content
stringlengths
221
1.9k
margins
stringclasses
17 values
title
stringlengths
49
51
page
int64
1
236
part
int64
1
4
52 - ومن خطبة له عليه السلام (*)) ألا وإن الدنيا قد تصرمت وآذنت بوداع وتنكر معروفها. وأدبرت حذاء (1). فهي تحفز بالفناء سكانها (2) وتحدر بالموت جيرانها (3) وقد أمر منها ما كان حلوا. وكدر منها ما كان صفوا (4). فلم يبق منها إلا سملة كسملة الإداوة (5). أو جرعة كجرعة المقلة، لو تمززها الصديان لم ينقع (6). فأزمعوا عباد الله الرحيل عن هذه الدار، المقدور على أهلها الزوال (7). ولا يغلبنكم فيها الأمل ولا يطولن عليكم ____________________ وأنت به عارف، والأغراض جمع غرض وهو الهدف (1) حذاء: مسرعة. ورحم حذاء مقطوعة غير موصولة. وفي رواية جذاء بالجيم أي مقطوعة الدر والخير (2) تحفزهم تدفعهم وتسوقهم، حفزه يحفزه دفعه من خلفه. أو هو بمعنى تطعنهم من حفزه بالرمح طعنه (3) تحدر بالراء من باب نصر وضرب أي تحوطهم بالموت. وفي رواية وهي الصحيحة تحدو بالواو بعد الدال أي تسوقهم بالموت إلى الهلاك فتكون الفقرة في معنى سابقتها مؤكدة لها (4) أمر الشئ صار مرا، وكدر كفرح كدرا وكظرف كدورة تعكر وتغير لونه واختلط بما لا يساغ هو معه (5) السملة محركة بقية الماء في الحوض. والإداوة المطهرة (إناء الماء الذي يتطهر به) والمقلة بالفتح حصاة يضعها المسافرون في إناء ثم يصبون الماء فيه ليغمرها فيتناول كل منهم مقدار ما غمرها لا يزيد أحدهم عن الآخر في نصيبه، يفعلون ذلك إذا قل الماء وأرادوا قسمته بالسوية (6) التمزز الامتصاص قليلا قليلا، والصديان العطشان وقوله لم ينقع أي لم يرو (7) فأزمعوا الرحيل أي عزموا عليه. يقال أزمع الأمر ولا يقال أزمع عليه، وجوزه الفراء بمعنى عزم عليه وأجمع.
* في نسخة زيادة: " قد تقدم مختارها برواية ونذكرها هاهنا برواية أخرى لتغاير الروايتين "
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٠١
101
1
الأمد. فوالله لو حننتم حنين الوله العجال (1). ودعوتم بهديل الحمام (2) وجأرتم جؤار متبتل الرهبان (3). وخرجتم إلى الله من الأموال والأولاد التماس القربة إليه في ارتفاع درجة عنده أو غفران سيئة أحصتها كتبه، وحفظها رسله (4)، لكان قليلا فيما أرجو لكم من ثوابه وأخاف عليكم من عقابه، والله لو انماثت قلوبكم انمياثا (5) وسالت عيونكم من رغبة إليه أو رهبة منه دما، ثم عمرتم في الدنيا ما الدنيا باقية (6) ما جزت أعمالكم - ولو لم تبقوا شيئا من جهدكم - أنعمه عليكم العظام وهداه إياكم للإيمان (7) 53 - في ذكر يوم النحر وصفة الأضحية ومن كمال الأضحية استشراف أذنها (8) وسلامة عينها. فإذا سلمت ____________________ والمراد من العزم على الرحيل مراعاته والعمل له (1) كل أنثى فقدت ولدها فهي وآله ووالهة. والعجول من الإبل التي فقدت ولدها (2) هديل الحمام صوته في بكائه لفقد الفه (3) جأرتم رفعتم أصواتكم. والجؤار الصوت المرتفع، أي تضرعتم إلى الله بأرفع أصواتكم كما يفعل الراهب المتبتل. والمتبتل المنقطع للعبادة (4) المراد من الرسل هنا الملائكة الموكلون بحفظ أعمال العباد (5) إنماثت ذابت (6) ما الدنيا باقية أي مدة بقائها (7) قوله ما جزت جواب لو انماثت. وقوله أنعمه عليكم العظام مفعول جزت أي ما كافأ ذلك أنعمه الكبار عليكم. وقوله ولو لم تبقوا شيئا الخ اعتراض بين الفاعل والمفعول لبيان غاية النفي في الجواب. وقوله وهداه إياكم عطف على أنعمه عطف الخاص على العام، فإن الهداية إلى الإيمان من أكبر النعم (8) الأضحية الشاة التي
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٠٢
102
1
الأذن والعين سلمت الأضحية وتمت. ولو كانت عضباء القرن (1) تجر رجلها إلى المنسك (2) (قال الرضي والمنسك هنا المذبح) 54 - ومن خطبة له عليه السلام فتداكوا على تداك الإبل الهيم يوم وردها (3) قد أرسلها راعيها وخلعت مثانيها (4) حتى ظننت أنهم قاتلي أو بعضهم قاتل بعض لدي. وقد قلبت هذا الأمر بطنه وظهره. فما وجدتني يسعني إلا قتالهم أو الجحود بما جاءني به محمد صلى الله عليه وآله (5) فكانت معالجة القتال أهون علي من معالجة العقاب. وموتات الدنيا أهون علي من موتات الآخرة ____________________ طلب الشارع ذبحها بعد شروق الشمس من عيد الأضحى، واستشراف الأذن تفقدها حتى لا تكون مجدوعة أو مشقوقة. وفي الحديث أمرنا أن نستشرف العين والأذن أي نتفقدها وذلك من كمال الأضحية أي من كمال عملها وتأدية سنتها، وتكون سلامة عينها عطفا على أذنها. وقد يراد من استشراف الأذن طولها وانتصابها. أذن شرفاء أي منتصبة طويلة فسلامة عينها عطف على استشراف والتفسير الأول أمس بقوله فإذا سلمت الأذن (1) عضباء القرن مكسورته (2) تجر رجلها إلى المنسك أي عرجا. والمنسك المذبح. وفي صفات الأضحية وعيوبها المخلة بها تفصيل وخلافات تطلب من كتب الفقه (3) تداكوا تزاحموا عليه ليبايعوه رغبة فيه. والهيم العطاش. ويوم وردها يوم شربها (4) جمع المثناة بفتح الميم وكسرها حبل من صوف أو شعر يعقل به البعير (5) قتال البغاة من الواجب على الإمام، فإن لم يقاتلهم على قدرة منه كان منابذا
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٠٣
103
1
55 - ومن كلام له عليه السلام وقد استبطأ أصحابه إذنه لهم في القتال بصفين أما قولكم أكل ذلك كراهية الموت فوالله ما أبالي أدخلت إلى الموت أو خرج الموت إلي (1). وأما قولكم شكا في أهل الشام فوالله ما دفعت الحرب يوما إلا وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي وتعشو إلى ضوئي، وذلك أحب إلي من أن أقتلها على ضلالها وإن كانت تبوء بآثامها 56 - ومن كلام له عليه السلام ولقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا. ما يزيدنا ذلك إلا إيمانا وتسليما ومضيا على اللقم (2) ____________________ لأمر الله في ترك ما أوجبه عليه فكأنه جاحد لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) روي أن أمير المؤمنين بعد ما ملك الماء على أصحاب معاوية ساهمهم فيه رجاء أن يعطفوا إليه، ولزوما للمعدلة وحسن السيرة، ومكث أياما لا يرسل إلى معاوية ولا يأتيه منه شئ، واستبطأ الناس إذنه في قتال أهل الشام. واختلفوا في سبب التريث فقال بعضهم كراهة الموت، وقال بعضهم الشك في جواز قتال أهل الشام، فأجابهم: أما الموت لم يكن ليبالى به، وأما الشك فلا موضع له وإنما يرجو بدفع الحرب أن يتجاوزوا إليه بلا قتال فإن ذلك أحب إليه من القتال على الضلال وإن كان الإثم عليهم. وتبوء بآثامها ترجع بها. وتعشو إلى ضوئه تستدل عليه وإن كان ببصر ضعيف في ظلام الفتن فتهتدي إليه. عشا إلى النار أبصرها ليلا ببصر ضعيف فقصدها (2) اللقم بالتحريك معظم الطريق
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٠٤
104
1
وصبرا على مضض الألم وجدا في جهاد العدو. ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين. يتخالسان أنفسهما (1) أيهما يسقي صاحبه كأس المنون. فمرة لنا من عدونا. ومرة لعدونا منا. فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت (2) وأنزل علينا النصر حتى استقر الاسلام ملقيا جرانه (3). ومتبوئا أوطانه. ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود. ولا أخضر للإيمان عود. وأيم الله لتحتلبنها دما (4)، ولتتبعنها ندما 57 - ومن كلام له عليه السلام لأصحابه أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم مندحق البطن (5) ____________________ أو جادته. ومضض الألم لذعته وبرحاؤه (1) يتخالسان كل يطلب اختلاس روح الآخر. والتصاول أن يحمل كل قرن على قرنه (2) الكبت الذل والخذلان (3) جران البعير بالكسر مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره. وإلقاء الجران كناية عن التمكن (4) الاحتلاب استخراج ما في الضرع من اللبن. والضمير المنصوب يعود إلى أعمالهم المفهومة من قوله ما أتيتم. واحتلاب الدم تمثيل لاجترارهم على أنفسهم سوء العاقبة من أعمالهم، وسيتبعون تلك الأعمال بالندم عندما تصيبهم دائرة السوء أو تحل قريبا من دارهم (5) مندحق البطن عظيم البطن بارزه كأنه لعظمه مندلق من بدنه يكاد يبين عنه. وأصل اندحق بمعنى اندلق وفي الرحم خاصة، والدحوق من النوق التي يخرج رحمها عند الولادة. وزحب البلعوم واسعه. يقال عنى به زيادا. وبعضهم يقول عنى المغيرة
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٠٥
105
1
يأكل ما يجد ويطلب ما لا يجد. فاقتلوه ولن تقتلوه (1). ألا وإنه سيأمركم بسبي والبراءة مني. فأما السب فسبوني فإنه لي زكاة ولكم نجاة. وأما البراءة فلا تتبرأوا مني فإني ولدت على الفطرة، وسبقت إلى الإيمان والهجرة (2) 58 - ومن كلام له عليه السلام كلم به الخوارج (3) أصابكم حاصب (4) ولا بقي منكم آبر. أبعد إيماني بالله وجهادي مع رسول الله أشهد على نفسي بالكفر. لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين. فأوبوا شر مآب. وارجعوا على أثر الأعقاب. أما إنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا. وسيفا قاطعا. وأثرة يتخذها الظالمون فيكم سنة (5) ____________________ ابن شعبة والبعض يقول معاوية (1) هذا الأمر (2) قد تسب شخصا وأنت مكره ولحبه مستبطن فتنجو من شر من أكرهك. وما أكرهك على سبه إلا مستعظم لأمره يريد أن يحط منه وذلك زكاة للمسبوب. أما البراءة من شخص فهي الانسلاخ من مذهبه (3) زعم الخوارج خطأ الإمام في التحكيم، وغلوا فشرطوا في العودة إلى طاعته أن يعترف بأنه كان كفر ثم آمن، فخاطبهم بما منه هذا الكلام (4) الحاصب ريح شديدة تحمل الحصباء والجملة دعاء عليهم بالهلاك (5) أوبوا شر مآب: انقلبوا شر منقلب بضلالكم في زعمكم، وارتدوا على أعقابكم بفساد هواكم فلن يضرني ذلك
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٠٦
106
1
(قوله عليه السلام) ولا بقي منكم آبر يروى بالباء والراء من قولهم رجل آبر للذي يأبر النخل أي يصلحه. ويروى آثر وهو الذي يأثر الحديث أي يرويه ويحكيه، وهو أصح الوجوه عندي. كأنه عليه السلام قال (لا بقي منكم مخبر. ويروى آبز بالزاي المعجمة وهو الواثب. والهالك أيضا يقال له آبز) 59 - قال عليه السلام لما عزم على حرب الخوارج وقيل له إنهم قد عبروا جسر النهروان مصارعهم دون النطفة. والله لا يفلت منهم عشرة (1) ولا يهلك منكم عشرة. (يعني بالنطفة ماء النهر وهو أفصح كناية عن الماء وإن كان كثيرا جما) 60 - ولما قتل الخوارج فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم (قال عليه السلام) كلا والله إنهم نطف في أصلاب الرجال وقرارات النساء (2). كلما نجم منهم قرن قطع حتى يكون آخرهم ____________________ شيئا وأنا على بصيرة في أمري. ثم أنذرهم بما سيلاقون من سوء المنقلب الأثرة والاستبداد فيهم والاختصاص بفوائد الملك دونهم وحرمانهم من كل حق لهم (1) أنه ما نجا منهم إلا تسعة تفرقوا في البلاد، وما قتل من أصحاب أمير المؤمنين إلا ثمانية (2) قرارات النساء كناية عن الأرحام، وكلما نجا منهم قرن: أي كلما ظهر وطلع منهم
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٠٧
107
1
لصوصا سلابين. 61 - (وقال عليه السلام فيهم) لا تقتلوا الخوارج بعدي فليس من طلب الحق فأخطأه كمن الباطل فأدركه. (يعني معاوية وأصحابه (1)) 62 - ومن كلام له عليه السلام لما خوف من الغيلة (2) وإن علي من الله جنة حصينة (3)، فإذا جاء يومي انفرجت عني وأسلمتني، فحينئذ لا يطيش السهم ولا يبرأ الكلم (4) 63 - ومن كلام له عليه السلام ألا وإن الدنيا دار لا يسلم منها إلا فيها (5). ولا ينجى بشئ ____________________ رئيس قتل حتى ينتهي أمرهم إلى أن يكونوا لصوصا سلابين لا يقومون بملك ولا ينتصرون إلى مذهب ولا يدعون إلى عقيدة شأن الأشرار الصعاليك الجهلة (1) الخوارج من بعده وإن كانوا قد ضلوا بسوء عقيدتهم فيه إلا أن ضلتهم لشبهة تمكنت من نفوسهم فاعتقدوا الخروج عن طاعة الإمام مما يوجبه الدين عليهم. فقد طلبوا حقا وتقريره شرعا فأخطأوا الصواب فيه، لكنهم بعد أمير المؤمنين يخرجون بزعمهم هذا على من غلب على الأمرة بغير حق وهم الملوك الذين طلبوا الخلافة باطلا فأدركوها وليسوا من أهلها. فالخوارج على ما بهم أحسن حالا منهم (2) الغيلة القتل على غرة بغير شعور من المقتول كيف يأتيه القاتل (3) جنة بالضم وقاية (4) الكلم بالفتح الجرح (5) أي من أراد السلامة من محنتها فليهئ وسائل النجاة وهو فيها
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٠٨
108
1
كان لها (1). أبتلي الناس بها فتنة فما أخذوه منها لها أخرجوا منه وحوسبوا عليه (2). وما أخذوه منها لغيرها قدموا عليه وأقاموا فيه. وإنها عند ذوي العقول كفئ الظل (3) بينا تراه سابغا حتى قلص (4)، وزائدا حتى نقص 64 - ومن خطبة له عليه السلام واتقوا الله عباد الله. وبادروا آجالكم بأعمالكم (5) وابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول عنكم (6). وترحلوا فقد جد بكم (7). واستعدوا ____________________ إذ بعد الموت لا يمكن التدارك ولا ينفع الندم. فوسائل النجاة إما عمل صالح أو اقلاع عن خطيئة بتوبة نصوح كلاهما لا يكون إلا في دار التكاليف وهي دار الدنيا (1) أي لا نجاة بعمل يعمل للدنيا إذ كل عمل يقصد به لذة دنيوية فانية فهو هلكة لا نجاة (2) ما أخذوه منها لها كالمال يذخر للذة ويقتنى لقضاء الشهوة. وما أخذوه لغيرها كالمال ينفق في سبيل الخيرات يقدم صاحبه في الآخرة على ثوابه بالنعيم المقيم (3) إضافة الفئ إلى الظل إضافة الخاص للعام لأن الفئ لا يكون إلا بعد الزوال (4) سابغا ممتدا سائرا للأرض. وقلص انقبض، وحتى هنا لمجرد الغاية بلا تدريج، أي أن غاية سبوغه الانقباض وغاية زيادته النقص (5) بادروا الآجال بالأعمال أي سابقوها وعاجلوها بها أي استكملوا أعمالكم قبل حلول آجالكم (6) ابتاعوا اشتروا ما يبقى من النعيم الأبدي بما يفنى من لذة الحياة الدنيا وشهواتها المنقضية (7) الترحل الانتقال والمراد منه هنا لازمه وهو إعداد الزاد الذي لا بد منه للراحل، والزاد في الانتقال عن الدنيا ليس إلا زاد التقوى. وقوله فقد جد بكم أي فقد حثثتم وازعجتم إلى الرحيل، أو فقد
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٠٩
109
1
للموت فقد أظلكم (1). وكونوا قوما صيح بهم فانتبهوا (2). وعلموا أن الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا. فإن الله سبحانه لم يخلقكم عبثا ولم يترككم سدى (3). وما بين أحدكم وبين الجنة أو النار إلا الموت أن ينزل به (4). وإن غاية تنقصها اللحظة وتهدمها الساعة لجديرة بقصر المدة (5). وإن غائبا يحدوه الجديدان: - الليل والنهار - لحري بسرعة الأوبة (6). وإن قادما يقدم بالفوز أو الشقوة لمستحق لأفضل ____________________ أسرع بكم مسترحلكم وأنتم لا تشعرون (1) الاستعداد للموت إعداد العدة له أو طلب العدة، للقائه، ولا عدة له إلا الأعمال الصالحة. وقوله فقد أظلكم: أي قرب منكم حتى كأن له ظلا قد ألقاه عليكم (2) أي كونوا قوما حذرين إذا استنامتهم الغفلة وقتا ما ثم صاح بهم صائح الموعظة انتبهوا من نومهم وهبوا لطلب نجاتهم. وقوله وعلموا أي آخره أي عرفوا الدنيا وأنها ليست بدار بقاء وقرار فاستبدلوها بدار الآخرة وهي الدار التي ينتقل إليها (3) تعالى الله أن يفعل شيئا عبثا، وقد خلق الإنسان وآتاه قوة العقل التي تصغر عندها كل لذة دنيوية ولا تقف رغائبها عند حد منها مهما علت رتبته فكأنها مفطورة على استصغار كل ما تلاقيه في هذه الحياة وطلب غاية أعلى مما يمكن أن ينال فيها، فهذا الباعث الفطري لم يوجده الله تعالى عبثا بل هو الدليل الوجداني المرشد إلى ما وراء هذه الحياة وسدى. أي مهملين بلا راع يزجركم عما يضركم ويسوقكم إلى ما ينفعكم. ورعاتنا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وخلفاؤهم (4) أن ينزل به في محل الرفع بدل من الموت أي ليس بين الواحد منا وبين الجنة إلا نزول الموت به إن كان قد أعد لها عدتها، ولا بينه وبين النار إلا نزول الموت به إن كان قد عمل بعمل أهلها، فما بعد هذه الحياة إلا الحياة الأخرى وهي إما شقاء وإما نعيم (5) تلك الغاية هي الأجل، وتنقصها أي تنقص أمد الانتهاء إليها، وكل لحظة تمر فهي نقص في الأمد بيننا وبين الأجل والساعة تهدم ركنا من ذلك الأمد وما كان كذلك فهو جدير بقصر المدة (6) ذلك الغائب هو الموت، ويحدوه يسوقه، الجديدان الليل
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١١٠
110
1
العدة. فتزودوا في الدنيا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم غدا (1) فاتقى عبد ربه. نصح نفسه. قدم توبته. وغلب شهوته (2) فإن أجله مستور عنه. وأمله خادع له. والشيطان موكل به يزين له المعصية ليركبها ويمنيه التوبة ليسوفها (3) حتى تنجم منيته عليه أغفل ما يكون عنها (4) فيالها حسرة على ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة (5) وأن تؤديه أيامه إلى شقوة. نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم ممن لا تبطره نعمة (6) ولا تقصر به عن طاعة ربه غاية. ولا تحل به بعد الموت ندامة ولا كآبة ____________________ والنهار لأن الأجل المقسوم لك إن كان بعد ألف سنة فالليل والنهار بكرورهما عليك يسوقان إليك ذلك المنتظر على رأس الألف وما أسرع مرهما والانتهاء إلى الغاية، وما أسرع أوبة لك الغائب الذي يسوقانه إليك. أي رجوعه. والموت هو ذلك القادم إما بفوز وإما بشقوة. وعدته الأعمال الصالحات والملكات الفاضلة (1) ما تحرزون به أنفسكم أي تحفظونها به وذلك هو تقوى الله في السر والنجوى وطاعة الشرع وعصيان الهوى (2) قوله فاتقى عبد ربه وما بعده أوامر بصيغة الماضي، ويجوز أن يكون بيانا للتزود المأمور به في قوله فتزودوا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم، أو بيانا لما يحرزون به أنفسهم (3) يسوفها أن يؤجلها ويؤخرها (4) قوله أغفل ما يكون حال من الضمير في عليه. والمنية الموت أي لا يزال الشيطان يزين له المعصية ويمنيه بالتوبة أن تكون في مستقبل العمر ليسوفها حتى يفاجئه الموت وهو في أشد الغفلة عنه (5) يكون عمره حجة عليه لأنه أوتي فيه المهلة ومكن فيه من العمل فلم ينشط له (6) لا تبطره النعمة لا تطغيه ولا تسدل
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١١١
111
1
65 - ومن خطبة له عليه السلام الحمد لله الذي لم يسبق له حال حالا (1). فيكون أولا قبل أن يكون آخرا. ويكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا كل مسمى بالوحدة غيره قليل (2). وكل عزيز غيره ذليل. وكل قوي غيره ضعيف. وكل مالك غيره مملوك. وكل عالم غيره متعلم. وكل قادر غيره يقدر ويعجز. وكل سميع غيره يصم عن لطيف الأصوات ويصمه كبيرها ويذهب عنه ما بعد منها (3). وكل بصير غيره يعمى عن ____________________ على بصيرته حجاب الغفلة عما هو صائر إليه (1) ما لله من وصف فهو لذاته يجب بوجوبها، فكما أن ذاته سبحانه لا يدنو منها التغير والتبدل، فكذلك أوصافه هي ثابتة له معا لا يسبق منها وصف وصفا وإن كان مفهومها قد يشعر بالتعاقب إذا أضيفت إلى غيره، فهو أول وآخر أزلا وأبدا، أي هو السابق بوجوده لكل موجود، وهو بذلك السبق باق لا يزول وكل وجود سواه فعلى أصل الزوال مبناه، ثم هو في ظهوره بأدلة وجوده باطن بكنهه لا تدركه العقول ولا تحوم عليه الأوهام (2) الواحد أقل العدد ومن كان واحدا منفردا عن الشريك محروما من المعين كان محتقرا لضعفه ساقطا لقلة أنصاره. أما الوحدة في جانب الله فهي علو الذات عن التركيب المشعر بلزوم الانحلال وتفردها بالعظمة والسلطان وفناء كل ذات سواها إذا اعتبرت منقطعة النسبة إليها فوصف غير الله بالوحدة تقليل والكمال في عالمه أن يكون كثيرا، إلا الله فوصفه بالوحدة تقديس وتنزيه، وبقية الأوصاف ظاهرة (3) السامعون من الحيوان والانسان لقوى سمعهم حد محدود فما خفي من الأصوات لا يصل إليها فهي صماء عنه. فيصم بفتح الصاد مضارع صم إذا أصيب بالصمم وفقد السمع، وما عظم من الأصوات حتى فات المألوف
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١١٢
112
1
خفي الألوان ولطيف الأجسام. وكل ظاهر غيره باطن. وكل باطن غيره غير ظاهر (1). لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان. ولا تخوف من عواقب زمان. ولا استعانة على ند مثاور (2). ولا شريك مكاثر ولا ضد منافر. ولكن خلائق مربوبون. وعباد داخرون (3) لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كائن. ولم ينأ عنها فيقال هو منها بائن (4) لم يؤده خلق ما ابتدأ (5) ولا تدبير ما ذرأ (6) ولا وقف به عجز عما خلق. ولا ولجت عليه شبهة فيما وقدر (7). بل قضاء متقن ____________________ الذي يستطاع احتماله يحدث فيها الصمم بصدعه لها فيصم بكسر الصاد مضارع أصم وما بعد من الأصوات عن السامع بحيث لا يصل موج الهواء المتكيف بالصوت إليه ذهب عن تلك القوى فلا تناله، كل ذلك في غيره سبحانه، أما هو جل شأنه فيستوي عنده الخفي والشديد والقريب والبعيد لأن نسبة الأشياء إليه واحدة ومثل ذلك يقال في البصر والبصراء (1) الباطن هنا غيره فيما سبق أي كل ما هو ظاهر بوجوده الموهوب من الله سبحانه فهو باطن بذاته أي لا وجود له في نفسه فهو معدوم بحقيقته وكل باطن سواه فهو بهذا المعنى فلا يمكن أن يكون ظاهرا بذاته بل هو باطن أبدا (2) الند النظير والمثل. والمثاور المواثب والمحارب. والشريك المكاثر أي المفاخر بالكثرة. هذا إذا قرئ بالثاء المثلثة، ويروى المكابر بالباء الموحدة أي المفاخر بالكبر والعظمة. والضد المنافر أي المحاكم في الرفعة والحسب، يقال نافرته في الحسب فنفرته أي غلبته وأثبت رفعتي عليه (3) مربوبون أي مملوكون. وداخرون أذلاء من دخر ذل وصغر (4) لم ينأ عنها أي لم ينفصل انفصال الجسم حتى يقال هو بائن أي منفصل (5) يؤده أي لم يثقله. آده الأمر أثقله وأتعبه (6) ذرأ أي خلق (7) ولجت عليه
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١١٣
113
1
وعلم محكم. وأمر مبرم (1) المأمول مع النقم والمرهوب مع النعم 66 - ومن كلام له عليه السلام كان يقوله لأصحابه في بعض أيام صفين معاشر المسلمين استشعروا الخشية (2) وتجلببوا السكينة وعضوا على النواجذ (3) فإنه أنبى للسيوف عن الهام وأكملوا اللامة (4) وقلقلوا السيوف في أغمادها قبل سلها (5) والحظوا الخزر (6) واطعنوا الشزر (7) ونافحوا بالظبا (8) وصلوا السيوف بالخطا (9). واعلموا ____________________ دخلت (1) محتوم. وأصله من أبرم الحبل جعله طاقين ثم فتله وبهذا أحكمه (2) استشعر لبس الشعار وهو ما يلي البدن من الثياب. وتجلبب لبس الجلباب وهو ما تغطي به المرأة ثيابها من فوق، ولكون الخشية أي الخوف من الله غاشية قلبية عبر في جانبها بالاستشعار، وعبر بالتجلبب في جانب السكينة لأنها عارضة تظهر في البدن كما لا يخفى (3) النواجذ جمع ناجذ وهو أقصى الأضراس. ولكل إنسان أربعة نواجذ وهي بعد الارحاء ويسمى الناجذ ضرس العقل لأنه ينبت بعد البلوغ. وإذا عضضت على ناجذك تصلبت أعصابك وعضلاتك المتصلة بدماغك فكانت هامتك أصلب وأقوى على مقاومة السيف فكان أنبى عنها وأبعد عن التأثير فيها. والهام جمع هامة وهي الرأس (4) اللامة الدرع، وإكمالها أن يزاد عليها البيضة والسواعد ونحوها. وقد يراد من اللامة آلات الحرب والدفاع استيفاؤها (5) مخافة أن تستعصى عن الخروج عند السل (6) الخزر محركة النظر كأنه من أحد الشقين، وهو علامة الغضب (7) اطعنوا بضم العين فإذا كان في النسب مثلا كان المضارع مفتوحها وقد يفتح فيهما. والشزر بالفتح الطعن في الجوانب يمينا وشمالا (8) نافحوا كافحوا وضاربوا. والظبا بالضم جمع ظبة طرف السيف وحده (9) صلوا من الوصل أي اجعلوا سيوفكم متصلة بخطا أعدائكم جمع خطوة أو إذا
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١١٤
114
1
أنكم بعين الله (1) ومع ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله. فعاودوا الكر واستحيوا من الفر (2) فإنه عار في الأعقاب ونار يوم الحساب. وطيبوا عن أنفسكم نفسا. وامشوا إلى الموت مشيا سجحا (3) وعليكم بهذا السواد الأعظم. والرواق المطنب (4). فاضربوا ثبجه (5) فإن الشيطان كامن في كسره (6). قد قدم للوثبة يدا وأخر للنكوص رجلا فصمدا صمدا (7). حتى ينجلي لكم عمود الحق (وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم) (8) ____________________ قصرت سيوفكم عن الوصول إلى أعدائكم فصلوها بخطاكم (1) بعين الله أي ملحوظون بها (2) الفر الفرار، وهو عار في الأعقاب أي في الأولاد لأنهم يعيرون بفرار آبائهم. وقوله وطيبوا عن أنفسكم نفسا أي ارضوا ببذلها فإنكم تبذلونها اليوم لتحرزوها غدا (3) السجح بضمتين السهل (4) الرواق ككتاب وغراب الفسطاط. والمطنب المشدود بالأطناب جمع طنب بضمتين حبل يشد به سرادق البيت. وأراد بالسواد الأعظم جمهور أهل الشام، والرواق رواق معاوية (5) الثبج بالتحريك الوسط (6) كسره بالكسر شقه الأسفل كناية عن الجوانب التي يفر إليها المنهزمون. والشيطان الكامن في الكسر مصدر الأوامر بالهجوم والرجوع، فإن جبنتم مد يده للوثبة وإن شجعتم أخر للنكوص والهزيمة رجله (7) الصمد القصد، أي فاثبتوا على قصدكم (8) لن ينقصكم
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١١٥
115
1
67 - ومن كلام له عليه السلام في معنى الأنصار قالوا لما انتهت إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنباء السقيفة (1) بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله قال عليه السلام: ما قالت الأنصار؟ قالوا قالت منا أمير ومنكم أمير قال عليه السلام فهلا احتجتم عليهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصى بأن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم (قالوا وما في هذا من الحجة عليهم) فقال عليه السلام لو كانت الإمارة فيهم لم تكن الوصية بهم. ثم قال عليه السلام. فما ذا قالت قريش؟ قالوا احتجت بأنها شجرة الرسول صلى الله عليه وسلم. فقال عليه السلام احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة (2) 68 - ومن كلام له عليه السلام لما قلد محمد بن أبي بكر مصر فملكت عليه فقتل وقد أردت تولية مصر هاشم بن عتبة ولو وليته إياها لما خلى لهم العرصة (3) ____________________ شيئا من جزائها (1) سقيفة بني ساعدة اجتمع فيها الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لاختيار خليفة له (2) يريد من الثمرة آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم (3) العرصة كل بقعة واسعة بين الدور، والمراد ما جعل لهم مجالا للمغالبة. وأراد بالعرصة
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١١٦
116
1
ولا أنهزهم الفرصة. بلا ذم لمحمد بن أبي بكر (1) فلقد كان إلي حبيبا وكان لي ربيبا (2) 69 - ومن كلام له عليه السلام في ذم أصحابه كم أداريكم كما تدارى البكار العمدة (3) والثياب المتداعية (4) كلما حيصت من جانب تهتكت من آخر (5) أكلما أطل عليكم منسر من مناسر أهل الشام أغلق كل رجل منكم بابه وانجحر انجحار الضبة في جحرها والضبع في وجارها (6). الذليل والله من نصرتموه. ومن رمي بكم فقد رمي بأفوق ناصل (7). وإنكم والله ____________________ عرصة مصر، وكان محمد قد فر من عدوه ظنا منه أن ينجو بنفسه فأدركوه وقتلوه (1) بلا ذم لمحمد الخ لما يتوهم من مدح عتبة (2) قالوا إن أسماء بنت عميس كانت تحت جعفر بن أبي طالب فلما قتل تزوجها أبو بكر فولدت منه محمدا ثم تزوجها علي بعده وتربى محمد في حجره وكان جاريا مجرى أولاده حتى قال علي كرم الله وجهه محمد ابني من صلب أبي بكر (3) البكار ككتاب جمع بكر الفتى من الإبل، والعمدة بفتح فكسر التي انفضح داخل سنامها من الركوب وظاهره سليم (4) المتداعية الخلقة المتخرقة. ومداراتها استعمالها بالرفق التام (5) حيصت خيطت، وتهتكت تخرقت (6) المنسر كمجلس ومنبر القطعة من الجيش تمر أمام الجيش الكثير، وأطل أشرف. وانجحر دخل الجحر، والوجار بالكسر جحر الضبع وغيرها (7) الأفوق من السهام ما كسر فوقه أي موضع الوتر منه والناصل العاري من النصل. والسهم إذا كان مكسور الفوق عاريا عن النصل لم يؤثر في الرمية. فهم في ضعف أثرهم وعجزهم عن النكاية
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١١٧
117
1
لكثير في الباحات (1) قليل تحت الرايات. وإني لعالم بما يصلحكم ويقيم أودكم (2) ولكني لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي. أضرع الله خدودكم (3). وأتعس جدودكم (4) لا تعرفون الحق كمعرفتكم الباطل. ولا تبطلون الباطل كإبطالكم الحق 70 - وقال عليه السلام في سحرة اليوم الذي ضرب فيه (5) ملكتني عيني وأنا جالس (6) فسنح لي رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت يا رسول الله ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد! فقال ادع عليهم، فقلت أبدلني الله بهم خيرا منهم وأبدلهم بي شرا لهم مني (يعني بالأود الاعوجاج وباللدد الخصام وهذا من أفصح الكلام) 71 - ومن خطبة له عليه السلام في ذم أهل العراق أما بعد يا أهل العراق فإنما أنتم كالمرأة الحامل حملت فلما أتمت أملصت (7) ومات قيمها وطال تأيمها وورثها أبعدها (8) أما والله ____________________ بعدوهم أشبه به (1) الباحات الساحات (2) أودكم بالتحريك اعوجاجكم (3) أذل الله وجوهكم (4) وأتعس جدودكم وحط من حظوظكم. والتعس الانحطاط والهلاك والعثار (5) السحرة بالضم السحر على الأعلى من آخر الليل (6) ملكتني عيني غلبني النوم وسنح لي رسول الله مربي. تسنح الظباء والطير (7) أملصت ألقت ولدها ميتا (8) قيمها
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١١٨
118
1
ما أتيتكم اختيارا ولكن جئت إليكم سوقا (1) ولقد بلغني أنكم تقولون علي يكذب. قاتلكم الله فعلى من أكذب. أعلى الله؟ فأنا أول من آمن به. أم على نبيه؟ فأنا أول من صدقه (2). كلا والله ولكنها لهجة غبتم عنها (3) ولم تكونوا من أهلها. ويلمه كيلا بغير ثمن (4) لو كان له وعاء، ولتعلمن نبأه بعد حين ____________________ زوجها وتأيمها خلوها من الأزواج، يريد أنهم لما شارفوا استئصال أهل الشام وبدت لهم علامات الظفر بهم جنحوا إلى السلم إجابة لطلاب التحكيم فكان مثلهم مثل المرأة الحامل لما أتمت أشهر حملها ألقت ولدها بغير الدافع الطبيعي بالحادث العارضي كالضربة والسخطة وقلما تلقيه كذلك إلا هالكا. ولم يكتف في تمثيل خيفتهم في ذلك حتى قال ومات مع هذه الحالة زوجها وطال ذلها بفقدها من يقوم عليها حتى إذا هلكت عن غير ولد ورثها الأباعد السافلون في درجة القرابة ممن لا يلتفت إلى نسبه (1) يقسم أنه لم يأت العراق مستنصرا بأهله اختيارا لتفضيله إياهم على من سواهم. وإنما سيق إليهم بسائق الضرورة فإنه لولا وقعة الجمل لم يفارق المدينة المنورة. ويروى هذا الكلام بعبارة أخرى وهي (ما أتيتكم اختيارا ولا جئت إليكم شوقا) بالشين المعجمة (2) كان كرم الله وجهه كثيرا ما يخبرهم بما لا يعرفون ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون فيقول المنافقون من أصحابه إنه يكذب كما يقولون مثل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فهو يرد عليهم قولهم بأنه أول من آمن بالله وصدق برسوله فكيف يجترئ على الكذب على الله أو على رسوله مع قوة إيمانه وكمال يقينه ولا يجتمع كذب وإيمان صحيح (3) لهجة غبتم عنها أي ضرب من الكلام أنتم في غيبة عنه أي بعد عن معناه ونبو طبع عما حواه فلا تفهمونه ولهذا تكذبونه (4) ويلمه كلمة استعظام تقال في مقام المدح وإن كان أصل وضعها لضده ومثل ذلك معروف في لسانهم، يقولون للرجل يعظمونه ويقرظونه لا أبا لك. وفي الحديث فاظفر بذات الدين تربت يداك، وفي كلام
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١١٩
119
1
72 - ومن خطبة له عليه السلام علم فيها الناس الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله اللهم داحي المدحوات (1). وداعم المسموكات. وجابل القلوب على فطرتها (2) شقيها وسعيدها. اجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك (3) على محمد عبدك ورسولك الخاتم لما سبق. والفاتح لما ____________________ الحسن يحدث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويعظم أمره: وما لك والتحكيم والحق في يديك ولا أبا لك. وأصل الكلمة ويل أمه. وقوله كيلا مصدر محذوف أي أنا أكيل لكم العلم والحكمة كيلا بلا ثمن لو أجد وعاء أكيل فيه، أي لو أجد نفوسا قابلة وعقولا عاقلة (1) داحي المدحوات أي باسط المبسوطات وأراد منها الأرضين. وبسطها أن تكون كل قطعة منها صالحة لأن تكون مستقرا ومجالا للبشر وسائر الحيوان تتصرف عليها هذه المخلوقات في الأعمال التي وجهت إليها بهادي الغريزة كما هو المشهود لنظر الناظر وإن كانت الأرض في جملتها كروية الشكل. وداعم المسموكات مقيمها وحافظها. دعمه كمنعه: أقامه وحفظه. والمسموكات المرفوعات وهي السماوات، وقد يراد من هذا الوصف المجعول لها سمكا يفوق كل سمك. والسمك الثخن المعروف في اصطلاح أهل الكلام بالعمق. ودعمه للسماوات أقامته لها وحفظها من الهوى بقوة معنوية وإن لم يكن ذلك بدعامة حسية. قال صاحب القاموس المسموكات لحن والصواب مسمكات، ولعل هذا في إطلاق اللفظ اسما للسماوات، أما لو أطلق صفة كما في كلام الإمام فهو صحيح فصيح بل لا يصح غيره فإن الفعل سمك لا أسمك (2) جابل القلوب خالقها. والفطرة أول حالات المخلوق التي يكون عليها في بدء وجوده، وهي للانسان حالته خاليا من الآراء والأهواء والديانات والعقائد. وقوله شقيها وسعيدها بدل من القلوب، أي جابل الشقي والسعيد من القلوب على فطرته الأولى التي هو بها كاسب محض، فحسن اختياره يهديه إلى السعادة وسوء تصرفه يضلله في طرق الشقاوة (3) الشرائف جمع شريفة. والنوامي
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٢٠
120
1
انغلق. والمعلن الحق بالحق والدافع جيشات الأباطيل. والدامغ صولات الأضاليل. كما حمل فاضطلع (1) قائما بأمرك مستوفزا في مرضاتك غير نأكل عن قدم. ولا واه في عزم (2). واعيا لوحيك حافظا لعهدك. ماضيا على نفاذ أمرك. حتى أورى قبس القابس وأضاء الطريق للخابط (3) وهديت به القلوب بعد خوضات الفتن. ____________________ الزوائد. والخاتم لما سبق أي لما تقدمه من النبوات. والفاتح لما انغلق كانت أبواب القلوب قد أغلقت بأقفال الضلال عن طوارق الهداية فافتتحها صلى الله عليه وسلم بآيات نبوته، وأعلن الحق وأظهره بالحق والبرهان. والأباطيل جمع باطل على غير قياس، كما أن الأضاليل جمع ضلال على غير قياس. وجيشاتها جمع جيشة من جاشت القدر إذا ارتفع غليانها. والصولات جمع صولة وهي السطوة. والدامغ من دمغه إذا شجه حتى بلغت الشجة دماغه، والمراد أنه قامع ما نجم من الباطل والكاسر لشوكة الضلال وسطوته وذلك بسطوع البرهان وظهور الحجة (1) أي أعلن الحق بالحق وقمع الباطل وقهر الضلال كما حمل تلك الأعمال الجليلة بتحميله أعباء الرسالة. فاضطلع أي نهض بها قويا. والضلاعة القوة. والمستوفز المسارع المستعجل، وقد تكون الكاف في كما حمل للتعليل كما في قوله. فقلت له أبا الملحاة خذها * كما أوسعتنا بغيا وعدوا (2) الناكل الناكص والمتأخر. أي غير جبان يتأخر عند وجوب الإقدام. والقدم بضمتين المشي إلى الحرب، ويقال مضى قدما أي سار ولم يعرج. والواهي الضعيف واعيا أي حافظا وفاهما. وعيت الحديث حفظته وفهمته. وماضيا على نفاذ أمرك أي ذاهبا في سيره على ما فيه نفاذ أمر الله سبحانه (3) يقال ورى الزند كوعى. وولى يرى وريا وريا ورية فهو وار: خرجت ناره. وأوريته ووريته واستوريته. والقبس شعلة من النار. والقابس الذي يطلب النار. يقال قبست نارا فاقبسني، أي طلبت منها فأعطاني. والكلام تمثيل لنجاح طلاب الحق ببلوغ طلبتهم منه وإشراق النفوس
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٢١
121
1
وأقام موضحات الأعلام ونيرات الأحكام. فهو أمينك المأمون وخازن علمك المخزون (1). وشهيدك يوم الدين (2) وبعيثك بالحق (3). ورسولك إلى الخلق. اللهم افسح له مفسحا في ظلك (4) واجزه مضاعفات الخير من فضلك. اللهم أعل على بناء البانين بناءه (5) وأكرم لديك منزلته، وأتمم له نوره، واجزه من ابتعاثك له مقبول الشهادة ومرضي المقالة (6) ذا منطق عدل. وخطة فصل. اللهم ____________________ المستعدة لقبوله بما سطع من أنواره. والخابط الذي يسير ليلا على غير جادة واضحة، فأضاء الطريق له جعلها مضيئة ظاهرة فاستقام عليها سائرا إلى الغاية وهي السعادة، فكان في ذلك أن هديت به القلوب إلى ما فيه سعادتها بعد أن خاضت الفتن أطوار واقتحمتها مرارا. والخوضات جمع خوضة المرة من الخوض كما قال وهديت به القلوب الخ. والأعلام جمع علم بالتحريك ما يستدل به على الطريق كالمنار ونحوه، والأعلام موضحات الطرق لأنها تبينها للناس وتكشفها (1) العلم المخزون ما اختص الله به من شاء من عباده ولم يبح لغير أهل الحظوة به أن يطلعوا عليه وذلك مما لا يتعلق بالأحكام الشرعية (2) شهيدك شاهدك على الناس كما قال الله تعالى (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) (3) بعيثك أي مبعوثك فهو فعيل بمعنى مفعول كجريج وطريح (4) افسح له وسع له ما شئت أن توسع في ظلك أي إحسانك وبرك فيكون الظل مجازا. ومضاعفات الخير أطواره ودرجاته (5) أراد من بنائه ما شيده صلى الله عليه وسلم بأمر ربه من الشريعة العادلة. والهدى الفاضل مما يلجأ إليه التائهون ويأوى إليه المضطهدون، فالإمام يسأل الله أن يعلي بناء شريعته على جميع الشرائع ويرفع شأن هديه فوق كل هدى لغيره. وإكرام المنزلة بإتمام النور، والمراد من إتمام النور تأييد الدين حتى يعم أهل الأرض ويظهر على الدين كله كما وعده بذلك. إكرام المنزلة في الآخرة، فقد تقدم في قوله افسح له واجزه مضاعفات الخير (6) أي اجزه على بعثتك له إلى الخلق وقيامه بما حملته واجعل ثوابه
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٢٢
122
1
اجمع بيننا وبينه في برد العيش وقرار النعمة (1)، ومنى الشهوات. وأهواء اللذات ورخاء الدعة. ومنتهى الطمأنينة. وتحف الكرامة (2) 73 - ومن كلام له عليه السلام قاله لمروان بن الحكم بالبصرة (قالوا أخذ مروان بن الحكم أسيرا يوم الجمل فاستشفع الحسن والحسين عليهما السلام (3) إلى أمير المؤمنين عليه السلام فكلماه فيه فخلى سبيله. فقالا له يبايعك يا أمير المؤمنين فقال عليه السلام) أو لم يبايعني بعد (*) قتل عثمان لا حاجة لي في بيعته إنها. كف (4) ____________________ على ذلك الشهادة المقبولة والمقالة المرضية يوم القيامة، وتلك الشهادة والمقالة تصدران منه وهو ذو منطق عدل وخطة أي أمر فاصل، ويروى وخطبة بزيادة باء بعد الطاء أي مقال فاصل، وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم يقوم ذلك المقام يوم القيامة فيشهد على أمته وعلى غيرهم من الأمم فيكون كلامه الفصل (1) تقول العرب عيش بارد أي لا حرب فيه ولا نزاع، لأن البرد والسكون متلازمان تلازم الحرارة والحركة. وقرار النعمة مستقرها حيث تدوم ولا تفنى (2) منى جمع منية بالضم ما يتمناه الإنسان لنفسه. والشهوات ما يشتهيه. يدعو بأن يتفق مع النبي صلى الله عليه وسلم في جميع رغباته وميله. والرخاء من قولهم رجل رخى البال أي واسع الخيال. والدعة سكون النفس واطمئنانها. والتحف جمع تحفة ما يكرم به الإنسان من البر واللطف وقد كان صلى الله عليه وسلم من أرخى الناس بالا وألزمهم للطمأنينة وأعلاهم منزلة في القلوب، فالإمام يطلب من الله أن يدنيه منه في جميع هذه الصفات الكريمة (3) استشفعهما إليه سألهما أن يشفعا له عنده. وليس من الجيد قولهم استشفعت به (4) كف يهودية أي غادرة
* في نسخة: قبل قتل عثمان.
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٢٣
123
1
يهودية. لو بايعني بكفه لغدر بسبته (1) أما إن له إمرة كلعقة الكلب أنفه (2). وهو أبو الأكبش الأربعة (3) وستلقى الأمة منه ومن ولده يوما أحمر 74 - ومن كلام له عليه السلام لما عزموا على بيعة عثمان لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري. ووالله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا علي خاصة التماسا لأجر ذلك وفضله، وزهدا فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه (4) ____________________ ماكرة (1) السبت بالفتح الاست وهو مما يحرص الانسان على إخفائه. وكنى به عن الغدر الخفي واختاره لتحقير الغادر. وقد يكون ذلك إشارة إلى ما كانت تفعله سفهاء العرب عند الغدر بعقد أو عهد من أنهم كانوا يحبقون عند ذكره استهزاء (2) تصوير لقصر مدتها وكانت تسعة أشهر (3) جمع كبش وهو من القوم رئيسهم. وفسروا الاكبش ببني عبد الملك بن مروان هذا وهم الوليد وسليمان ويزيد وهشام. قالوا ولم يتول الخلافة أربعة إخوة سوى هؤلاء. ويجوز أن يراد بهم بنو مروان لصلبه وهم عبد الملك وعبد العزيز وبشر ومحمد وكانوا كباشا أبطالا: أما عبد الملك فولى الخلافة وولى محمد الجزيرة وعبد العزيز مصر وبشر العراق (4) يقسم بالله ليسلمن الأمر في الخلافة لعثمان ما دام التسليم غير ضار بالمسلمين وحافظا لهم من الفتنة طلبا لثواب الله على ذلك وزهدا في الإمرة التي تنافسوها أي رغبوا فيها وإن كان في ذلك جور عليه خاصة. وأهل الزخرف الذهب وكذلك الزبرج بكسرتين بينهما سكون، ثم أطلق على كل مموه مزور. وأغلب ما يقال الزبرج على الزينة من وشى أو جوهر. ومن زخرفه ليس للبيان ولكن حرف جر للتعليل أي أن الرغبة إنما كان الباعث عليها الزخرف
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٢٤
124
1
75 - ومن كلام له عليه السلام لما بلغه اتهام بني أمية له بالمشاركة في دم عثمان أو لم ينه أمية علمها بي عن قرفي (1). أوما وزع الجهال سابقتي عن تهمتي. ولما وعظهم الله به أبلغ من لساني (2). أنا حجيج المارقين (3) وخصيم المرتابين. وعلى كتاب الله تعرض الأمثال (4) وبما في الصدور تجازى العباد 76 - ومن خطبة له عليه السلام رحم الله امرأ سمع حكما فوعى. ودعي إلى رشاد فدنا (5). ____________________ والزبرج ولولا لزوم ذلك للإمارة ما كان فيها التنافس (1) قرفه قرفا بالفتح عابه. وعلمها فاعل ينه، وأمية مفعول، أي ألم يكن في علم بني أمية بحالي ومكاني من الدين والتحرج من سفك الدماء بغير حق ما ينهاهم عن أن يعيبوني بالاشتراك في دم عثمان خصوصا وقد علموا أني كنت له لا عليه، ومن أحسن الناس قولا فيه. وسابقته حاله المعلومة لهم مما تقدم. ووزع بمعنى كف. والتهمة بفتح الهاء رميه بعيب الاشتراك في دم عثمان (2) ولما الخ اللام هي التي للتأكيد وما موصول مبتدأ وأبلغ خبره والله قد وعظهم في الغيبة بأنها في منزلة أكل لحم الأخ ميتا (3) حجيج المارقين أي خصيمهم. والمارقون الخارجون من الدين. والمرتابون الذين لا يقين لهم. وهو كرم الله وجهه قارعهم بالبرهان الساطع فغالبهم (4) الأمثال متشابهات الأعمال والحوادث تعرض على القرآن فما وافقه فهو الحق المشروع وما خالفه فهو الباطل الممنوع، وهو كرم الله وجهه قد جرى على حكم كتاب الله في أعماله فليس للغامز عليه أن يشير إليه بمطعن ما دام ملتزما لأحكام الكتاب (5) الحكم هنا الحكمة قال الله تعالى (وآتيناه الحكم
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٢٥
125
1
وأخذ بحجزة هاد فنجا (1). راقب ربه. وخاف ذنبه. قدم خالصا وعمل صالحا. اكتسب مذخورا (2). واجتنب محذورا. رمى غرضا وأحرز عوضا (3) كابر هواه. وكذب مناه. جعل الصبر مطية نجاته والتقوى عدة وفاته. ركب الطريقة الغراء (4)، ولزم المحجة البيضاء. إغتنم المهل (5) وبادر الأجل وتزود من العمل 77 - ومن كلام له عليه السلام إن بني أمية ليفوقونني تراث محمد صلى الله عليه وآله تفويقا والله لئن بقيت لهم لأنفضنهم اللحام الوذام التربة (ويروى التراب الوذمة. وهو على القلب (6)) قوله عليه السلام ليفوقونني أي يعطونني من ____________________ صبيا) ووعى حفظ وفهم المراد واعتبر بما سمع وعمل عليه. ودنا قرب من الرشاد الذي دعى إليه (1) الحجرة بالضم معقد الإزار ومن السراويل موضع التكة، والمراد الاقتداء والتمسك. يقال أخذ فلان بحجزة فلان إذا اعتصم به ولجأ إليه (2) اكتسب مذخورا كسب بالعمل الجليل ثوابا يذخره ويعده لوقت حاجته في الآخرة (3) رمى غرضا قصد إلى الحق فأصابه. وكابر هواه غالبه، ويروى كاثر بالمثلثة أي غالبه بكثرة أفكاره الصائبة فغلبه (4) الغراء النيرة الواضحة. والمحجة جادة الطريق ومعظمه. والطريقة الغراء والمحجة البيضاء سبيل الحق ومنهج العدل (5) المهل هنا مدة الحياة مع العافية فإنه أمهل فيها دون أن يؤخذ بالموت أو تحل به بائقة عذاب، فهو يغتنم ذلك ليعمل فيه لآخرته فيبادر الأجل قبل حلوله بما يتزوده من طيب العمل (6) على القلب أي أن الحقيقة الوذام التربة كما في الرواية الأولى لا التراب الوذمة إذ لا معنى له، فهذه الرواية يراد
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٢٦
126
1
المال قليلا قليلا كفواق الناقة. وهو الحلبة الواحدة من لبنها. والوذام جمع وذمة وهي الحزة من الكرش أو الكبد تقع في التراب فتنفض (1) 78 - ومن كلمات كان يدعو بها عليه السلام اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به مني. فإن عدت فعد علي بالمغفرة. اللهم اغفر لي ما وأيت من نفسي ولم تجد له وفاء عندي (2). اللهم اغفر لي ما تقربت به إليك بلساني ثم خالفه قلبي (3). اللهم اغفر لي رمزات الألحاظ. وسقطات الألفاظ. وشهوات الجنان. وهفوات اللسان (4) ____________________ منها مقلوبها (1) الحزة بالضم القطعة. وفسر صاحب القاموس الوذمة بمجموع المعى والكرش (2) وأيت وعدت. وأي كوعى: وعد وضمن، إذا عزمت على عمل خير فكأنك وعدت من نفسك بتأدية أمر الله فإن لم توف به فكأن الله لم يجد عندك وفاء بما وعدته فتكون قد أخلفته ومخلف الوعد مسئ، فهو يطلب المغفرة على هذا النوع من الإساءة (3) تقرب باللسان مع مخالفة القلب كان يقول الحمد الله على كل حال ويسخط على أغلب الأحوال، أو يقول إياك نعبد وإياك نستعين وهو يستعين بغير الله ويعظم أشباها ممن دونه (4) رمزات الألحاظ الإشارة بها. والألحاظ جمع لحظ وهو باطن العين، أما اللحاظ بالفتح وهو مؤخر العين فلا أعرف له جمعا إلا لحظ بضمتين. وسقطات الألفاظ لغوها. والجنان القلب. وشهواته ما يكون من ميل منه إلى غير الفضيلة
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٢٧
127
1
79 - ومن كلام له عليه السلام قاله لبعض أصحابه لما عزم على المسير إلى الخوارج فقال له يا أمير المؤمنين إن سرت في هذا الوقت خشيت أن لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم فقال عليه السلام أتزعم أنك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء. وتخوف من الساعة التي من سار فيها حاق به الضر (1)؟. فمن صدق بهذا فقد كذب القرآن واستغنى عن الإعانة بالله في نيل المحبوب ودفع المكروه. وتبتغي في قولك للعامل بأمرك أن يوليك الحمد دون ربه لأنك بزعمك أنت هديته إلى الساعة التي نال فيها النفع وأمن الضر (ثم أقبل عليه السلام على الناس فقال) أيها الناس إياكم وتعلم النجوم إلا ما يهتدى به في بر أو بحر (2) فإنها تدعو إلى الكهانة والمنجم كالكاهن (3) والكاهن كالساحر ____________________ وهفوات اللسان زلاته (1) حاق به الضر أحاط به (2) طلب لنعلم علم الهيئة الفلكية وسير النجوم وحركاتها للاهتداء بها، وإنما ينهى عما يسمى علم التنجيم وهو العلم المبني على الاعتقاد بروحانية الكواكب، وأن لتلك الروحانية العلوية سلطانا معنويا على العوالم العنصرية، وأن من يتصل بأرواحها بنوع من الاستعداد ومعاونة من الرياضة تكاشفه بما غيب من أسرار الحال والاستقبال (3) الكاهن من يدعي كشف الغيب
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٢٨
128
1
والساحر كالكافر والكافر في النار سيروا على اسم الله 80 - ومن خطبة له عليه السلام بعد حرب الجمل في ذم النساء معاشر الناس إن النساء نواقص الإيمان (1) نواقص الحظوظ نواقص العقول. فأما نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة والصيام في أيام حيضهن. وأما نقصان حظوظهن فمواريثهن على الانصاف من مواريث الرجال. وأما نقصان عقولهن فشهادة امرأتين كشهادة الرجل الواحد. فاتقوا شرار النساء. وكونوا من خيارهن على حذر ولا تطيعوهن في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر (2) ____________________ وكلام أمير المؤمنين حجة حاسمة لخيالات المعتقدين بالرمل والجفر والتنجيم وما شاكلها. ودليل واضح على عدم صحتها ومنافاتها للأصول الشرعية والعقلية (1) خلق الله النساء وحملهن على ثقل الولادة وتربية الأطفال إلى سن معين لا يكاد ينتهي حتى تستعد لحمل وولادة وهكذا، فلا يكدن يفرغن من الولادة والتربية فكأنهن قد خصصن لتدبير أمر المنزل وملازمته وهو دائرة محدودة يقوم عليهن فيها أزواجهن، فخلق لهن من العقول بقدر ما يحتجن إليه في هذا، وجاء الشرع مطابقا للفطرة فكن في أحكامه غير لاحقات للرجال لا في العبادة ولا الشهادة ولا الميراث (2) لا يريد أن يترك المعروف لمجرد أمرهن به فإن في ترك المعروف مخالفة السنة الصالحة خصوصا إن كان المعروف من الواجبات بل يريد أن لا يكون فعل المعروف صادرا عن مجرد طاعتهن، فإذا فعلت معروفا فافعله لأنه معروف ولا تفعله امتثالا لأمر المرأة، ولقد قال الإمام قولا صدقته التجارب في الأحقاب المتطاولة ولا استثناء مما قال إلا بعضا منهن وهبن فطرة تفوق في سموها ما استوت به الفطن أو تقاربت أو أخذ سلطان من التربية طباعهن على خلاف ما
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٢٩
129
1
81 - ومن كلام له عليه السلام أيها الناس الزهادة قصر الأمل. والشكر عند النعم. والورع عند المحارم (1). فإن عزب ذلك عنكم فلا يغلب الحرام صبركم (2) ولا تنسوا عند النعم شكركم فقد أعذر الله إليكم بحجج مسفرة، ظاهرة وكتب بارزة العذر واضحة (3) 82 - ومن كلام له عليه السلام في صفة الدنيا ما أصف من دار أولها عناء. وآخرها فناء. في حلالها حساب. وفي ____________________ غرز فيها وحولها إلى غير ما وجهتها الجبلة إليه (1) الورع الكف عن الشبهات خوف الوقوع في المحرمات أي إذا عرض المحرم فمن الزهادة أن تكف عما يشتبه به فضلا عنه. والشكر عند النعم الاعتراف بأنها من الله والتصرف فيها على وفق ما شرع. وقصر الأمل توجس الموت والاستعداد له بالعمل وليس المراد منه انتظار الموت بالبطالة (2) عزب عنكم بعد عنكم وفاتكم. والإشارة إلى ما تقدم من قصر الأمل أي فإن عسر عليكم أن تقصروا آمالكم وتكونوا من الزهادة على الكمال المطلوب لكم فلا يغلب الحرام صبركم أي فلا يفتكم الركنان الآخران وهما شكر النعم واجتناب المحرم فإن نسيان الشكر يجر إلى البطر وارتكاب المحرم يفسد نظام الحياة المعاشية والمعادية. والبطر والفساد مجلبة للنقم في الدنيا والشقاء في الآخرة (3) أعذر بمعنى أنصف وأصله مما همزته للسلب فأعذرت فلانا سلبت عذره أي ما جعلت له عذرا يبديه لو خالف ما نصحته به ويقال أعذرت إلى فلان أي أقمت لنفسي عنده عذرا واضحا فيما أنزله به من العقوبة حيث حذرته ونصحته. ويصح أن تكون العبارة في الكتاب على هذا المعنى أيضا بل هو الأقرب من لفظ إليكم، ويكون الكلام على المجاز، وتنزيل قيام الحجة له منزلة
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٣٠
130
1
حرامها عقاب من استغنى فيها فتن. ومن افتقر فيها حزن. ومن ساعاها فاتته (1). ومن قعد عنها واتته. ومن أبصر بها بصرته (2). ومن أبصر إليها أعمته. (أقول وإذا تأمل المتأمل قوله عليه السلام من أبصر بها بصرته وجد تحته من المعنى العجيب والغرض البعيد ما لا تبلغ غايته، ولا يدرك غوره، ولا سيما إذا قرن إليه قوله: ومن أبصر إليها أعمته. فإنه يجد الفرق بين أبصر بها وأبصر إليها واضحا نيرا وعجيبا باهرا). ____________________ قيام العذر لنا. والمسفرة الكاشفة عن نتائجها الصحيحة وبارزة العذر ظاهرته (1) من جرى معها في مطالبها، والقصد اهتم بها وجد في طلبها. وقوله فاتته أي سبقته فإنه كلما نال شيئا فتحت له أبواب الآمال فيها فلا يكاد يقضي مطلوبا واحدا حتى يهتف به ألف مطلوب. وقوله ومن قعد عنها واتته يريد به أن من قوم اللذائذ الفانية بقيمتها الحقيقية وعلم أن الوصول إليها إنما يكون بالعناء وفواتها يعقب الحسرة عليها، والتمتع بها لا يكاد يخلو من شوب الألم فقد وافقته هذه الحياة وأراحته فإنه لا يأسف على فائت منها ولا يبطر لحاضر ولا يعاني ألم الانتظار لمقتبل (2) أبصر بها أي جعلها مرآة عبرة تجلو لقلبه آثار الجد في عظائم الأعمال وتمثل له هياكل المجد الباقية مما رفعته أيدي الكاملين وتكشف له عواقب أهل الجهالة من المترفين فقد صارت الدنيا له بصرا وحوادثها عبرا. وأما من أبصر إليها واشتغل بها فإنه يعمى عن كل خير فيها ويلهو
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٣١
131
1
83 - ومن خطبة له عليه السلام وهي من الخطب العجيبة وتسمى الغراء الحمد لله الذي على بحوله (1). ودنا بطوله (2). مانح كل غنيمة وفضل. وكاشف كل عظيمة وأزل (3) أحمده على عواطف كرمه. وسوابغ نعمه (4). وأومن به أولا باديا (5). وأستهديه قريبا هاديا. وأستعينه قادرا قاهرا. وأتوكل عليه كافيا ناصرا. وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله. أرسله لإنفاذ أمره وإنهاء عذره (6) ____________________ عن الباقيات بالزائلات وبئس ما اختار لنفسه (1) علا بحوله أي عز وارتفع عن جميع ما سواه لقوته المستعلية بسلطة الايجاد على كل قوة (2) دنا بطوله أي أنه مع علوه سبحانه وارتفاعه في عظمته فقد دنا وقرب من خلقه بطوله أي عطائه وإحسانه (3) الأزل بالسكون الضيق والشدة. وكاشف الشدة المنقذ منها، كما أن مانح الغنيمة معطيها المتفضل بها (4) العواطف، ما يعطفك على غيرك ويدنيه من معروفك. وصفة الكرم في الجناب الإلهي وخلقه في البشر مما يعطف الكريم على موضع الاحسان. وسوابغ النعم كواملها من سبغ الظل إذا عم وشمل (5) أولا باديا موضعه من سابقه كموضع قريبا هاديا، وما جاء به بعده من سوابقها فهي أحوال من الضمائر الراجعة إلى الله سبحانه وتعالى فيكون أول صفة نصبت على الحال من ضمير به أي أصدق بالله على أنه سابق كل شئ في الوجود فهو البادي أي الظاهر بذاته المظهر لغيره ومن كان كذلك لم تخالط التصديق به ريبة. والقريب الهادي جدير بأن تطلب منه الهداية. والقادر القاهر حقيق بأن يستعان به لأنه قوي على المعونة. والكافي الناصر حري بأن يتوكل عليه (6) إنهاء عذره إبلاغه. والعذر هنا كناية عن الحجج العقلية والنقلية التي أقيمت ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم على أن من خالف شريعة الله استحق
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٣٢
132
1
وتقديم نذره (1). أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ضرب لكم الأمثال (2) ووقت لكم الآجال. وألبسكم الرياش وأرفع لكم المعاش، وأحاطكم بالإحصاء. وأرصد لكم الجزاء. وآثركم بالنعم السوابغ والرفد الروافغ. وأنذركم بالحجج البوالغ. وأحصاكم عددا. ووظف لكم مددا في قرار خبرة ودار عبرة. أنتم مختبرون فيها ومحاسبون عليها فإن الدنيا رنق مشربها (3) ردغ مشرعها. يونق منظرها (4) ويوبق مخبرها. غرور حائل (5). وظل زائل. وسناد ____________________ العقاب ومن جرى عليها استحق جزيل الثواب (1) النذر جمع نذير أي الأخبار الإلهية المنذرة بالعقاب على سوء الأعمال أو هو مفرد بمعنى الانذار (2) ضرب الأمثال جاء بها في الكلام لإيضاح الحجج وتقريرها في الأذهان. ووقت الآجال جعلها في أوقات محدودة لا متقدم عنها ولا متأخر. والرياش ما ظهر من اللباس، ووجه النعمة فيه أنه ساتر للعورة واق من الحر والبرد، وقد يراد بالرياش الخصب والغنى فيكون ألبسكم على المجاز. وأرفغ لكم أي أوسع يقال رفغ عيشه بالضم رفاغة أي اتسع. وأحاطكم بالإحصاء أي جعل إحصاء أعمالكم والعلم بها عملا كالسور لا تنفذون منه ولا تتعدونه ولا تشذ عنه شادة. وأرصد لكم الجزاء أعده لكم فلا محيص عنه. والرفد جمع رفدة ككسرة وكسر وهي العطية والصلة. والروافغ الواسعة. والحجج البوالغ الظاهرة المبينة. ووظف لكم مددا أي قدر لكم. والمدد جمع مدة أي عين لكم أزمنة تحيون فيها. في قرار خبرة أي في دار ابتلاء واختبار وهي دار الدنيا وفيها الاعتبار والاتعاظ والحساب عليها أي على ما يؤتى من خير وشر (3) رنق كفرح كدر، وردغ كثير الطين والوحل. والمشرع مورد الشاربة للشرب (4) يونق يعجب، ويوبق يهلك (5) حائل اسم فاعل من حال إذا تحول وانتقل أي إن شأنها الغرور الذي لا بقاء له، وجاء في بعض الروايات بعد هذه الفقرة (وضوء آفل) أي غائب لا يلبث أن يظهر حتى يغيب
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٣٣
133
1
مائل (1) حتى إذا أنس نافرها واطمأن ناكرها قمصت بأرجلها (2). وقنصت بأحبلها. وأقصدت بأسهمها. وأعلقت المرء أوهاق المنية (3). قائدة له إلى ضنك المضجع (4) ووحشة المرجع. ومعاينة المحل (5) وثواب العمل. وكذلك الخلف يعقب السلف. لا تقلع المنية اختراما (6) ولا يرعوي الباقون اجتراما (7). يحتذون مثالا ويمضون أرسالا إلى غاية الانتهاء. وصيور الفناء (8) حتى إذا تصرمت الأمور وتقضت ____________________ (1) السناد بالكسر ما يستند إليه ودعامة يسند بها السقف، وناكرها اسم فاعل من نكر الشئ كعلمه أي جهله فأنكره (2) قمص الفرس وغيره يقمص من باب ضرب ونصر قمصا وقماصا أي استن وهو أن يرفع يديه ويطرحهما معا ويعجب، وفي المثل المضروب لضعيف لا حراك به وعزيز ذل (ما بالعير من قماص) وإنما قال أرجل وليس للدابة إلا رجلان لأنه نزل اليدين لها منزلة الأرجل لأن المشي على جميعها وروى بأرحلها بالحاء جمع رحل: الناقة، وقنصت بأحبلها أي اصطادت وأوقعت من اغتر بها في شباكها وحبالها، وأقصدت قتلت مكانها من غير تأخير (3) علقت به وربطت بعنقه. أوهاق المنية جمع وهق بالتحريك والتسكين أي حبال الموت (4) ضنك المضجع ضيق المرقد والمراد القبر (5) معاينة المحل مشاهدة مكانه من النعيم والجحيم. وثواب العمل جزاؤه الأعم من شقاء وسعادة. والخلف المتأخرون والسلف المتقدمون. ويعقب السلف يروى فعلا أي يتبع. ويروى بعقب بباء الجر فيكون عقب بالسكون بمعنى بعد وأصله جرى الفرس بعد جريه. يقال لهذا الفرس عقب حسن (6) لا تقلع أي لا تكف المنية عن اخترامها أي استئصالها للأحياء (7) لا يرعوي الباقون أي لا يرجعون ولا يكفون عن اجترام السيئات ويحتذون مثالا أي يشاكلون بأعمالهم صور أعمال من سبقهم ويقتدون بهم، ويمضون أرسالا جمع رسل بالتحريك وهو القطيع من الإبل والغنم والخيل (8) صيور الأمر كتنور مصيره وما يؤول إليه، يريد الإمام من
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٣٤
134
1
الدهور وأزف النشور (1) أخرجهم من ضرائح القبور وأوكار الطيور. وأوجرة السباع. ومطارح المهالك سراعا إلى أمره. مهطعين إلى معاده (2). رعيلا صموتا قياما صفوفا ينفذهم البصر (3) ويسمعهم الداعي. عليهم لبوس الاستكانة (4). وضرع الاستسلام والذلة. قد ضلت الحيل. وانقطع الأمل. وهوت الأفئدة كاظمة (5) وخشعت الأصوات مهينمة. وألجم العرق. وعظم الشفق وأرعدت ____________________ ذلك أن الدنيا لا تزال تغر بنيها ليأنسوا إليها بالارتياح إلى لذائذها واستسهال احتمال آلامها ثم تنقلب بهم إلى ما لا بد منه وهم في غفلة لاهون (1) أزف النشور قرب البعث، والضمير في أخرجهم إلى البعث على سبيل المجاز أو إلى الله تعالى. والضرائح جمع ضريح الشق وسط القبر وأصله من ضرحه دفعه وأبعده فإن المقبور مدفوع منبوذ وهو أبعد الأشياء عن الأحياء. والأوكار جمع وكر مسكن الطير. والأوجرة جمع وجار ككتاب الجحر، والذين يبعثون من الأوكار والأوجرة هم الذين افترسهم الطيور الصائدة والسباع الكاسرة (2) مهطعين أي مسرعين إلى معاده سبحانه الذي وعد أن يعيدهم فيه، وقوله الرعيل القطعة من الخيل. شبههم في تلاحق بعضهم ببعض برعيل الخيل أي الجملة القليلة منها لأن الاسراع لا يدع أحدا منهم ينفرد عن الآخر فإن الانفراد من الإبطاء، ولا يدعهم يجتمعون جما فإن التضام والالتفاف إنما يكون من الاطمئنان (3) ينفذهم البصر بجاوزهم أي يأتي عليهم ويحيط بهم أي لا يعزب واحد منهم عن بصر الله (4) اللبوس بالفتح ما يلبس. والاستكانة الخضوع. والضرع بالتحريك الوهن والضعف والخشوع، هذا لو جعلنا عليهم متعلقا بمحذوف خبر عن لبوس وضرع فإن جعلناه متعلقا بالداعي بمعنى المنادي والصائح عليهم جعلنا لبوس جملة مبتدأه، ويكون لبوس جمع لابس، وضرع محركة اسم جمع للضريع بمعنى الذليل (5) هوت القلوب خلت من المسرة والأمل من النجاة، كاظمة أي ساكنة كاتمة لما
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٣٥
135
1
الاسماع لزبرة الداعي إلى فصل الخطاب (1) ومقابضة الجزاء. ونكال العقاب. ونوال الثواب. عباد مخلوقون اقتدارا. ومربوبون اقتسارا (2) ومقبوضون احتضارا. ومضمنون أجداثا. وكائنون رفاتا. ومبعوثون أفرادا. ومدينون جزاء. ومميزون حسابا. قد أمهلوا في طلب المخرج (3) ____________________ يزعجها من الفزع ومهينمة أي متخافية، والهينمة الكلام الخفي، وألجم العرق كثر حتى امتلأت به الأفواه لغزارته فمنعها من النطق وكان كاللجام. والشفق محركة الخوف (1) أرعدت عرتها الرعدة. وزبرة الداعي صوته وصيحته ولا يقال زبره إلا إذا كان فيها زجر وانتهار فإنها واحدة الزبر أي الكلام الشديد، والمقابضة المعاوضة أي مبادلة الجزاء الخير بالخير والشر بالشر (2) مربوبون مملوكون، والاقتسار الغلبة والقهر أي أنهم كما خلقوا باقتدار الله سبحانه وقوته فهم مملوكون له بسطوة عزته لا خيرة لهم في ذلك وإذا جاء الأجل قبضت أرواحهم إليه بما يحضر عند الأجل من مرهقات الأرواح والقوى المسلطة على الفناء. واحتضر فلان حضرته الملائكة تقبض روحه. وكانت العرب تقول لبن محتضر أي فاسد يعنون أن الجن حضرته، يقال اللبن محتضر فغط إناءك. والأجداث جمع جدث وهو القبر واجتدث الرجل اتخذ حدثا. ويقال جدف بالفاء. ومضمون الأجداث مجعولون في ضمنها. والرفات الحطام ويقال رفته كنصر وضرب أي كسره ودقه أي فته بيده كما يفت المدر والعظم البالي. ومبعوثون أفرادا أي كل يسأل عن نفسه لا يلتفت لرابطة تجمعه مع غيره. ومدينون أي مجزيون والدين الجزاء قال " مالك يوم الدين " ومميزون حسابا كل يحاسب على عمله منفصلا عمن سواه (لا تزر وازرة وزر أخرى) (3) المخرج المخلص من ربقة المعصية بالتوبة، والإنابة المخلصة، والمنهج الطريق الواضحة التي دلت عليها الشريعة المطهرة والمستعتب المسترضى ويقال أيضا استعتبه أناله العتبى وهي الرضى. وإنما ضرب المثل بمهل المستعتب لأنك إذا استرضيت شخصا وطلبت منه أن يرضى لا ترهقه في المطالبة بل تفسح له حتى يرضى بقلبه لا بلسانه، أي أن الله فسح لهم في الآجال حتى يتمكنوا من إرضائه وأوتوا من العمر مهلة من ينال العتبي أي الرضا لو أحسن العمل. استعتبه أناله العتبى فهو المستعتب والمفعول
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٣٦
136
1
وهدوا سبيل المنهج. وعمروا مهل المستعتب. وكشفت عنهم سدف الريب (1) وخلوا لمضمار الجياد (2). وروية الارتياد. وأناة المقتبس المرتاد (3) في مدة الأجل ومضطرب المهل. فيالها أمثالا صائبة. ومواعظ شافية. لو صادفت قلوبا زاكية. وأسماعا واعية. وآراء عازمة. وألبابا حازمة. فاتقوا الله تقية من سمع فخشع. واقترف فاعترف (4) ووجل فعمل، وحاذر فبادر. وأيقن فأحسن. وعبر فاعتبر. وحذر فازدجر وأجاب فأناب (5). ورجع فتاب. واقتدى فاحتذى. وأري فرأى. ____________________ مستعتب (1) السدف جمع سدفة بالفتح الظلمة، والريب جمع ريبة وهي الشبهة وإبهام الأمر، وكشف ذلك بما أبان من البراهين الواضحة (2) خلوا تركوا في مجال يتسابقون فيه إلى الخيرات. والجياد من الخيل كرامها، والمضمار المكان الذي تضمر فيه الخيل، والمدة التي تضمر فيها أيضا. والروية إعمال الفكر في الأمر ليأتي على أسلم وجوهه والارتياد هنا طلب ما يراد (3) الأناة الانتظار والتؤدة. والمقتبس المرتاد أي الذي أخذ بيده مصباحا ليرتاد على ضوئه شيئا غاب عنه، ومثل هذا يتأنى في حركته خوف أن يطفأ مصباحه وخشية أن يفوته في بعض خطواته ما يفتش عليه لو أسرع فلذا ضرب المثل به. والمضطرب مدة الاضطراب أي الحركة في العمل (4) اقترف اكتسب ومثله قرف يقرف لعياله أي يكسب، ووجل خاف وجلا ومؤجلا بفتح الميم والجيم. وبادر سارع. وعبر مبني للمجهول مشدد الباء أي عرضت عليه العبر مرارا كثيرة فاعتبر أي اتعظ وحذر مبني للمجهول أيضا أي خوف من عواقب الخطايا، فازدجر أي امتنع عنها ويروى وحذر فحذر وزجر فازدجر (5) أجاب داعي الله إلى طاعته فأناب إليه أي رجع، واحتذى شاكل بين عمله وعمل مقتداه أي أحسن القدوة. وأرى بضم الهمزة مبني للمجهول أي أرته الشريعة ما يجب عليه وما يجب له وما يعقب الطاعة وما يعقب المعصية فرأى
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٣٧
137
1
فأسرع طالبا. ونجا هاربا. فأفاد ذخيرة (1) وأطاب سريرة. وعمر معادا. واستظهر زادا (2). ليوم رحيله. ووجه سبيله. وحال حاجته. وموطن فاقته. وقدم أمامه لدار مقامه. فاتقوا الله عباد الله جهة ما خلقكم له (3). واحذروا منه كنه ما حذركم من نفسه (4) واستحقوا منه ما أعد لكم بالتنجز لصدق ميعاده (5) والحذر من هول معاده " منها " جعل لكم أسماعا لتعي ما عناها. وأبصارا لتجلو عن عشاها (6) وأشلاء جامعة لأعضائها. ملائمة لأحنائها (7). في تركيب صورها ومدد ____________________ ذلك رؤية صحيحة ترتب عليها حسن العمل (1) أفاد الذخيرة استفادها واقتناها وهو من الأضداد (2) استظهر زادا حمل زادا. حمل ظهر راحلته إلى الآخرة والكلام تمثيل، ووجه السبيل المقصد الذي يركب السبيل لأجله (3) الجهة مثلثة الناحية والجانب وهو ظرف متعلق بحال من ضمير اتقوا أي متوجهين جهة ما خلقكم لأجله من العمل النافع لكم الباقي أثره لا خلافكم (4) حذرنا من نفسه سبحانه أن نتعرض لما يغضبه بمخالفة أوامره ونواهيه. وكنه ذلك غايته ونهايته أي احذروا نهاية ما حذركم ولا تقعوا في شئ مما يغضبه وقد يكون المراد من كنه ما حذرنا هو البحث عن كنهه وحقيقته فيأمرنا الإمام بالتقوى والبعد عن البحث في حقيقته وكنهه فإن الوصول إلى كنه ذاته محال (5) تنجز الوعد طلب وفائه على عجل وتنجز ما وعد الله إنما يكون بالعمل له وبهذا التنجز العملي يستحق ما أعد الله للصالحين. والحذر معطوف على التنجز (6) عناها أهمها وتعيه تحفظه وتجلو من جلا عن المكان فارقه أي تخلص من عماها أي لتبصر ولا تكون مبصرة حقيقة حتى يفيدها الأبصار حركة إلى نافع وانقباضا عن ضار. والأشلاء جمع شلو الجسد أو العضو وعلى الثاني يكون المعنى أن كل عضو فيه أعضاء باطنة أو صغيرة (7) الأحناء جمع حنو بالكسر كل ما اعوج من البدن وملائمة
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٣٨
138
1
عمرها. بأبدان قائمة بأرفاقها (1) وقلوب رائدة لأرزاقها. في مجللات نعمه (2) وموجبات مننه. وحواجز عافيته. وقدر لكم أعمارا سترها عنكم. وخلف لكم عبرا من آثار الماضين قبلكم من مستمتع خلاقهم ومستفسح خناقهم. أرهقتهم المنايا دون الآمال. وشذ بهم عنها تخرم الآجال. لم يمهدوا في سلامة الأبدان، ولم يعتبروا في أنف الأوان (3). فهل ينتظر أهل بضاضة الشباب إلا حواني الهرم. وأهل غضارة الصحة إلا نوازل السقم. وأهل مدة البقاء إلا آونة الفناء (4) مع قرب الزيال (5) وأزوف الانتقال وعلز القلق. وألم المضض وغصص الجرض. وتلفت الاستغاثة بنصرة الحفدة والأقرباء والأعزة ____________________ الأعضاء لها تناسبها معها، وقد يراد من الأحناء الجهات والجوانب. وملائمة حال من الأعضاء، وملاءمة الأعضاء للجهات التي وضعت فيها أن يكون العضو في تلك الجهة أنفع منه في غيرها، تكون العين في موضعها المعروف أنفع من كونها في قمة الرأس مثلا، وقوله تركيب صورها أي آتية في صورها المركبة كما تقول ركب في سلاحه أي متسلحا (1) الارفاق جمع رفق بالكسر المنفعة أو ما يستعان به عليها. ورائدة أي طالبة (2) مجللات على صيغة اسم الفاعل من جلله بمعنى غطاه أي غامرات نعمه من قولهم سحاب مجلل أي يطبق الأرض (3) الخلاق النصيب الوافر من الخير، والخناق بالفتح حبل يخنق به وبالضم داء يمتنع معه نفوذ النفس، وأرهقتهم أعجلتهم، وأنف بضمتين يقال أمر أنف مستأنف لم يسبق به قدر والأنف أيضا المشية الحسنة (4) البضاضة رخص ورقة الجلد وامتلاؤه والغضارة النعمة والسعة والخصب (5) الزيال مصدر زايله
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٣٩
139
1
والقرناء. فهل دفعت الأقارب أو نفعت النواحب (1) وقد غودر في محلة الأموات رهينا (2) وفي ضيق المضجع وحيدا. قد هتكت الهوام جلدته (3) وأبلت النواهك جدته. وعفت العواصف آثاره. ومحا الحدثان معالمه (4) وصارت الأجساد شحبة بعد بضتها، والعظام نخرة بعد قوتها (5) والأرواح مرتهنة بثقل أعبائها (6) موقنة بغيب أنبائها. لا تستزاد من صالح عملها، ولا تستعتب من سئ زللها (7) أو لستم أبناء القوم والآباء، وإخوانهم والأقرباء. تحتذون أمثلتهم. وتركبون قدتهم (8) وتطأون جادتهم. فالقلوب قاسية عن حظها. لاهية عن ____________________ مزايلة وزيالا فارقه (1) الأزوف الدنو والقرب والعلز قلق وخفة وهلع يصيب المريض والمحتضر. والمضض بلوغ الحزن من القلب، والجرض الريق، والحفدة البنات وأولاد الأولاد والأصهار (2) غودر ترك وبقي، ورهينا حبيسا (3) هتكت جذبت جلدته فقطعتها. والهوام الحيات وكل ذي سم يقتل (4) النواهك من قولهم نهكه السلطان إذا بالغ في عقوبته. وعفت أي محت، والعواصف الرياح الشديدة، والمعالم جمع معلم وهو ما يستدل به (5) الشحبة بفتح فكسر الهالكة. البضة هنا الواحدة من البض وهو مصدر بض الماء إذا ترشح قليلا قليلا أي بعد امتلائها حتى كان الماء يترشح منها. ونخرة بالية (6) الأعباء الأثقال جمع عبء أي حمل. وموقنة بغيب أنبائها أي منكشفا لها ما كان غائبا عنها من أخبارها وما أعد لها في الآخرة (7) لا تستزاد الخ أي لا يطلب منها زيادة العمل فإنه لا عمل بعد الموت. ولا تستعتب مبني للمفعول أي لا يطلب منها تقديم العتبي أي التوبة من العمل القبيح أو مبني للفاعل أي لا يمكنها أن تطلب الرضاء والإقالة من خطئها السئ (8) القدة بكسر فتشديد الطريقة. وتطأون جادتهم تسيرون
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٤٠
140
1
رشدها سالكة في غير مضمارها. كأن المعني سواها (1) وكأن الرشد في إحراز دنياها. واعلموا أن مجازكم على الصراط ومزالق دحضه وأهاويل زلله وتارات أهواله (2) فاتقوا الله تقية ذي لب شغل التفكر قلبه. وأنصب الخوف بدنه (3)، وأسهر التهجد غرار نومه وأظمأ الرجاء هواجر يومه وظلف الزهد شهواته، وأرجف الذكر بلسانه وقدم الخوف لإبانه، وتنكب المخالج عن وضح السبيل، وسلك أقصد المسالك إلى النهج المطلوب، ولم تفتله فاتلات الغرور (4)، ولم تعم ____________________ على سبيلهم بلا انحراف عنهم في شئ أي يصيبكم ما أصابهم بلا أقل تفاوت (1) كأن المعنى أي المقصود بالتكاليف الشرعية والموجه إليه التحذير والتبشير غيرها، وقوله وكأن الرشد الخ أي مع أن الرشد لم ينحصر في هذا بل الرشد كل الرشد إحراز الآخرة لا الدنيا (2) أن مجازكم الخ أنكم تجوزون على الصراط مع ما فيه من مزالق الدحض. والدحض هو انقلاب الرجل بغتة فيسقط المار. والزلل هو انزلاق القدم والتارات النوب والدفعات (3) أنصب الخوف بدنه أتعبه (4) والغرار بالكسر القليل من النوم وغيره وأسهره التهجد أي أزال قيام الليل نومه القليل فأذهبه بالمرة. وأظمأ الرجاء الخ أي أظمأ نفسه في هاجرة اليوم. والمعنى صام رجاء الثواب. وظلف الزهد الخ أي منعها. وظلف منع. وأرجف الذكر أرجف به أي حركه ويروى أوجف بالواو أي أسرع كأن الذكر لشدة تحريكه اللسان موجف به كما توجف الناقة براكبها، وإبان الشئ بكسر فتشديد وقته الذي يلزم ظهوره فيه أي أنه خاف في الوقت الذي ينفع فيه الخوف، ويروى لأمانه أي خاف في الدنيا ليأمن في الآخرة. وتنكب الشئ مال عنه، والمخالج الشعوب من الطريق المائلة عن وضحه والوضح محركة الجادة. وعن وضح متعلق بالمخالج أي تنكب المائلات عن الجادة. وأقصد المسالك أقومها ولم تفتله الخ أي لم ترده ولم تصرفه ولم تعم عليه أي لم تخف عليه الأمور المشتبهة حتى يقع فيها تحذر على غير
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٤١
141
1
عليه مشتبهات الأمور. ظافرا بفرحة البشرى وراحة النعمى (1) في أنعم نومه وآمن يومه. قد عبر معبر العاجلة حميدا (2). وقدم زاد الآجلة سعيدا. وبادر من وجل. وأكمش في مهل ورغب في طلب وذهب عن هرب (3) وراقب في يومه غده. ونظر قدما أمامه (4) فكفى بالجنة ثوابا ونوالا. وكفى بالنار عقابا ووبالا. وكفى بالله منتقما ونصيرا. وكفى بالكتاب حجيجا وخصيما (5) أوصيكم بتقوى الله الذي أعذر بما أنذر. واحتج بما نهج (6). وحذركم عدوا نفذ في الصدور خفيا ونفث في الآذان تجيا (7)، فأضل وأردى، ووعد فمنى، ____________________ بصيرة (1) النعمى بالضم سعة العيش ونعيمه، ظافرا حال من الضمائر السابقة العائدة على ذي لب وفي أنعم متعلق براحة النعمى وجعل اتصافه بتلك الأوصاف في حال الظفر تمثيلا لالتصاق السعادة بالفضيلة وملازمتها إياها (2) العاجلة الدنيا. وسميت معبرا لأنها طريق يعبر منها إلى الآخرة وهي الآجلة. بادر من وجل أي سبق إلى خير الأعمال خوفا من لقاء الأهوال. وأكمش أسرع ومثله انكمش وكمشته تكميشا أعجلته. والمراد جد السير في مهلة الحياة (3) أي رغب فيما ينبغي طلبه وذهب وانصرف عما يجب الهروب منه (4) القدم بفتحتين السابق أي نظر إلى ما يتقدم أمامه من الأعمال ويروى قدما بضمتين وهو المضي أمام أي مضى متقدما (5) الكتاب القرآن. وحجيجا وخصيما أي مقنعا لمن خالفه بأنه جلب الهلاك على نفسه، وقد يراد من الكتاب ما أحصى من الأعمال على العامل إذا عرض عليه يوم الحساب (6) أعذر بما أنذر ما مصدرية أعذر أي سلب عذر المعتذر بإنذاره إياه بعواقب العمل وقامت له الحجة على الضالين بما نهج وأوضح من طرق الخير والفضيلة (7) ذلك العدو هو الشيطان ونفذ في الصدور الخ تمثيل لدقة مجاري وسوسته في الأنفس فهو فيما يسوله
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٤٢
142
1
وزين سيئات الجرائم. وهون موبقات العظائم. حتى إذا استدرج قرينته (1) واستغلق رهينته أنكر ما زين (2) واستعظم ما هون وحذر ما أمن. ومنها في صفة خلق الإنسان أم هذا الذي أنشأه في ظلمات الأرحام (3) وشغف الأستار نطفة دهاقا وعلقة محاقا. وجنينا وراضعا، ووليدا ويافعا (4). ثم منحه قلبا حافظا ولسانا لافظا وبصرا لاحظا. ليفهم معتبرا. ويقصر مزدجرا. حتى إذا قام اعتداله واستوى مثاله (5) نفر مستكبرا وخبط سادرا (6). ماتحا في غرب هواه (7)، كادحا سعيا لدنياه. في لذات ____________________ يجري مجرى الأنفاس ويسلك بما يأتي من مسالك الأصدقاء كأنه نجى يسارك وينفث في أذنك بما تظنه خيرا لك. واردى أهلك. ووعد فمنى أي صور الأماني كذبا (1) القرينة النفس التي يقارنها بالوسوسة. واستدرجها أنزلها من درجة الرشد إلى درجته من الضلالة، واستغلق الرهن جعله بحيث لا يمكن تخليصه (2) أنكر الخ بيان لعمل الشيطان وبراءته ممن أغواه عندما تحق كلمة العذاب (3) أم بمعنى بل الانتقالية بعد ما بين وصف الشيطان انتقل لبيان صفة الإنسان، وشغف الأستار جمع شغاف هو في الأصل غلاف القلب استعاره للمشيمة (4) دهاقا متتابعا دهقها أي صبها بقوة وقد تفسر الدهاق بالممتلئة أي ممتلئة من جراثيم الحياة وعلقة محاقا أي خفي فيها ومحق كل شكل وصورة. والجنين الولد بعد تصويره ما دام في بطن أمه، واليافع الغلام راهق العشرين ويقصر يكف عن الرذائل ممتنعا عنها بالعقل والروية (5) استوى مثاله أي بلغت قامته حد ما قدر لها من النمو (6) خبط البعير إذا ضرب بيديه الأرض لا يتوقى شيئا والسادر المتحير والذي لا يهتم ولا يبالي ما صنع (7) متح الماء نزعه وهو في أعلى البئر والماتح الذي ينزل البئر إذا قل ماؤها فيملأ الدلو. والغرب الدلو العظيمة أي لا يستقي
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٤٣
143
1
طربه، وبدوات أربه لا يحتسب رزية (1) ولا يخشع تقية. فمات في فتنته غريرا، وعاش في هفوته يسيرا. لم يفد (2) عوضا ولم يقض مفترضا. دهمته فجعات المنية في غبر جماحه، وسنن مراحه (3)، فظل سادرا (4) وبات ساهرا. في غمرات الآلام. وطوارق الأوجاع والأسقام. بين أخ شقيق ووالد شفيق. وداعية بالويل جزعا. والأدمة للصدر قلقا (5). والمرء في سكرة ملهية. وغمرة كارثة (6) وأنة موجعة. وجذبة مكربة. وسوقة متعبة. ثم أدرج في أكفانه مبلسا (7) وجذب منقادا ____________________ إلا من الهوى. والكدح شدة السعي، والبدوات جمع بدأة وهي ما بدا من الرأي أي ذاهبا فيما يبدو له من رغائبه غير متقيد بشريعة ولا ملتزم صدور فضيلة (1) لا يحتسب رزية أي لا يظنها ولا يفكر في وقوعها ولا يخاشع من التقية والخوف من الله تعالى وغريرا براءين مهملتين أي مغرورا، ويروى عزيزا بمعجمتين أي شابا وهي رواية ضعيفة غير ملائمة سياق النظم وعاش في هفوته الخ عاش في خطأته وخطيئاته الناشئة عن الخطأ في تقدير العواقب زمنا يسيرا وهو مدة الأجل ويروى أسيرا (2) لم يفد أي لم يستفد ثوابا (3) دهمته غشيته وغبر بضم فتشديد جمع غابر أي باقي أي في بقايا تعنته على الحق وعدم انقياده له. والسنن الطريقة، والمرح شدة الفرح والبطر (4) ظل سادرا أي حائرا وذلك بعد ما غشيته فجعات المنية وهي عوارض الأمراض المهلكة التي تفضي إلى الموت (5) اللادمة الضاربة (6) الغمرة الشدة تحيط بالعقل والحواس. والكارثة القاطعة للآمال أو من كربه الغم إذا اشتد عليه، والأنة بفتح فتشديد الواحدة من الأن أي التوجع. وجذبة مكربة أي جذبات الأنفاس عند الاحتضار، والسوقة من ساق المريض نفسه عند الموت سوقا وسياقا وسيق على المجهول شرع في نزع للروح (7) أبلس يبلس يئس فهو مبلس. وسلسا أي سهلا لعدم قدرته على الممانعة
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٤٤
144
1
سلسا. ثم ألقي على الأعواد. رجيع وصب (1) ونضو سقم تحمله حفدة الولدان (2) وحشدة الإخوان، إلى دار غربته. ومنقطع زورته (3) حتى إذا انصرف المشيع. ورجع المتفجع أقعد في حفرته نجيا لبهتة السؤال وعثرة الامتحان (4). وأعظم ما هنالك بلية نزول الحميم (5) وتصلية الجحيم وفورات السعير وسورات الزفير. لا فترة مريحة (6). ولا دعة مزيحة. ولا قوة حاجزة. ولا موتة ناجزة. ولا سنة مسلية بين أطوار الموتات (7) وعذاب الساعات إنا بالله عائذون عباد الله أين الذين عمروا فنعموا (8) وعلموا ففهموا وأنظروا فلهوا (9) ____________________ (1) الرجيع من الدواب ما رجع به من سفر إلى سفر فكل. والوصب التعب، ونضو بالكسر مهزول (2) الحفدة الأعوان، والحشدة المسارعون في التعاون (3) منقطع الزورة حيث لا يزار (4) النجي من تحادثه سرا والميت لا يسمع كلامه سوى الملائكة المكلمين له. وبهتة السؤال حيرته (5) الحميم في الأصل الماء الحار، والتصلية الاحراق والمراد هنا دخول جهنم. والسورة الشدة. والزفير صوت النار عند توقدها (6) الفترة السكون أي لا يفتر العذاب حتى يستريح المعذب من الألم، ولا تكون دعة أي راحة حتى تزيح ما أصابه من التعب، وليست له قوة تحجز عنه وترد غواشي العذاب ولا بموته يجد موتة حاضرة تذهب بإحساسه عن الشعور بتلك الآلام. والناجز الحاضر والسنة بالكسر والتخفيف أوائل النوم، مسلية ملهية عن الألم (7) أطوار الموتات الخ كل نوبة من نوب العذاب كأنها موت لشدتها. وأطوار هذا الموتات ألوانها وأنواعها (8) عمروا الخ عاشوا فتنعموا (9) أمهلوا فألهاهم المهل عن العمل وذلك بعد أن
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٤٥
145
1
وسلموا فنسوا (1). أمهلوا طويلا. ومنحوا جميلا. وحذروا أليما. ووعدوا جسيما. احذروا الذنوب المورطة والعيوب المسخطة (2) أولي الأبصار والأسماع. والعافية والمتاع. هل من مناص أو خلاص. أو معاذ أو ملاذ. أو فرار أو محار (3) أم لا فأنى تؤفكون (4) أم أين تصرفون. أم بما ذا تغترون وإنما حظ أحدكم من الأرض ذات الطول والعرض. قيد قده (5) متعفرا على خده الآن. عباد الله والخناق مهمل (6) والروح مرسل. في فينة الإرشاد (7) وراحة الأجساد وباحة الاحتشاد (8). ومهل البقية. وأنف المشية (9). وإنظار التوبة وانفساح الحوبة (10) قبل الضنك والمضيق. والروع والزهوق (11) وقبل قدوم الغائب المنتظر (12) وأخذة العزيز المقتدر ____________________ علموا ففهموا وكان مقتضى الفهم أن لا يغتروا بالمهلة ويضيعوا الفرصة (1) سلمت عاقباتهم وأرزاقهم فنسوا نعمة الله في السلامة (2) المورطة المهلكة (3) محار أي مرجع إلى الدنيا بعد فراقها (4) تؤفكون تقلبون أي تنقلبون (5) قيد قده بكسر القاف وفتحها من اللفظ الأول وفتحها من الثاني مقدار طوله يريد مضجعه من القبر (6) الخناق الحبل الذي يخنق به وإهماله عدم شده على العنق مدى الحياة، أي وأنتم في قدرة من العمل وسعة من الأمل (7) الفينة بالفتح الحال والساعة والوقت ويروى فينة الارتياد بمعنى الطلب (8) باحة الدار ساحتها. والاحتشاد الاجتماع أي أنتم في ساحة يسهل عليكم فيها التعاون على البر باجتماع بعضكم على بعض (9) أنف بضمتين مستأنف المشيئة لو أردتم استئناف مشيئة وإرادة حسنة لأمكنكم (10) الحوبة الحالة أو الحاجة (11) الروع الخوف. والزهوق الاضمحلال (12) الغائب المنتظر الموت
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٤٦
146
1
وفي الخبر أنه عليه السلام لما خطب بهذه الخطبة اقشعرت لها الجلود. وبكت العيون ورجفت القلوب. ومن الناس من يسمى هذه الخطبة الغراء 84 - ومن خطبة له عليه السلام في ذكر عمرو بن العاص عجبا لابن النابغة (1) يزعم لأهل الشام أن في دعابة (2) وأني امرؤ تلعابة أعافس وأمارس (3) لقد قال باطلا ونطق آثما. أما وشر القول الكذب إنه ليقول فيكذب. ويعد فيخلف. ويسأل فيلحف (4) ويسأل فيبخل. ويخون العهد. ويقطع الإل (5) فإذا كان عند الحرب فأي زاجر وآمر هو. ما لم تأخذ السيوف مآخذها (6) فإذا كان ذلك كان أكبر مكيدته أن يمنح القرم سبته (7) أما والله إني ليمنعني من اللعب ذكر الموت. وإنه ليمنعه من قول الحق نسيان الآخرة. ____________________ (1) النابغة المشهورة فيما لا يليق بالنساء من نبغ إذا ظهر (2) الدعابة بالضم المزاح واللعب. وتلعابة بالكسر كثير اللعب (3) أعافس أعالج الناس وأضاربهم مزاحا. ويقال المعافسة معالجة النساء بالمغازلة. والممارسة كالمعافسة (4) فيلحف أي يلح. ويسأل ههنا مبني للفاعل. ويسأل في الجملة بعدها للمفعول (5) الإل بالكسر القرابة والمراد أنه يقطع الرحم (6) أي أنه في الحرب زاجر وآمر عظيم أي محرض حاث ما لم تأخذ السيوف مأخذها فعند ذلك يجبن كما قال فإذا كان ذلك الخ (7) السبة بالضم الاست تقريع له بفعلته عندما نازل أمير المؤمنين في واقعة صفين فصال عليه وكاد يضرب
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٤٧
147
1
إنه لم يبايع معاوية حتى شرط له أن يؤتيه أتية ويرضخ له على ترك الدين رضيخة (1) 85 - ومن خطبة له عليه السلام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. الأول لا شئ قبله. والآخر لا غاية له. لا تقع الأوهام له على صفة ولا تقعد القلوب منه على كيفية (2) ولا تناله التجزئة والتبعيض. ولا تحيط به الأبصار والقلوب (منها) فاتعظوا عباد الله بالعبر النوافع. واعتبروا بالآي السواطع (3) وازدجروا بالنذر البوالغ (4) وانتفعوا بالذكر والمواعظ. فكأن قد علقتكم مخالب المنية. وانقطعت منكم علائق الأمنية. ودهمتكم مفظعات الأمور (5) والسياقة إلى الورد المورود (6) وكل نفس معها سائق وشهيد. سائق يسوقها إلى محشرها ____________________ عنقه فكشف عورته فالتفت أمير المؤمنين عنه وتركه (1) الآتية العطية ورضخ له أعطاه قليلا والمراد بالأتية والرضيخة ولاية مصر (2) تقعد مجاز عن استقرار حكمها أي ليست له كيفية فتحكم بها (3) الآي جمع آية وهي الدليل. والسواطع الظاهرة الدلالة (4) البوالغ جمع البالغة غاية البيان لكشف عواقب التفريط. والنذر جمع نذير بمعنى الانذار أو المخوف والمراد إنذار المنذرين (5) المفظعات من أفظع الأمر إذا اشتد ويقال أفظع الرجل للمجهول إذا نزلت به الشدة (6) الورد بالكسر الأصل فيه
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٤٨
148
1
وشاهد يشهد عليها بعملها (ومنها في صفة الجنة) درجات متفاضلات. ومنازل متفاوتات. لا ينقطع نعيمها ولا يظعن مقيمها. ولا يهرم خالدها. ولا يبأس ساكنها (1). 86 - ومن خطبة له عليه السلام قد علم السرائر. وخبر الضمائر. له الإحاطة بكل شئ. والغلبة لكل شئ والقوة على كل شئ. فليعمل العامل منكم في أيام مهله قبل إرهاق أجله (2) وفي فراغة قبل أوان شغله. وفي متنفسه قبل أن يؤخذ بكظمه (3) وليمهد لنفسه وقدومه. وليتزود من دار ظعنه لدار إقامته. فالله الله أيها الناس فيما استحفظكم من كتابه واستودعكم من حقوقه. فإن الله سبحانه لم يخلقكم عبثا ولم يترككم سدى ولم يدعكم في جهالة ولا عمى. قد سمى آثاركم (4) وعلم أعمالكم وكتب آجالكم. وأنزل عليكم الكتاب تبيانا لكل شئ ____________________ الماء يورد للري والمراد به الموت أو المحشر (1) بئس كسمع اشتدت حاجته (2) إرهاق الأجل أن يعجل المفرط عن تدارك ما فاته من العمل أي يحول بينه وبينه (3) الكظم بالتحريك الحلق أو مخرج النفس، والأخذ بالكظم كناية عن التضييق عند مداركة الأجل (4) بين لكم أعمالكم وحددها
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٤٩
149
1
وعمر فيكم نبيه أزمانا (1) حتى أكمل له ولكم فيما أنزل من كتابه دينه الذي رضي لنفسه وأنهى إليكم على لسانه محابه من الأعمال ومكارهه (2) ونواهيه وأوامره. فألقى إليكم المعذرة واتخذ عليكم الحجة. وقدم إليكم بالوعيد. وأنذركم بين يدي عذاب شديد. فاستدركوا بقية أيامكم. واصبروا لها أنفسكم (3) فإنها قليل في كثير الأيام التي تكون منكم فيها الغفلة والتشاغل عن الموعظة. ولا ترخصوا لأنفسكم فتذهب بكم الرخص فيها مذاهب الظلمة (4) ولا تداهنوا فيهجم بكم (5) الأدهان على المصيبة. عباد الله إن أنصح الناس لنفسه أطوعهم لربه. وإن أغشهم لنفسه أعصاهم لربه والمغبون من غبن نفسه (6) والمغبوط من سلم له دينه (7). والسعيد من وعظ بغيره والشقي من انخدع لهواه. واعلموا أن يسير الرياء شرك (8) ومجالسة أهل الهوى منساة للإيمان (9). ومحضرة للشيطان. جانبوا الكذب فإنه مجانب للإيمان. الصادق على شرف منجاة وكرامة. والكاذب على شفا مهواة ____________________ (1) عمر نبيه مد في أجله (2) محابه مواضع حبه وهي الأعمال الصالحة (3) اصبروا أنفسكم اجعلوا لأنفسكم صبرا فيها (4) الظلمة جمع ظالم (5) المداهنة إظهار خلاف ما في الطوية والادهان مثله (6) المغبون المخدوع (7) والمغبوط المستحق لتطلع النفوس إليه والرغبة في نيل مثل نعمته (8) الرياء أن تعمل ليراك الناس وقلبك غير راغب فيه (9) منساة
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٥٠
150
1
ومهانة ولا تحاسدوا فإن الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب. ولا تباغضوا فإنها الحالقة (1). واعلموا أن الأمل يسهي العقل وينسي الذكر (2) فأكذبوا الأمل فإنه غرور. وصاحبه مغرور 87 - ومن خطبة له عليه السلام عباد الله إن من أحب عباد الله إليه عبدا أعانه الله على نفسه فاستشعر الحزن وتجلبب الخوف (3) فزهر مصباح الهدى في قلبه وأعد القرى ليومه النازل به (4) فقرب على نفسه البعيد وهون الشديد (5). نظر فأبصر. وذكر فاستكثر (6) وارتوى من عذب فرات. سهلت له ____________________ للإيمان موضع لنسيانه وداعية للذهول عنه، ومحضرة للشيطان مكان لحضوره وداع له (1) فإنها أي المباغضة الحالقة أي الماحية لكل خير وبركة (2) الأمل الذي يذهل العقل وينسي ذكر الله وأوامره ونواهيه هو استقرار النفس على ما وصلت إليه غير ناظرة إلى تغير الأحوال ولا آخذة بالحزم في الأعمال (3) استشعر لبس الشعار وهو ما يلي البدن من اللباس، وتجلبب لبس الجلباب وهو ما يكون فوق جميع الثياب، والحزن العجز عن الوفاء بالواجب وهو قلبي لا يظهر له أثر في العمل الظاهر، أما الخوف فيظهر أثره في البعد عما يغضب الله والمسارعة للعمل فيما يرضيه وذلك أثر ظاهر. وزهر مصباح الهدى تلألأ وأضاء (4) القرى بالكسر ما يهيأ للضيف وهو هنا العمل الصالح يهيؤه للقاء الموت وحلول الأجل (5) جعل الموت على بعده قريبا منه فعمل له ولذلك هان عليه الصبر عن اللذائذ الفانية والأخذ بالجد في إحراز الفضائل السامية وذلك هو الشديد (6) ذكر الله فاستكثر من العمل في
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٥١
151
1
موارده فشرب نهلا (1) وسلك سبيلا جددا (2) قد خلع سرابيل الشهوات وتخلى من الهموم إلا هما واحدا انفرد به (3) فخرج من صفة العمى ومشاركة أهل الهوى، وصار من مفاتيح أبواب الهدى ومغاليق أبواب الردى. قد أبصر طريقه. وسلك سبيله. وعرف مناره. وقطع غماره (4) استمسك من العرى بأوثقها. ومن الحبال بأمتنها. فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس. قد نصب نفسه لله سبحانه في أرفع الأمور من إصدار كل وارد عليه. وتصيير كل فرع إلى أصله (5) مصباح ظلمات. كشاف عشاوات. مفتاح مبهمات. دفاع معضلات (6) دليل فلوات (7). يقول فيفهم ويسكت فيسلم. قد أخلص لله فاستخلصه. فهو من معادن دينه. وأوتاد أرضه. قد ألزم نفسه العدل ____________________ رضاه والعذب والفرات مترادفان (1) النهل أول الشرب والمراد أخذ حظا لا يحتاج معه إلى العلل وهو الشرب الثاني (2) الجدد بالتحريك الأرض الغليظة أي الصلبة المستوية ومثلها يسهل السير فيه (3) الهم الواحد هو هم الوقوف عند حدود الشريعة (4) جمع غمر بالفتح معظم البحر والمراد أنه عبر بحار المهالك إلى سواحل النجاة (5) لأن من كان همه التزام حدود الله في أوامره ونواهيه نفذت بصيرته إلى حقائق سر الله في ذلك فصار من درجات العرفان بحيث لا يرد عليه أمر إلا أصدره على وجهه ولا يعرض له فرع إلا رده إلى أصله (6) عشاوات جمع عشاوة سوء البصر أو العمى أي أنه يكشف عن ذوي العشاوات عشاواتهم، ويروى عشاوات جمع عشوة بتثليث الأول وهي الأمر الملتمس. والمعضلات الشدائد والأمور لا يهتدى لوجهها (7) الفلوات
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٥٢
152
1
فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه. يصف الحق ويعمل به. لا يدع للخير غاية إلا أمها (1) ولا مظنة إلا قصدها (2). قد أمكن الكتاب من زمامه (3) فهو قائده وإمامه. يحل حيث حل ثقله (4) وينزل حيث كان منزله. وآخر قد تسمى عالما وليس به (5). فاقتبس جهائل من جهال، وأضاليل من ضلال. ونصب للناس شركا من حبائل غرور وقول زور. قد حمل الكتاب على آرائه. وعطف الحق على أهوائه (6) يؤمن من العظائم ويهون كبير الجرائم. يقول أقف عند الشبهات وفيها وقع. واعتزل البدع وبينها اضطجع. فالصورة صورة إنسان. والقلب قلب حيوان. لا يعرف باب الهدى فيتبعه. ولا باب العمى فيصد عنه. فذلك ميت الأحياء فأين تذهبون. وأنى تؤفكون (7). والأعلام ____________________ جمع فلاة الصحراء الواسعة مجاز عن مجالات العقول في الوصول إلى الحقائق (1) أمها قصدها (2) مظنة أي موضع ظن لوجود الفائدة (3) الكتاب القرآن. وأمكنه من زمامه تمثيل لانقياده لأحكامه كأنه مطية والكتاب يقوده إلى حيث شاء (4) ثقل المسافر محركة متاعه وحشمه، وثقل الكتاب ما يحمل من أوامر ونواه (5) وآخر الخ هذا عبد آخر غير العبد الذي وصفه بالأوصاف السابقة يخالف في وصفه وصفه، واقتبس استفاد، جهائل جمع جهالة ويراد منها هنا تصور الشئ على غير حقيقته ولا يستفاد من الجهال إلا ذلك، والأضاليل الضلالة جمع أضلولة ويقال لا واحد لها من لفظها وهو الأشهر، والضلال بضم فتشديد جمع ضال (6) عطف الحق الخ حمل الحق على رغباته أي لا يعرف حقا إلا إياها (7) تؤفكون تقلبون وتصرفون بالبناء للمجهول. والأعلام الدلائل على الحق من معجزات ونحوها، والمنار جمع منارة والمراد هنا
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٥٣
153
1
قائمة، والآيات واضحة، والمنار منصوبة فأين يتاه بكم (1). بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم وهم أزمة الحق وأعلام الدين وألسنة الصدق. فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن (2) وردوهم ورود الهيم العطاش (3) أيها الناس خذوها عن خاتم النبيين صلى الله عليه وآله إنه يموت من مات منا وليس بميت (4) ويبلى من بلي منا وليس ببال فلا تقولوا بما لا تعرفون. فإن أكثر الحق فيما تنكرون (5) واعذروا من لا حجة لكم عليه. وأنا هو. ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر (6) وأترك فيكم الثقل الأصغر. وركزت فيكم راية الإيمان ووقفتكم على حدود الحلال والحرام. وألبستكم العافية من ____________________ ما أقيم علامة على الخير والشر (1) يتاه بكم من التيه بمعنى الضلال والحيرة. وتعمهون تتحيرون، وعترة الرجل نسله ورهطه (2) أي أحلوا عترة النبي من قلوبكم محل القرآن من التعظيم والاحترام. وإن القلب هو أحسن منازل القرآن (3) هلموا إلى بحار علومهم مسرعين كما تسرع الهيم أي الإبل العطشى إلى الماء (4) خذوا هذه القضية عنه وهي أنه يموت الميت من أهل البيت وهو في الحقيقة غير ميت لبقاء روحه ساطع النور في عالم الظهور (5) الجاهل يستغمض الحقيقة فينكرها وأكثر الحقائق دقائق (6) الثقل هنا بمعنى النفيس من كل شئ وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله قال تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أي النفيسين. وأمير المؤمنين قد عمل بالثقل الأكبر وهو القرآن ويترك الثقل
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٥٤
154
1
عدلي وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي (1) وأريتكم كرائم الأخلاق من نفسي. فلا تستعملوا الرأي فيما لا يدرك قعره البصر ولا تتغلغل إليه الفكر (منها) حتى يظن الظان أن الدنيا معقولة على بني أمية (2) تمنحهم درها. وتوردهم صفوها. ولا يرفع عن هذه الأمة سوطها ولا سيفها. وكذب الظان لذلك، بل هي مجة من لذيذ العيش (3) يتطعمونها برهة ثم يلفظونها جملة 88 - ومن خطبة له عليه السلام أما بعد فإن الله لم يقصم جباري دهر قط (4) إلا بعد تميل ورخاء. ولم يجبر عظم أحد من الأمم إلا بعد أزل وبلاء (5) وفي دون ما استقبلتم من عتب وما استدبرتم من خطب معتبر (6). وما كل ذي ____________________ الأصغر وهو ولداه ويقال عترته قدوة للناس (1) فرشتكم بسطت لكم (2) مقصورة عليهم مسخرة لهم كأنهم شدوها بعقال كالناقة تمنحهم درها أي لبنها (3) مجة بضم الميم واحدة المج بضمها أيضا نقط العسل أي قطرة عسل تكون في أفواههم كما تكون في فم النحلة يذوقونها زمانا تم يقذفونها. وهذا التفسير أفضل من تفسير المجة بالفتح بالواحدة من مصدر مج التراب من فيه إذا رمى به (4) يقصم يهلك. القصم الكسر (5) جبر العظم طبه بعد الكسر حتى يعود صحيحا، والأزل بالفتح الشدة (6) العتب بسكون التاء يريد منه عتب الزمان مصدر عتب عليه إذا وجد عليه، وإذا وجد الزمان على شخص اشتد عليه وقره، والأصح أنه بتحريك التاء إما مفرد بمعنى الأمر الكريه
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٥٥
155
1
قلب بلبيب. ولا كل ذي سمع بسميع. ولا كل ناظر ببصير. فيا عجبي - ومالي لا أعجب - من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها. لا يقتصون أثر نبي. ولا يقتدون بعمل وصي. ولا يؤمنون بغيب. ولا يعفون عن عيبب (1). يعملون في الشبهات ويسيرون في الشهوات. المعروف عندهم ما عرفوا. والمنكر عندهم ما أنكروا (2). مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم. وتعويلهم في المبهمات على آرائهم كأن كل امرئ منهم إمام نفسه قد أخذ منها فيما يرى بعرى ثقات وأسباب محكمات 89 - ومن خطبة له عليه السلام أرسله على حين فترة من الرسل. وطول هجعة من الأمم واعتزام من الفتن (3) وانتشار من الأمور. وتلظ من ____________________ والفساد أو جمع عتبة بالتحريك بمعنى الشدة يقال ما في هذا الأمر رتبة ولا عتبة. أي شدة أي أنكم لجديرون أن تعتبروا بأقل من الشدة المقبلة عليكم بعد ضعف أمركم وأقل من الخطب العظيم الذي مر بكم فكيف بمثل هذه الأمور الجسام فأنتم أجدر أن تعتبروا بها (1) ولا يعفون بكسر العين وتشديد الفاء من عففت عن الشئ إذا كففت عنه (2) أي يستحسنون ما بدا لهم استحبابه ويستقبحون ما خطر لهم قبحه بدون رجوع إلى دليل بين أو شريعة واضحة، يثق كل منهم بخواطر نفسه كأنه أخذ منها بالعروة الوثقى على ما بها من جهل ونقص (3) اعتزام من قولهم اعتزم الفرس إذا مر جامحا أي وغلبة من الفتن، ويروى اعترام بالراء المهملة يقال
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٥٦
156
1
الحروب (1) والدنيا كاسفة النور ظاهرة الغرور. على حين اصفرار من ورقها (2) وإياس من ثمرها. واغورار من مائها. قد درست منار الهدى. وظهرت أعلام الردى. فهي متجهمة لأهلها (3) عابسة في وجه طالبها ثمرها الفتنة. وطعامها الجيفة. وشعارها الخوف ودثارها السيف (4) فاعتبروا عباد الله. واذكروا تيك التي آباؤكم وإخوانكم بها مرتهنون (5). وعليها محاسبون. ولعمري ما تقادمت بكم ولا بهم العهود. ولا خلت فيما بينكم وبينهم الأحقاب والقرون (6) وما أنتم اليوم من يوم كنتم في أصلابهم ببعيد والله ما أسمعهم الرسول شيئا إلا وها أنا ذا اليوم مسمعكموه. وما أسماعكم اليوم بدون أسماعهم بالأمس. ولا شقت لهم الأبصار ولا جعلت لهم الأفئدة في ذلك ____________________ اعترم الفرس سطا ومال (1) وتلظ أي تلهب (2) هذا وما بعده تمثيل لتغيير الدنيا وإشرافها على الزوال ويأس الناس من التمتع بها أيام الجاهلية، واغورار الماء ذهابه ويروى أعوار مائها بالمهملة من قوله فلاة عوراء لا ماء بها (3) من تجهمه أي استقبله بوجه كريه (4) ثمرها الفتنة أي ليست لها نتيجة سوى الفتن، والجيفة إشارة إلى أكل العرب للميتة من شدة الاضطرار. والشعار من الثياب ما يلي البدن، والدثار فوق الشعار. ولما كان الخوف يتقدم السيف كان الخوف شعارا والسيف دثارا وأيضا فالخوف باطن والسيف ظاهر (5) تيك إشارة إلى سيئات الأعمال وبواطل العقائد وقبائح العوائد. وهم بها مرتهنون أي محبوسون على عواقبها في الدنيا من الذل والضعف (6) الأحقاب جمع حقب بالضم وبضمتين قيل ثمانون سنة وقيل أكثر وقيل
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٥٧
157
1
الأوان إلا وقد أعطيتم مثلها في هذا الزمان. والله ما بصرتم بعدهم شيئا جهلوه. ولا أصفيتم به وحرموه (1) ولقد نزلت بكم البلية جائلا خطامها (2) رخوا بطانها. فلا يغرنكم ما أصبح فيه أهل الغرور. فإنما هو ظل ممدود إلى أجل معدود 90 - ومن خطبة له عليه السلام الحمد لله المعروف من غير رؤية. والخالق من غير روية (3) الذي لم يزل قائما دائما إذ لا سماء ذات أبراج. ولا حجب ذات أرتاج (4) ولا ليل داج. ولا بحر ساج. ولا جبل ذو فجاج. ولا فج ذو اعوجاج. ولا أرض ذات مهاد. ولا خلق ذو اعتماد. ذلك مبتدع الخلق ____________________ هو الدهر (1) يريد أن حالهم كحال من سبقهم وأن من السابقين من اهتدى بهدى الرسول فنجا من سوء عاقبة ما كان فيه. ومنهم من جهل فحل به من النكال ما حل. والإمام اليوم مع هؤلاء كما كان الرسول مع أولئك. وحال السامعين في المدارك كحال السابقين وليس هؤلاء مختصين بشئ حرمه أولئك ولا عالمين بأمر جهلوه. فأصفيتم أي خصصتم مبني للمجهول (2) الخطام ما جعل في أنف البعير لينقاد به. وجولان الخطام حركته وعدم استقراره لأنه غير مشدود. والعبارة تصوير لانطلاق الفتنة تأخذ فيهم مآخذها لا مانع لها ولا مقاوم. وبطان البعير حزام يجعل تحت بطنه ومتى استرخى كان الراكب على خطر السقوط (3) روية فكر وإمعان نظر (4) الأرتاج جمع رتج بالتحريك الباب العظيم. والداجي المظلم. والساجي الساكن. والفجاج جمع فج بمعنى الطريق الواسع بين جبلين، والمهاد الفراش والخلق بمعنى المخلوق، وذو اعتماد
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٥٨
158
1
ووارثه (1) وإله الخلق ورازقه. والشمس والقمر دائبان في مرضاته (2) يبليان كل جديد ويقربان كل بعيد. قسم أرزاقهم. وأحصى آثارهم وأعمالهم وعدد أنفاسهم وخائنة أعينهم. وما تخفي صدورهم من الضمير (3). ومستقرهم ومستودعهم من الأرحام والظهور. إلى أن تتناهى بهم الغايات. هو الذي اشتدت نقمته. على أعدائه في سعة رحمته. واتسعت رحمته لأوليائه في شدة نقمته قاهر من عازه (4) ومدمر من شاقه ومذل من ناواه وغالب من عاداه. ومن توكل عليه كفاه. ومن سأله أعطاه ومن أقرضه قضاه (5). ومن شكره جزاه عباد الله زنوا أنفسكم من قبل أن توزنوا. وحاسبوها من قبل أن تحاسبوا. وتنفسوا قبل ضيق الخناق. وانقادوا قبل أنف السياق (6) ____________________ أي بطش وتصرف بقصد وإرادة (1) مبتدع الخلق منشئه من العدم المحض ووارثه الباقي بعده (2) دائبان تثنية دائب وهو المجد المجتهد، وصفهما بذلك لتعاقبهما على حال واحدة لا يفتران ولا يسكنان وذلك كما أراد سبحانه (3) من الضمير بيان لما تخفي الصدور وذلك أخفى من خائنة الأعين وهي ما يسارق من النظر إلى ما لا يحل وتلك أخفى مما قبلها. من الأرحام والظهور أي فيها، أو تكون من للتبعيض أي الجزء الذي كانوا فيه من أرحام الأمهات وظهور الآباء (4) عازه رام مشاركته في شئ من عزته. وشاقه نازعه. وناواه خالفه (5) جعل تقديم العمل الصالح بمنزلة القرض والثواب عليه بمنزلة قضاء الدين إظهارا لتحقق الجزاء على العمل قال تعالى " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة " (6) العنف ضد الرفق أي
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٥٩
159
1
واعلموا أنه من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ وزاجر لم يكن له من غيرها زاجر ولا واعظ (1) 91 - ومن خطبة له عليه السلام تعرف بخطبة الأشباح وهي من جلائل خطبه عليه السلام وكان سأله سائل أن يصف الله حتى كأنه يراه عيانا فغضب عليه السلام لذلك الحمد لله الذي لا يفره المنع والجمود (2) ولا يكديه الاعطاء والجود. إذ كل معط منتقص سواه. وكل مانع مذموم ما خلاه. وهو المنان بفوائد النعم. وعوائد المزيد والقسم. عياله الخلق. ضمن أرزاقهم وقدر أقواتهم. ونهج سبيل الراغبين إليه. والطالبين ما لديه. وليس بما سئل بأجود منه بما لم يسأل. الأول الذي لم يكن له قبل فيكون شئ قبله. والآخر الذي ليس له بعد ____________________ انقادوا إلى ما يطلب منكم بالحث الرفيق قبل أن تساقوا إليه بالعنف الشديد (1) من لم يعن مبني للمجهول أي من لم يساعده الله على نفسه حتى يكون لها من وجدانها منبه لم ينفعه تنبيه غيره، ويجوز أن يكون للفاعل أي من لم يعن الزواجر على نفسه بالتذكير والاعتبار لم تؤثر فيه (2) لا يفره لا يزيد ما عنده من البخل والجمود وهو
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٦٠
160
1
فيكون شئ بعده. والرادع أناسي الأبصار عن أن تناله أو تدركه (1). ما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال. ولا كان في مكان فيجوز عليه الانتقال ولو وهب ما تنفست عنه معادن الجبال (2) وضحكت عنه أصداف البحار من فلز اللجين والعقيان (3) ونثارة الدر وحصيد المرجان ما أثر ذلك في جوده. ولا أنفد سعة ما عنده ولكان عنده من ذخائر الأنعام ما لا تنفده مطالب الأنام (4) لأنه الجواد الذي لا يغيضه سؤال السائلين ولا يبخله إلحاح الملحين (5) فانظر أيها السائل فما دلك القرآن عليه من صفته فائتم به (6). ____________________ أشد البخل، ولا يكديه أي لا يفقره (1) أناسي جمع إنسان، وإنسان البصر هو ما يرى وسط الحدقة ممتازا عنها في لونها (2) أبدع الإمام في تسمية انفلاق المعادن عن الجواهر تنفسا فإن أغلب ما يكون من ذلك بل كله عن تحرك المواد الملتهبة في جوف الأرض إلى الخارج وهي في تبخرها أشبه بالنفس، كما أبدع في تسمية انفتاح الصدف عن الدر ضحكا (3) الفلز بكسر الفاء واللام الجوهر النفيس، واللجين الفضة الخالصة، والعقيان ذهب ينمو في معدنه، ونثارة الدر بالضم منثورة، وفعالة بالضم فاش للجيد المختار كالخلاصة، وللساقط المتروك كالقلامة، وحصيد المرجان محصوده يشير إلى أن المرجان نبات وقد حققته كاشفات الفنون جديدها وقديمها (4) أنفده بمعنى أفناه، ونفد كفرح أي فنى (5) يغيض بفتح حرف المضارعة من غاض المتعدى: يقال غاض الماء لازما وغاضه الله متعديا، ويقال أغاضه أيضا وكلاهما بمعنى أنقصه وأذهب ما عنده. ويبخله بالتخفيف من أبخلت فلانا وجدته بخيلا، أما بخله بالتشديد فمعناه رماه بالبخل (6) ائتم به أي اتبعه فصفه كما وصفه اقتداء به
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٦١
161
1
واستضئ بنور هدايته. وما كلفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه ولا في سنة النبي صلى الله عليه وآله وأئمة الهدى أثره فكل علمه إلى الله سبحانه. فإن ذلك منتهى حق الله عليك. واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب (1)، فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما. وسمي تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخا. فاقتصر على ذلك ولا تقدر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين. هو القادر الذي إذا ارتمت الأوهام لتدرك منقطع قدرته (2) وحاول الفكر المبرأ من خطرات الوساوس أن يقع عليه في عميقات غيوب ملكوته (3) وتولهت القلوب إليه (4) لتجري في كيفية صفاته (5) وغمضت مداخل العقول في حيث لا تبلغه الصفات لتناول علم ذاته (6) ردعها وهي تجوب مهاوي سدف ____________________ (1) السدد جمع سدة باب الدار، والاقرار فاعل أغناهم (2) ارتمت الأوهام ذهبت أمام الأفكار كالطليعة لها. ومنقطع الشئ ما إليه ينتهي (3) المبرأ الخ أما الملابس لهذه الخطرات فمعلوم أنه لا يصل إلى شئ لوقوفه عند وساوسه (4) تولهت القلوب إليه اشتد عشقها وميلها لمعرفة كنهه (5) لتجري الخ لتجول ببصائرها في تحقيق كيف قامت صفاته بذاته أو كيف اتصف سبحانه بها (6) وغمضت الخ أي خفيت طرق الفكر ودقت
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٦٢
162
1
الغيوب متخلصة إليه سبحانه فرجعت إذ جبهت (1) معترفة بأنه لا ينال بجور الاعتساف كنه معرفته (2) ولا تخطر ببال أولي الرويات خاطرة من تقدير جلال عزته (3) الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله (4) ولا مقدار احتذى عليه من خالق معهود كان قبله. وأرانا من ملكوت قدرته، وعجائب ما نطقت به آثار حكمته، واعتراف الحاجة من الخلق إلى أن يقيمها بمساك قدرته ما دلنا باضطرار قيام الحجة له على معرفته (5) وظهرت في البدائع التي أحدثها آثار صنعته وأعلام ____________________ وبلغت في الخفاء والدقة إلى حد لا يبلغه الوصف (1) ردعها الخ جواب للشرط في قوله إذا ارتمت الخ. وردعها كفها وردها، والمهاوي المهالك، والسدف بضم ففتح جمع سدفة وهي القطعة من الليل المظلم، وجبهت من جبهه إذا ضرب جبهته والمراد ردت بالخيبة (2) الجور العدول عن الطريق، والاعتساف سلوك على غير جادة وسلوك العقول في أي طريق طلبا لاكتناه ذاته وللوقوف على ما لم تكلف الوقوف عليه من كيفية صفاته يعد جورا وعدولا عن الجادة، فإن العقول الحادثة ليس في طبيعتها ما يؤهلها للإحاطة بالحقائق الأزلية، اللهم إلا ما دلت عليه الآثار وذلك هو الوصف الذي جاء في الكتاب والسنة، وكنه معرفته نائب فاعل ينال (3) الرويات جمع روية الفكر (4) ابتدع الخلق أوجده من العدم المحض على غير مثال سابق امتثله أي حاذاه، ولا مقدار سابق احتذى عليه أي قاس وطبق عليه، وكان ذلك المثال أو المقدار من خالق معروف سبقه بالخلقة أي لم يقتد بخالق آخر في شئ من الخلقة إذ لا خالق سواه (5) المساك كسحاب - ويكسر - ما به يمسك الشئ كالملاك ما به يملك " إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا " وقد جعل الحاجة الظاهرة من المخلوقات إلى إقامة وجودها بما يمسكها من قوته بمنزلة الناطق بذلك المعترف به، وقوله باضطرار
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٦٣
163
1
حكمته. فصار كل ما خلق حجة له ودليلا عليه، وإن كان خلقا صامتا فحجته بالتدبير ناطقة. ودلالته على المبدع قائمة. وأشهد أن من شبهك بتباين أعضاء خلقك. وتلاحم حقاق مفاصلهم (1) المحتجبة لتدبير حكمتك. لم يعقد غيب ضميره على معرفتك (2). ولم يباشر قلبه اليقين بأنه لا ند لك وكأنه لم يسمع تبرأ التابعين من المتبوعين إذ يقولون " تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين " كذب العادلون بك (3) إذ شبهوك بأصنامهم ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم (4). وجزءوك تجزئة المجسمات بخواطرهم وقدروك على الخلقة المختلفة القوى (5) بقرائح عقولهم. وأشهد ____________________ متعلق بدلنا، وعلى معرفته متعلق به أيضا، أي دلنا على معرفته بسبب أن قيام الحجة اضطرنا لذلك. وما دلنا مفعول لأرانا. وظهرت في البدائع الخ معطوف على أرانا (1) الحقاق جمع حق بضم الحاء رأس العظم عند المفصل، واحتجاب المفاصل استتارها باللحم والجلد وذلك الاستتار مما له دخل في تقوية المفاصل على تأدية وظائفها التي هي الغاية من وضعها في تدبير حكمة الله في خلقة الأبدان، والمراد من شبهه بالانسان ونحوه (2) غيب الضمير باطنه، والمراد منه هنا العلم واليقين، أي لم يحكم بيقينه في معرفتك بما أنت أهل له (3) العادلون بك الذين عدلوا بك غيرك أي سووه بك وشبهوك به (4) نحلوك أعطوك، وحلية المخلوقين صفاتهم الخاصة بهم من الجسمانية وما يتبعها، أي وصفوك بصفات المخلوقين، وذلك إنما يكون من الوهم الذي لا يصل إلى غير الأجسام ولواحقها دون العقل الذي يحكم فيما وراء ذلك (5) قدروك قاسوك
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٦٤
164
1
أن من ساواك بشئ من خلقك فقد عدل بك. والعادل بك كافر بما تنزلت به محكمات آياتك. ونطقت عنه شواهد حجج بيناتك. وأنك أنت الله الذي لم تتناه في العقول فتكون في مهب فكرها مكيفا (1) ولا في رويات خواطرها فتكون محدودا مصرفا (2). (ومنها) قدر ما خلق فأحكم تقديره. ودبره فألطف تدبيره ووجهه لوجهته فلم يتعد حدود منزلته. ولم يقصر دون الانتهاء إلى غايته ولم يستصعب إذ أمر بالمضي على إرادته (3). وكيف وإنما صدرت الأمور عن مشيئته. المنشئ أصناف الأشياء بلا روية فكر آل إليها ولا قريحة غريزة أضمر عليها (4) ولا تجربة أفادها من حوادث الدهور (5) ولا شريك أعانه على ابتداع عجائب الأمور فتم خلقه وأذعن لطاعته. وأجاب إلى دعوته ولم يعترض دونه ريث المبطئ (6) ____________________ (1) أي لم تكن متناهيا محدود الأطراف حتى تحيط بك العقول فتكيفك بكيفية مخصوصة (2) مصرفا أي تصرفك العقول بأفهامها في حدودك (3) استصعب المركوب لم ينقد في السير لراكبه. وكل مخلوق خلقه الله لأمر أراده بلغ الغاية مما أراد الله منه ولم يقصر دون ذلك منقادا غير مستصعب (4) غريزة: طبيعة ومزاج، أي ليس له مزاج كما للمخلوقات الحساسة فينبعث عنه إلى الفعل، بل هو انفعال بماله بمقتضى ذاته لا بأمر عارض (5) أفادها استفادها (6) لم يعترض دونه أي دون الخلق وإجابة دعوة الله. والريث التثاقل عن الأمر أي أجاب الخلق دعوة الخالق فيما وجهت إليه فطرته بدون مهل
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٦٥
165
1
ولا أناة المتلكئ (1) فأقام من الأشياء أودها (2). ونهج حدودها (3) ولاءم بقدرته بين متضادها. ووصل أسباب قرائنها (4). وفرقها أجناسا مختلفات في الحدود والأقدار والغرائز والهيئات (5). بدايا خلائق أحكم صنعها (6) وفطرها على ما أراد وابتدعها (منها في صفة السماء) ونظم بلا تعليق رهوات فرجها (7). ولاحم صدوع انفراجها (8) ووشج بينها وبين أزواجها (9). وذلل للهابطين بأمره والصاعدين بأعمال خلقه حزونة معراجها (10). ناداها بعد إذ هي دخان. فالتحمت ____________________ (1) الأناة تؤدة تمازجها روية في اختيار العمل وتركه، والمتلكئ المتعلل، يقول أجاب الخلق ربه طائعا مقهورا بلا تلكؤ (2) أودها اعوجاجها (3) نهج عين ورسم (4) قرائنها جمع قرينة وهي النفس، أي وصل حبال النفوس وهي من عالم النور بالأبدان وهي من عالم الظلمة (5) الغرائز الطبائع (6) بدايا جمع بدئ أي مصنوع (7) رهوات جمع رهوة أي المكان المرتفع ويقال للمنخفض أيضا، والفرج جمع فرجة. يقول قد فرج الله ما بين جرم وآخر من الأجرام السماوية ونظمها على ذلك بدون تعليق أحدها بالآخر وربطه به بآلة حسية (8) لاحم الخ ما كان في الجرم الواحد منها من صدع لحمه سبحانه وأصلحه فسواه، وذلك كما كان في بدء خلقة الأرض وانفصالها عن الأجرام السماوية وانفراج الأجرام عنها، فما تصدع بذلك أصلحه الله " أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما " (9) من وشج محمله إذا شبكه بالأربطة حتى لا يسقط منه شئ، أي أنه سبحانه شبك بين كل سماء وأجرامها وبين أزواجها أي أمثالها وقرنائها من الأجرام الأخرى في الطبقات العليا والسفلى عنها بروابط الماسكة المعنوية العامة، وهي من أعظم المظاهر لقدرته (10) الهابطين والصاعدين الأرواح العلوية والسفلية. والحزونة الصعوبة. وقوله ناداها الخ رجوع إلى بيان بعض ما كانت عليه قبل النظم. يقول كانت السماوات هباء مائرا
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٦٦
166
1
عرى أشراجها. وفتق بعد الارتتاق صوامت أبوابها (1). وأقام رصدا من الشهب الثواقب على نقابها (2) وأمسكها من أن تمور في خراق الهواء بأيده (3). وأمرها أن تقف مستسلمة لأمره. وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها (4) وقمرها آية ممحوة من ليلها (5) فأجراهما في مناقل مجراهما. وقدر سيرهما في مدارج درجهما. ليميز بين الليل والنهار بهما. وليعلم عدد السنين والحساب بمقاديرهما. ثم علق في ____________________ أشبه بالدخان منظرا وبالبخار مادة فتجلى من الله فيها سر التكوين فالتحمت عرى أشراجها، والأشراج جمع شرج بالتحريك هو العروة وهي مقبض الكوز والدلو وغيرهما. وأشار بإضافة العرى للأشراج إلى أن كل جزء من مادتها عروة للآخر يجذبه إليه ليتماسك به، فكل ماسك وممسوك، وكل عروة وله عروة (1) بعد أن كانت جسما واحدا فتق الله رتقه، وفصلها إلى أجرام بينها فرج وأبواب، وأفرغ ما بينها بعد ما كانت صوامت أي لا فراغ فيها (2) النقاب جمع نقب وهو الخرق. والشهب الثواقب أي الشديدة الضياء. والرصد القوم يرصدون كالحرس، وكون الرصد من الشهب في أصل تكوين الخلقة كما قال الإمام دليل على ما أثبته العلم من أن الشهب مقذيان لبعض أجرام الكواكب (*) ما نظمه لها من التفاتق فما نقب وخرق من جرم عوض بالشهاب، وذلك أمر آخر غير ما جاء في الكتاب العزيز فما جاء في الكتاب بمعنى آخر (3) وأمسكها عن أن تمور أي تضطرب في الهواء بأيده أي بقوته، وأمرها أن تقف أي تلزم مراكزها لا تفارق مداراتها، لا بمعنى أن تسكن (4) مبصرة أي جعل شمس هذه الأجرام السماوية مضيئة يبصر بضوئها مدة النهار كله دائما (5) ممحوة يمحى ضؤها في بعض أطراف الليل في أوقات من الشهر، وفي جميع الليل أياما منه. ومناقل مجراهما الأوضاع التي ينقلان فيها من مداريهما
* العبارة فيها تحريف في الأصل، والمعنى أن كلام الإمام دليل على ما أثبته العلم الحديث من أن الشهب جعلت لتسد ما يحصل في بعض أجرام الكواكب من خروق، كما يدل عليه آخر العبارة
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٦٧
167
1
جوها فلكها (1). وناط بها زينتها من خفيات دراريها ومصابيح كواكبها (2) ورمى مسترقي السمع بثواقب شهبها وأجراها على إذلال تسخيرها من ثبات ثابتها ومسير سائرها وهبوطها وصعودها. ونحوسها وسعودها (3) (منها في صفة الملائكة عليهم السلام) ثم خلق سبحانه لإسكان سماواته. وعمارة الصفيح الأعلى (4) من ملكوته خلقا بديعا من ملائكته ملأ بهم فروج فجاجها. وحشى بهم فتوق أجوائها (5). وبين فجوات تلك الفروج زجل المسبحين منهم في حظائر القدس وسترات الحجب وسرادقات المجد (6). ووراء ذلك الرجيج الذي تستك منه الاسماع سبحات نور تردع الأبصار عن بلوغها (7). فتقف خاسئة على حدودها (8). أنشأهم على صور مختلفات وأقدار متفاوتات. أولي أجنحة تسبح جلال ____________________ (1) فلكها هو الجسم الذي ارتكزت فيه وأحاط بها وفيه مدارها. وناط بها أي علق بها وأحاطها. ودراريها كواكبها وأقمارها. والإذلال جمع ذل بالكسر وهو محجة الطريق أي على الطرق التي سخرها فيها (2) نجومها الصغار (3) نحوسها وسعودها من أقفار بعضها في علله وريع بعضها على كونه (*) (4) الصفيح السماء (5) الأجواء جمع جو (6) الزجل رفع الصوت. والحظائر جمع حظيرة موضع يحاط عليه لتأوى إليه الغنم والإبل توقيا من البرد والريح، وهو مجاز هنا عن المقامات المقدسة للأرواح الطاهرة. والسترات جمع سترة ما يستتر به. والسرادقات جمع سرادق وهو ما يمد على صحن البيت فيغطيه (7) الرجيج الزلزلة والاضطراب. وتستك منه أي تصم منه الآذان لشدته. وسبحات نور أي طبقات نور وأصل السبحات الأنوار نفسها (8) خاسئة مدفوعة مطرودة عن الترامي إليها
* هذه العبارة طبق الأصل، وهي غير واضحة. وفي شرح ابن أبي الحديد ما يفيد أن النجوم تدل بنحسها وسعدها على أمور عامة مما لا تخص أحدا بعينه كأن تدل على قحط عام أو مرض عام أو نحو ذلك
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٦٨
168
1
عزته لا ينتحلون ما ظهر في الخلق من صنعته. ولا يدعون أنهم يخلقون شيئا مما انفرد به. بل عباد مكرمون " لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون " جعلهم فيما هنالك أهل الأمانة على وحيه. وحملهم إلى المرسلين ودائع أمره ونهيه. وعصمهم من ريب الشبهات فما منهم زائغ عن سبيل مرضاته. وأمدهم بفوائد المعونة. وأشعر قلوبهم تواضع إخبات السكينة (1) وفتح لهم أبوابا ذللا (2) إلى تماجيده. ونصب لهم منارا واضحة على أعلام توحيده (3). لم تثقلهم موصرات الآثام (4). ولم ترتحلهم عقب الليالي والأيام (5). ولم ترم الشكوك بنوازعها عزيمة إيمانهم (6). ولم تعترك الظنون على معاقد يقينهم (7) ولا قدحت قادحة الإحن فيما بينهم (8). ولا سلبتهم ____________________ (1) الاخبات الخضوع والخشوع (2) جمع ذلول خلاف الصعب (3) قال بعض أهل اللغة إن منارة تجمع على منار وإن لم يذكره صاحب القاموس. وأرى أن منارا ههنا جمع منارة بمعنى المسرجة وهي ما يوضع فيه المصباح. والأعلام ما يقام للاهتداء على أفواه الطرق ومرتفعات الأرض والكلام تمثيل لما أنار به مداركهم حتى انكشف لهم سر توحيده (4) مثقلاتها (5) ارتحله وضع عليه الرحل ليركبه. والعقب جمع عقبة هي النوبة. والليل والنهار [عقيبان] لتعاقبهما، أي لم يتسلط عليهم تعاقب الليل والنهار فيفنيهم أو يغيرهم (6) النوازع جمع نازعة وهي النجم أو القوس، وعلى الأول المراد منها الشهب وعلى الثاني تكون الباء في بنوازعها بمعنى من (7) جمع معقد محل العقد بمعنى الاعتقاد (8) الإحن جمع إحنة حي الحقد والضغينة
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٦٩
169
1
الحيرة ما لاق من معرفته بضمائرهم (1). وما سكن من عظمته وهيبة جلالته في أثناء صدورهم. ولم تطمع فيهم الوساوس فتقترع برينها على فكرهم (2) منهم من هو في خلق الغمام الدلح (3) وفي عظم الجبال الشمخ وفي فترة الظلام الأبهم (4) ومنهم من خرقت أقدامهم تخوم الأرض السفلى. فهي كرايات بيض قد نفذت في مخارق الهواء (5). وتحتها ريح هفافة تحبسها على حيث انتهت من الحدود المتناهية. قد استفرغتهم أشغال عبادته (6) ووصلت حقائق الإيمان بينهم وبين معرفته. وقطعهم الايقان به إلى الوله إليه (7) ولم تجاوز رغباتهم ما عنده إلى ما عند غيره. قد ذاقوا حلاوة معرفته وشربوا بالكأس الروية من محبته (8) وتمكنت من سويداء قلوبهم (9) وشيجة خيفته (10) فحنوا بطول الطاعة اعتدال ظهورهم. ____________________ (1) لاق لصق (2) تقترع من الاقتراع بمعنى ضرب القرعة. والرين بفتح الراء الدنس وما يطبع على القلب من حجب الجهالة (3) جمع دالح وهو الثقيل بالماء من السحاب (4) القترة هنا الخفاء والبطون. ومنها قالوا أخذه على فترة أي من حيث لا يدري. والأبهم بباء موحدة بعد الهمزة أصله من لا يعقل ولا يفهم، وصف به الليل وصفا للشئ بما ينشأ عنه، فإن الظلام الحالك يوقع في الحيرة ويأخذ بالفهم عن رشاده (5) مواضع ما خرقت أقدامهم (6) جعلتهم فارغين من الاشتغال بغيرها (7) شدة الشوق إليه (8) الروية التي تروي وتطفئ العطش (9) محل الروح الحيواني من مضغة القلب (10) الوشيجة أصلها عروق الشجرة أراد منها
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٧٠
170
1
ولم ينفد طول الرغبة إليه مادة تضرعهم (1) ولا أطلق عنهم عظيم الزلفة ربق خشوعهم (2) ولم يتولهم الإعجاب فيستكثروا ما سلف منهم. ولا تركت لهم استكانة الاجلال (3) نصيبا في تعظيم حسناتهم. ولم تجر الفترات فيهم على طول دؤوبهم ولم تغض رغباتهم (4) فيخالفوا عن رجاء ربهم ولم تجف لطول المناجاة أسلات ألسنتهم (5) ولا ملكتهم الأشغال فتنقطع بهمس الجؤار إليه أصواتهم (6) ولم تختلف في مقاوم الطاعة مناكبهم (7). ولم يثنوا إلى راحة التقصير في أمره رقابهم. ولا تعدو (8) على عزيمة جدهم بلادة الغفلات ولا تنتضل في هممهم خدائع الشهوات (9). قد اتخذوا ذا العرش ذخيرة ليوم فاقتهم (10). ويمموه عند انقطاع الخلق إلى المخلوقين برغبتهم (11) ____________________ هنا بواعث الخوف من الله (1) أي أن شدة رجائهم لم تفن مادة خوفهم وتذللهم (2) جمع ربقة بالكسر والفتح وهي العروة من عرى الربق بكسر الراء وهو حبل فيه عدة عرى تربط فيه البهم (3) الاستكانة ميل للسكون من شدة الخوف ثم استعملت في الخضوع (4) دأب في العمل بالغ في مداومته حتى أجهده (5) لم تنقص. وأسلة اللسان طرفه أي لم تيبس أطراف ألسنتهم فتقف عن ذكره (6) الهمس الخفي من الصوت. والجؤار رفع الصوت بالتضرع أي لم يكن لهم عن الله شاغل يضطرهم للهمس والإخفاء وخفض جؤارهم بالدعاء إليه (7) المقاوم جمع مقام، والمراد الصفوف (8) لا تسطو (9) انتتضلت الإبل رمت بأيديها في السير بسرعة. وخدائع الشهوات للنفس [بما تزينه لها.] أي لم تسلك خدائع الشهوات طريقا في هممهم (10) حاجتهم (11) يمموه قصدوه بالرغبة والرجاء عندما
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٧١
171
1
لا يقطعون أمد غاية عبادته. ولا يرجع بهم الاستهتار بلزوم طاعته (1) إلا إلى مواد من قلوبهم غير منقطعة من رجائه ومخافته (2). لم تنقطع أسباب الشفقة منهم (3) فينوا في جدهم (4) ولم تأسرهم الأطماع فيؤثروا وشيك السعي على اجتهادهم (5). ولم يستعظموا ما مضى من أعمالهم. ولو استعظموا ذلك لنسخ الرجاء منهم شفقات وجلهم (6). ولم يختلفوا في ربهم باستحواذ الشيطان عليهم. ولم يفرقهم سوء التقاطع. ولا تولاهم غل التحاسد. ولا شعبتهم مصارف الريب (7) ولا اقتسمتهم أخياف الهمم (8). فهم أسراء إيمان. لم يفكهم من ربقته زيغ ولا عدول ولا ونى ولا فتور (9). وليس في أطباق السماوات ____________________ انقطعت الخلق سواهم إلى المخلوقين (1) الاستهتار التولع (2) مواد جمع مادة: أصلها من مد البحر إذا زاد، وكل ما أعنت به غيرك فهو مادة، ويريد بها البواعث المعينة على الأعمال، أي كلما تولعوا بطاعته زادت بهم البواعث عليها من الرغبة والرهبة (3) الشفقة الخوف (4) ونى ينى تأنى (5) وشيك السعي مقاربه وهينه، أي أنه لا طمع لهم في غيره فيختاروا هين السعي على الاجتهاد الكامل (6) الشفقات تارات الخوف وأطواره، وهو فاعل نسخ والرجاء مفعول. والوجل الخوف أيضا (7) شعبتهم فرقتهم صروف الريب جمع ريبة وهي ما لا تكون النفس على ثقة من موافقته للحق (8) جمع خيف بالفتح هو في الأصل ما انحدر عن سفح الجبل، والمراد هنا سواقط الهمم، فإن التفرق والاختلاف كثيرا ما يكون من انحطاط الهمة بل أعظم ما يكون منه ينشأ عن ذلك. وقد يكون الخيف بمعنى الناحة أي متطرفات الهمم (9) ونى مصدر ونى
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٧٢
172
1
موضع إهاب (1) إلا وعليه ملك ساجد. أو ساع حافد (2). يزدادون على طول الطاعة بربهم علما. وتزداد عزة ربهم في قلوبهم عظما. (ومنها) في صفة الأرض ودحوها على الماء (3). كبس الأرض (4) على مور أمواج مستفحلة. ولجج بحار زاخرة (5). تلتطم أواذي أمواجها (6) وتصطفق متقاذفات أثباجها (7) وترغو زبدا كالفحول عند هياجها. فخضع جماح الماء المتلاطم لثقل حملها. وسكن هيج ارتمائه إذ وطئته بكلكلها (8). وذل مستخذيا (9) إذ تمعكت عليه بكواهلها (10) فأصبح بعد اصطخاب أمواجه (11) ساجيا مقهورا (12). وفي حكمة الذل منقادا أسيرا (13). وسكنت الأرض مدحوة في لجة تياره. وردت من نخوة بأوه واعتلائه (14) وشموخ أنفه وسمو ____________________ كتعب أي تأنى (1) جلد حيوان (2) خفيف سريع (3) دحوها بسطها (4) كبس النهر والبئر أي طمهما بالتراب وعلى هذا كان حق التعبير كبس بها مور أمواج لكنه أقام الآلة مقام المفعول لأنها المقصود بالعمل. والمور التحرك الشديد. والمستفحلة الهائجة يصعب التغلب عليها (5) ممتلئة (6) جمع آذى أعلى الموج (7) اصطفقت الأشجار اهتزت بالريح. والأثباج جمع ثبج بالتحريك هو في الأصل ما بين الكاهل والظهر أو صدر القطاة استعاره لأعالي الموج والمتقاذفات التي يقذف بعضها بعضا (8) هو في الأصل الصدر استعاره لما لاقى الماء من الأرض (9) منكسرا مسترخيا (10) من تمعكت الدابة أي تمرغت في التراب (11) اصطخاب افتعال من الصخب بمعنى ارتفاع الصوت (12) ساجيا ساكنا (13) الحكمة محركة ما أحاط بحنكي الفرس من لجامه وفيها العذاران (14) البأ والكبر والزهو
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٧٣
173
1
غلوائه (1) وكعمته (2) على كظة جريته (3) فهمد بعد نزقانه (4). ولبد بعد زيفان وثباته (5). فلما سكن هياج الماء من تحت أكنافها (6) وحمل شواهق الجبال الشمخ البذخ على أكتافها (7) فجر ينابيع العيون من عرانين أنوفها (8). وفرقها في سهوب بيدها وأخاديدها (9) وعدل حركاتها بالراسيات من جلاميدها (10) وذوات الشناخيب الشم (11). من صياخيدها (12). فسكنت من الميدان (13) لرسوب الجبال في قطع أديمها (14)، وتغلغلها متسربة في جوبات خياشيمها (15)، وركوبها أعناق ____________________ (1) بضم الغين وفتح اللام النشاط وتجاوز الحد (2) كعم البعير كمنع شد فاه لئلا يعض أو يأكل، وما يشد به كعام ككتاب (3) الكظة بالكسر ما يعرض من امتلاء البطن بالطعام، ويراد بها هنا ما يشاهد في جري الماء من ثقل الاندفاع (4) النزق والنزقان الطيش (5) الزيفان التبختر في المشية. ولبد كفرح ونصر. أي قام وثبت (6) نواحيها (7) البذخ بمعنى الشمخ جمع شامخ وباذخ أي عال ورفيع. غير أني أجد من لفظ الباذخ معنى أخص وهو الضخامة مع الارتفاع. وحمل عطف على أكناف (8) عرانين جمع عرنين بالكسر ما صلب من عظم الأنف والمراد أعالي الجبال، غير أن الاستعارة من ألطف أنواعها في هذا المقام (9) السهوب جمع سهب بالفتح أي الفلاة. والبيد جمع بيداء. والأخاديد جمع أخدود الحفر المستطيلة في الأرض. والمراد منها مجاري الأنهار (10) الضمير للأرض كما يظهر من بقية الكلام. والجلاميد جمع جلمود الحجر القاسي (11) الشناخيب جمع شنخوب وهو رأس الجبل. والشم الرفيعة (12) جمع صيخود وهو الصخرة الشديدة (13) بالتحريك الاضطراب (14) سطحها (15) التغلغل المبالغة في الدخول ومتسربة أي داخلة. والجوبات جمع جوبة بمعنى الحفرة. والخياشيم جمع خيشوم هو منفذ الأنف إلى الرأس أو مارق من العضاريف الكائنة
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٧٤
174
1
سهول الأرضين وجراثيمها (1) وفسح بين الجو وبينها. وأعد الهواء متنسما لساكنها. وأخرج إليها أهلها على تمام مرافقها (2) ثم لم يدع جرز الأرض (3) التي تقصر مياه العيون عن روابيها (4) ولا تجد جداول الأنهار ذريعة إلى بلوغها (5) حتى أنشأ لها ناشئة سحاب تحيي مواتها (6) وتستخرج نباتها. ألف غمامها بعد افتراق لمعه (7) وتباين قزعه (8)، حتى إذا تمخضت لجة المزن فيه (9). والتمع برقه في كففه (10) ولم ينم وميضه في كنهور ربابه (11) ومتراكم سحابه أرسله سحا ____________________ فوق قصبة الأنف متصلة بالرأس، وضمير تغلغلها للجبال. وخياشيمها للأرض والمجاز ظاهر (1) ركوب الجبال أعناق السهول استعلاؤها عليها. وأعناقها سطوحها وجراثيمها ما سفل عن السطوح من الطبقات الترابية، واستعلاء الجبال عليها ظاهر (2) مرافق البيت ما يستعان به فيه وما يحتاج إليه في النعيش خصوصا ما يكون من الأماكن، أو هو ما يتم به الانتفاع بالسكنى كمصاب المياه والطرق الموصلة إليه والأماكن التي لا بد منها للساكنين فيه لقضاء حاجاتهم وما يشبه ذلك (3) الأرض الجرز بضمتين التي تمر عليها مياه العيون فتنبت (4) مرتفعاتها (5) ذريعة وسيلة (6) الموات من الأرض ما لا يزرع (7) جمع لمعة بضم اللام: في الأصل القطعة من النبات مالت لليبس استعارها لقطع السحاب، والمشابهة في لونها وذهابها إلى الاضمحلال لولا تأليف الله إياها مع غيرها (8) جمع قزعة محركة وهي القطعة من الغيم (9) تمخضت تحركت تحركا شديدا كما يتحرك اللبن في السقاء بالمخض. والضمير في فيه راجع إلى المزن أي تحركت اللجة التي يحملها المزن فيه. ويصح أن يرجع للغمام في أول العبارة (10) جمع كفة بضم الكاف وهي الحاشية والطرف لكل شئ أي جوانبه (11) نامت النار همدت. والوميض اللمعان. والكنهور كسفرجل القطع العظيمة من السحاب
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٧٥
175
1
متداركا. قد أسف هيدبه، تمريه الجنوب درر أهاضيبه (2) ودفع شآبيبه (3) فلما ألقت السحاب برك بوانيها (4)، وبعاع ما استقلت به (5) من العبء المحمول عليها (6) أخرج به من هوامد الأرض النبات (7) ومن زعر الجبال الأعشاب (8)، فهي تبهج بزينة رياضها (9) وتزدهي (10) بما ألبسته من ريط (11) أزاهيرها (12) وحلية ما سمطت به (13) من ناضر ____________________ أو المتراكم منه. والرباب كسحاب الأبيض المتلاحق منه، أي لم يمهد لمعان البرق في ركام هذا الغمام (1) صبا متلاحقا متواصلا (2) أسف الطائر دنا من الأرض، والهيدب كجعفر السحاب المتدلى أو ذيله، وقوله تمريه من مري الناقة أي مسح على ضرعها ليحلب لبنها. والدرر كغلل جمع درة بالكسر اللبن. والأهاضيب جمع هضاب وهو جمع هضبة كضربة وهي المطرة، أي دنا السحاب من الأرض لثقله بالماء وريح الجنوب تستدره الماء كما يستدر الحالب لبن الناقة، فإن الريح تحركه فيصب ما فيه (3) جمع شؤبوب ما ينزل من المطر بشدة (4) البرك بالفتح في الأصل ما يلي الأرض من جلد صدر البعير كالبركة. والبواني هي أضلاع الزور. وشبه السحاب بالناقة إذا بركت وضربت بعنقها على الأرض ولاطمتها بأضلاع زورها. واشتبه ابن أبي الحديد في معنى المبرك والبواني فأخرج الكلام عن بلاغته (5) بعاع عطف على برك. والبعاع بالفتح ثقل السحاب من الماء. وألقى السحاب بعاعه أمطر كل ما فيه (6) العبء الحمل (7) الهوامد من الأرض ما لم يكن بها نبات (8) زعر جمع زاعر وهو من المواضع القليل النبات (9) بهج كمنع سر وأفرح (10) تعجب (11) جمع ريطة بالفتح وهي كل ثوب رقيق لين (12) جمع زهار الذي هو جمع زهرة بمعنى النبات (13) سمط من سمط الشئ علق عليه السموط وهي الخيوط تنظم فيها القلادة
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٧٦
176
1
أنوارها (1) وجعل ذلك بلاغا للأنام (2) ورزقا للأنعام. وخرق الفجاج في آفاقها وأقام المنار للسالكين على جواد طرقها. فلما مهد أرضه وأنفذ أمره اختار آدم عليه السلام خيرة من خلقه. وجعله أول جبلته (3) وأسكنه جنته وأرغد فيها أكله، وأوعز إليه فيما نهاه عنه. وأعلمه أن في الإقدام عليه التعرض لمعصيته والمخاطرة بمنزلته. فأقدم على ما نهاه عنه موافاة لسابق علمه، فأهبطه بعد التوبة ليعمر أرضه بنسله وليقيم الحجة به على عباده. ولم يخلهم بعد أن قبضه مما يؤكد عليهم حجة ربوبيته، ويصل بينهم وبين معرفته، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه، ومتحملي ودائع رسالاته، قرنا فقرنا حتى تمت بنبينا محمد صلى الله عليه وآله حجته، وبلغ المقطع عذره ونذره (4). وقدر الأرزاق فكثرها وقللها. وقسمها على الضيق والسعة فعدل فيها ليبتلي من أراد بميسورها ومعسورها. وليختبر بذلك الشكر والصبر من غنيها وفقيرها. ثم قرن بسعتها ____________________ (1) الأنوار جمع نور بفتح النون وهو الزهر بالمعنى المعروف أي حلية القلائد التي علقت عليها من أزهار نباتها. وفي رواية شمطت بالشين وتخفيف الميم من شمطه إذا خلط لونه بلون آخر. والشميط من النبات ما كان فيه لون الخضرة مختلطا بلون الزهر (2) البلاغ ما يتبلغ به من القوت (3) خلقته (4) المقطع النهاية التي ليس وراءها
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٧٧
177
1
عقابيل فاقتها (1)، وبسلامتها طوارق آفاتها، وبفرج أفراحها (2) غصص أتراحها (3)، وخلق الآجال فأطالها وقصرها. وقدمها وأخرها. ووصل بالموت أسبابها (4). وجعله خالجا لأشطانها (5) وقاطعا لمرائر أقرانها (6). عالم السر من ضمائر المضمرين. ونجوى المتخافتين (7). وخواطر رجم الظنون (8)، وعقد عزيمات اليقين (9). ومسارق إيماض الجفون (10). وما ضمنته أكنان القلوب وغيابات الغيوب (11)، وما أصغت لاستراقه مصائخ الأسماع (12)، ومصائف الذر (13) ومشاتي الهوام (14) ورجع الحنين ____________________ غاية (1) العقابيل الشدائد جمع عقبولة بضم العين. والفاقة الفقر (2) الفرج جمع فرجة وهي التفصي من الهم (3) جمع ترح بالتحريك الغم والهلاك (4) حبالها (5) خالجا جاذبا لأشطانها جمع شطن كسبب: الحبل الطويل، شبه به الأعمار الطويلة (6) المرائر جمع مريرة الحبل يفتل على أكثر من طاق أو الشديد الفتل. والأقران جمع قرن بالتحريك وهو الحبل يجمع به بعيران، وذكره لقوته أيضا. وإضافة المرائر للاقران بعد استعمالها في الشديدة بلا قيد أن تكون حبالا (7) التخافت المكالمة سرا (8) رجم الظنون ما يخطر على القلب أنه وقع أو يصح أن يقع بلا برهان (9) العقد جمع عقدة ما يرتبط القلب بتصديقه لا يصدق نقيضه ولا يتوهمه. والعزيمات جمع عزيمة ما يوجب البرهان الشرعي أو العقلي تصديقه والعمل به (10) جمع مسرق مكان مسارقة النظر أو زمانها أو البواعث عليها أو فلان يسارق فلانا النظر أي ينتظر منه غفلة فينظر إليه. والإيماض اللمعان وهو أحق أن ينسب إلى العيون لا إلى الجفون، ونسبته إلى الجفون لأنه ينبعث من بينها (11) ضمنته حوته. والأكنان جمع كن كل ما يستتر فيه. وغيابات الغيوب أعماقها (12) استراق الكلام استماعه خفية. والمصائخ جمع مصاخ مكان الاصاخة وهو ثقبة الأذن (13) صغار النمل، ومصائفها محل إقامتها في الصيف، وهو وما بعده عطف على ضمائر المضمرين (14) مشاتيها محل إقامتها في الشتاء
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٧٨
178
1
من المولهات (1) وهمس الأقدام (2). ومنفسح الثمرة من ولائج غلف الأكمام (3)، ومنقمع الوحوش من غيران الجبال وأوديتها (4). ومختبأ البعوض بين سوق الأشجار وألحيتها (5)، ومغرز الأوراق من الأفنان (6)، ومحط الأمشاج من مسارب الأصلاب (7)، وناشئة الغيوم ومتلاحمها. ودرور قطر السحاب في متراكمها. وما تسفي الأعاصير بذيولها (8) وتعفو الأمطار بسيولها (9). وعوم نبات الأرض في كثبان الرمال (10)، ومستقر ذوات الأجنحة بذرى شناخيب الجبال (11)، وتغريد ذوات المنطق في دياجير الأوكار (12)، وما أوعبته الأصداف (13)، وحضنت عليه أمواج البحار (14) ____________________ (1) الحزينات، ورجع الحنين ترديده (2) الهمس أخفى ما يكون من صوت القدم على الأرض (3) منفسخ الثمرة مكان نموها من الولائج جمع وليجة بمعنى البطانة الداخلية. والغلف جمع غلاف. والأكمام جمع كم بالكسر وهو غطاء النوار ووعاء الطلع (4) منقمع الوحوش موضع انقماعها أي اختفائها. والغيران جمع غار (5) سوق جمع ساق أسفل الشجرة تقوم عليه فروعها. والألحية جمع لحاء قشرة الشجرة (6) الغصون (7) الأمشاج النطف. سميت أمشاجا - جمع مشيج - من مشج إذا خلط، لأنها مختلطة من جراثيم مختلفة كل منها يصلح لتكوين عضو من أعضاء البدن. ومسارب الأصلاب ما يتسرب المني فيها عند نزوله أو عند تكونه (8) سفت الريح التراب ذرته أو حملته. والأعاصير جمع إعصار ريح تثير السحاب أو تقوم على الأرض كالعمود (9) تعفو تمحو (10) الكثبان جمع كثيب: التل (11) الذرى جمع ذروة أعلى الشئ. والشناخيب رؤوس الجبال (12) تغريد الطائر رفع صوته بالغناء وهو نطقه. والدياجير المظلمة (13) أوعبته جمعته (14) حضنت عليه ربته فتولد في حضنها كالعنبر
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٧٩
179
1
وما غشيته سدفة ليل (1) أو ذر عليه شارق نهار (2). وما اعتقبت عليه أطباق الدياجير (3) وسبحات النور. وأثر كل خطوة. وحس كل حركة ورجع كل كلمة. وتحريك كل شفة، ومستقر كل نسمة، ومثقال كل (ذرة)، وهماهم كل نفس هامة (4). وما عليها من ثمر شجرة (5)، أو ساقط ورقة أو قرارة نطفة (6) أو نقاعة دم ومضغة (7). أو ناشئة خلق وسلالة. لم تلحقه في ذلك كلفة. ولا اعترضته في حفظ ما ابتدعه من خلقه عارضة (8). ولا اعتورته في تنفيذ الأمور وتدابير المخلوقين ملالة ولا فترة (9). بل نفذ فيهم علمه، وأحصاهم عده، ووسعهم عدله، وغمرهم فضله مع تقصيرهم عن كنه ما هو أهله. اللهم أنت أهل الوصف الجميل والتعداد الكثير (10). إن تؤمل فخير مؤمل: وإن ترج فأكرم مرجو. اللهم وقد بسطت لي فيما لا أمدح به غيرك، ولا أثني به على أحد سواك، ولا أوجهه إلى معادن ____________________ ونحوه (1) سدفة ظلمة (2) ذر طلع (3) اعتقبت تعاقبت: وتوالت. والأطباق الأغطية. والدياجير الظلمات. وسبحات النور درجاته وأطواره (4) هماهم: هموم مجاز من الهمهمة ترديد الصوت في الصدر من الهم (5) عليها أي على الأرض (6) قرارتها مقرها (7) نقاعة عطف على نطفة. ونقاعة الدم ما ينقع منه في أجزاء البدن. والمضغة عطف على نقاعة أي يعلم مقر جميع ذلك (8) هي ما يعترض العامل فيمنعه عن عمله (9) اعتورته تداولته وتناولته (10) المبالغة في عد كمالاتك إلى ما لا ينتهي.
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٨٠
180
1
الخيبة ومواضع الريبة (1). وعدلت بلساني عن مدائح الآدميين. والثناء على المربوبين المخلوقين. اللهم ولكل مثن على من أثنى عليه مثوبة (2) من جزاء أو عارفة من عطاء، وقد رجوتك دليلا على ذخائر الرحمة وكنوز المغفرة. اللهم وهذا مقام من أفردك بالتوحيد الذي هو لك ولم ير مستحقا لهذه المحامد والممادح غيرك. وبي فاقة إليك لا يجبر مسكنتها إلا فضلك ولا ينعش من خلتها إلا منك وجودك (3)، فهب لنا في هذا المقام رضاك، وأغننا عن مد الأيدي إلى سواك إنك على كل شي ء قدير. 92 - ومن خطبة له عليه السلام لما أريد على البيعة بعد قتل عثمان رضي الله عنه دعوني والتمسوا غيري فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان. لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول (4). وإن الآفاق قد أغامت والمحجة (5) قد تنكرت. واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ____________________ (1) هم المخلوقون (2) ثواب وجزاء (3) الخلة بالفتح الفقر. والمن الاحسان (4) لا تصبر له ولا تطيق احتماله (5) غطيت بالغيم. والمحجة الطريق المستقيمة. تنكرت أي تغيرت علائمها فصارت مجهولة، وذلك أن الأطماع كانت قد تنبهت في كثير من الناس على عهد
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٨١
181
1
ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب. وإن تركتموني فأنا كأحدكم و لعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم. وأنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا. 93 - ومن خطبة له عليه السلام أما بعد أيها الناس. فأنا فقأت عين الفتنة (1)، ولم تكن ليجرأ عليها أحد غيري بعد أن ماج غيهبها (2) واشتد كلبها (3). فاسألوني قبل أن تفقدوني. فوالذي نفسي بيده لا تسألوني عن شئ فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة إلا أنبأتكم بناعقها (4) وقائدها وسائقها، ومناخ ركابها ومحط رحالها، ومن يقتل من أهلها قتلا، ____________________ عثمان رضي الله عنه بما نالوا من تفضيلهم بالعطاء فلا يسهل عليهم فيما بعد أن يكونوا في مساواة مع غيرهم، فلو تناولهم العدل انفلتوا منه وطلبوا طائشة الفتنة طمعا في نيل رغباتهم، وأولئك هم أغلب الرؤساء في القوم، فإن أقرهم الإمام على ما كانوا عليه من الامتياز فقد أتى ظلما وخالف شرعا، والناقمون على عثمان قائمون على المطالبة بالنصفة إن لم ينالوها تحرشوا للفتنة، فأين اتحجه للوصول إلى الحق على أمن من الفتن. وقد كان بعد بيعته ما تفرس به قبلها (1) شققتها وقلعتها تمثيل لتغلبه عليها، وذلك كان بعد انقضاء أمر النهروان وتغلبه على الخوارج (2) الغيهب الظلمة. وموجها شمولها وامتدادها (3) الكلب محركة: داء معروف يصيب الكلاب، فكل من عضته أصيب به فجن ومات، شبه به اشتداد الفتنة حتى لا تصيب أحدا إلا أهلكته (4) الداعي
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٨٢
182
1
ويموت منهم موتا. ولو قد فقدتموني ونزلت بكم كرائه الأمور (1) وحوازب الخطوب (2) لأطرق كثير من السائلين وفشل كثير من المسؤولين. وذلك إذا قلصت حربكم (3) وشمرت عن ساق، وضاقت الدنيا عليكم ضيقا تستطيلون معه أيام البلاء عليكم حتى يفتح الله لبقية الأبرار منكم. إن الفتن إذا أقبلت شبهت (4) وإذا أدبرت نبهت (5). ينكرن مقبلات ويعرفن مدبرات. يحمن حول الرياح يصبن بلدا ويخطئن بلدا. ألا إن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية، فإنها فتنة عمياء مظلمة عمت خطتها (6) وخصت بليتها، وأصاب البلاء من أبصر فيها (7)، وأخطأ البلاء من عمي عنها. وأيم الله لتجدن بني أمية لكم أرباب سوء بعدي. كالناب الضروس (8) تعذم بفيها وتخبط بيدها، وتزبن برجلها، وتمنع درها. لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم إلا نافعا لهم أو غير ضائر بهم. ولا يزال بلاؤهم حتى ____________________ إليها، من نعق بغنمه صاح بها لتجتمع (1) الكرائه جمع كريهة (2) الحوازب جمع حازب وهو الأمر الشديد، حزبه الأمر إذا اشتد عليه (3) قلصت بتشديد اللام تمادت واستمرت. وبتخفيفها وثبت (4) اشتبه فيها الحق بالباطل (5) لأنها تعرف بعد انقضائها وتنكشف حقيقتها فتكون عبرة (6) الخطة بالضم الأمر أي شمل أمرها لأنها رئاسة عامة. وخصت بليتها آل البيت لأنها اغتصاب لحقهم (7) من عرف الحق فيها نزل به بلاء الانتقام من بني أمية (8) الناب الناقة المسنة. والضروس السيئة
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٨٣
183
1
لا يكون انتصار أحدكم منهم إلا كانتصار العبد من ربه. والصاحب من مستصحبه (1). ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشية (2) وقطعا جاهلية. ليس فيها منار هدى، ولا علم يرى (3) نحن أهل البيت منها بمنجاة (4) ولسنا فيها بدعاة. ثم يفرجها الله عنكم كتفريج الأديم (5) بمن يسومهم خسفا (6) ويسوقهم عنفا، ويسقيهم بكأس مصبرة (7) لا يعطيهم إلا السيف. ولا يحلسهم إلا الخوف (8). فعند ذلك تود قريش بالدنيا وما فيها لو يرونني مقاما واحدا ولو قدر جزر جزور (9) لأقبل منهم ما أطلب اليوم بعضه فلا يعطونني 94 - ومن خطبة له عليه السلام فتبارك الله الذي لا يبلغه بعد الهمم. ولا يناله حسن الفطن. الأول الذي لا غاية له فينتهي. ولا آخر له فينقضي (منها في وصف ____________________ الخلق تعض حالبا. وتعذم من عذم الفرس إذا أكل بجفاء أو عض. وتزبن أي تضرب. ودرها لبنها. والمراد خيرها (1) التابع من متبوعه، أي انتصار الأذلاء وما هو بانتصار (2) شوهاء قبيحة المنظر. ومخشية مخوفة مرعبة (3) دليل يهتدى به (4) بمكان النجاة من إثمها (5) كما يسلخ الجلد عن اللحم (6) يلزمهم ذلا. وقوله بمن متعلق بيفرجها (7) مملوءة إلى أصبارها جمع صبر بالضم والكسر بمعنى الحرف أي إلى رأسها (8) من أحلس البعير إذا ألبسه الحلس بكسر الحاء وهو كساء يوضع على ظهره تحت البرذعة، أي لا يكسوهم إلا خوفا (9) الجزور الناقة المجزورة، أو هو البعير
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٨٤
184
1
الأنبياء) فاستودعهم في أفضل مستودع، وأقرهم في خير مستقر. تناسختهم كرائم الأصلاب (1) إلى مطهرات الأرحام. كلما مضى منهم سلف قام منهم بدين الله خلف. حتى أفضت كرامة الله سبحانه إلى محمد صلى الله عليه وآله، فأخرجه من أفضل المعادن منبتا (2) وأعز الأرومات مغرسا (3). من الشجرة التي صدع منها أنبياءه (4) وانتخب منها أمناءه (5). عترته خير العتر (6)، وأسرته خير الأسر، وشجرته خير الشجر. نبتت في حرم وبسقت في كرم (7)، لها فروع طوال وثمرة لا تنال. فهو إمام من اتقى وبصيرة من اهتدى. سراج لمع ضوءه. وشهاب سطع نوره، وزند برق لمعه. سيرته القصد (8) وسنته الرشد. وكلامه الفصل. وحكمه العدل. أرسله على حين فترة من الرسل (9)، وهفوة عن العمل (10)، وغباوة من الأمم. اعملوا رحمكم ____________________ مطلقا، أو الشاة المذبوحة، أي ولو مدة ذبح البعير أو الشاة (1) تناسختهم تناقلتهم (2) كمجلس موضع النبات ينبت فيه (3) الأرومات جمع أرومة الأصل. والمغرس موضع الغرس (4) صدع فلانا قصده لكرمه، أي اختصهم بالنبوة من بين فروعها وهي شجرة إبراهيم عليه السلام (5) انتخب اختار (6) عترته آل بيته. وأسرة الرجل رهطه الأدنون (7) بسقت ارتفعت (8) الاستقامة (9) الفترة الزمان بين الرسولين (10) هفوة زلة وانحراف من الناس عن العمل بما أمر الله على ألسنة الأنبياء السابقين
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٨٥
185
1
الله على أعلام بينة. فالطريق نهج (1) يدعو إلى دار السلام. وأنتم في دار مستعتب على مهل وفراغ (2). والصحف منشورة. والأقلام جارية. والأبدان صحيحة. والألسن مطلقة. والتوبة مسموعة. والأعمال مقبولة 95 - ومن خطبة له عليه السلام بعثه والناس ضلال في حيرة. وخابطون في فتنة. قد استهوتهم الأهواء، واستزلتهم الكبرياء (3)، واستخفتهم الجاهلية الجهلاء (4). حيارى في زلزال من الأمر، وبلاء من الجهل. فبالغ صلى الله عليه وآله في النصيحة، ومضى على الطريقة، ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة 96 - ومن خطبة أخرى الحمد لله الأول فلا شئ قبله. والآخر فلا شئ بعده. والظاهر فلا شئ فوقه. والباطن فلا شئ دونه (منها في ذكر الرسول صلى الله ____________________ (1) واضح قويم. ويدعو إلى دار السلام يوصل إليها (2) مستعتب بفتح التاءين طلب العتبي. أي الرضا من الله بالأعمال النافعة (3) استزلتهم أدت بهم للزلل والسقوط في المضار، وتأنيث الفعل على تأويل أن الكبرياء صفة. وفي رواية واستزلهم الكبراء أي أضلهم كبراؤهم وسادتهم (4) استخفتهم طيشتهم. والجاهلية حالة العرب قبل نور
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٨٦
186
1
عليه وآله) مستقره خير مستقر. ومنبته أشرف منبت. في معادن الكرامة، ومماهد السلامة (1). قد صرفت نحوه أفئدة الأبرار، وثنيت إليه أزمة الأبصار (2). دفن به الضغائن (3). وأطفأ به الثوائر (4). ألف به إخوانا، وفرق به أقرانا (5). أعز به الذلة (6)، وأذل به العزة. كلامه بيان وصمته لسان 97 - ومن خطبة له عليه السلام ولئن أمهل الظالم فلن يفوت أخذه (7). وهو له بالمرصاد على مجاز طريقه. وبموضع الشجى من مساغ ريقه (8). أما والذي نفسي بيده ليظهرن هؤلاء القوم عليكم، ليس لأنهم أولى بالحق منكم، ولكن لإسراعهم إلى باطل صاحبهم وإبطائكم عن حقي. ولقد أصبحت ____________________ العلم الاسلامي. والجهلاء وصف لها للمبالغة (1) المماهد جمع ممهد كمقعد ما يمهد أي يبسط فيه الفراش ونحوه، أي أنه ولد في أسلم موضع وأنقاه من دنس السفاح (2) الأزمة كأئمة جمع زمام. وانثناء الأزمة إليه عبارة عن تحولها نحوه (3) الأحقاد، فهو رسول الألفة، وأهل دينة المتآلفون المتعاونون على الخير. ومن لم يكن في عروة الألفة منهم فهو - والله أعلم - خارج عنهم (4) جمع ثائرة وهي العداوة الواثبة بصاحبها على أخيه ليضره إن لم يقتله (5) وفرق به أقران الألفة على الشرك (6) ذلة الضعفاء من أهل الفضل المستترين بحجب الخمول، وأذل به عزة الشرك والظلم والعدوان (7) لا يذهب عنه أن يأخذه (8) الشجى ما يعترض في الحلق من عظم وغيره. ومساغ الريق ممره
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٨٧
187
1
الأمم تخاف ظلم رعاتها. وأصبحت أخاف ظلم رعيتي. استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا. وأسمعتكم فلم تسمعوا، ودعوتكم سرا وجهرا فلم تستجيبوا، ونصحت لكم فلم تقبلوا. أشهود كغياب (1) وعبيد كأرباب؟ أتلو عليكم الحكم فتنفرون منها. وأعظكم بالموعظة البالغة فتتفرقون عنها. وأحثكم على جهاد أهل البغي فما آتي على آخر القول حتى أراكم متفرقين أيادي سبا (2) ترجعون إلى مجالسكم وتتخادعون عن مواعظكم. أقومكم غدوة وترجعون إلي عشية كظهر الحية (3)، عجز المقوم وأعضل المقوم (4) أيها الشاهدة أبدانهم. الغائبة عقولهم. المختلفة أهواؤهم. المبتلى بهم أمراؤهم. صاحبكم يطيع الله وأنتم تعصونه. وصاحب أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه. لوددت والله أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلا منهم. يا أهل الكوفة منيت بكم بثلاث واثنتين: صم ذوو أسماع، ____________________ من الحلق. والكلام تمثيل لقرب السطوة الإلهية من الظالمين (1) شهود جمع شاهد بمعنى الحاضر. وغياب جمع غائب (2) قالوا إن سبأ هو أبو عرب اليمن كان له عشرة أولاد جعل منهم ستة يمينا له وأربعة شمالا تشبيها لهم باليدين، ثم تفرق أولئك الأولاد أشد التفرق (3) القوس (4) أعضل استعصى واستصعب
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٨٨
188
1
وبكم ذوو كلام، وعمي ذوو أبصار. لا أحرار صدق عند اللقاء (1) ولا إخوان ثقة عند البلاء. تربت أيديكم. يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها كلما جمعت من جانب تفرقت من جانب آخر. والله لكأني بكم فيما إخال (2) أن لو حمس الوغى وحمي الضراب وقد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها (3). وإني لعلى بينة من ربي، ومنهاج من نبيي. وإني لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطا (4). انظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم (5) واتبعوا أثرهم فلن يخرجوكم من هدى، ولن يعيدوكم في ردى. فإن لبدوا فالبدوا (6) وإن نهضوا فانهضوا. ولا تسبقوهم فتضلوا، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا. لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله فما أرى أحدا يشبههم، (*) لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا (7) وقد باتوا سجدا وقياما يراوحون بين ____________________ (1) هاته وما بعدها هما الثنتان، وما قبلها هي الثلاثة (2) إخال أظن. وحمس كفرح اشتد. والوغى الحرب (3) انفراج المرأة عن قبلها عند الولادة أو عندما يشرع عليها سلاح. والمشابهة في العجز والدناءة في العمل (4) اللقط أخذ الشئ من الأرض. وإنما سمي اتباعه لمنهاج الحق لقطا لأن الحق واحد والباطل ألوان مختلفة، فهو يلتقط الحق من بين ضروب الباطل (5) السمت بالفتح طريقهم أو حالهم أو قصدهم (6) لبد كنصر أقام، أي أن أقاموا فأقيموا (7) شعثا جمع أشعث هو المغبر الرأس، والغبر جمع أغبر، والمراد أنهم
* في بعض النسخ " فما أرى أحدا منهم يشبهه ".
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٨٩
189
1
جباههم وخدودهم (1) ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم. كأن بين أعينهم ركب المعزى (2) من طول سجودهم. إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم. ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفا (3) من العقاب ورجاء الثواب 98 - ومن كلام له عليه السلام والله لا يزالون حتى لا يدعوا لله محرما إلا استحلوه (4) ولا عقدا إلا حلوه. وحتى لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا دخله ظلمهم (5) ونبا به سوء رعيهم (6) وحتى يقوم الباكيان يبكيان باك يبكي لدينه وباك يبكي لدنياه. وحتى تكون نصرة أحدكم ____________________ كانوا متقشفين (1) المراوحة بين العملين أن يعمل هذا مرة، وهذا مرة. وبين الرجلين أن يقوم بالعمل كل منهما مرة، وبين جباههم وخدودهم أن يضعوا الخدود مرة والجباه أخرى على الأرض خضوعا لله وسجودا (2) ركب جمع ركبة موصل الساق من الرجل بالفخذ. وإنما خص ركب المعزى ليبوستها واضطرابها من كثرة الحركة، أي أنهم لطول سجودهم يطول سهودهم، وكأن بين أعينهم جسم خشن يدور فيها فيمنعهم عن النوم والاستراحة (3) مادوا اضطربوا وارتعدوا (4) الكلام في بني أمية. والمحرم ما حرمه الله. واستحلاله استباحته (5) بيوت المدر المبنية من طوب وحجر ونحوها، وبيوت الوبر الخيام (6) أصله من نبابه المنزل إذا لم يوافقه فارتحل عنه، وأن البيوت تستو بل سوء الحكومة فتأخذ عنه منجاة فيخسر العمران، ولا تتبوأ الحكومة الظالمة
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٩٠
190
1
من أحدهم كنصرة العبد من سيده. إذا شهد أطاعه، وإذا غاب اغتابه. وحتى يكون أعظمكم فيها غناء أحسنكم بالله ظنا. فإن أتاكم الله بعافية فأقبلوا. وإن ابتليتم فاصبروا. فإن العاقبة للمتقين 99 - ومن خطبة له عليه السلام نحمده على ما كان ونستعينه من أمرنا على ما يكون. ونسأله المعافاة في الأديان كما نسأله المعافاة في الأبدان عباد الله أوصيكم بالرفض لهذه الدنيا التاركة لكم وإن لم تحبوا تركها. والمبلية لأجسامكم وإن كنتم تحبون تجديدها. فإنما مثلكم ومثلها كسفر سلكوا سبيلا فكأنهم قد قطعوه (1) وأموا علما (2) فكأنهم قد بلغوه. وكم عسى المجرى إلى الغاية أن يجري إليها (3) حتى يبلغها. وما عسى أن يكون بقاء من له يوم لا يعدوه وطالب حثيث يحدوه في الدنيا حتى يفارقها (4) فلا تنافسوا ____________________ إلا خرابا تنعق فيه فلا يجيبها إلا صدى نعيقها (1) السفر بفتح فسكون جماعة المسافرين، أي إنكم في مسافة العمر كالمسافرين في مسافة الطريق فلا يلبثون أن يأتوا على نهايتها لأنها محدودة (2) أموا قصدوا (3) الذي يجري فرسه إلى غاية معلومة أي مقدار من الجري يلزمه حتى يصل لغايته (4) يحدوه يتبعه ويسوقه
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٩١
191
1
في عز الدنيا وفخرها. ولا تعجبوا بزينتها ونعيمها. ولا تجزعوا من ضرائها وبؤسها. فإن عزها وفخرها إلى انقطاع. وإن زينتها ونعيمها إلى زوال، وضراءها وبؤسها إلى نفاد (1). وكل مدة فيها إلى انتهاء. وكل حي فيها إلى فناء. أوليس لكم في آثار الأولين مزدجر (2) وفي آبائكم الماضين تبصرة ومعتبر إن كنتم تعقلون. أو لم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون. وإلى الخلف الباقين لا يبقون. أو لستم ترون أهل الدنيا يصبحون ويمسون على أحوال شتى، فميت يبكى وآخر يعزى، وصريع مبتلى. وعائد يعود وآخر بنفسه يجود (3). وطالب للدنيا والموت يطلبه. وغافل وليس بمغفول عنه. وعلى أثر الماضي ما يمضي الباقي ألا فاذكروا هادم اللذات، ومنغص الشهوات، وقاطع الأمنيات. عند المساورة للأعمال القبيحة (4). واستعينوا الله على أداء ____________________ (1) فناء (2) مكان للانزجار والارتداع (3) من جاد بنفسه إذا قارب أن يقضى نحبه كأنه يسخو بها ويسلمها إلى خالقها (4) عند متعلق باذكروا. والمساورة المواثبة كأن العمل القبيح لبعده عن ملاءمة الطبع الإنساني بالفطرة الإلهية ينفر من مقترفه كما ينفر الوحش فلا يصل إليه المغبون إلا بالوثبة عليه وهو في غائلته على مجترمه كالضاريات من الوحوش فهو يثب على مواثبه ليهلكه فما ألطف التعبير بالمساورة في هذا الموضع
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٩٢
192
1
واجب حقه. وما لا يحصى من أعداد نعمه وإحسانه 100 - ومن خطبة له أخرى الحمد لله الناشر في الخلق فضله. والباسط فيهم بالجود يده. نحمده في جميع أموره. ونستعينه على رعاية حقوقه. ونشهد أن لا إله غيره وأن محمدا عبده ورسوله. أرسله بأمره صادعا (1)، وبذكره ناطقا. فأدى أمينا ومضى رشيدا. وخلف فينا راية الحق من تقدمها مرق (2)، ومن تخلف عنها زهق (3). ومن لزمها لحق دليلها مكيث الكلام (4). بطئ القيام، سريع إذا قام. فإذ أنتم ألنتم له رقابكم وأشرتم إليه بأصابعكم، جاءه الموت فذهب به، فلبثتم بعده ما شاء الله، حتى يطلع الله لكم من يجمعكم ويضم نشركم (5). فلا تطمعوا في غير مقبل (6)، ولا تيأسوا من مدبر. فإن المدبر ____________________ (1) فالقا به جدران الباطل فهادمها (2) خرج عن الدين. والذي يتقدم راية الحق هو من يزيد على ما شرع الله أعمالا وعقائد يظنها مزينة للدين ومتممة له ويسميها بدعة حسنة (3) اضمحل وهلك (4) رزين في قوله لا يبادر به عن غير روية، بطئ القيام لا ينبعث للعمل بالطيش وإنما يأخذ له عدة إتمامه، فإذا أبصر منه وجه الفوز قام فمضى إليه مسرعا، وكأنه يصف بذلك حال نفسه كرم الله وجهه (5) يصل متفرقكم (6) الإقبال والإدبار في الجملتين لا يتواردان على جهة واحدة، فالمقبل بمعنى المتوجه إلى الأمر الطالب له الساعي إليه، والمدبر بمعنى من أدبرت حاله واعترضته الخيبة
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٩٣
193
1
عسى أن تزل إحدى قائمتيه (1)، وتثبت الأخرى وترجعا حتى تثبتا جميعا. ألا إن مثل آل محمد صلى الله عليه وآله كمثل نجوم السماء إذا خوى نجم طلع نجم (2)، فكأنكم قد تكاملت من الله فيكم الصنائع، وأراكم ما كنتم تأملون 101 - ومن خطبة له أخرى الأول قبل كل أول. والآخر بعد كل آخر. بأوليته وجب أن لا أول له. وبآخريته وجب أن لا آخر له. وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة يوافق فيها السر الاعلان والقلب اللسان أيها الناس لا يجرمنكم شقاقي (3)، ولا يستهوينكم عصياني، ولا تتراموا بالأبصار عندما تسمعونه مني (4). فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة إن الذي أنبئكم به عن النبي الأمي صلى الله عليه وآله. ما كذب المبلغ ولا جهل السامع. ولكأني أنظر إلى ضليل (5) قد ____________________ في عمله وإن كان لم يزل طالبا (1) رجليه (2) خوى غاب (3) لا يكسبنكم، والمفعول محذوف أي خسرانا، أي لا تشاقوني فيكسبكم الشقاق خسرانا، ولا تعصوني فيتيه بكم عصياني في ضلال وحيرة (4) لا ينظر بعضكم إلى بعض تغامزا بالإنكار لما أقول (5) ضليل كشرير: شديد الضلال مبالغ في الضلال
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٩٤
194
1
نعق بالشام، وفحص براياته (1) في ضواحي كوفان (2). فإذا فغرت فاغرته (3)، واشتدت شكيمته (4)، وثقلت في الأرض وطأته عضت الفتنة أبناءها بأنيابها، وماجت الحرب بأمواجها. وبدا من الأيام كلوحها (5)، ومن الليالي كدوحها (6). فإذا أينع زرعه (7)، وقام على ينعه (8). وهدرت شقاشقه، وبرقت بوارقه، عقدت رايات الفتن المعضلة، وأقبلن كالليل المظلم، والبحر الملتطم. هذا وكم يخرق الكوفة من قاصف (9)، ويمر عليها من عاصف. وعن قليل تلتف القرون بالقرون (10)، ويحصد القائم ويحطم المحصود ____________________ (1) من فحص القطا التراب إذا اتخذ فيه أفحوصا بالضم وهو مجثمه، أي المكان الذي يقيم فيه عندما يكون على الأرض، يريد أنه نصب له رايات بحثت لها في الأرض مراكز (2) هي الكوفة، أي أنه كاد يصل الكوفة حيث أن راياته انتشرت على بعض بلدان من حدودها وهو ما أشار إليه بالضواحي (3) فغر الفم كمنع انفتح، وفغرته، فهو لازم ومتعد، أي إذا انفتحت فاغرته وهي فمه (4) الشكيمة الحديدة المعترضة في اللجام في فم الدابة ويعبر بقوتها عن شدة البأس وصعوبة الانقياد (5) عبوسها (6) جمع كدح بالفتح وهو الخدش وأثر الجراحات (7) نضج وحان قطافه (8) حالة نضجه (9) هو ما اشتد صوته من الرعد والريح وغيرهما. والعاصف ما اشتد من الريح، والمراد مزعجات الفتن (10) يكون الاشتباك بين قواد الفتنة وبين أهل الحق كما تشتبك الكباش بقرونها عند النطاح. وما بقي من الصلاح قائما يحصد، وما كان قد حصد يحطم ويهشم، فلا يبقى إلا شر عام وبلاء تام إن لم يقم للحق أنصار
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٩٥
195
1
102 - ومن كلام له يجري مجرى الخطبة وذلك يوم يجمع الله فيه الأولين والآخرين لنقاش الحساب (1) وجزاء الأعمال، خضوعا قياما قد ألجمهم العرق، ورجفت بهم الأرض. فأحسنهم حالا من وجد لقدميه موضعا ولنفسه متسعا (منه) فتن كقطع الليل المظلم. لا تقوم لها قائمة (2)، ولا ترد لها راية، تأتيكم مزمومة مرحولة، يحفزها قائدها ويجهدها راكبها. أهلها قوم شديد كلبهم، قليل سلبهم (3). يجاهدهم في سبيل الله قوم أذلة عند المتكبرين. في الأرض مجهولون، وفي السماء معروفون. فويل لك يا بصرة عند ذلك من جيش من نقم الله لا رهج له ولا حس (4). ____________________ (1) نقاش الحساب الاستقصاء فيه (2) لا تثب لمعارضتها قائمة خيل، وقوائم الفرس رجلاه أو أنه لا يتمكن أحد من القيام لها وصدها. وقوله مزمومة مرحولة قادها وزمها وركبها برحلها أقوام زحفوا بها عليكم، يحفزونها أي يحثونها ليقروا بها في دياركم وفيكم يحطون الرحال (3) السلب محركة ما يأخذه القاتل من ثياب المقتول وسلاحه في الحرب، أي ليسوا من أهل الثروة (4) الرهج بسكون الهاء، ويحرك: الغبار، والحس بفتح الحاء الجلبة والأصوات المختلطة. قالوا يشير إلى فتنة صاحب الزنج وهو علي بن محمد ابن عبد الرحيم من بني عبد القيس ادعى أنه علوي من أبناء محمد بن أحمد بن عيسى ابن زيد بن علي بن الحسين، وجمع الزنوج الذين كانوا يسكنون السباخ في نواحي البصرة وخرج بهم على المهتدي العباسي في سنة خمس وخمسين ومائتين، واستفحل أمره وانتشرت أصحابه في أطراف البلاد للسلب والنهب، وملك إبلة عنوة وفتك بأهلها،
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٩٦
196
1
وسيبتلى أهلك بالموت الأحمر والجوع الأغبر 103 - ومن خطبة له عليه السلام انظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها، الصادفين عنها (1). فإنها والله عما قليل تزيل الثاوي الساكن (2)، وتفجع المترف الآمن (3). لا يرجع ما تولى منها فأدبر، ولا يدرى ما هو آت منها فينتظر. سرورها مشوب بالحزن. وجلد الرجال فيها إلى الضعف والوهن. فلا يغرنكم كثرة ما يعجبكم فيها، لقلة ما يصحبكم منها رحم الله امرأ تفكر فاعتبر. واعتبر فأبصر. فكأن ما هو كائن من الدنيا عن قليل لم يكن (4)، وكأن ما هو كائن من الآخرة عما قليل لم يزل. وكل معدود منقض، وكل متوقع آت، وكل آت قريب دان (منها) العالم من عرف قدره. وكفى بالمرء جهلا ____________________ واستولى على عبادان والأهواز، ثم كانت بينه وبين الموفق في زمن المعتمد حروب انجلى فيها عن الأهواز وسلم عاصمة ملكه، وكان سماها المختارة - بعد محاصرة شديدة - وقتله الموفق أخو الخليفة المعتمد سنة سبعين ومائتين، وفرح الناس بقتله لانكشاف رزئه عنهم (1) الصادفين المعرضين (2) الثاوي المقيم (3) المترف بفتح الراء المتروك يصنع ما يشاء لا يمنع (4) فإن الذي هو موجود في الدنيا بعد قليل كأنه لم يكن، وإن الذي هو كائن في الآخرة بعد قليل كأنه كان لم يزل، فكأنه وهو في الدنيا من سكان الآخرة
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٩٧
197
1
ألا يعرف قدره. وإن من أبغض الرجال إلى الله لعبدا وكله الله إلى نفسه. جائرا عن قصد السبيل، سائرا بغير دليل. إن دعي إلى حرث الدنيا عمل، وإن دعي إلى حرث الآخرة كسل، كأن ما عمل له واجب عليه (1)، وكأن ما ونى فيه ساقط عنه (2) (منها) وذلك زمان لا ينجو فيه إلا كل مؤمن نومة (3) إن شهد لم يعرف وإن غاب لم يفتقد. أولئك مصابيح الهدى، وأعلام السرى (4). ليسوا بالمساييح ولا المذاييع البذر أولئك يفتح الله لهم أبواب رحمته. ويكشف عنهم ضراء نقمته أيها الناس سيأتي عليكم زمان يكفأ فيه الاسلام كما يكفأ الإناء بما فيه. أيها الناس إن الله قد أعاذكم من أن يجور عليكم، ولم يعذكم من أن يبتليكم (5) وقد قال جل من قائل " إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين ". أما قوله عليه السلام (كل مؤمن نومة) فإنما أراد به الخامل الذكر القليل الشر. والمساييح جمع مسياح وهو الذي يسيح ____________________ (1) ما عمل له هو حرث الدنيا (2) ونى فيه: تراخى فيه، وهو حرث الآخرة (3) نومة بضم ففتح كثير النوم، يريد به البعيد عن مشاركة الأشرار في شرورهم، فإذا رأوه لا يعرفونه منهم وإذا غاب لا يفتقدونه (4) السرى كالهدى السير في ليالي المشاكل. وبقية الألفاظ يأتي شرحها بعد أسطر لصاحب الكتاب (5) ليتبين الصادق من
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٩٨
198
1
بين الناس بالفساد والنمائم. والمذاييع جمع مذياع: وهو الذي إذا سمع لغيره بفاحشة أذاعها ونوه بها. والبذر جمع بذور: وهو الذي يكثر سفهه ويلغو منطقه (1) 104 - ومن خطبة له عليه السلام وقد تقدم مختارها بخلاف هذه الرواية أما بعد فإن الله سبحانه بعث محمدا صلى الله عليه وآله وليس أحد من العرب يقرأ كتابا، ولا يدعي نبوة ولا وحيا. فقاتل بمن أطاعه من عصاه. يسوقهم إلى منجاتهم، ويبادر بهم الساعة أن تنزل بهم. يحسر الحسير (2) ويقف الكسير فيقيم عليه حتى يلحقه غايته إلا هالكا لا خير فيه. حتى أراهم منجاتهم، وبوأهم محلتهم فاستدارت رحاهم (3)، واستقامت قناتهم. وأيم الله لقد كنت من ____________________ الكاذب والمخلص من المريب، فتكون لله الحجة على خلقه (1) الذي في القاموس أن البذور بالفتح كالبذير هو النمام (2) من حسر البعير كضرب إذا أعيا وكل، والكسير المكسور، أي أن من ضعف اعتقاده أو كلت عزيمته فتراخى في السير على سبيل المؤمنين، أو طرقته الوساوس فهشمت قوائم همته بزلزال في عقيدته فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيم على ملاحظته وعلاجه حتى ينصل من مرضه هذا ويلحق بالمخلصين إلا من كان ناقص الاستعداد خبيث العنصر فلا ينجع فيه الدواء فيهلك (3) كناية عن وفرة أرزاقهم، فإن الرحا إنما تدور على ما تطحنه من الحب. أو كناية عن قوة
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٩٩
199
1
ساقتها حتى تولت بحذافيرها، واستوسقت في قيادها، ما ضعفت ولا جبنت، ولا خنت ولا وهنت. وأيم الله لأبقرن الباطل (1) حتى أخرج الحق من خاصرته 105 - ومن خطبة له عليه السلام حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله شهيدا وبشيرا ونذيرا: خير البرية طفلا، وأنجبها كهلا. أطهر المطهرين شيمة، وأجود المستمطرين ديمة (2). فما احلولت لكم الدنيا، في لذتها ولا تمكنتم من رضاع أخلافها (3)، إلا من بعد ما صادفتموها جائلا خطامها (4)، قلقا وضينها. قد صار حرامها عند أقوام بمنزلة السدر المخضود (5)، ____________________ سلطانهم على غيرهم. والرحا رحا الحرب يطحنون بها. والقناة الرمح. واستقامتها كناية عن صحة الأحوال وصلاحها 1) البقر بالفتح الشق أي لشقن جوف الباطل بقهر أهله فانتزع الحق من أيدي المبطلين. والتمثيل في غاية من اللطف (2) الديمة بالكسر المطر يدوم في سكون. والمستمطر بفتح الطاء من يطلب منه المطر. والمراد هنا النجدة والمعونة. فالنبي صلى الله عليه وسلم أغزر الناس فيضا للخير على طلابه (3) جمع خلف بالكسر حلمة ضرع الناقة (4) الخطام ككتاب ما يوضع في أنف البعير ليقاد به. والوضين بطان عريض منسوج من سيور أو شعر يكون للرحل كالحزام للسرج. وجولان الخطام وقلق الوضين إما كناية عن الهزال، وإما كناية عن صعوبة القياد. فإن الخطام الجائل لا يشتد على البعير فيجذبه، وعن قلق الراكب وعدم اطمئنانه لاضطراب الرحل بقلق الوضين (5) السدر بالكسر شجر النبق والمخضود المقطوع الشوك أو
null
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٠٠
200
1