الحنفية؛ قال علامة الهند محمد عبد الوهاب البَهاوي: «فلمّا كان كتاب الهداية شرح البداية من عمدة كتب الحنفية قد أكبّ عليه العلماء...».
|
ومن أبرز هذه الشروح: شرح أكمل الدين البابرتي (ت 786 هـ) المسمّى بالعناية شرح الهداية. ومنها شرح الكمال بن الهمام (ت 861 هـ) المسمى بفتح القدير للعاجز الفقير؛ وهو من أشهر شروح الهداية المتداولة بين العلماء والمعتمدة عندهم. وغير ذلك من الشروح.
|
وقاية الرواية في مسائل الهداية: لإمام محمود بن أحمد بن عُبيد الله بن إبراهيم المحبوبي الحنفي، المعروف بتاج الشريعة (ت 673 هـ)، انتخبه من الهداية، وصنفه لحفيده صدر الشريعة؛ ليسهل عليه حفظه. قال حاجي خليفة: «وهو متن مشهور، اعتنى بشأنه العلماء بالقراءة والتدريس والحفظ». وعليه شروح كثيرة؛ أحسنها كما قال اللكنوي: شرح حفيده صدر الشريعة عبيد الله بن مسعود المحبوبي. وقال حاجي خليفة: «وهذا الشرح لا يحتاج من شهرته إلى التعريف». المختار للفتوى: للإمام مجد الدين بن مودود الموصلي (ت 683 هـ). وهو مختصر في الفروع، اختار فيه الإمام أبي حنيفة من كتب ظاهر الرواية، ثم قام بشرحه بكتابه الذي أسماه: الاختيار لتعليل المختار. وعليه شروح أخرى كثيرة. قال اللكنوي: «وقد طالعت المختار والاختيار، وهما كتابان معتبران عند الفقهاء». مجمع البحرين وملتقى النهرين: ذكره اللكنوي في المتون المعتمدة (ص: 107) للإمام مُظفّر الدين أحمد ابن علي بن ثعلب، المعروف بابن الساعاتي (ت 694 هـ)؛ جمع فيه بين مختصر القُدوري، ومنظومة نجم الدين عمر النسفي في الخلاف، مع بعض الزيادات، ورتبه فأحسن ترتيبه، وأبدع في اختصاره. قال حاجي خليفة: «وهو كتاب سهل حفظه؛ لنهاية إيجازه، وحلُّه صعب؛ لغاية إعجازه، بحر مسائله، جمٌ فضائله». وقد وضعت عليه شروح كثيرة منها: المستجمع للقاضي بدر الدين العيني (ت 855 هـ)، وهو شرح حافل. ومنها: تشنيف المسمع في شرح المجمع للقاضي أحمد بن محمد بن شعبان الطرابلسي المغربي (ت 1020 هـ). كنز الدقائق: للإمام أبي بركات حافظ الدين عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي (ت 710 هـ). وهو أحد المتون التي اصطلح علماء المذهب على تسميتها بالمتون الثلاثة عند الإطلاق. وهذا يدل على شهرته وجلالته عندهم؛ قال اللكنوي: «وكنز الدقائق متن مشهور في الفقه». وقد اعتنى به فقهاء الحنفية، وشَرَحه كثير منهم، ولعل من أشهر شروحه؛ شرح الإمام فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي (ت 743 هـ) المسمى بـ (تبيين الحقائق لما فيه من تبيين ما اكتنز من الدقائق وزيادة ما يُحتاج إليه من اللواحق). قال اللكنوي: «قد طالعت شرحه -يعني الزيلعي- للكنز، وهو شرح معتمد مقبول، وهو المراد بالشارح في (البحر الرائق)». ومن شروحه المعتمدة والمشهورة أيضاً: شرح الإمام زين العابدين بن إبراهيم، المعروف بابن نجيم المصري (ت 970 هـ)، والمسمى بـ (البحر الرائق شرح كنز الدقائق). النُقاية مختصر الوقاية: لصدر الشريعة عُبيد الله بن مسعود بن محمود المحبوبي (ت 745 هـ أو 747 هـ)؛ اختصر فيه متن (الوقاية) الذي ألفه جدّه تاج الشريعة. وقد وضعت عليه شروح كثيرة منها: كمال الدراية في شرح النُقاية للشيخ تقي الدين أحمد بن محمد الشُّمُنِّي (ت 872 هـ). ومنها: فتح باب العناية لشرح كتاب النُقاية للملا علي القاري (ت 1014 هـ). ملتقى الأبحر: للإمام إبراهيم الحلبي (ت 956 هـ)؛ جمع فيه مسائل المتون الأربعة (القدوري، المختار، كنز الدقائق، الوقاية)، وأضاف إليه بعض ما يحتاج إليه من مسائل، ونُبْذة من (الهداية)، وقدّم من أقاويلهم ما هو الأرجح، ونبّه على الأصح والأقوى، ولهذا بلغ صيته الآفاق، ووقع على قبوله بين الحنفية الاتفاق.
|
وقد وُضِعت عليه شروح كثيرة؛ منها: شرح العلامة علاء الدين الحَصْكَفي (ت 1088 هـ) والمسمى بـ (الدر المنتقَى في شرح الملتقى). ومنها: شرح العلامة عبد الرحمن بن محمد بن سليمان، المشهور بـ (شيخي زادة) (ت 1078 هـ) المسمّى بـ (مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر). وهذا الشرح من الشروح التي برزت بعد الألف من الهجرة، وقصدها علماء المذهب وأتباعه. ومن الشروح التي ذاع صيتها، وانتشر خبرها: (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع) للإمام علاء الدين الكاساني الملقب بملك العلماء (ت 587 هـ)؛ وهو شرح عظيم وضعه على كتاب تحفة الفقهاء لأستاذه علاء الدين السمرقندي (ت 539 هـ). قال حاجي خليفة: «وهذا الشرح تأليف يطابق اسمه معناه».
|
ومن الشروح التي ذاع صيتها، وانتشر خبرها أيضاً لكن بعد الألف من الهجرة، بحيث أصبحت عمدة في المذهب عند المتأخرين ما يلي: رد المحتار على الدر المختار، أو ما يعرف بـ (حاشية ابن عابدين): للإمام ابن عابدين الدمشقي الحنفي (ت 1252 هـ). وهذا الكتاب -كما قال محمد أحمد علي-: «يكاد يتسنّم ذُرى الشهرة بين كتب الفترة المتأخرة؛ فهو معتمد أكثر العلماء المعاصرين. والكتاب حاشية على كتاب الدر المختار لعلاء الدين الحصكفي الذي شرح فيه كتاب تنوير الأبصار لمحمد بن عبد الله التّمُرْتاشي (ت 1004 هـ)، لكنه لم يتمه؛ إذ وافته المنية، فأكمله ابنه محمد علاء الدين ابن عابدين».
|
عمدة الرعاية في حل شرح الوقاية: للعلامة عبد الحي اللكنوي الهندي الحنفي (ت 1304 هـ)؛ وهو حاشية على كتاب (شرح الوقاية) لصدر الشريعة. وهذا الكتاب مشهور ومتداول بين علماء الهند.
|
وإضافة إلى ما سبق من الكتب والمتون والشروح؛ فقد وُجد للحنفية كتب للفتاوى طار ذكرها، وانتشر خبرها، وتلقّاها علماؤهم بالقبول والإعجاب، من أشهرها: الفتاوى الولوالجية لعبد الرشيد بن أبي حنيفة الوَلْوَالجي (ت 540 هـ)، والسراجية لسراج الدين علي بن عثمان بن محمد التميمي الأوشي (ت 575 هـ)، والفتاوى الخانية لفخر الدين قاضيخان (ت 592 هـ)، والبزّازيّة لمحمد بن محمد البزّازي (ت 827 هـ)، والفتاوى الهندية التي قام عليها مجموعة من علماء الهند بأمر من السلطان محمد أورنك عالِم كير (ت 1118 هـ)؛ فجمعوا فيها ما اتُفق عليه، وأفتى به الفحول، ووضعوا فيها من نوادر المسائل ما تلقّاه العلماء بالقبول، إضافة إلى الفتاوى الحامديّة لحامد بن علي بن إبراهيم العمادي (ت 1171 هـ)، التي اختصرها ونقّحها ابن عابدين في كتابه: العقود الدُّرّيّة تنقيح الفتاوى الحامدية.
|
لقد حفل المذهب الحنفي بمكتبة كبيرة من الكتب التي ترجمت لعلمائه، ومن هذه الكتب: أخبار أبي حنيفة وأصحابه — الحسين بن علي الصيمري وفيات الأعيان من مذهب النعمان — نجم الدين الطرطوسي طبقات الفقهاء الحنفية — صلاح الدين عبد الله بن المهندس التذكرة — تقي الدين المقريزي نظم الجمان في طبقات أصحاب إمامنا النعمان — ابن دُقْماق الجواهر المضية في طبقات الحنفية — عبد القادر بن أبي الوفاء القرشي المرقاة الوفية في طبقات الحنفية — مجد الدين الفيروزآبادي طبقات الحنفية — ابن قاضي شهبة طبقات الحنفية — بدر الدين العيني طبقات الحنفية — شمس الدين السخاوي طبقات الحنفية — عفيف الدين الشرواني طبقات الحنفية — شمس الدين القونوي، المعروف بابن أجا طبقات الحنفية — محمد الثقفي الحلبي، المعروف بابن الشحنة الصغير تاج التراجم في طبقات الحنفية — قاسم بن قَطْلوبغا الطبقات السنية في تراجم الحنفية — تقي الدين الغزي الأثمار الجنية في الأسماء الحنفية — الملا علي القاري خلاصة الجواهر في طبقات الأئمة الحنفية الأكابر — شمس الدين الداغستاني الفوائد البهية في تراجم الحنفية — عبد الحي اللكنوي
|
كتب المذهب باللغات الأخرى بهار شريعت للشيخ أمجد علي الأعظمي الهندي المتوفى 1367 هـ
|
أشهر مصطلحات المذهب الفقهية للحنفية -كغيرهم- مصطلحات اصطلحوا عليها، وعبارات تعارفوا عليها في مصنفاتهم، ولذا كان لابد لمن أراد التعرف على مذهبهم، وفهم رموزه ومفاتيحه، أن يطّلع على هذه المصطلحات، وأن يعرف مرادهم بها، حتى يتسنى له فهم كلامهم وفق مرادهم. وفيما يلي بعض لأشهر مصطلحاتهم:
|
مصطلحات تتعلق بالأعلام وتنقسم إلى قسمين: كلميّة، وحرفيّة.
|
المصطلحات الكلميّة من أشهرها ما يلي: الإمام، أو الإمام الأعظم: والمراد به أبو حنيفة. الإمام الثاني: ويراد به أبو يوسف. الإمام الربّاني: ويقصد به محمد بن الحسن الشيباني. الشيخان: ويقصد بهما أبو حنيفة وأبو يوسف. الطرفان: ويقصد بهما أبو حنيفة ومحمد بن الحسن. الصاحبان: ويقصد بهما أبو يوسف ومحمد. أئمتنا الثلاثة: ويراد بهم (أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد). السلف: ويراد بهذا المصطلح عندهم: من أبي حنيفة إلى محمد بن الحسن. الخَلَف: ويراد بهم من محمد بن الحسن إلى شمس الأئمة الحَلْواني (ت 448 هـ). شيخنا: إذا أطلق في (الدر المختار)؛ فالمراد به: خير الدين الرملي. المتأخرون: ويطلقونه على الأئمة من شمس الأئمة الحلواني إلى حافظ الدين الكبير البخاري (ت 693 هـ). الصدر الأول: ومرادهم به القرون الثلاثة التي شُهد لها بأنها خير القرون. شمس الأئمة: يقصد به عند الإطلاق شمس الأئمة السرخسي صاحب المبسوط (ت 490 هـ). الحسن: إذا ذُكر مطلقاً في كتب الفقه؛ فهو الحسن بن زياد اللؤلؤي، وإذا ذكر مطلقاً في كتب التفسير؛ فهو الحسن البصري. الحاكم الشهيد: ويقصد به محمد بن محمد بن أحمد المروزي البَلْخي صاحب الكافي (ت 334 هـ). الصدر الشهيد: ويقصد به عمر بن عبد العزيز بن عمر بن مازه (ت 536 هـ). الحسام الأخْسِيكَثي: ويقصد به محمد بن محمد بن عمر بن حسام الدين، صاحب المنتخب في الأصول (ت 644 هـ). صدر الشريعة: ويراد به عند الإطلاق عُبيد الله بن مسعود بن محمود المحبوبي، شارح متن الوقاية (ت 745 هـ أو 747 هـ). الصدر الأكبر أو برهان الأئمة: ويقصد به عبد العزيز بن عمر بن مازه. الصدر السعيد: ويراد به تاج الدين أحمد بن عبد العزيز بن عمر ابن مازه. تاج الشريعة: ويقصد به محمود بن أحمد بن عُبيد الله المحبوبي، صاحب متن الوقاية (ت 673 هـ). برهان الإسلام: ويقصد به رضي الدين السرخسي (ت 544 هـ). فخر الإسلام: ويقصد به علي بن محمد البَزْدَوي، وكان يسمى، أبو العُسْر (ت 482 هـ). مفتي الثقلين: ويقصد به أبو حفص عمر بن محمد النفسي صاحب منظومة الفقه (ت 537 هـ). الأستاذ: ويقصد به عبد الله بن محمد بن يعقوب الحارثي السُّبَذْمُوني، الملقب بالفقيه الحارثي (ت 340 هـ). المحقِّق: ويراد به في إطلاق متأخري الحنفية: الكمال ابن الهُمام (ت 861 هـ). إمام الحرمين: إمام الحرمين لقب لإمامين كبيرين حنفي وشافعي. فالحنفي: أبو المظفر يوسف القاضي الجرجاني. والشافعي أبو المعالي عبد الملك الجويني. إمام الهدى: ويراد به الفقيه أبو الليث السمرقندي صاحب تفسير بحر العلوم (ت 373 هـ أو 393 هـ). إمام زاده: ويقصد به محمد بن أبي بكر الجُوغي، صاحب كتاب شرعة الإسلام (ت 573 هـ). ملك العلماء: ويُراد به علاء الدين الكاساني صاحب البدائع (ت 587 هـ).
|
المصطلحات الحرفية من أشهرها ما يلي: (س): يشار به إلى أبي يوسف. أشار إليه بذلك: الموصلي في المختار للفتوى، والنسفي في الوافي وكنز الدقائق. (ز): ويشار به إلى زُفر. أشار إليه بذلك أيضاً: الموصلي، والنسفي في كتبهم المذكورة آنفاً. (م): يشار به إلى محمد بن الحسن الشيباني. أشار إليه بذلك أيضاً: الموصلي، والنسفي في كتبهم المذكورة آنفاً. (سم): يشار به إلى أبي يوسف ومحمد. أشار إليه بذلك الموصلي في المختار. (ح): رمز بن ابن عابدين في حاشيته إلى العلامة الحلبي (ت 1190 هـ). (ط): رمز به ابن عابدين أيضاً في الحاشية إلى العلامة أحمد بن محمد بن إسماعيل الطهطاوي (ت 1231 هـ).
|
مصطلحات تتعلق بالكتب والمصنفات ومن أشهرها ما يلي: مسائل الأصول أو ظاهر الرواية: ويقصد بها المسائل المرويّة عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني، وقد يلحق بهم زُفَر، والحسن بن زياد اللؤلؤي، وغيرهما ممن أخذ عن أبي حنيفة، لكن الغالب الشائع أن تكون قول الثلاثة، أو بعضهم. وهذه المسائل دوّنها محمد بن الحسن في كتبه الستة التي هي (الأصل، والزيادات، والجامع الصغير، والجامع الكبير، والسّيَر الصغير، والسير الكبير). وسميت بظاهر الرواية؛ لأنها رُويَت عن محمد برواية الثقات، فهي ثابتة عنه؛ إما متواترة، أو مشهورة. النوادر: ويقصد بها المسائل المروية عن أبي حنيفة وأصحابه، لكنها ليست في كتب ظاهر الرواية، وإنما دُوّنت في كتب أخرى لمحمد بن الحسن؛ كالكيسانيّات، والرقيّات، والهارونيّات، والجرجانيّات، أو دُوّنت في كتب غير محمد؛ كالأمالي لأبي يوسف، والمجرّد للحسن بن زياد. وهي دون ظاهر الرواية-؛ لأنها لم تُرْوَ عن محمد بطرقٍ كطرق ظاهر الرواية. مسائل الفتاوى أو النوازل أو الواقعات: وهي المسائل التي استنبطها المجتهدون المتأخرون لمّا سُئلوا عنها، ولم يجدوا فيها رواية للمتقدمين. الأصل: إذا أطلق مفرداً فمرادهم به المبسوط لمحمد بن الحسن؛ لأنه أول ما كُتب من كتب ظاهر الرواية. الكتاب: ومرادهم به إذا أطلقه فقهاؤهم: مختصر القدوري. المحيط: عند الإطلاق يراد به المحيط البرهاني لبرهان الدين البخاري. المبسوط: ويُراد به عند الإطلاق مبسوط السرخسي. المتون الثلاثة: ومرادهم بها: متن (مختصر القُدوري) (ت 428 هـ)، ومتن (الوقاية) لتاج الشريعة المحبوبي (ت 673 هـ)، ومتن (كنز الدقائق) لأبي البركات النسفي (ت 710 هـ). المتون الأربعة: ويقصدون بها عند الإطلاق الثلاثة السابقة، ومتن (المختار) لأبي الفضل عبد الله بن محمود الموصلي (ت 683 هـ)، أو متن (مجمع البحرين) لمظفّر الدين أحمد بن علي البغدادي (ت 694 هـ).
|
المراجع كتاب: (المذاهب الفقهية الأربعة: أئمتها - أطوارها - أصولها - آثارها)، تأليف: وحدة البحث العلمي بإدارة الإفتاء (الكويت)، الناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، الطبعة الأولى: 2015م، ص: 3-50.
|
وصلات خارجية منارة الفقة الحنفي والعقيدة الماتريدية بوابة الحركات الإسلامية: المذهب الحنفي.. المذهب الأكثر انتشاراً وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب: المذهب الحنفي مسجد صلاح الدين: طبقات الفقهاء في المذهب الحنفي والنقاش حولها
|
مالكية
|
المَذْهَبُ المَالِكِيّ أحد المذاهب الإسلامية السنية الأربعة، والذي يتبنى الآراء الفقهية للإمام مالك بن أنس. تبلور مذهباً واضحاً ومستقلاً في القرن الثاني الهجري. أهم أفكاره هو الاهتمام بعمل أهل المدينة، ويمثل 35% من إجمالي المسلمين.
|
وينتشر المذهب بشكل أساسي في شمال أفريقيا وتشمل دول الجزائر والسودان وتونس والمغرب وليبيا وموريتانيا وصعيد مصر وإريتريا، وفي شبه الجزيرة العربية وتشمل دول البحرين والإمارات العربية المتحدة والكويت وأجزاء من السعودية وسلطنة عمان وبلدان أخرى في الشرق الأوسط، كما ينتشر في دول السنغال وتشاد ومالي والنيجر وشمال نيجيريا في غرب أفريقيا، وكان يتبع في الحكم الإسلامي لأوروبا والأندلس وإمارة صقلية.
|
ويعد مذهب الإمام مالك وسطاً معتدلاً بين أهل الرأي وأهل الحديث، لكثرة استناده إلى الحديث إذ كانت روايته قد انتشرت ولا سيما المدينة، وكان الإمام مالك يعتمد على الحديث النبوي كثيراً نظراً لبيئته الحجازية التي كانت تزخر بالعلماء والمحدثين الذين تلقوا الحديث النبوي عن الصحابة وورثوا من السنة ما لم يتح لغيرهم من أهل الأمصار. قال الإمام الشافعي: ما ظهر على الأرض كتاب بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك، وفي رواية أكثر صواباً وفي رواية أنفع؛ وهذا القول قبل ظهور صحيح البخاري.
|
النشأة والتطور تأسس المذهب المالكي على يد مالك بن أنس، وذلك في أوائل القرن الثاني الهجري، وتطورت معالمه على يد تلاميذه من بعده. ارتفع شأنه وصار له صيت شائع حتى أن المنصور قال له يوماً: «أنت والله أعلم الناس وأعقلهم، لئن بقيت لأكتبن قولك كما تكتب المصاحف، ولأبعثن به إلى الآفاق فأحملهم عليه». توسعت قاعدة المذهب المالكي في الحجاز والمدينة المنورة وانتشر سريعاً في شمال أفريقيا. في عام 237 هـ أخرج قاضي مصر أصحاب أبو حنيفة والشافعي من المسجد، فلم يبق سوى أصحاب مالك، وكان للقاضي الحارث بن سكين الأثر الفاعل في نشر المذهب هناك. تبنت دولة المرابطين في المغرب الأقصى مذهب مالك ونشروا الكتب التي تحوي آراءه، توسع المذهب ورسخت قواعده، قال ابن حزم: «مذهبان انتشرا في بدء أمرهما بالرياسة والسلطان، الحنفي في المشرق، والمالكي بالأندلس».
|
أطوار المذهب ومراحله التاريخية مر المذهب المالكي منذ بداية تأسيسه، إلى أن نضج واكتمل بمراحل علمية مختلفة، وأطوار متعددة، ولكل مرحلة من هذه المراحل خصائصها، وميزاتها؛ التي تميِّزها عن غيرها. ويمكن تلخيص تلك الأطوار في ثلاث مراحل رئيسية؛ هي: مرحلة النُّشوء والتكوين، ومرحلة التطور والتوسع، ومرحلة الاستقرار.
|
أولاً: مرحلة النشوء والتكوين (110 هـ - 300 هـ) وهي مرحلة التأصيل والتأسيس، وتبدأ من جلوس إمام المذهب الإمام مالك للفتوى، وتسليم الناس له بالإمامة سنة (110 هـ)، وتنتهي بنهاية القرن الثالث الهجري، وقد تُوِّجت هذه المرحلة بنبوغ طائفة من تلاميذ الإمام مالك، وتلاميذ تلاميذه؛ منهم: عالم العراق القاضي إسماعيل بن إسحاق (ت 282 هـ)، مؤلف كتاب (المبسوط)، آخر الدواوين ظهوراً في هذه المرحلة. وقد تميّزت هذه المرحلة بجمع الروايات عن الإمام مالك، وترتيبها، وتدوينها في مصنفات معتمدة، تضم إلى جانبها بعض ما لتلاميذ الإمام من اجتهادات وتخريجات. ومن أهم الكتب التي صُنِّفت في هذه المرحلة: الأمهات الأربع، وهي: المدوَّنة، والواضحة، والعُتْبِيَّة، والموازيَّة.
|
ثانياً: مرحلة التطور (301 هـ - 600 هـ) وكانت هذه المرحلة على يد نوابغ علماء المالكية؛ الذين فرَّعوا، وطبَّقوا، ومن ثم رجَّحوا، وشهَّروا؛ فالتطور هنا يراد به معناه الشامل؛ الذي يندرج تحته: التفريع، والتطبيق، والترجيح. وتبدأ هذه المرحلة مع بداية القرن الرابع الهجري تقريباً، وتنتهي بنهاية القرن السادس وبداية القرن السابع، أو بوفاة ابن شاس (ت 610 هـ أو 616 هـ)؛ رابع أربعة اعتمدهم خليل بن إسحاق الجندي (ت 767 هـ)؛ مصنِّف أشهر مختصر في الفقه المالكي. وهذه المرحلة تميزت بظهور نزعة الضبط والتحرير، والتمحيص والتنقيح، والتلخيص والتهذيب، مع التفريع، وكذا الترجيح لما ورد في كتب المرحلة السابقة من الروايات والأقوال؛ فهي بمثابة الغربلة والتمحيص لما كان في مرحلة الجمع والترتيب. ومن أشهر المصنفات المختصرة في هذه المرحلة: التفريع لابن الجلَّاب (ت 378 هـ)، وتهذيب المدوَّنة لأبي سعيد خلف بن أبي القاسم محمد الأزدي القيرواني الشهير بالبراذعي (ت 438 هـ).
|
ثالثاً: مرحلة الاستقرار (601 هـ إلى العصر الحاضر) وتبدأ هذه المرحلة ببداية القرن السابع الهجري تقريباً، أو بظهور مختصر ابن الحاجب الفرعي؛ المعروف بـ (جامع الأمهات)، وتستمر إلى العصر الحاضر. وهذه المرحلة مرحلة الشروح، والمختصرات، والحواشي، والتعليقات، وهي سمة تظهر غالباً حين يصل علماء المذهب إلى قناعة فكرية بأن اجتهادات علماء المذهب السابقين لم تترك مجالاً لمزيد من الاجتهاد؛ إلا أن يكون اختياراً، أو اختصاراً، أو شرحاً. وقد شهدت هذه المرحلة امتزاج آراء مدارس المذهب المالكي، وانصهارها في بوتقة واحدة؛ أنتجت كتباً فقهية تمثِّل المذهب بغض النظر عن الانتماء المدرسي؛ فاندمجت الآراء العلمية في بعضها، وتلاشت الاختلافات الجذريّة؛ إلا ما كان من قبيل الاجتهادات الفرديَّة؛ التي تظهر حتى بين علماء المدرسة الواحدة.
|
أصول الاستنباط العامة في المذهب يُعدُّ مذهب الإمام مالك أكثر المذاهب أصولاً، وإن كان الإمام لم ينص بالتفصيل على أصوله التي اعتمد عليها، وجعلها مصادر تؤخذ الأحكام الشرعيّة منها؛ إلا أنه أشار إليها على سبيل الإجمال؛ فيما نقله عنه ابن وهب؛ حيث قال: «الحكم الذي يحكم به بين الناس حكمان: ما في كتاب الله، أو أحكمته السنّة؛ فذلك الحكم الواجب، وذلك الصواب. والحكم الذي يجتهد فيه العالم برأيه؛ فلعلّه يوفّق».
|
وهذا النص من الإمام مالك يدل على أن أصول الاستنباط عنده لا تخلو من أحد نوعين: أصول نصِّيَّة نقليّة، أو أصول عقلية اجتهادية. وقد أمكن معرفة تفصيل هذه الأصول عنده باستقراء موطّئه، والنظر في المسائل والفتاوى التي نقلت عنه، وهي ترجع في حقيقة الأمر إلى أحد عشر أصلاً؛ هي كالتالي:
|
أولاً: القرآن الكريم مراعياً ترتيبه -وكذلك السنة النبوية- من حيث الوضوح؛ بتقديم نصوصه، ثم ظواهره، ثم مفهوماته. وظاهر مذهب الإمام مالك: الأخذ بالقراءة الشاذة في الأحكام الشرعية؛ وذلك لاستدلاله بها في (موطّئه) على بعض المسائل الفقهية.
|
ثانياً: السنة النبوية متواترها، ومشهورها، وآحادها. والمشهور من ذهب الإمام مالك: قبول الحديث المرسَل، والاحتجاج به؛ فقد أرسل أحاديث كثيرة في (موطّئه)، واحتج بها، ولكن ذلك مشروط عنده بكون المرسِل ثقة، عارفاً بما يرسِل؛ فلا يرسل إلا عن ثقة.
|
ثالثاً: الإجماع مذهب الإمام مالك أن إجماع المجتهدين من الأمة الإسلامية في عصر من الأعصار على حكم شرعي حُجَّة؛ فإجماع الصحابة في عصرهم حُجَّة على من بعدهم، وإجماع التابعين في عصرهم حجة على من بعدهم، وهكذا. ويصح أن يكون مستنَد الإجماع عنده دليلاً من الكتاب والسُّنة، أو قياساً.
|
رابعاً: القياس كان من مذهب الإمام مالك العمل بالقياس على ما ورد فيه نص من الكتاب والسنة، وإلحاق الفروع بالأصول في الحكم، وهذا مما يدخل في قوله -فيما سبق نقله عنه-: «والحكم الذي يجتهد فيه العالم برأيه». وقد توسع مالك وأصحابه في باب القياس؛ حيث لم يحصروه في القياس على الأحكام المنصوص عليها؛ بل عدَّوه إلى القياس على ما ثبت منها بالقياس؛ فيقيسون الفروع على الفروع والمسائل المستنبطة بالقياس. وقد نقل بعضهم عن الإمام مالك: تقديم القياس على خبر الواحد إذا تعارضا، ولم يمكن العمل بهما جميعاً. ولا يصح ذلك عنه على التحقيق، ولا يليق بما عُرِف به من تعظيم السنّة والأثر؛ بل الصحيح من مذهبه: تقديم الخبر على القياس. وهذه الأصول الأربع لا خلاف في الأخذ بها عند أئمة المذاهب الأربعة من حيث الجملة؛ كما قال القاضي أبو بكر بن العربي: «فأصول الأحكام خمسة: منها أربعة متفق عليها من الأمّة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والنظر والاجتهاد...».
|
خامساً: عمل أهل المدينة وهذا الأصل اختص الإمام مالك باعتماده دون غيره من أئمة المذاهب، وقد احتج مالك به في مسائل يكثر تعدادها. والمراد به على المختار: اتفاق أهل العلم بالمدينة أو أكثرهم زمن الصحابة أو التابعين على أمر من الأمور. والمشهور: أن الإمام مالك يحتج بعمل أهل المدينة فيما كان طريقه التوقيف كنقلهم مقدار الصاع، والمُد، والأذان، لا فيما طريقه الرأي والاجتهاد، وإليه أشار النَّاظم بقوله:
|
وهذا النوع من العمل -إذا كان ظاهراً متصلاً- أقوى عند الإمام مالك من خبر الواحد؛ ولهذا يقدِّمه عليه عند التعارض؛ لأنه يجري عنده مجرى ما نُقل نَقْل المتواتر من الأخبار.
|
سادساً: قول الصحابي والمراد به: قوله الذي قاله عن اجتهاد، ولا يُعلَم له مخالِف من الصحابة، ولم يشتهر، أو لم يعلم هل اشتهر أم لا؟ وأما ما اشتُهر، ولم يُعلم له فيه مخالف؛ فهو إجماع وحُجة، أو حُجة وليس بإجماع؛ كما هو معروف من الخلاف في الإجماع السكوتي. فالمشهور عن الإمام مالك، والذي دلَّ عليه تصرُّفه في (موطّئه) هو: حُجية مذهب الصحابي مطلقاً. ومن مذهب الإمام مالك: جواز تخصيص ظاهر النص بقول الصحابي؛ إذا ظهر واشتهر، ولم يُعلَم له مخالِف.
|
سابعاً: شرع من قبلنا والمراد به: الحكم الثابت في شريعة أحد الرسل بنص القرآن، أو السنة الصحيحة، ولم يدل الدليل في شرعنا على نسخه، ولا على إقراره. وقد دل صنيع الإمام مالك في مواضع من (الموطأ) وغيره على اعتماد هذا الأصل، والتمسك به، ولا خلاف عن الإمام مالك في الاحتجاج به.
|
ثامناً: المصالح المرسلة وهي المصالح المطلقة من الاعتبار والإلغاء؛ أي: التي لم يرد عن الشّارع أمرٌ بجلبها، ولا نهيٌ عنها؛ بل سكت عنها. أو: هي الوصف المناسب الذي جُهل اعتبار الشرع له؛ بأن لم يدل دليل على اعتباره، أو إلغائه. فكان من أصول الإمام مالك الحكم بالأصلح فيما لا نص فيه، والاحتجاج بالمصلحة، ورعايتُها؛ ما لم يمنع من ذلك ما يوجب الانقياد له؛ إذ الأخذ بالمصلحة المرسلة مقيَّد بشروط؛ منها: الملائمة لمقاصد الشرع؛ بحيث لا تنافي أصلاً من أصوله، ولا دليلاً من دلائله. أن تكون من المناسبات المعقولة التي إذا عُرضت على العقول تلقَّتها بالقبول؛ فلا مدخل لها في التعبُّدات، ولا ما جرى مجراها من الأمور الشرعية. أن ترجع إلى حفظ أمر ضروري، ورفع حرج لازم في الدين. أن تكون المصلحة عامة كلية، لا خاصة جزئية. أن يكون الناظر في المصحلة مجتهداً متكيِّفاً بأخلاق الشريعة؛ بحيث ينبو عقله وطبعه عن مخالفتِها. وقد اشتُهر عند الأصوليين اختصاص مذهب مالك باعتبار المصلحة المرسلة، والصحيح أنه لا يخلو مذهب من اعتبارها في الجملة، وإن كان لمالك ترجيح، وتوسع على غيره في الأخذ بها، ويليه الإمام أحمد.
|
تاسعاً: الاستحسان والاستحسان الذي اعتمده الإمام مالك في الفقه والفتوى معناه: القول بأقوى الدليلين؛ وذلك أن تكون الحادثة متردِّدة بين أصلين، وأحد الأصلين أقوى بها شبهاً وأقرب، والأصل الآخر أبعد -إلا مع القياس الظاهر، أو عُرف جارٍ، أو ضَربٍ من المصلحة، أو خوف مفسدة، أو ضربٍ من الضرر والعذر-؛ فيعدل عن القياس على الأصل القريب، إلى القياس على ذلك الأصل البعيد. وقد عوّل الإمام مالك على الاستحسان، وبنى عليه أبواباً، ومسائل من مذهبه، ورُوي عنه أنه قال: «تسعة أعشار العلم: الاستحسان». فالإمام مالك إذا وجد أصلاً فقهياً، أو قاعدة قياسية يؤدي اعتبارها إلى منع مصلحة، أو جلب مفسدة؛ فإنه يمنع اطِّرادها بقاعدة الاستحسان؛ استثناءً من الأصل، وتخصيصاً للقاعدة، ومقتضاه: تقديم الاستدلال المُرسَل على القياس؛ بناء على ما يُفهم من مقصد الشّارع، لا بمجرد الذوق والتَّشهِّي. وقد ذكر أبو بكر بن العربي أن الاستحسان على أقسام؛ منها ما سنده المصحلة، وما سنده العرف، وما سنده إجماع أهل المدينة، وما سنده إيثار التوسعة ورفع الحرج على الخلق. ومما يرجع إلى أصل الاستحسان عند المالكية: قاعدة مراعاة الخلاف، وقد جعلها بعضهم أصلاً من أصول الاستنباط عندهم، والأقرب -والله أعلم-: أنها ليست أصلاً للاستنباط، ومصدراً مستقلاً للأحكام؛ ولهذا لم يذكرها كثير ممن أحصى أصول المذهب.
|
عاشراً: سد الذرائع ومعناه: «منع ما يجوز؛ لئلَّا يتطرَّق به إلى ما لا يجوز». وقد عرّف بعض المالكية سد الذرائع بـ: حسم مادة وسائل الفساد دفعاً له. وذلك لأن الوسائل تأخذ حكم ما أفضت إليه؛ فكما أن وسيلة الواجب واجبة؛ فوسيلة المحرّم محرّمة. ووسائل الفساد على ثلاثة أقسام: الأول: متفق على منعه؛ كسَبِّ الأصنام عند من يعلم حاله: أنه يسبُّ الله. والثاني: متفق على جوازه؛ كزراعة العنب؛ فإنها لا تمنع خشية أن تُتخَذ ثمرتها خمراً. والثالث: مختلف فيه؛ كبيوع الآجال (كمن باع سلعة بعشرة إلى شهر، ثم اشتراها بخمسة قبل الشهر)؛ فإنها وسيلة إلى الربا، وقد منعها الإمام مالك.
|
وقد أعمل الإمام مالك هذه القاعدة، وحَكَّم هذا الأصل في أكثر أبواب الفقه؛ حتى ظُنَّ اختصاصُه به، والصحيح أن مالكاً لم ينفرد به؛ بل كل المذاهب تقول به، ولا خصوصية لمالك وأصحابه إلا من جهة إكثارهم منه.
|
الأول: استصحاب العدم الأصلي؛ ويسمَّى البراءة الأصليَّة، وهو: البقاء على عدم الحكم حتى يدل الدليل عليه؛ لأن الأصل براءة الذمة من لزوم الأحكام. والثاني: استصحاب الحكم الشرعي؛ وهو: استصحاب ما دلَّ الشرع على ثبوته لوجود سببه، ومنه قول الفقهاء: الأصل بقاء ما كان على ما كان؛ حتى يدل الدليل على خلاف ذلك. وهذا الأصل وإن لم ينُصَّ الإمام مالك عليه؛ إلا أن فتاويه تدل على اعتماده هذا الأصل؛ حيث احتج به في مسائل كثيرة سئل عنها، فقال: «لم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولا الصحابة ذلك». أو يقول: «ما رأيت أحداً فعله». وهذا يدل على أن الشرع إذا لم يرد بإيجاب شيء لم يجب، وكان على ما كان عليه من براءة الذمة.
|
ملخص أصول المذهب نحا الإمام مالك منحى فقهاء أهل المدينة في الأصول التي بنى عليها اجتهاده، واتخذت بعده أساسا لمذهبه. والأدلة التي اعتمدها علماء المدينة في عمومها هي نفس الأدلة التي اعتمدها غيرهم من أهل السنة والجماعة؛ هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس. وإنما اختلفوا عن غيرهم من أهل الرأي في مدى الاعتماد على الحديث، وشروط قبوله والعمل به، ثم اللجوء إلى القياس ومتى يكون حجة. وتميز المذهب المالكي بالاعتماد على عمل أهل المدينة. الأصول النقلية. الأصول العقلية. النظر المقاصدي في المذهب المالكي.
|
كان للإمام مالك منهج في الاستنباط الفقهي لم يدونه كما دون بعض مناهجه في الرواية، ولكن مع ذلك صرح بكلام قد يستفاد منه بعض منهاجه، فقد ألمح إلى ذلك وهو يتحدث عن كتابه «الموطأ»: «فيه حديث رسول الله وقول الصحابة والتابعين ورأيي، وقد تكلمت برأيي، وعلى الاجتهاد، وعلى ما أدركت عليه أهل العلم ببلدنا، ولم أخرج من جملتهم إلى غيره».
|
فهذه العبارة من الإمام تشير إلى بعض الأصول التي استند إليها في اجتهاداته واستنباطاته الفقهية وهي: السنة، وقول الصحابة، وقول التابعين، والرأي والاجتهاد، ثم عمل أهل المدينة.
|
ولقد صنع فقهاء المذهب المالكي في فقه مالك ما صنعه فقهاء المذهب الحنفي، فجاؤوا إلى الفروع وتتبعوها، واستخرجوا منها ما يصح أن يكون أصولا قام عليها الاستنباط في مذهب مالك، ودونوا تلك الأصول التي استنبطوها على أنها أصول مالك، فيقولون مثلا: كان يأخذ بمفهوم المخالفة، أو بفحوى الخطاب، أو بظاهر القرآن. كما نجدهم يقولون في كل قاعدة رأي مالك فيها كذا، وليس ذلك ما أخذوه من جملة الفروع.. ومن مجموع تلك الآراء تتكون أصول المذهب المالكي التي قامت عليها أصول المالكية، والتي قام عليها التخريج من المتقدمين والمتأخرين في ذلك المذهب.
|
ولعل أدق إحصاء لأصول المذهب المالكي هو ما ذكره «القرافي» في كتابه «شرح تنقيح الفصول» حيث ذكر أن أصول المذهب هي القرآن والسنة والإجماع وإجماع أهل المدينة والقياس وقول الصحابي والمصلحة المرسلة والعرف والعادات وسد الذرائع والاستصحاب والاستحسان
|
الأصول النقلية القرآن: يلتقي الإمام مع جميع الأئمة المسلمين في كون كتاب الله عز وجل هو أصل الأصول، ولا أحد أنزع منه إليه، يستدل بنصه، وبظاهره وتعتبر السنة تبيانا له. السنة النبوية: أما السنة ومفهومها عند الإمام مالك فطبيعي أن يسير في فهمها على ما سار عليه السلف وعامة المحدثين الذين كان من أئمتهم وأقطابهم، غير أنه ربما عمم في السنة لتشمل ما يعرف عند علماء الحديث بالمأثور. وهو بهذا المعنى يعطي لعمل أهل المدينة وإجماعهم مكانة خاصة، ويجعل من قبيل السنة كذلك فتاوى الصحابة، وفتاوى كبار التابعين الآخذين عنهم، كسعيد بن المسيب، ومحمد بن شهاب الزهري، ونافع، ومن في طبقتهم ومرتبتهم العلمية، كبقية الفقهاء السبعة. عمل أهل المدينة: من الأصول التي انفرد بها مالك واعتبرها من مصادر فقه الأحكام والفتاوى. وقسّم الإمام الباجي عمل أهل المدينة إلى قسمين: قسم طريقه النقل الذي يحمل معنى التواتر كمسألة الآذان، ومسألة الصاع، وترك إخراج الزكاة من الخضروات، وغير ذلك من المسائل التي طريقها النقل واتصل العمل بها في المدينة على وجه لا يخفى مثله، ونقل نقلا يحج ويقطع العذر. وقسم نقل من طريق الآحاد، أو ما أدركوه بالاستنباط والاجتهاد، وهذا لا فرق فيه بين علماء المدينة، وعلماء غيرهم من أن المصير منه إلى ما عضده الدليل والترجيح. ولذلك خالف مالك في مسائل عدة أقوال أهل المدينة (3). الإجماع: لعل مالكًا أكثر الأئمة الأربعة ذكرا للإجماع واحتجاجا به، والموطأ خير شاهد على ذلك. أما مدلول كلمة الإجماع عنده فقد قال: «وما كان فيه الأمر المجتمع عليه فهو ما اجتمع عليه أهل الفقه والعلم ولم يختلفوا فيه». شرع من قبلنا: ذهب مالك على أن شرع من قبلنا شرع لنا.
|
الأصول العقلية كان للإمام مالك منهج اجتهادي متميز يختلف عن منهج الفقهاء الآخرين، وهو وإن كان يمثل مدرسة الحديث في المدينة ويقود تيارها، فقد كان يأخذ بالرأي ويعتمد عليه، وأحيانا توسع في الرأي أكثر ما توسع فيه فقهاء الرأي في العراق، كاستعماله الرأي والقياس فيما اتضح معناه من الحدود والكفارات مما لم يقل به علماء المذهب الحنفي. ومن الأصول العقلية المعتمدة في المذهب المالكي: القياس: يعتبر القياس على الأحكام الواردة في الكتاب المحكم والسنة المعمول بها، طبقا للمنهج الذي قاس عليه علماء التابعين من قبله. الاستحسان: لقد اشتهر على ألسنة فقهاء المذهب المالكي قولهم: «ترك القياس والأخذ بما هو أرفق بالناس» إشارة إلى أصل الاستحسان؛ لأن الاستحسان في المذهب المالكي كان لدفع الحرج الناشئ عن اطراد القياس، أي أن معنى الاستحسان طلب الأحسن للإتباع. المصالح المرسلة: من أصول مذهب مالك المصالح المرسلة، ومن شرطها ألا تعارض نصًا. فالمصالح المرسلة التي لا تشهد لها أصول عامة وقواعد كلية منثورة ضمن الشريعة، بحيث تمثل هذه المصلحة الخاصة واحدة من جزئيات هذه الأصول والقواعد العامة. سد الذرائع: هذا أصل من الأصول التي أكثر مالك الاعتماد عليه في اجتهاده الفقهي، ومعناه المنع من الذرائع، أي المسألة التي ظاهرها الإباحة ويتوصل بها إلى فعل ممنوع، أي أن حقيقة سد الذرائع التوسل بما هو مصلحة إلى مفسدة. العرف والعادة: إن العرف أصل من أصول الاستنباط عند مالك، وقد انبنت عليه أحكام كثيرة؛ لأنه في كثير من الأحيان يتفق مع المصلحة، والمصلحة أصل بلا نزاع في المذهب المالكي. الاستصحاب: كان مالك يأخذ بالاستصحاب كحجة، ومؤدى هذا الأصل هو بقاء الحال على ما كان حتى يقوم دليل يغيّره. قاعدة مراعاة الخلاف: من بين الأصول التي اختلف المالكية بشأنها «قاعدة مراعاة الخلاف»، فمنهم من عدها من الأصول ومنهم من أنكرها. ومعناها «إعمال دليل في لازم مدلول الذي أعمل في نقيضه دليل آخر». ومثاله: إعمال المجتهد دليل خصمه القائل بعدم فسخ نكاح الشغار في لازم مدلوله الذي هو ثبوت الإرث بين الزوجين المتزوجين بالشغار فيما إذا مات أحدهما. فالمدلول هو عدم الفسخ وأعمل مالك في نقيضه وهو الفسخ دليل آخر. فمذهب مالك وجوب الفسخ وثبوت الإرث إذا مات أحدهما.
|
النظر المقاصدي في المذهب المالكي إن الإمام مالك عندما يطلق الرأي يعني به فقهه الذي يكون بعضه رأيا اختاره من مجموع آراء التابعين، وبعضه رأيا قد قاسه على ما علم، ومن ثم فإن باب أصول فقه الرأي عنده هو ما عليه أهل المدينة وعلم الصحابة والتابعين. ويمكن تلخيص ذلك في قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد التي عليها مدار مقاصد الشريعة الإسلامية، فهذا هو أساس الرأي عنده مهما تعددت ضروبه واختلفت أسماؤه. إن أخص ما امتاز فقه مالك هو رعاية المصلحة واعتبارها، لهذا فهي عمدة فقه الرأي عنده اتخذها أصلا للاستنباط مستقلا.
|
مدارس المذهب قسّم القاضي عياض تلاميذ الإمام مالك بحسب أوطانهم إلى ستة أقسام؛ هم: أهل المدينة، وأهل العراق والمشرق، وأهل الحجاز واليمن، وأهل القيروان، وأهل الأندلس، وأهل الشام. وقد أدى هذا الانتشار في أصقاع الأرض، مع اختلاف البيئات والأعراف، واختلاف المدارك والأفهام، وتفاوت التلاميذ في مدى تأثرهم بشيخهم، وتمسُّكهم بأصوله المتنوعة، واتِّباعهم لطريقته في الفقه والفتوى إلى نشوء مدارس متعددة للفقه المالكي، ولكل مدرسة منهجها العلمي؛ الذي تتميز به عن غيرها، وهذه المدارس يمكن حصرها في المدارس التالية:
|
أولاً: المدرسة المدنية وهي المدرسة الأم، ويمثِّلها الأفذاذ من تلامذة مالك المدنيّين؛ من أمثال: عثمان بن عيسى بن كنانة (ت 186 هـ)؛ الذي قعد في مجلس مالك بعد وفاته، وكان مقرّباً إليه في حياته، وعبد الله بن نافع الصائغ (ت 186 هـ)؛ الذي جلس مجلس ابن كنانة بعد وفاته، والمغيرة المخزومي (ت 188 هـ)؛ مفتي المدينة بعد مالك، وابن الماجشون، ومطرِّف بن عبد الله الهلالي (ت 220 هـ)؛ اللذين يعدَّان أشهر من نَشَرَ عِلم مالك، مع وفاق في الآراء والتخاريج، ونظرائهم. وقد أيَّد هذه المدرسة ومنهجها: عبد الله بن وهب (ت 197 هـ) من المصريين، وعبد الله بن حبيب (ت 238 هـ) من الأندلسيين. وظلت قوية نشطة في أداء رسالتها، وبث إشعاعها على كل بلاد الإسلام؛ يُرحل إليها من إفريقية، والأندلس، ومصر، والعراق، وغيرها من البلاد، إلى أن أصابها ما أصاب المدارس السُنِّية بسيطرة العُبَيديِّين على المدينة منتصف القرن الرابع؛ حتى خلت المدينة نهائياً من نشاط أهل السنة، ثم استعادت مكانتها ونشاطها بظهور قاضي المدينة: ابن فرحون (ت 799 هـ). وتميّزت هذه المدرسة بالتزامها منهج الاعتماد على الحديث النبوي - بعد القرآن - مرجعاً للأحكام، دون نظر إلى كون عمل الصحابة والتابعين موافقاً له، أو غير موافق.
|
ثانياً: المدرسة المصرية تعد المدرسة المصرية أول مدرسة مالكية تأسست بعد مدرسة المدينة؛ وذلك بجهود كبار تلاميذ الإمام مالك؛ الذين رحلوا إلى مصر؛ ليُعلِّموا الناس؛ كعثمان بن الحكم الجُذامي (ت 163 هـ)، وعبد الرحمن بن خالد الجُمَحي (ت 163 هـ)؛ اللذين يعتبران أول من قدم مصر بمسائل مالك، ومن بعدهما: طيِّب بن كامل اللّخْمي (ت 173 هـ)، وسعيد بن عبد الله المعافِري (ت 173 هـ)، وغيرهم. وعن هؤلاء العلماء أخذ أقطاب هذه المدرسة، ومؤسِّسوها الحقيقيُّون؛ كعبد الرحمن بن القاسم العتقي (ت 191 هـ)، وأشهب بن عبد العزيز (ت 203 هـ أو 204 هـ)، وعبد الله بن عبد الحكم (ت 214 هـ)؛ قبل رحلتهم إلى مالك. فلمَّا عادوا إلى مصر عادوا بمذهب مالك أصولاً وفروعاً، وأخذوا ينشرونه بين الناس عبر حلقات التدريس، والتصنيف. ثم أخذ لواء هذه المدرسة من بعدهم: أصبغ بن الفرج (ت 225 هـ)، والحارث بن مسكين (ت 250 هـ)، وغيرهما، ومن بعدهم: محمد بن عبد الله بن عبد الحكم (ت 268 هـ)، ومحمد بن الموَّاز (ت 269 هـ)، وغيرهما. ورغم ما أصاب هذه المدرسة من هزّات عنيفة، وخاصة بسبب فتنة خلق القرآن؛ إلا أنها ظلّت بدورها في النشاط المذهبي، والحضور العلمي؛ إلى أن أصابها وباء الحكم العُبيدي بمصر أواخر القرن السادس، فخبت أضواؤها نحو قرنين من الزمان، ثم استعادت مكانتها، وذاع صيتها إلى الآن. وتتميز هذه المدرسة باعتماد السُّنة الأثرية مع السنة النبوية، والأخذ بالحديث النبوي الذي يؤيده عمل أهل المدينة، وهو المنهج الذي ساد المذهب المالكي، وتبنَّته أكثر مدارسه. واحتلت المدرسة المصرية بزعامة ابن القاسم مركز الريادة بين المدارس المالكية؛ إذ على سماعات ابن القاسم، وما قدَّمه في (المدوَّنة) من آراء إلى جانب آراء مالك اعتمدت سائر المدارس المالكية عامة، ومدرسة إفريقية والأندلس خاصة، على أن سماعات ابن الحكم ومرويّاته عن مالك، وأشهب، وابن القاسم، كانت لها الحظوة الأولى عند المدرسة العراقية، شاركتها فيها (مدوَّنة ابن القاسم).
|
ثالثاً: المدرسة العراقية ظهرت بالبصرة على يد بعض من كان بها من تلاميذ مالك؛ أمثال: عبد الرحمن بن مهدي (ت 198 هـ)، وعبد الله بن مَسْلَمة القَعْنَبي (ت 220 هـ)، وبعض من درسوا على كبار أصحاب مالك المدنيِّين؛ كيعقوب بن أبي شَيْبَة (ت 320 هـ)، وأحمد بن المعذل الراهب؛ الذي رفع راسة نشر المذهب بالعراق. غير أنه لم تظهر للمذهب قوته، ولم يبلغ ذروته بالعراق إلا في الطبقة التالية لهؤلاء؛ أيام قضاء آل حمّاد بن زيد؛ الذين برز منهم: إسماعيل بن إسحاق القاضي (ت 282 هـ)؛ أحد الذين شُهد لهم بالاجتهاد بعد مالك، ومن غيرهم: القاضي أبو الفرج عمرو بن عمرو (ت 330 هـ)، وغيره، ثم بالشيخ أبي بكر الأبهري (ت 375 هـ)، وكبار أتباعه؛ كأبي القاسم ابن الجلَّاب (ت 378 هـ)، وأبي الحسن ابن القصَّار (ت 398 هـ)، وأبي بكر الباقلاني (ت 403 هـ)، والقاضي عبد الوهاب (ت 422 هـ)، ونظرائهم من أفذاذ العلماء المالكيين العراقيين. وقد انقطعت المدرسة العراقية، وانقطع بها المذهب ببغداد: بوفاة أبي الفضل ابن عمروس سنة (ت 452 هـ). ونظراً لتأثر هذه المدرسة بالبيئة الفقهية في العراق؛ التي كان منهج أهل الرأي هو السائد فيها تميَّزت طريقة العراقيين - كما يطلق عليها المالكية المتأخرون - بميلها إلى الاستدلال الأصولي، والتحليل المنطقي للصور الفقهية، فضلاً عن اهتمامهم بالتقعيد الفقهي، وبالتخريج وجمع النظائر.
|
رابعاً: مدرسة إفريقية والمغرب الأقصى كان المذهب السائد في بلاد إفريقية (تونس) - القيروان، وما وراءها من بلاد المغرب - مذهب الكوفيين، إلى أن غمرها المذهب المالكي؛ بواسطة تلاميذ الإمام مالك الوافدين إليه منها، والذين يربو عددهم على الثلاثين تلميذاً. وكان من أبرزهم أثراً أوائل الداخلين إليها: علي بن زياد (ت 183 هـ) مؤسس المدرسة بإفريقية، وعبد الرحيم بن الأشرس، والبهلول بن راشد (ت 183 هـ)، وعبد الله بن غانم (ت 190 هـ)؛ الذين يمثِّلون حجر الأساس في هيكلة المذهب المالكي بالمغرب. ثم جاء بعدهم تلميذا ابن زياد: أسد بن الفُرات (ت 213 هـ)؛ الذي كان له أعظم الأثر في تدوين فقه المدرسة؛ من خلال كتابه (الأسَديَّة)، وسُحنون (ت 240 هـ)؛ الذي غلب المذهب في أيامه، بعد أن أنتجت هذه المدرسة بتعاونها مع المدرسة المصرية ذاك الأثر الفقهي الخالد (المدوَّنة)؛ أملاها ابن القاسم بمبادرة من أسد بن الفُرات، وتحرير سُحْنون وتدقيقه، وتولَّت المدرسة التونسية القيروانية ضمان الحياة لها بنشرها وتدريسها. ثم خلَف هؤلاء كوكبة أخرى؛ من أبرزهم: أبو بكر اللبّاد (ت 333 هـ)؛ أحد حفاظ المذهب، وابن أبي زيد القيرواني (ت 386 هـ)؛ الذي استطاع أن يجمع ما تناثر من روايات وآراء لأئمة المذهب في كتابه الكبير: (النوادر والزيادات). وقد تمخَّضت المدرسة التونسية عن مدرسة مالكية أخرى هي: مدرسة فاس، والمغرب الأقصى، وهي في حقيقتها امتداد علمي لمدرسة تونس منهجاً وآراءً. وتأسست على يد درّاس بن إسماعيل (ت 357 هـ)؛ أوَّل من أدخل مدوَّنة سحنون إلى فاس، وعَمَر جامع القرويين بفقهه، كما عَمَر علي بن زياد جامع الزيتونة بعِلمه. وهذه المدرسة وإن تأخَّر ظهروها، إلا أنها أضحت فيما بعد الممثل للمذهب المالكي في المغرب العربي والأندلس، بعد أن صمدت -وأختها التونسية- في وجه الهزَّات السياسية الكثيرة، وخاصة جَور العُبَيديِّين، وظلمهم، واضطهادهم؛ حتى إذا ضعف العبيديُّون رجعت إليها قوَّتها، ونشط علماؤها في بث المذهب، وتصنيف المصنفات الجليلة؛ التي طار ذكرها في الآفاق. وتتميز هذه المدرسة بالعناية بتصحيح الروايات، وبيان وجوه الاحتمالات، مع ما انضاف إلى ذلك من تتبع الآثار، وترتيب أساليب الأخبار التي رواها الإمام من حيث دلالتها على الأحكام الشرعية، وضبط الحروف على حسب ما وقع في السماع؛ وذلك لأن هذه المدرسة تعتبر نتاج المدارس السابقة؛ ولذلك حاولت جمع ميزات تلك المدارس كلها.
|
خامساً: المدرسة الأندلسية كان أهل الأندلس منذ فُتِحَت على رأي الأوزاعي (ت 157 هـ)، وحتى أواخر عهد الأمير هشام الرضا ( 172-180هـ)، حتى جاءهم مؤسس المدرسة المالكية بها: زياد بن عبد الرحمن، الملقب بـ (شَبْطون) (ت 193 هـ)؛ أول من أدخل موطأ الإمام مالك إلى الأندلس؛ متفقِّهاً بالسماع منه. وكانت الأسباب في انتشار المذهب المالكي في الأندلس هو العداوة والبغضاء بين الأمويين والعباسيين أولًا، بالإضافة إلى تناسب طبيعة أهل الأندلس مع طبيعة أهل الحجاز في البساطة عكس أهل العراق ويرجع الفضل في تثبيت مذهب مالك في الأندلس إلى يحيى بن يحيى الليثي تلميذ زياد، قبل أن يرحل إلى الإمام مالك؛ فقد كان المستشار الأول للخليفة عبد الرحمن بن الحكم، وكان الخليفة لا يستقضي قاضياً، ولا يعقد عقداً إلا عن رأيه؛ فمكَّن للمذهب وأهله. ثم حمله بعده تلميذه العُتْبي (ت 254 هـ)؛ الذي أخذ عنه كما أخذ عن الإمام سحنون، ثم دوَّن (مستخرجته)؛ التي جمع فيها أقوال مالك وأصحابه؛ فاعتنى بها أهل الأندلس، وعكفوا عليها، واعتمودها، وهجروا ما سواها. ثم أفضى الأمر بعده إلى تلميذه ابن لُبابة (ت 314 هـ)، ولم تزل هذه المدرسة يذيع صيتها، ويطير ذِكرها في الأندلس، إلى أن ابتلى الله أهل قرطبة بفتنة البربر في مطلع القرن الخامس؛ فمات بسببها كثير من العلماء، وفرَّ كثيرون إلى فاس وغيرها؛ فضعفت المدرسة في الأندلس، وزاد من ضعفها عدم اعتناء أهلها بالعلوم العقلية والاستدلال، وانكبابهم على دراسة المسائل والفروع الجزئية؛ حتى كاد الفقه يموت؛ لولا أن الله تعالى مَنَّ بالإمام أبو الوليد الباجي (ت 474 هـ)؛ الذي رحل إلى المشرق، ودرس على كبار علمائه؛ كالإمام عبد الله بن أحمد الهروي المالكي (ت 435 هـ)، ثم عاد إلى الأندلس بعلم غزير، وأقبل على التدريس والتصنيف؛ جامعاً بين طريقة النُّظّار من البغداديين، وحذّاق القرويين، والقيام بالمعنى والتأويل؛ فلقى منهجه قبولاً كبيراً لدى كبار علماء الأندلس؛ كابن رشد الجد (ت 520 هـ)، وأبي بكر الطرطوشي (ت 520 هـ)؛ تلميذ الباجي، وشيخ الإسلام القاضي عياض (ت 544 هـ)، وغيرهم.
|
وجاء بعد هؤلاء كوكبة من العلماء اتجهت إلى جمع المذهب فروعاً وقواعد؛ كابن الحاجب (ت 646 هـ)، وشهاب الدين القرافي (ت 684 هـ)، وخليل بن إسحاق الجندي (ت 767 هـ) صاحب المختصر الفقهي، ولكن هؤلاء اتجهوا في طريقتهم إلى الاختصار، واعتماد آراء معيّنة في الفقه، واعتبارها هي المذهب؛ مما حدا ببعض علماء المذهب من الأندلسيين كالشاطبي (ت 790 هـ)، ومن غيرهم كابن عرفة التونسي (ت 803 هـ)؛ إلى اعتبار ذلك قتلاً للفقه، محاولين في الوقت نفسه إعادة بعث طريقة النُّظار والمحقّقين، المعتنين بالاستدلال والتعليل. وقد استمرت هذه المدرسة في قوتها ونشاطها إلى أن سقطت الأندلس سنة (897 هـ)؛ حيث هاجر علماؤها إلى شمال أفريقيا، وتركّزت إقامتهم غالباً في فاس بالمغرب، والقيروان بتونس؛ فغابت المدرسة الأندلسية عن بلدها الأندلس، ولكن بقي حضورها العلمي ماثلاً من خلال انصهارها مع مدرسة المغرب.
|
وهذه المدرسة تُعَدُّ في آرائها الفقهية امتداداً علمياً للمدرسة التونسية؛ لقوة الاتصال بين المدرستين، وتداخل نشاطهما العلمي؛ ولهذا فإن العلماء المغاربة في اصطلاح المتأخرين: يُشار بهم إلى علماء من كِلا المدرستين: ابن أبي زيد (ت 386 هـ)، وابن القابسي (ت 403 هـ)، وابن اللباد (ت 333 هـ)، وأبو الوليد الباجي (ت 474 هـ)، وأبو الحسن اللخمي (ت 478 هـ)، وأبو القاسم بن محرز القيرواني (ت 450 هـ)، وابن عبد البر (ت 463 هـ)، وأبو بكر بن العربي (ت 543 هـ)، ونظرائهم من فحول علماء المالكية المغاربة. والمقدَّم عند المالكية عند الاختلاف بين هذه المدارس -سواء كان الخلاف في الرواية عن مالك، أو كان خلافاً في تشهير الأقوال- هو: تقديم المدرسة المصرية، ثم المغربية، ثم المدنية، ثم العراقية، وإنما اكتسب من اكتسب منها التقديم بالاعتماد على راوية ابن القاسم؛ فإن روايته وتشهيره مقدَّمان على رواية وتشهير من سواه.
|
أولاً: مصنفات مرحلة النشوء والتكوين وعامة الكتب المشهورة في هذه الفترة -عدا الموطأ- هي تلك التي جمعت الآراء الفقهية للإمام في مرويات تختلف باختلاف تلاميذه، وقد يضاف إليها الآراء الشخصية، والترجيحات، والاستنباطات؛ التي توصَّل إليها صاحب الإمام في القضايا المرويَّة، أو المستجدة، وهذه الكتب تمثِّل اللَّبِنة الأساسية لمذهب الإمام مالك، وما اعتمد منها هي أمهات المذهب ودواوينه، ومن أهم هذه الكتب وأكثرها اعتماداً ما يلي:
|
الموطأ: لإمام المذهب مالك بن أنس (ت 179 هـ)، وهو كتاب المذهب الأول، وقد جمع فيه بين الفقه والحديث، وبناه على تمهيد الأصول للفروع. المدوَّنة: لسُحنون بن سعيد التنوخي (ت 240 هـ)، وهي أصل الفقه المالكي وعمدته، وأشرف ما صُنِّف فيه من الدواوين؛ ولهذا فهي مقدَّمة على غيرها بعد الموطأ. الواضحة في السنن والفقه: لعبد الملك بن حبيب السُّلمي (ت 238 هـ)، ثانية الأمهات والدواوين، جمعها مؤلِّفها من رواياته عن ابن القاسم وأصحابه، وانتشرت في بلاد الأندلس، واعتنى بها أهلها، وشرحها ابن رشد. المستخرجة من الأسمعة (العُتْبيَّة): لمحمد بن أحمد العُتْبي (ت 255 هـ)، ثالثة الأمهات والدواوين، وهي سماعات جمعها العُتبي من مالك، وأضاف إليها الكثير من المسائل الفقهية، وقد حازت القبول عند العلماء؛ حتى هجروا كتاب الواضحة، واعتمدوها. المَوَّازيَّة: لمحمد بن إبراهيم، المعروف بابن الموَّاز (ت 269 هـ)، رابعة الأمهات والدواوين، وهي من أجل كتب المالكية؛ حتى إن القابسي فضَّلها على سائر الأمهات، وتُعد سماعات ابن المواز وآراؤه قمة ترجيحات المدرسة المالكية المصرية في هذا الطور. المجموعة: لمحمد بن إبراهيم بن عبدوس (ت 260 هـ)، وقد اعتبرت خامسة الدواوين؛ إذ هي كتاب رجل أتى بعلم مالك على وجهه. المبسوط في الفقه: لأبي إسحاق إسماعيل بن إسحاق القاضي (ت 282 هـ)، سادس الدواوين، ومنه تعرف طريقة البغداديين في الفقه والتأليف. مختصرات عبد الله بن عبد الحكم (ت 214 هـ): وهي المختصر الكبير؛ اختصر فيه سماعاته عن أشهب، والمختصر الأوسط، والمختصر الصغير، وعلى سماعات ابن عبد الحكم ومرويَّاته بعد الموطأ معوَّل المدرسة العراقية.
|
ثانياً: مصنفات مرحلة التطور وتنقسم المصنفات المعتمدة في هذه المرحلة إلى قسمين؛ هما مصنفات الفقه النظري، ومصنفات الفقه التطبيقي.
|
مصنفات الفقه النظري ويُعنى بها: كتب الفقه العام؛ مذهبياً كان، أو مقارَناً؛ ومنها: كتب أبي بكر الأبهري (ت 375 هـ): وأشهر كتبه: شرح مختصر ابن عبد الحكم الكبير، وشرح مختصر ابن عبد الحكم الصغير. والمختصران محور اجتهادات المدرسة العراقية، ومعتمدها. التفريع: لابن الجلَّاب (ت 378 هـ)، وهو من أجل كتب المالكية؛ لما اشتمل عليه من بحوث ونقول، ويندر أن تجد كتاباً مالكياً لم يعتمد كتاب التفريع. كتب ابن أبي زيد القيرواني (ت 386 هـ)؛ أحد الشيخين اللذين لولاهما لذهب المذهب، وقد نالب كتبه وفتاويه تقدير المالكية وإعجابهم قديماً وحديثاً، واشتُهرت من مؤلفاته ثلاثٌ عليها اعتماد الفقهاء: (الرسالة)، و (النوادر والزيادات)، و (مختصر المدوَّنة). وعلى الكتابين الأخيرين معوَّلُ المالكية في عصره، وبعد عصره. عيون الأدلة في مسائل الخلاف بين فقهاء الأمصار: لأبي الحسن بن القصَّار (ت 398 هـ)؛ أحد القاضيين اللذين لولاهما لذهب المذهب، وإلى كتبه احتكم الباجي وأهل الشام؛ فدلَّ على اعتمادها. كتب القاضي عبد الوهاب بن نصر (ت 422 هـ): وكتبه تمثِّل زبدة التطور في آراء علماء المالكية في العراق، كما تمثِّل الاندماج بين آراء المدرستين: العراقية والقيروانية. ويعد كتاب (التلقين) أشهر كتب القاضي عبد الوهاب؛ التي عكف عليها المالكيُّون شرقاً وغرباً. تهذيب المدوَّنة: لخلف بن سعيد البراذعي (ت 438 هـ)، وعليه معوَّل أكثر أهل المغرب، والأندلس، واعتمده المشيخة من أهل إفريقية، وتركوا ما سواه. الجامع لمسائل المدوَّنة والأمهات: لأبي بكر ابن يونس الصقلِّي (ت 451 هـ)، وكان يسمَّى مصحف المذهب؛ لصحة مسائله، واعتمده خليل بن إسحاق الجندي في (مختصره). المنتقى شرح الموطأ: لأبي الوليد الباجي (ت 474 هـ)، من أحسن الكتب المؤلفة في المذهب، وهو في حقيقته موسوعة فقه مقارن. التبصرة: لأبي الحسن علي بن محمد اللخمي (ت 478 هـ)، وهو أحد الأئمة الأربعة المعتمدة ترجيحاتهم في (مختصر خليل). كتب ابن رشد الجد: أبي الوليد محمد بن أحمد (ت 520 هـ)، أحد الأربعة الذين اعتمدهم خليل في (مختصره)، وأشهر كتبه، وأكثرها تداولاً بين العلماء: (البيان والتحصيل)، و (المقدمات الممهدات)، و (فتاوى ابن رشد). كتب المازري: أبي عبد الله محمد بن علي (ت 526 هـ)، أحد الأربعة الذين نالوا اعتماد خليل في (مختصره)، وكتبه هي: (التعليقة على المدونة)، و (شرح التلقين)، و (الفتاوى). كتاب التنبيهات: للقاضي عياض (ت 544 هـ)، وعليه المعوَّل في حل ألفاظ (المدونة)، وتحليل رواياتها، وتسمية رواتها. عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة: لأبي محمد عبد الله بن نجم بن شاش (ت 610 هـ أو 616 هـ)، أحد الكتب التي عكف عليها المالكيُّون شرقاً وغرباً. الذخيرة: لأبي العباس أحمد بن إدريس القرافي (ت 684 هـ)، من أجل كتب المالكية، جمع فيه مصنفه بين خمسة كتب؛ هي: (المدونة)، و (عقد الجواهر الثمينة)، و (التلقين)، و (التفريع)، و (الرسالة)، وامتاز ببيان عِلل الأحكام، وتطبيق الفروع على الأصول، وطول النفس في مسائل الخلاف.
|
مصنفات الفقه التطبيقي وتضم كتب الفتاوى والنوازل، والكتب التي تركز على علم القضاء، والوثائق، والشروط؛ ومنها: وثائق ابن العطار: محمد بن أحمد الأموي، المعروف بابن العطار (ت 399 هـ). كتاب الوثائق والشروط لابن الهندي: أحمد بن سعيد بن إبراهيم الهمداني، المعروف بابن الهندي (ت 399 هـ). المقنع في أصول الأحكام: لسليمان بن محمد البَطَلْيَوْسي (ت 402 هـ). الإعلام بنوازل الأحكام: المشتهر بأحكام ابن سهل أو نوازل ابن سهل لعيسى بن سهل الأسَدي (ت 486 هـ). النهاية والتمام في معرفة الوثائق والأحكام: لأبي الحسن علي المتِّيطي (ت 570 هـ).
|
ثالثاً: مصنفات مرحلة الاستقرار وتنقسم المصنفات المعتمدة في هذه المرحلة إلى قسمين أيضاً: مصنفات الفقه النظري، ومصنفات الفقه التطبيقي.
|
مصنفات الفقه النظري ومن أهمها: الجامع بين الأمهات (مختصر ابن الحاجب): عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس الشهير بابن الحاجب (ت 646 هـ)، الكتاب المعتمد في أواخر القرن السابع، وطيلة القرن الثامن، وشرحه خليل بن إسحاق الجندي بـ (التوضيح)، ومنهما أخرج مختصره. كتب ابن بُزَيْزة: أبو محمد عبد العزيز بن إبراهيم التيمي القرشي الشهير بابن بزيزة التونسي (ت 673 هـ) الإمام المشهور في الفقه والحديث والتفسير وأحد رجال المذهب الذين اعتمد خليل ترجيحهم في توضيحه، له (روضة المستبين في شرح التَّلقين)، و (الإسعاد في شرح الإرشاد)، وقد اعتمده خليل في التشهير. شروح رسالة ابن أبي زيد القيرواني: ومن أهمها: شرح أبي الحسن الصغير على الرسالة: لعلي بن محمد الزرويلي (ت 719 هـ). شرح ابن ناجي: قاسم بن عيسى (ت 838 هـ). تحرير المقالة في شرح الرسالة: لأبي العباس أحمد القلشاني (ت 863 هـ). شرح أحمد زرُّوق: أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي المعروف بزروق (ت 899 هـ). كفاية الطالب الرباني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني: لعلي بن محمد المنوفي (ت 939 هـ). الفواكه الدواني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني: لأحمد بن غنيم النفراوي (ت 1125 هـ). شرح محمد جَسُّوس: أبو عبد الله محمد بن قاسم جسوس (ت 1182 هـ). الثمر الداني في تقريب المعاني: لصالح عبد السميع الآبي (ت 1285 هـ). شروح الجامع بين الأمهات لابن الحاجب: ومن أكثرها تداولاً: الشهاب الثاقب في شرح مختصر ابن الحاجب: لمحمد بن راشد القَفْصي (ت 736 هـ). تنبيه الطالب لفهم كلام ابن الحاجب: لمحمد بن عبد السلام الهوَّاري (ت 749 هـ). التوضيح: لخليل بن إسحاق الجندي (ت 776 هـ). مختصر خليل بن إسحاق: مختصر الشيخ خليل بن إسحاق الجندي (ت 776 هـ) ويمثل آخر خطوات التأليف الفقهي في المذهب المالكي؛ إذ كل من جاء بعده لم يخرج عنه، وهو عمدة المالكية منذ القرن الثامن. المختصر الفقهي لابن عرفة: محمد بن محمد الوَرْغَمي التونسي المعروف بابن عرفة (ت 803 هـ)، ويتميز باصطلاحاته، وحدوده؛ التي عليها المعتمد في أوائل الكتب، وفيه مناقشات لابن الحاجب. شروح مختصر خليل: ومن أهمها: شرح بهرام بن عبد الله الدُّمَيري (ت 803 هـ أو 805 هـ). المنزع النبيل في شرح مختصر خليل: لمحمد ابن مرزوق (الحفيد) (ت 842 هـ). شرح محمد بن محمد بن سراج الغرناطي (ت 848 هـ). واعتمده الموَّاق، وأكثر عنه. شرحا محمد بن يوسف العَبْدَري المشهور بالموَّاق (ت 897 هـ). شرحا حُلُولو الكبير والصغير: لأبي العباس أحمد بن عبد الرحمن الزّلِيطْنِي المعروف بـ«حلُولُو» المتوفى سنة (898 هـ). شفاء الغليل في حل مقفل خليل (حاشية ابن غازي): محمد بن أحمد العثماني المكناسي (ت 919 هـ). مواهب الجليل في شرح مختصر خليل: لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني الشهير بالحطاب (ت 953 هـ أو 954 هـ). وهو أكثر الشروح تحريراً وإتقاناً، ومنه استمد الشرَّاح بعده. حاشية مصطفى الرماصي (ت 1136 هـ) على (فتح الجليل شرح مختصر خليل) لشمس الدين التتائي (ت 942 هـ)؛ إذ حصل له الوهم في مواضع كثيرة جداً؛ نقلاً، وتقريراً، وبحثاً؛ فبيَّنها الرماضي الجزائري في حاشيته. شرح أحمد الدردير: أحمد بن محمد العدوي الشهير بالدردير (ت 1201 هـ). من كتب الفتوى في المغرب. حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير: لمحمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي (ت 1230 هـ)، وعليها عوَّل فقهاء الزيتونة في الدروس، والفتاوى، والأحكام.
|
ومن الشروح المتداولة، ووقع خلاف كبير في كونها معتمدة؛ لكثرة مخالفتها للراجح المعتمد في المذهب: شروح علي الأجهوري (ت 1066 هـ)، وتلاميذه الذين يقلدونه غالباً: عبد الباقي الزرقاني (ت 1099 هـ)، ومحمد بن عبد الله الخِرْشي (ت 1101 هـ)، وإبراهيم الشبراخيتي (ت 1106 هـ). ولذلك ينبغي لم قرأ شرح الزرقاني أن ينظر في حواشيه التي نبهت على أوهامه؛ كحاشية محمد البناني (ت 1194 هـ)، ومحمد التاودي بن سودة (ت 1209 هـ)، ومحمد الرهوني (ت 1230 هـ)، ومحمد بن المدني كَنُون (ت 1302 هـ)، وكلها حواش معتمدة، كما ينبغي عند النظر في شروح الأجهوري النظر معها في شرح الدسوقي، وبُلْغَة السالك لأبو العباس أحمد بن محمد الخلوتي، الشهير بالصاوي المالكي (ت 1241 هـ).
|
المرشد المعين على الضروري من علوم الدين: لعبد الواحد بن عاشر (ت 1040 هـ). وهي منظومة عديمة المثال في الاختصار، وكثرة الفوائد، والتحقيق، وموافقة المشهور. الدر الثمين والمورد المعين شرح المرشد المعين: لمحمد بن أحمد ميَّارة (ت 1072 هـ). المجموع وشرحه وحاشيته (ضوء الشموع على شرح المجموع): لمحمد بن محمد الأمير الكبير (ت 1232 هـ)، و (المجموع) شبيه بمختصر خليل من حيث الترتيب، والاستدلال، والأهمية، والطابع، وكذلك الاستيعاب؛ إذ زاد فروعاً على خليل، وانتقده في بعض المسائل.
|
مصنفات الفقه التطبيقي وتضم كتب الفتاوى والنوازل، والقضاء والتوثيق، وما جرى به العمل، ومن أهمها: تبصرة الحكَّام في أصول الأقضية ومناهج الحكَّام: لإبراهيم ابن فَرْحُون (ت 799 هـ). تحفة الحكام في نكت العقود والأحكام: لمحمد بن محمد بن عاصم (ت 829 هـ). جامع مسائل الأحكام مما نزل من القضايا بالمفتين والحكَّام (نوازل البُرْزُلي في الفقه والفتاوى): لأحمد بن محمد البُرْزُلي (ت 841 هـ أو 844 هـ). الدرر المكنونة في نوازل مازونة (المازونية): لأبي زكريا يحيى بن موسى المازوني (ت 883 هـ). الدر النثير على أجوبة أبي الحسن الصغير: لإبراهيم بن هلال الصنهاجي (ت 903 هـ). المعيار المُعْرِب عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس والمغرب: لأحمد بن يحيى الوَنشَريسي (ت 914 هـ)، وهو أجمع ما وُجد من كتب النوازل. الإتقان والإحكام شرح تحفة الحكَّام: لمحمد بن أحمد ميَّارة (ت 1096 هـ). شرح التحفة: لمحمد التاودي بن سودة (ت 1209 هـ). مؤلفات محمد بن أبي القاسم السِّجِلْماسي (ت 1214 هـ): له (شرح العمل الفاسي)، و (فتح الجليل الصمد في شرح التكميل والمعتمد)؛ ونظمٌ للعمل المطلق وشرحه. البهجة في شرح التحفة: لعلي بن عبد السلام التَّسُولِّي (ت 1258 هـ). مؤلفات المهدي الوزَّاني (ت 1342 هـ): ومنها: المعيار الكبير (المعيار الجديد)، والمنح السامية في النوازل الفقهية (نوازل الوزَّاني)، تحفة الحذَّاق بنشر ما تضمّنته لامِيَّة الزَّقاق (حاشية الوزاني على شرح لاميَّة الزَّقاق للتاودي).
|
ومن الكتب التي لا تعتمد لخروجها عن المشهور: الأجوبة الناصرية في بعض مسائل البادية لابن ناصر الدرعي (ت 1085 هـ)، ونوازل الوَرْزازي (ت 1166 هـ)، ونوازل عِليش (ت 1299 هـ).
|
رابعاً: كتب تراجم علماء المذهب من أهم كتب تراجم المالكية: ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك — القاضي عياض الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب — ابن فرحون تراجم فقهاء مالكية من خلال مخطوط الجامع الكبير — عبد الرحمن الثعالبي شجرة النور الزكية في طبقات المالكية — محمد بن محمد مخلوف كفاية المحتاج لمعرفة من ليس في الديباج — أحمد بابا التنبكتي نيل الابتهاج بتطريز الديباج — أحمد بابا التنبكتي توشيح الديباج وحلية الابتهاج — القاضي بدر الدين محمد بن يحيى بن عمر القرافي جمهرة تراجم الفقهاء المالكية — قاسم علي سعد
|
أشهر مصطلحات المذهب الفقهية لكل مذهب من المذاهب الفقهية اصطلاحات تختص به، كما أن له مصطلحات يشترك فيها مع غيره من أصحاب المذاهب، ومصطلحات المذهب المالكي يمكن تقسيمها إلى مصطلحات خاصة بالأعلام والأئمة، ومصطلحات خاصة بالكتب، ومصطلحات خاصة بالمذاهب والآراء، ومصطلحات خاصة بالترجيح والتشهير في المذهب.
|
أولاً: المصطلحات الخاصة بالأعلام والأئمة وهي على قسمين: كلميَّة، وحرفية:
|
المصطلحات الكلميّة ومنها: الأخوان: مطرِّف بن عبد الله، وابن الماجشون. الأستاذ: أبو بكر الطرطوشي. الإمام: أبو عبد الله المازري. الجمهور: الأئمة الأربعة؛ إن كان في كتب الخلاف العالي. أو: جلُّ الرواة عن مالك، أو جلُّ المالكية؛ إن كان في كتب الخلاف داخل المذهب. الفقهاء السبعة: فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين. الشيخ: ابن أبي زيد القيرواني عند ابن عرفة وغيره. أو: خليل عند بَهْرام. أو: ابن عبد السلام عند خليل في (التوضيح). الشيخان: ابن أبي زيد القيرواني، وابن القابسي. وقيل: وأبو بكر الأبهري. شيخنا: العدوي؛ عند بعض المالكية؛ كالأمير الكبير. شيخنا ق: إبراهيم اللقاني؛ عند الزرقاني في (شرحه). الصقلِّيِّان: ابن يونس، وعبد الحق الصقلِّي. العراقيُّون: الحنفية؛ إن كان في مقابل المدنيين، أو المالكية عموماً. أو: القاضي إسماعيل، وابن الجلاب، ونظراؤهم؛ إن كان في مقابل بعض المالكية؛ كالمدنيين، أو المغاربة. القاضي: عبد الوهاب بن علي بن نصر. القاضيان: ابن القصَّار، وعبد الوهاب. القضاة الثلاثة: ابن القصار، وعبد الوهاب، وأبو الوليد الباجي. القرينان: أشهب بن عبد العزيز، وابن نافع الصائغ. المتأخرون: ابن أبي زيد، ومن بعده من علماء المالكية. المتقدمون: تلاميذ مالك، وأتباعهم قبل ابن أبي زيد. محمد: إذا أطلق؛ فهو ابن المواز. المحمَّدان: ابن الموَّاز، وابن سحنون. المحمَّدون: ابن الموَّاز، وابن سحنون، وابن عبدوس، وابن عبد الحكم. المدنيُّون: المالكية عموماً إن كان ذلك في مقابل كلام العراقيين، وإلا فالرواة عن مالك من أهل المدينة؛ وهم: ابن كنانة، وابن الماجشون، ومطرِّف، ونظراؤهم. المصريون: ابن القاسم، وأشهب، وأصبغ بن الفرج، ونظراؤهم. المغاربة: ابن أبي زيد، وابن القابسي، وابن اللباد، واللخمي، والباجي، وابن العربي، وابن عبد البر، وابن رشد، والقاضي عياض، وأضرابهم.
|
المصطلحات الحرفية وهي التي تشير إلى أسماء الأئمة بحرف، أو حرفين من أسمائهم، ومنها: بب: أحمد بابا بن أحمد التنبكْتي (ت 1036 هـ)، صاحب (نيل الابتهاج) في التراجم. بن: محمد بن الحسن البَنَّاني (ت 1194 هـ). وقد يشيرون بـ: مب. ت، أو: تو: التاودي. تت: محمد بن إبراهيم التتائي (ت 942 هـ). ج: محمد بن الحسن الجنوي (ت 1220 هـ). جس: محمد بن الطيب جَسُّوس (ت 1273 هـ). ح: الحطَّاب. خ: خليل. خش: الخِرْشي. د: أحمد زرُّوق. ره: الرُّهوني. ز: عبد الباقي الزرقاني. أو: عب. أو: عبق. س: محمد بن عبد السلام الهوَّاري (ت 746 هـ). شب: الشبْرَاخيتي. ع: ابن عرفة. صر: ناصر الدين اللقاني (ت 958 هـ). طخ: الطُّخيخي. عج: علي الأجهوري. غ: ابن غازي. ق: الموَّاق. مس: المسْناوي (ت 1136 هـ). مق: ابن مرزوق. محشي تت: مصطفى الرَّمَّاصي. أو: طفى. أو: ر. م: ميَّارة في (البهجة). أو: بَهْرام؛ كما في شرح زَرُّوق على (الرسالة).
|
ثانياً: المصطلحات الخاصة بالكتب وهي على قسمين: كلميَّة، وحرفية:
|
Subsets and Splits
No community queries yet
The top public SQL queries from the community will appear here once available.