content
stringlengths 221
1.9k
| margins
stringclasses 17
values | title
stringlengths 49
51
| page
int64 1
236
| part
int64 1
4
|
---|---|---|---|---|
وحلالها بعيدا غير موجود. وصادفتموها والله ظلا ممدودا إلى أجل معدود. فالأرض لكم شاغرة (1)، وأيديكم فيها مبسوطة، وأيدي القادة عنكم مكفوفة، و سيوفكم عليهم مسلطة، وسيوفهم عنكم مقبوضة. ألا إن لكل دم ثائرا (2)، ولكل حق طالبا. وإن الثائر في دمائنا كالحاكم في حق نفسه (3). وهو الله الذي لا يعجزه من طلب، ولا يفوته من هرب. فأقسم بالله يا بني أمية عما قليل لتعرفنها في أيدي غيركم وفي دار عدوكم. ألا وإن أبصر الأبصار ما نفذ في الخير طرفه. ألا إن أسمع الأسماع ما وعى التذكير وقبله أيها الناس استصبحوا من شعلة مصباح واعظ متعظ. وامتاحوا من صفو عين قد روقت من الكدر (4) عباد الله لا تركنوا إلى جهالتكم، ولا تنقادوا لأهوائكم، فإن النازل بهذا المنزل (5) نازل بشفا جرف هار، ينقل الردى على ____________________
منثنى الأغصان من ثقل الحمل. والتشبيه في اللذة (1) أي بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم شغرت لكم الأرض، أي لم يبق فيها من يحميها دونكم ويمنعكم عن خيرها (2) ثأره طلب بدمه وقتل قاتله (3) الطالب بدمائنا ينال ثأره حتما كأنه هو القاضي بنفسه لنفسه ليس هناك من يحكم عليه فيمانعه عن حقه (4) امتاحوا: استقوا وانزعوا الماء لري عطشكم من عين صافية صفت من الكدر وهي عين علومه عليه السلام (5) منزل الركون إلى الجهالة والانقياد للهوى. وشفا الشئ حرفه. والجرف بضمتين ما جرفته السيول
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٠١
| 201 | 1 |
ظهره من موضع إلى موضع (1) لرأي يحدثه بعد رأي، يريد أن يلصق ما لا يلتصق ويقرب ما لا يتقارب. فالله الله أن تشكوا إلى من لا يشكي شجوكم (2)، ولا ينقض برأيه ما قد أبرم لكم. إنه ليس على الإمام إلا ما حمل من أمر ربه. الابلاغ في الموعظة، والاجتهاد في النصيحة، والإحياء للسنة، وإقامة الحدود على مستحقيها، وإصدار السهمان على أهلها (3). فبادروا العلم من قبل تصويح نبته (4)، ومن قبل أن تشغلوا بأنفسكم عن مستثار العلم من عند أهله (5). وانهوا عن المنكر وتناهوا عنه، فإنما أمرتم بالنهي بعد التناهي ____________________
وأكلته من الأرض. والهاري كالهائر: المنهدم أو المشرف على الانهدام، أي أنه بمكان التهور في الهلكة (1) أي أنه إذا نقل حمل المهلكات فإنما ينقله من موضع من ظهره إلى موضع آخر منه، فهو حامل لها دائما، وإنما يتعب في نقلها من أعلاه لوسطه أو أسفله بآرائه وبدعه، فهو في كل رأي يتنقل من ضلالة إلى ضلالة حيث أن مبنى الكل على الجهالة والهوى (2) يقال أشكاه إذا أزال مشتكاه، والشجو الحاجة. يقول إن ما تسوله لكم الجهالات والأهواء من الحاجات يلزمكم أن تنصرفوا عن خيالها ولا تشكوها إلي، فإني لا أتبع أهواءكم ولا أقضي هذه الرغبات الفاسدة ولا أستطيع أن أنقض برأيي ما أبرم لكم في الشريعة الغراء (3) السهمان بالضم جمع سهم بمعنى الحظ والنصيب، وإصدار السهمان إعادتها إلى أهلها المستحقين لها لا ينقصهم منها شيئا. وسماه إصدارا لأنها كانت منعتها أربابها بالظلم في بعض الأزمان ثم ردت إليهم، كالصدور وهو رجوع الشاربة من الماء إلى أعطانها (4) التصويح التجفيف، أي سابقوا إلى العلم وهو في غضارته قبل أن يجف فلا تستطيعون إحياءه بعد يبسه (5) مستثار اسم مفعول
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٠٢
| 202 | 1 |
106 - (ومن خطبة له عليه السلام) الحمد لله الذي شرع الاسلام فسهل شرائعه لمن ورده، وأعز أركانه على من غالبه فجعله أمنا لمن علقه (1)، وسلما لمن دخله (2)، وبرهانا لمن تكلم به، وشاهدا لمن خاصم به، ونورا لمن استضاء به، وفهما لمن عقل، ولبا لمن تدبر، وآية لمن توسم، وتبصرة لمن عزم، وعبرة لمن اتعظ، ونجاة لمن صدق، وثقة لمن توكل، وراحة لمن فوض، وجنة لمن صبر (3). فهو أبلج المناهج (4) واضح الولائج (5)، مشرف المنار (6)، مشرق الجواد (7)، مضئ المصابيح كريم المضمار (8)، رفيع الغاية، جامع الحلبة (9)، متنافس السبقة (10) شريف الفرسان. التصديق منهاجه، والصالحات مناره، والموت ____________________
بمعنى المصدر. والاستثارة طلب الثور وهو السطوع والظهور (1) علقه كعلمه: تعلق به (2) من دخله لا يحارب (3) جنة بالضم أي وقاية وصونا (4) أشد الطرق وضوحا وأنورها (5) الولائج جمع وليجة هي الدخيلة وهي المذهب (6) مشرف بفتح الراء هو المكان ترتفع عليه فتطلع من فوقه على شئ. ومنار الدين هي دلائله من العمل الصالح يطلع منها البصير على حقائق العقائد ومكارم الأخلاق (7) جمع جادة: الطريق الواضح (8) كريم المضمار أي إذا سوبق سبق (9) الحلبة خيل تجمع من كل صوب للنصرة.
والاسلام جامعها يأتي إليه الكرائم والعتاق (10) السبقة بالضم جزاء السابقين
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٠٣
| 203 | 1 |
غايته (1). والدنيا مضماره (2)، والقيامة حلبته، والجنة سبقته (3) (منها في ذكر النبي صلى الله عليه وآله) حتى أورى قبسا لقابس (4)، وأنار علما لحابس (5)، فهو أمينك المأمون، وشهيدك يوم الدين وبعيثك نعمة (6). ورسولك بالحق رحمة. اللهم أقسم له مقسما من عدلك (7)، واجزه مضاعفات الخير من فضلك. اللهم أعل على بناء البانين بناءه، وأكرم لديك نزله (8)، وشرف لديك منزلته. وآته الوسيلة وأعطه السناء والفضيلة (9)، واحشرنا في زمرته غير خزايا (10) ولا نادمين ولا ناكبين (11)، ولا ناكثين (12)، ولا ضالين، ولا مضلين، ولا مفتونين (وقد مضى هذا الكلام فيما تقدم إلا أننا ____________________
(1) يريد الموت عن الشهوات البهيمية والحياة بالسعادة الأبدية كما يعلم من قوله رفيع الغاية، وإلا فالموت المعروف غاية كل حي (2) لأنها مزرعة الآخرة من سبق فيها سبق في الأخرى (3) سبقته: جزاء السابقين به (4) أورى أوقد. والقبس بالتحريك الشعلة من النار تقتبس من معظم النار. والقابس آخذ النار من النار. والمراد أن النبي أفاد طلاب الحق ما به يستضيئون لاكتشافه (5) الحابس من حبس ناقته وعقلها حيرة منه لا يدري كيف يهتدي فيقف عن السير. وأنار له علما أي وضع له نارا في رأس جبل ليستنقذه من حيرته (6) بعيثك مبعوثك (7) المقسم كمقعد ومنبر: النصيب والحظ (8) النزل بضمتين ما هئ للضيف لأن ينزل عليه (9) السناء كسحاب الرفعة (10) خزايا جمع خزيان من خزى إذا خجل من قبيح ارتكبه (11) عادلين عن طريق الحق (12) ناكثين ناقضين للعهد
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٠٤
| 204 | 1 |
كررناه ههنا لما في الروايتين من الاختلاف) (منها في خطاب أصحابه) وقد بلغتم من كرامة الله لكم منزلة تكرم بها إماؤكم، وتوصل بها جيرانكم، ويعظمكم من لا فضل لكم عليه، ولا يد لكم عنده، ويهابكم من لا يخاف لكم سطوة، ولا لكم عليه إمرة.
وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تغضبون، وأنتم لنقض ذمم آبائكم تأنفون. وكانت أمور الله عليكم ترد وعنكم تصدر وإليكم ترجع. فمكنتم الظلمة من منزلتكم، وألقيتم إليهم أزمتكم وأسلمتم أمور الله في أيديهم. يعملون في الشبهات، ويسيرون في الشهوات. وأيم الله لو فرقوكم تحت كل كوكب لجمعكم الله لشر يوم لهم (1) 107 - ومن خطبة له عليه السلام في بعض أيام صفين وقد رأيت جولتكم وانحيازكم عن صفوفكم، تحوزكم الجفاة الطغام (2)، وأعراب أهل الشام، وأنتم لهاميم العرب (3) ويآفيخ ____________________
(1) أي أنكم ستجتمعون لقهر الظالمين ولن يكون في طاقتهم أن يفرقوكم، حتى لو شتتوكم تشتيت الكواكب في السماء لاجتمعتم لقتالهم. وقيل إنه يريد أن البلاء سيعم حتى لو فرقكم بنو أمية تحت كل كوكب طلبا لخلاصكم من البلاء لجمعكم الله لشر يوم لهم حتى يأخذكم البلاء كما يأخذهم (2) الطغام كجراد: أوغاد الناس (3) لهاميم جمع لهميم بالكسر وهو السابق الجواد من الخيل والناس
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٠٥
| 205 | 1 |
الشرف (1) والأنف المقدم، والسنام الأعظم. ولقد شفى وحاوح صدري (2) أن رأيتكم بأخرة (3) تحوزونهم كما حازوكم، وتزيلونهم عن مواقفهم كما أزالوكم. حسا بالنضال (4)، وشجرا بالرماح (5). تركب أولاهم أخراهم، كالإبل الهيم المطرودة (6) ترمى عن حياضها. وتذاد عن مواردها.
108 - ومن خطبة له عليه السلام وهي من خطب الملاحم الحمد لله المتجلي لخلقه بخلقه، والظاهر لقلوبهم بحجته. خلق الخلق من غير روية، إذ كانت الرويات لا تليق إلا بذوي الضمائر وليس بذي ضمير في نفسه. خرق علمه باطن غيب السترات (7)، وأحاط بغموض عقائد السريرات (منها في ذكر النبي صلى الله عليه وآله) اختاره من شجرة الأنبياء ومشكاة الضياء (8)، وذؤابة ____________________
اليآفيخ جمع يأفوخ: هو من الرأس حيث يلتقي عظم مقدمه مع مؤخره (2) الوحاوح جمع وحوحة صوت معه بحح يصدر عن المتألم. والمراد حرقة الغيظ (3) الأخرة محركة: آخر الأمر. وجملة أن رأيتكم فاعل شفى (4) الحس بالفتح القتل. والنضال المباراة في الرمي. وفي رواية النصال بالصاد (5) الشجر كالضرب: الطعن (6) الهيم بالكسر العطاش. وتذاد: تمنع (7) جمع سترة ما يستر به أيا كان (8) المشكاة كل كوة
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٠٦
| 206 | 1 |
العلياء (1) وسرة البطحاء (2). ومصابيح الظلمة، وينابيع الحكمة (منها) طبيب دوار بطبه قد أحكم مراهمه، وأحمى مواسمه (3). يضع ذلك حيث الحاجة إليه من قلوب عمي، وآذان صم، وألسنة بكم.
متبع بدوائه مواضع الغفلة ومواطن الحيرة. لم يستضيئوا بأضواء الحكمة (4)، ولم يقدحوا بزناد العلوم الثاقبة. فهم في ذلك كالانعام السائمة، والصخور القاسية. قد انجابت السرائر لأهل البصائر (5). ووضحت محجة الحق لخابطها (6)، وأسفرت الساعة عن وجهها، وظهرت العلامة لمتوسمها. مالي أراكم أشباحا بلا أرواح، وأرواحا بلا أشباح، ونساكا بلا صلاح، وتجارا بلا أرباح. وأيقاظا نوما، وشهودا غيبا، وناظرة عميا، وسامعة صما، وناطقة بكما. رأيت ضلالة قد قامت على قطبها (7)، ____________________
غير نافذة ومن العادة أن يوضع فيها المصباح (1) الذؤابة الناصية أو منبتها من الرأس (2) ما بين أخشبي مكة كانت تسكنه قبائل من قريش، ويقال لهم قريش البطاح (3) مواسمه جمع ميسم بالكسر وهو المكواة، يجمع على مواسم ومياسم (4) قوله لم يستضيئوا، يحكي حال من لم ينجع فيهم الدواء ممن صار الفساد من مقومات أمزجتهم (5) انجابت من قولهم انجابت الناقة إذا مدت عنقها للحلب، أي أن السرائر خضعت لنور البصائر فهو يكشفها ويملكها. وأهل البصائر يصرفون السرائر إلى ما يريدون (6) خابطها: السائر عليها (7) قامت على قطبها تمثيل لانتظام أمرها
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٠٧
| 207 | 1 |
وتفرقت بشعبها (1)، تكيلكم بصاعها (2)، وتخبطكم بباعها (3).
قائدها خارج من الملة، قائم على الضلة. فلا يبقى يومئذ منكم إلا ثفالة كثفالة القدر (4)، أو نفاضة كنفاضة العكم (5). تعرككم عرك الأديم (6)، وتدوسكم دوس الحصيد (7)، وتستخلص المؤمن من بينكم استخلاص الطير الحبة البطينة (8) من بين هزيل الحب. أين تذهب بكم المذاهب، وتتيه بكم الغياهب، وتخدعكم الكواذب.
ومن أين تؤتون وأنى تؤفكون. فلكل أجل كتاب، ولكل غيبة، إياب. فاستمعوا من ربانيكم (9)، وأحضروا قلوبكم، واستيقظوا إن هتف بكم (10). وليصدق رائد أهله (11)، وليجمع شمله، وليحضر ذهنه.
____________________
واستحكام قوتها (1) جمع شعبة، أي انتشرت بفروعها (2) تكيلكم أي تأخذكم للهلاك جملة كما يأخذ الكيال ما يكيله من الحب (3) تخبطكم، من خبط الشجرة ضربها بالعصى ليتناثر ورقها، أو من خبط البعير بيده الأرض أي ضربها. وعبر بالباع ليفيد استطالتها عليهم وتناولها لقريبهم وبعيدهم (4) الثفالة بالضم كالثفل. والثافل ما استقر تحت الشئ من كدرة. وثفالة القدر ما يبقى في قعره من عكارة. والمراد الأرذال والسفلة (5) النفاضة ما يسقط بالنفض. والعكم بالكسر العدل بالكسر أيضا، ونمط تجعل فيه المرأة ذخيرتها. والمراد ما يبقى بعد تفريغه في خلال نسيجه فينفض لينظف (6) العرك كالنصر: شديد الدلك. وعركه حكه حتى عفاه. والأديم الجلد (7) المحصود (8) البطينة السمينة (9) الرباني بتشديد الباء المتأله العارف بالله عز وجل (10) صاح بكم (11) الرائد من يتقدم القوم ليكشف لهم مواضع الكلأ ويتعرف سهولة الوصول إليها من صعوبته. وفي المثل " لا يكذب الرائد أهله ". يأمر الهداة
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٠٨
| 208 | 1 |
فلقد فلق لكم الأمر فلق الخرزة، وقرفه قرف الصمغة (1). فعند ذلك أخذ الباطل مآخذه، وركب الجهل مراكبه، وعظمت الطاغية، وقلت الداعية. وصال الدهر صيال السبع العقور. وهدر فنيق الباطل بعد كظوم (2). وتواخى الناس على الفجور. وتهاجروا على الدين. وتحابوا على الكذب. وتباغضوا على الصدق. فإذا كان ذلك كان الولد غيظا (3)، والمطر قيظا، وتفيض اللئام فيضا، وتغيض الكرام غيضا (4). وكان أهل ذلك الزمان ذئابا، وسلاطينه سباعا، وأوساطه أكالا، وفقراؤه أمواتا. وغار الصدق، وفاض الكذب: واستعملت المودة باللسان.
وتشاجر الناس بالقلوب. وصار الفسوق نسبا، والعفاف عجبا.
ولبس الاسلام لبس الفرو مقلوبا 109 - ومن خطبة له عليه السلام كل شئ خاشع له. وكل شئ قائم به. غني كل فقير. وعز كل ____________________
والدعاة الذين يتلقون عنه ويوصيهم بالصدق في النصيحة (1) قرف الصمغة قشرها، وخص هذا بالذكر لأن الصمغة إذا قشرت لا يبقى لها أثر كذا قالوا (2) الفنيق الفحل من الإبل. وبعد كظوم أي إمساك وسكون (3) يغيظ والده لشبوبه على العقوق، ويكون المطر قيظا لعدم فائدته فإن الناس منصرفون عن فوائدهم والانتقاع بما يفيض الله عليهم من خير إلى إضرار بعضهم ببعض، ما أشبه هذه الحال بحال هذا الزمان (4) تغيض: من غاض الماء إذا غار في الأرض وجفت
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٠٩
| 209 | 1 |
ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف. من تكلم سمع نطقه، ومن سكت علم سره، ومن عاش فعليه رزقه. ومن مات فإليه منقلبه. لم ترك العيون فتخبر عنك. بل كنت قبل الواصفين من خلقك لم تخلق الخلق لوحشة، ولا استعملتهم لمنفعة. ولا يسبقك من طلبت، ولا يفلتك من أخذت (1).
ولا ينقص سلطانك من عصاك، ولا يزيد في ملكك من أطاعك، ولا يرد أمرك من سخط قضاءك، ولا يستغني عنك من تولى عن أمرك. كل سر عندك علانية، وكل غيب عندك شهادة. أنت الأبد لا أمد لك، وأنت المنتهى لا محيص عنك، وأنت الموعد لا منجا منك إلا إليك. بيدك ناصية كل دابة، وإليك مصير كل نسمة. سبحانك ما أعظم ما نرى من خلقك وما أصغر عظيمه في جنب قدرتك، وما أهول ما نرى من ملكوتك، وما أحقر ذلك فيما غاب عنا من سلطانك، وما أسبغ نعمك في الدنيا. وما أصغرها في نعم الآخرة.
(منها) من ملائكة أسكنتهم سمواتك ورفعتهم عن أرضك، ____________________
ينابيعه (1) لا يفلتك: لا ينفلت منك
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢١٠
| 210 | 1 |
هم أعلم خلقك بك، وأخوفهم لك، وأقربهم منك. لم يسكنوا الأصلاب، ولم يضمنوا الأرحام، ولم يخلقوا من ماء مهين (1)، ولم يشعبهم ريب المنون (2). وإنهم على مكانهم منك، ومنزلتهم عندك، واستجماع أهوائهم فيك، وكثرة طاعتهم لك، وقلة غفلتهم عن أمرك، لو عاينوا كنه ما خفي عليهم منك لحقروا أعمالهم، ولزروا على أنفسهم (3). ولعرفوا أنهم لم يعبدوك حق عبادتك، ولم يطيعوك حق طاعتك. سبحانك خالقا ومعبودا بحسن بلائك عند خلقك (4). خلقت دارا وجعلت فيها مأدبة (5): مشربا ومطعما وأزواجا وخدما وقصورا وأنهارا وزروعا وثمارا. ثم أرسلت داعيا يدعو إليها. فلا الداعي أجابوا، ولا فيما رغبت رغبوا، ولا إلى ما شوقت إليه اشتاقوا.
أقبلوا على جيفة افتضحوا بأكلها، واصطلحوا على حبها، ومن عشق شيئا أعشى بصره (6)، وأمرض قلبه. فهو ينظر بعين غير صحيحة، ____________________
(1) المهين: الحقير، يريد النطفة (2) المنون الدهر. والريب صرفه. أي لم تفرقهم صروف الزمان (3) زرى عليه كرمى: عابه (4) البلاء يكون نعمة ويكون نقمة، ويتعين الأول بإضافة الحسن إليه، أي ما عبدوك إلا شكرا لنعمك عليهم (5) المأدبة بفتح الدال وضمها ما يصنع من الطعام للمدعوين في عرس ونحوه، والمراد منها نعيم الجنة (6) أعشاه أعماه
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢١١
| 211 | 1 |
ويسمع بأذن غير سميعة. قد خرقت الشهوات عقله، وأماتت الدنيا قلبه، وولهت عليها نفسه. فهو عبد لها، ولمن في يده شئ منها. حيثما زالت زال إليها وحيثما أقبلت أقبل عليها. ولا يزدجر من الله بزاجر، ولا يتعظ منه بواعظ.
وهو يرى المأخوذين على الغرة (1) - حيث لا إقالة ولا رجعة كيف نزل بهم ما كانوا يجهلون، وجاءهم من فراق الدنيا ما كانوا يأمنون، وقدموا من الآخرة على ما كانوا يوعدون. فغير موصوف ما نزل بهم، اجتمعت عليهم سكرة الموت وحسرة الفوت. ففترت لها أطرافهم، وتغيرت لها ألوانهم. ثم ازداد الموت فيهم ولوجا (2). فحيل بين أحدهم وبين منطقه، وإنه لبين أهله ينظر ببصره ويسمع بأذنه، على صحة من عقله، وبقاء من لبه. يفكر فيم أفنى عمره، وفيم أذهب دهره. ويتذكر أموالا جمعها أغمض في مطالبها (3)، وأخذها من مصرحاتها ومشتبهاتها. قد لزمته تبعات جمعها (4)، وأشرف على فراقها، تبقى لمن وراءه ينعمون فيها ويتمتعون بها. فيكون المهنأ لغيره (5)، ____________________
(1) على الغرة بالكسر: بغتة وعلى غفلة (2) ولوجا: دخولا (3) أغمض لم يفرق بين حلال وحرام، كأنه أغمض عينيه فلا يميز. أو أغمض أي طلبها من أدق الوجوه وأخفاها فضلا عن أظهرها وأجلاها (4) تبعاتها بفتح فكسر ما يطالبه به الناس من حقوقهم فيها، وما يحاسبه به الله من منع حقه منها وتخطي حدود شرعه في جمعها (5) المهنأ ما أتاك من خير بلا مشقة
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢١٢
| 212 | 1 |
والعبء على ظهره (1). والمرء قد غلقت رهونه بها (2). فهو يعض يده ندامة على ما أصحر له عند الموت من أمره (3)، ويزهد فيما كان يرغب فيه أيام عمره. ويتمنى أن الذي كان يغبطه بها ويحسده عليها قد حازها دونه. فلم يزل الموت يبالغ في جسده حتى خالط لسانه سمعه. (4). فصار بين أهله لا ينطق بلسانه، ولا يسمع بسمعه، يردد طرفه بالنظر في وجوههم، يرى حركات ألسنتهم ولا يسمع رجع كلامهم. ثم ازداد الموت التياطا به (5). فقبض بصره كما قبض سمعه.
وخرجت الروح من جسده، فصار جيفة بين أهله قد أوحشوا من جانبه، وتباعدوا من قربه. لا يسعد باكيا، ولا يجيب داعيا. ثم حملوه إلى مخط في الأرض، وأسلموه فيه إلى عمله، وانقطعوا عن زورته (6).
حتى إذا بلغ الكتاب أجله، والأمر مقاديره وألحق آخر الخلق بأوله، وجاء من أمر الله ما يريده من تجديد خلقه، أماد السماء وفطرها (7) وأرج الأرض وأرجفها، وقلع جبالها ونسفها. ودك بعضها بعضا من ____________________
(1) العبء: الحمل والثقل (2) غلقت رهونه: استحقها مرتهنها، وأعوزته القدرة على تخليصها كناية عن تعذر الخلاص (3) أصحر له: من أصحر إذا برز في الصحراء، أي على ما ظهر له وانكشف من أمره (4) خالط لسانه سمعه: شارك السمع اللسان في العجز عن أداء وظيفته (5) التياطا أي التصاقا به (6) زيارته (7) أماد: جواب إذا بلغ الكتاب الخ.
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢١٣
| 213 | 1 |
هيبة جلالته ومخوف سطوته. وأخرج من فيها. فجددهم بعد أخلاقهم (1) وجمعهم بعد تفرقهم ثم ميزهم لما يريد من مسألتهم عن خفايا الأعمال وخبايا الأفعال. وجعلهم فريقين أنعم على هؤلاء وانتقم من هؤلاء.
فأما أهل طاعته فأثابهم بجواره، وخلدهم في داره، حيث لا يظعن النزال، ولا تتغير بهم الحال. ولا تنوبهم الأفزاع (2)، ولا تنالهم الأسقام، ولا تعرض لهم الأخطار، ولا تشخصهم الأسفار (3). وأما أهل المعصية فأنزلهم شر دار، وغل الأيدي إلى الأعناق، وقرن النواصي بالاقدام، وألبسهم سرابيل القطران (4)، ومقطعات النيران (5). في عذاب قد اشتد حره، وباب قد أطبق على أهله في نار لها كلب ولجب (6)، ولهب ساطع وقصيف هائل (7)، لا يظعن مقيمها، ولا يفادى أسيرها ولا تفصم كبولها (8). لا مدة للدار فتفنى، ولا أجل للقوم فيقضى، (منها في ذكر النبي صلى الله عليه وآله) قد حقر الدنيا وصغرها ____________________
وأمادها حركها على غير انتظام. وفطرها صدعها (1) أخلاقهم بالفتح: من قولهم ثوب أخلاق إذا كانت الخلوقة شاملة له كله. والخلوقة البلى (2) لا تنوبهم الأفزاع:
جمع فزع بمعنى الخوف (3) أشخصه: أزعجه (4) السربال: القميص. والقطران معروف (5) المقطعات كل ثوب يقطع كالقميص والجبة ونحوها، بخلاف ما لا يقطع كالإزار والرداء. والمقطعات أشمل للبدن وأشد استحكاما في احتوائه (6) عبر بالكلب محركا عن هيجانها. واللجب الصوت المرتفع (7) القصيف أشد الصوت (8) جمع كبل
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢١٤
| 214 | 1 |
وأهون بها وهونها. وعلم أن الله زواها عنه اختيارا (1)، وبسطها لغيره احتقارا. فأعرض عنها بقلبه، وأمات ذكرها عن نفسه، وأحب أن تغيب زينتها عن عينه لكيلا يتخذ منها رياشا (2)، أو يرجو فيها مقاما.
بلغ عن ربه معذرا (3)، ونصح لأمته منذرا، ودعا إلى الجنة مبشرا نحن شجرة النبوة، ومحط الرسالة، ومختلف الملائكة (4)، ومعادن العلم، وينابيع الحكم. ناصرنا ومحبنا ينتظر الرحمة، وعدونا ومبغضنا ينتظر السطوة 110 - ومن خطبة له عليه السلام إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله سبحانه الإيمان به وبرسوله والجهاد في سبيله، فإنه ذروة الاسلام، وكلمة الاخلاص فإنها الفطرة. وإقام الصلاة فإنها الملة. وإيتاء الزكاة فإنها فريضة واجبة. وصوم شهر رمضان فإنه جنة من العقاب. وحج البيت واعتماره فإنهما ينفيان الفقر ويرحضان الذنب (5). وصلة الرحم، ____________________
بفتح فسكون: القيد. وتفصم تنقطع (1) زواها: قبضها (2) الرياش: اللباس الفاخر (3) معذرا: مبنيا لله حجة تقوم مقام العذر في عقابهم إن خالفوا أمره (4) مختلف الملائكة بفتح اللام محل اختلافهم أي ورود واحد منهم بعد آخر، فيكون الثاني كأنه خلف للأول وهكذا (5) رحضه - كمنعه - غسله
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢١٥
| 215 | 1 |
فإنها مثراة في المال، ومنسأة في الأجل (1). وصدقة السر فإنها تكفر الخطيئة. وصدقة العلانية فإنها تدفع ميتة السوء. وصنائع المعروف فإنها تقي مصارع الهوان أفيضوا في ذكر الله فإنه أحسن الذكر. وارغبوا فيما وعد المتقين فإن وعده أصدق الوعد. واقتدوا بهدى نبيكم فإنه أفضل الهدى.
واستنوا بسنته فإنها أهدى السنن. وتعلموا القرآن فإنه أحسن الحديث، وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فإنه شفاء الصدور. وأحسنوا تلاوته فإنه أحسن القصص، فإن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله، بل الحجة عليه أعظم، والحسرة له ألزم، وهو عند الله ألوم (2) 111 - ومن خطبة له عليه السلام أما بعد فإني أحذركم الدنيا فإنها حلوة خضرة حفت بالشهوات وتحببت بالعاجلة، وراقت بالقليل، وتحلت بالآمال، وتزينت ____________________
(1) منسأة: مطال فيه ومزيد (2) ألوم: أشد لوما لنفسه بين أيدي الله لأنه لا يجد منها عذرا يقبل أو يرد
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢١٦
| 216 | 1 |
بالغرور. لا تدوم حبرتها (1)، ولا تؤمن فجعتها. غرارة ضرارة. حائلة زائلة (2) نافدة بائدة (3)، أكالة غوالة (4). لا تعدو - إذا تناهت إلى أمنية أهل الرغبة فيها والرضاء بها (5) - أن تكون كما قال الله تعالى سبحانه " كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح (6) وكان الله على كل شئ مقتدرا " لم يكن امرؤ منها في حبرة إلا أعقبته بعدها عبرة (7)، ولم يلق في سرائها بطنا (8) إلا منحته من ضرائها ظهرا. ولم تطله فيها ديمة رخاء (9) إلا هتنت عليه مزنة بلاء. وحرى إذا أصبحت له منتصرة أن تمسي له متنكرة وإن جانب منها اعذوذب واحلولى أمر منها جانب فأوبى (10). لا ينال امرؤ من غضارتها رغبا (11) إلا أرهقته من نوائبها تعبا (12).
____________________
(1) الحبرة بالفتح السرور والنعمة (2) حائلة: متغيرة (3) نافدة: فانية. بائدة أي هالكة (4) غوالة:
مهلكة (5) أي أنها إذا وصلت بأهل الرغبة فيها إلى أمانيهم فلا تتجاوز الوصف الذي ذكره الله في قوله كماء الخ. فقوله أن تكون مفعول لتعدو (6) الهشيم: النبت اليابس المكسر (7) بالفتح: الدمعة قبل أن تفيض، أو تردد البكاء في الصدر، أو الحزن بلا بكاء (8) كنى بالبطن والظهر عن الاقبال والادبار (9) الطل: المطر الضعيف. وطلت السماء أمطرته. والديمة مطر يدوم في سكون لا رعد ولا برق معه. والرخاء السعة. وهتنت المزن: انصبت (10) أوبى صار كثير الوباء. والوباء: هو المعروف بالريح الأصفر (11) الغضارة النعمة والسعة. والرغب - بالتحريك - الرغبة والمرغوب (12) أرهقته التعب: ألحقته به
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢١٧
| 217 | 1 |
ولا يمسي منها في جناح أمن إلا أصبح على قوادم خوف (1). غرارة غرور ما فيها، فانية فإن من عليها. لا خير في شئ من أزوادها إلا التقوى. من أقل منها استكثر مما يؤمنه. ومن استكثر منها استكثر مما يوبقه (2)، وزال عما قليل عنه. كم من واثق بها فجعته (3)، وذي طمأنينة إليها قد صرعته. وذي أبهة قد جعلته حقيرا (4) وذي نخوة قد ردته ذليلا (5). سلطانها دول (6)، وعيشها رنق (7)، وعذبها أجاج (8) وحلوها صبر (9)، وغذاؤها سمام (10)، وأسبابها رمام (11). حيها بعرض موت. وصحيحها بعرض (*) سقم. ملكها مسلوب، وعزيزها مغلوب وموفورها منكوب (12). وجارها محروب (13). ألستم في مساكن من كان قبلكم أطول أعمارا، وأبقى آثارا وأبعد آمالا، وأعد عديدا، وأكثف جنودا. تعبدوا للدنيا أي تعبد، وآثروها أي إيثار.
____________________
(1) القوادم - جمع قادمة - الواحدة من أربع أو عشر ريشات في مقدم جناح الطائر، وهي القوادم (2) يهلكه (3) أوجعته بفقد ما يعز عليه (4) أبهة بضم فتشديد: عظمة (5) النخوة بالفتح: الافتخار (6) جمع دولة: هي انقلاب الزمان (7) رنق - بفتح فكسر - كدر (8) مالح شديد الملوحة (9) الصبر - ككتف - عصارة شجر مر (10) جمع رسم مثلث السين، وهو من المواد ما إذا خالط المزاج أفسده فقتل صاحبه (11) جمع رمة بالضم وهي القطعة البالية من الحبل، أي ما يتمسك به منها فهو بال منقطع (12) موفورها ما كثر منها مصاب بالنكبة، وهي المصيبة، أي في معرض لذلك (13) من حربه حربا
|
* في نسخة: بضم العين وسكون الراء.
|
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢١٨
| 218 | 1 |
ثم ظعنوا عنها بغير زاد مبلغ ولا ظهر قاطع (1) فهل بلغكم أن الدنيا سخت لهم نفسا بفدية (2)، أو أعانتهم بمعونة أو أحسنت لهم صحبة.
بل أرهقتهم بالقوادح (3)، وأوهنتهم بالقوارع، وضعضعتهم بالنوائب (4) وعفرتهم للمناخر (5)، ووطئتهم بالمناسم (6)، وأعانت عليهم ريب المنون. فقد رأيتم تنكرها لمن دان لها (7)، وآثرها وأخلد لها (8)، حتى ظعنوا عنها لفراق الأبد (9). وهل زودتهم إلا السغب (10)، أو أحلتهم إلا الضنك (11)، أو نورت لهم إلا الظلمة (12)، أو أعقبتهم إلا الندامة. أفهذه تؤثرون أم إليها تطمئنون؟ أم عليها تحرصون؟.
فبئست الدار لمن لم يتهمها ولم يكن فيها على وجل منها فاعلموا - وأنتم تعلمون - بأنكم تاركوها وظاعنون عنها. واتعظوا فيها بالذين قالوا " من أشد منا قوة ". حملوا إلى قبورهم فلا يدعون ركبانا (13)، ____________________
بالتحريك إذا سلب ماله (1) ظهر قاطع: راحلة تركب لقطع الطريق (2) أي سخت نفسها لهم بفداء (3) أرهقتهم: غشيتهم بالقوادح بالقاف جمع قادح وهو أكال يقع في الشجر والأسنان، أي بما ينهكهم ويمزق أجسادهم. وفي نسخة الفوادح بالفاء من فدحه الأمر إذا أثقله (4) ضعضعتهم: ذللتهم (5) كبتهم على مناخرهم في العفر وهو التراب (6) جمع منسم وهو مقدم خف البعير أو الخف نفسه (7) دان لها: خضع (8) ركن إليها (9) أي فراق مدته لا نهاية لها (10) السغب - محركة - الجوع (11) الضنك الضيق (12) أو نورت لهم الخ لم يكن لهم مما ظنوه نورا لها إلا الظلام (13) لا يقال لهم
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢١٩
| 219 | 1 |
وأنزلوا الأجداث (1). فلا يدعون ضيفانا. وجعل لهم من الصفيح أجنان (2)، ومن التراب أكفان (3)، ومن الرفات جيران (4)، فهم جيرة لا يجيبون داعيا، ولا يمنعون ضيما، ولا يبالون مندبة. إن جيدوا لم يفرحوا (5)، وإن قحطوا لم يقنطوا. جميع وهم آحاد، وجيرة وهم أبعاد. متدانون لا يتزاورون (6)، وقريبون لا يتقاربون. حلماء قد ذهبت أضغانهم، وجهلاء قد ماتت أحقادهم. لا يخشى فجعهم (7)، ولا يرجى دفعهم استبدلوا بظهر الأرض بطنا، وبالسعة ضيقا، وبالأهل غربة، وبالنور ظلمة. فجاءوها كما فارقوها (8)، حفاة عراة. قد ظعنوا عنها بأعمالهم إلى الحياة الدائمة والدار الباقية، كما قال سبحانه " كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين " ____________________
ركبان جمع راكب لأن الراكب من يكون مختارا وله التصرف في مركوبه (1) القبور (2) الصفيح: وجه كل شئ عريض، والمراد وجه الأرض. والأجنان جمع جنن محركة وهو القبر (3) لأن أكفانهم تبلى ولا يغشى أبدانهم سوى التراب (4) الرفات العظام المندقة المحطومة (5) جيدوا: مطروا (6) متقاربون لا يزور بعضهم بعضا (7) لا تخاف منهم أن يفجعوك بضرر (8) جاءوا إلى الأرض واتصلوا بها بعد ما فارقوها وانفصلوا عنها في بدء خلقتهم، فإنهم خلقوا منها كما قال تعالى " منها خلقناكم وفيها نعيدكم " وقوله قد ظعنوا عنها يشير إلى أنهم بعد الموت يذهبون بأرواحهم إما إلى نعيم وإما إلى شقاء، أو الظعن عنها هو البعث منها يوم القيامة ومفارقتها إما إلى الجنة وإما إلى النار كما يرشد إليه الاستشهاد بالآية
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٢٠
| 220 | 1 |
112 - ومن خطبة له عليه السلام ذكر فيها ملك الموت وتوفية النفس هل تحس به إذا دخل منزلا؟، أم هل تراه إذا توفى أحدا؟، بل كيف يتوفى الجنين في بطن أمه. أيلج عليه من بعض جوارحها (1)؟، أم الروح أجابته بإذن ربها؟ أم هو ساكن معه في أحشائها؟. كيف يصف إلهه من يعجز عن صفة مخلوق مثله 113 - ومن خطبة له عليه السلام وأحذركم الدنيا فإنها منزل قلعة (2)، وليست بدار نجعة (3). قد تزينت بغرورها، وغرت بزينتها. دار هانت على ربها، فخلط حلالها بحرامها وخيرها بشرها، وحياتها بموتها، وحلوها بمرها. لم يصفها الله تعالى لأوليائه، ولم يضن بها على أعدائه. خيرها زهيد، وشرها عتيد (4).
وجمعها ينفد، وملكها يسلب، وعامرها يخرب. فما خير دار تنقض ____________________
(1) يلج: يدخل (2) القلعة كهمزة وطرفة ودجنة: من لا يثبت على السرج، أو من يزل قدمه عند الصراع، أي هي منزل من لا يستقر (3) النجعة بالضم طلب الكلأ في موضعه، أي ليست محط الرحال ولا مبلغ الآمال (4) حاضر
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٢١
| 221 | 1 |
نقض البناء، وعمر يفنى فناء الزاد، ومدة تنقطع انقطاع السير.
اجعلوا ما افترض الله عليكم من طلبكم (1)، واسألوه من أداء حقه ما سألكم. وأسمعوا دعوة الموت آذانكم قبل أن يدعى بكم. إن الزاهدين في الدنيا تبكي قلوبهم وإن ضحكوا، ويشتد حزنهم وإن فرحوا، ويكثر مقتهم أنفسهم وإن اغتبطوا بما رزقوا (2). قد غاب عن قلوبكم ذكر الآجال، وحضرتكم كواذب الآمال. فصارت الدنيا أملك بكم من الآخرة، والعاجلة أذهب بكم من الآجلة، وإنما أنتم إخوان على دين الله ما فرق بينكم إلا خبث السرائر، وسوء الضمائر. فلا توازرون ولا تناصحون، ولا تباذلون ولا توادون.
ما بالكم تفرحون باليسير من الدنيا تدركونه ولا يحزنكم الكثير من الآخرة تحرمونه. ويقلقكم اليسير من الدنيا يفوتكم حتى يتبين ذلك في وجوهكم وقلة صبركم عما زوي منها عنكم (3) كأنها دار مقامكم. وكأن متاعها باق عليكم. وما يمنع أحدكم ____________________
(1) مطلوبكم، أي اجعلوا الفرائض من مطالبكم التي تسعون لنيلها، واسألوا الله أن يمنحكم ما سألكم من أداء حقه، أي أن يمن عليكم بالتوفيق لأداء حقه (2) اغتبطوا:
غبطهم غيرهم بما آتاهم الله من الرزق (3) قلة صبركم عطف على وجوهكم. وزوي من زواه إذا نحاه
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٢٢
| 222 | 1 |
أن يستقبل أخاه بما يخاف من عيبه إلا مخافة أن يستقبله بمثله. قد تصافيتم على رفض الآجل وحب العاجل، وصار دين أحدكم لعقة على لسانه (1). صنيع من قد فرغ من عمله وأحرز رضا سيده 114 - ومن خطبة له عليه السلام الحمد لله الواصل الحمد بالنعم والنعم بالشكر. نحمده على آلائه كما نحمده على بلائه. ونستعينه على هذه النفوس البطاء عما أمرت به (2)، السراع إلى ما نهيت عنه. ونستغفره مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه: علم غير قاصر وكتاب غير مغادر (3). ونؤمن به إيمان من عاين الغيوب ووقف على الموعود، إيمانا نفى إخلاصه الشرك ويقينه الشك. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله شهادتين تصعدان القول وترفعان العمل. لا يخف ميزان توضعان فيه، ولا يثقل ميزان ترفعان عنه أوصيكم عباد الله بتقوى الله التي هي الزاد وبها المعاد: زاد ____________________
(1) عبر باللعقة عن الإقرار باللسان مع ركون القلب إلى مخالفته (2) البطاء بالكسر جمع بطيئة. والسراع جمع سريعة (3) غير تارك شيئا إلا أحاط به
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٢٣
| 223 | 1 |
مبلغ ومعاد منجح. دعا إليها أسمع داع واع (1). فأسمع داعيها وفاز واعيها عباد الله إن تقوى الله حمت أولياء الله محارمه (2). وألزمت قلوبهم مخافته، حتى أسهرت لياليهم، وأظمأت هواجرهم (3). فأخذوا الراحة بالنصب (4)، والري بالظمأ. واستقربوا الأجل فبادروا العمل، وكذبوا الأمل فلاحظوا الأجل. ثم إن الدنيا دار فناء وعناء وغير وعبر فمن الفناء أن الدهر موتر قوسه (5)، لا تخطئ سهامه، ولا توسى جراحه (6).
يرمي الحي بالموت، والصحيح بالسقم، والناجي بالعطب. آكل لا يشبع، وشارب لا ينقع (7). ومن العناء أن المرء يجمع ما لا يأكل ويبني ما لا يسكن. ثم يخرج إلى الله لا مالا حمل، ولا بناء نقل.
ومن غيرها (8) أنك ترى المرحوم مغبوطا والمغبوط مرحوما ليس ذلك إلا نعيما زل (9)، وبؤسا نزل. ومن عبرها أن المرء يشرف على ____________________
(1) وعاها فهمها وحفظها (2) حمى الشئ منعه أي منعتهم ارتكاب محرماته (3) أظمأتها بالصيام (4) التعب (5) فمن أسباب الفناء كون الدهر قد أوتر قوسه ليرمي بها أبناءه (6) توسى تداوى من أسوت الجرح داويته (7) لا ينقع - كينفع - لا يشتفى من العطش بالشرب (8) غيرها بكسر ففتح تقلبها. والمرحوم الذي ترق له وترحمه لسوء حاله يصبح مغبوطا على ما تجدد له من نعمة (9) من زل فلان زليلا وزلولا إذا مر سريعا. والمراد انتقل. أو هو الفعل اللازم من أزل إليه نعمة أسداها
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٢٤
| 224 | 1 |
أمله فيقطعه حضور أجله. فلا أمل يدرك ولا مؤمل يترك، فسبحان الله ما أغر سرورها وأظمأ ريها وأضحى فيئها (1). لا جاء يرد (2)، ولا ماض يرتد. فسبحان الله ما أقرب الحي من الميت للحاقه به، وأبعد الميت من الحي لانقطاعه عنه إنه ليس شئ بشر من الشر إلا عقابه، وليس شئ بخير من الخير إلا ثوابه. وكل شئ من الدنيا سماعه أعظم من عيانه. وكل شئ من الآخرة عيانه أعظم من سماعه. فليكفكم من العيان السماع، ومن الغيب الخبر. واعلموا أن ما نقص من الدنيا وزاد في الآخرة خير مما نقص من الآخرة وزاد في الدنيا. فكم من منقوص رابح ومزيد خاسر. إن الذي أمرتم به أوسع من الذي نهيتم عنه. وما أحل لكم أكثر مما حرم عليكم. فذروا ما قل لما كثر، وما ضاق لما اتسع. قد تكفل لكم بالرزق وأمرتم بالعمل، فلا يكونن المضمون لكم طلبه أولى (3) بكم من المفروض عليكم عمله، مع أنه والله لقد اعترض الشك ودخل اليقين (4)، ____________________
(1) أضحى كضحى كدعى: برز للشمس. والفئ الظل بعد الزوال أو مطلقا (2) الجائي يريد به الموت (3) طلبه مبتدأ خبره أولى وجملتهما خبر يكون (4) دخل -
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٢٥
| 225 | 1 |
حتى كأن الذي ضمن لكم قد فرض عليكم، وكأن الذي قد فرض عليكم قد وضع عنكم. فبادروا العمل وخافوا بغتة الأجل، فإنه لا يرجى من رجعة العمر ما يرجى من رجعة الرزق (1). ما فات من الرزق رجي غدا زيادته. وما فات أمس من العمر لم يرج اليوم رجعته. الرجاء مع الجائي، واليأس مع الماضي. فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون 115 - (ومن خطبة له عليه السلام) في الاستسقاء اللهم قد انصاحت جبالنا (2)، واغبرت أرضنا، وهامت دوابنا.
وتحيرت في مرابضها، وعجت عجيج الثكالى على أولادها، وملت التردد في مراتعها، والحنين إلى مواردها. اللهم فارحم أنين الآنة، وحنين الحانة. اللهم فارحم حيرتها في مذاهبها، وأنينها في موالجها (3).
____________________
كفرح - خالطه فساد الأوهام (1) الذي يفوت من العمر لا يرجى رجوعه بخلاف الذي يفوت من الرزق فإنه يمكن تعويضه (2) انصاحت جفت أعالي بقولها ويبست من الجدب. وليس من المناسب تفسير انصاحت بانشقت إلا أن يراد المبالغة في الحرارة التي اشتدت لتأخر المطر حتى اتقد باطن الأرض نارا وتنفست في الجبال فانشقت. وتفسير بقية الألفاظ يأتي في آخر الدعاء لصاحب الكتاب (3) مداخلها في
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٢٦
| 226 | 1 |
اللهم خرجنا إليك حين اعتكرت علينا حدابير السنين، وأخلفتنا مخائل الجود (1). فكنت الرجاء للمبتئس (2)، والبلاغ للملتمس.
ندعوك حين قنط الأنام، ومنع الغمام، وهلك السوام (3)، أن لا تؤاخذنا بأعمالنا، ولا تأخذنا بذنوبنا. وانشر علينا رحمتك بالسحاب المنبعق (4)، والربيع المغدق (5)، والنبات المونق (6). سحا وابلا (7) تحيي به ما قد مات، وترد به ما قد فات. اللهم سقيا منك محيية مروية، تامة عامة، طيبة مباركة، هنيئة مريعة (8). زاكيا نبتها (9)، ثامرا فرعها، ناظرا ورقها، تنعش بها الضعيف من عبادك، وتحيي بها الميت من بلادك. اللهم سقيا منك تعشب بها نجادنا (10)، وتجري بها وهادنا، ويخصب بها جنابنا (11)، وتقبل بها ثمارنا، وتعيش بها مواشينا، وتندى بها أقاصينا (12)، ____________________
المرابض (1) مخايل جمع مخيلة - كمصيبة - هي السحابة تظهر كأنها ماطرة ثم لا تمطر.
والجود بالفتح: المطر (2) الذي مسته البأساء والضراء. والبلاغ الكفاية (3) جمع سائمة البهيمة الراعية من الإبل ونحوها (4) انبعق المزن انفرج عن المطر كأنما هو حي انشقت بطنه فنزل ما فيها (5) أغدق المطر كثر ماؤه (6) من آنقني إذا أعجبني. أو من آنقه إذا سره وأفرحه (7) سحا: صبا. والوابل الشديد من المطر الضخم القطر (8) المريعة بفتح الميم: الخصيئة (9) زاكيا ناميا. وثامرا مثمرا آتيا بالثمر (10) جمع نجد ما ارتفع من الأرض. والوهاد جمع وهدة ما انخفض منها (11) الجناب الناحية (12) القاصية الناحية أيضا، أو هي بمعنى البعيدة عنا من أطراف بلادنا في
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٢٧
| 227 | 1 |
وتستعين بها ضواحينا (1). من بركاتك الواسعة، وعطاياك الجزيلة على بريتك المرملة (2)، ووحشك المهملة. وأنزل علينا سماء مخضلة (3) مدرارا هاطلة. يدافع الودق منها الودق (4)، ويحفز القطر منها القطر (5) غير خلب برقها (6)، ولا جهام عارضها (7)، ولا قزع ربابها (8)، ولا شفان ذهابها (9)، حتى يخصب لإمراعها المجدبون، ويحيى ببركتها المسنتون (10)، فإنك تنزل الغيث من بعد ما قنطوا، وتنشر رحمتك وأنت الولي الحميد تفسير ما في هذه الخطبة من الغريب قوله عليه السلام: (انصاحت جبالنا) أي تشققت من المحول، يقال: انصاح الثوب إذا انشق. ويقال أيضا: انصاح النبت وصاح وصوح إذ جف ويبس. وقوله: (وهامت دوابنا) أي عطشت، والهيام العطش. وقوله:
(حدابير السنين) - جمع حدبار - وهي ____________________
مقابلة جنابنا (1) ضاحية المال التي تشرب ضحى. والضواحي جمعها (2) بصيغة الفاعل: الفقيرة (3) مخضلة من أخضله إذا بله (4) الودق المطر (5) يحفز: يدفع (6) البرق الخلب ما يطمعك في المطر ولا مطر معه (7) الجهام بالفتح السحاب الذي لا مطر فيه. والعارض ما يعرض في الأفق من السحاب (8) الرباب السحاب الأبيض (9) جمع ذهبة بكسر الذال المطرة القليلة وهو المراد باللينة في تفسير صاحب الكتاب (10) المقحطون
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٢٨
| 228 | 1 |
الناقة التي أنضاها السير، فشبه بها السنة التي فشا فيها الجدب، قال ذو الرمة:
- حدابير ما تنفك إلا مناخة * على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا وقوله: (ولا قزع ربابها) القزع القطع الصغار المتفرقة من السحاب. وقوله: (ولا شفان ذهابها) فإن تقديره ولا ذات شفان ذهابها. والشفان الريح الباردة، والذهاب الأمطار اللينة. فحذف ذات لعلم السامع به 116 - ومن خطبة له عليه السلام أرسله داعيا إلى الحق وشاهدا على الخلق. فبلغ رسالات ربه غير وان ولا مقصر (1)، وجاهد في الله أعداءه غير واهن ولا معذر (2).
إمام من اتقى، وبصر من اهتدى (منها) لو تعلمون ما أعلم مما طوي عنكم غيبه، إذا لخرجتم إلى الصعدات (3) تبكون على أعمالكم، وتلتدمون على أنفسكم (4). ولتركتم أموالكم لا حارس لها ولا ____________________
(1) وان: متباطئ متثاقل (2) واهن ضعيف. والمعذر من يعتذر ولا يثبت له عذر (3) الصعدات بضمتين جمع صعيد بمعنى الطريق، أي لتركتم منازلكم وهمتم في الطرق من شدة الخوف (4) الالتدام ضرب النساء صدورهن أو وجوههن
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٢٩
| 229 | 1 |
خالف عليها (1)، ولهمت كل امرئ نفسه (2) لا يلتفت إلى غيرها.
ولكنكم نسيتم ما ذكرتم، وأمنتم ما حذرتم، فتاه عنكم رأيكم، وتشتت عليكم أمركم. ولوددت أن الله فرق بيني وبينكم وألحقني بمن هو أحق بي منكم. قوم والله ميامين الرأي (3)، مراجيح الحلم، مقاويل بالحق، متاريك للبغي. مضوا قدما (4)، على الطريقة وأوجفوا على المحجة (5)، فظهروا بالعقبى الدائمة والكرامة الباردة (6). أما والله ليسلطن عليكم غلام ثقيف الذيال الميال (7).
يأكل خضرتكم ويذيب شحمتكم إيه أبا وذحة. (أقول:
الوذحة الخنفساء. وهذا القول يومئ به إلى الحجاج، وله مع الوذحة حديث (8) ليس هذا موضع ذكره) ____________________
للنياحة (1) الخالف من تتركه في أهلك ومالك إذا خرجت لسفر أو حرب (2) همته:
حزنته وشغلته (3) ميامين - جمع ميمون - المبارك. ومراجيح أي حلماء، من رجح إذا ثقل ومال بغيره. والمراد الرزانة أي رزناء الحلم بكسر الحاء وهو العقل. ومقاويل - جمع مقوال - من يحسن القول. ومتاريك - جمع متراك - المبالغ في الترك (4) القدم بضمتين المضي أمام، أي سابقين (5) الوجيف ضرب من سير الخيل والإبل. وأوجف خيله سيرها بهذا النوع، أي أسرعوا على الطريق المستقيمة (6) من قولهم عيش بارد أي هني ء (7) الذيال الطويل القد الطويل الذيل المتبختر في مشيته (8) قالوا إن الحجاج رأى خنفساءا تدب إلى مصلاه فطردها فعادت ثم طردها فعادت فأخذها بيده فلسعته فورمت يده وأخذته حمى من اللسعة فأهلكته، قتله الله بأضعف مخلوقاته وأهونها
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٣٠
| 230 | 1 |
117 - (ومن كلام له عليه السلام) فلا أموال بذلتموها للذي رزقها، ولا أنفس خاطرتم بها للذي خلقها.
تكرمون بالله على عباده (1)، ولا تكرمون الله في عباده. فاعتبروا بنزولكم منازل من كان قبلكم، وانقطاعكم عن أوصل إخوانكم 118 - ومن كلام له عليه السلام أنتم الأنصار على الحق، والإخوان في الدين، والجنن يوم البأس (2)، والبطانة دون الناس (3). بكم أضرب المدبر، وأرجو طاعة المقبل.
فأعينوني بمناصحة خلية من الغش سليمة من الريب. فوالله إني لأولى الناس بالناس 119 - ومن كلام له عليه السلام وقد جمع الناس وحضهم على الجهاد فسكتوا مليا (4) فقال عليه السلام: ما بالكم أمخرسون أنتم؟ (فقال قوم منهم: يا أمير ____________________
(1) كرم الشئ - كحسن يحسن - أي عز ونفس، أي أنكم تصيرون أعزاء بنسبتكم للإيمان بالله ثم لا تبجلون الله ولا تعظمونه بالاحسان إلى عباده (2) الجنن - بضم ففتح - جمع جنة بالضم وهي الوقاية. والبأس الشدة (3) بطانة الرجل خواصه وأصحاب سره (4) قال بعضهم إن أمير المؤمنين قال هذا الكلام عندما كان يغير أهل الشام على
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٣١
| 231 | 1 |
المؤمنين إن سرت سرنا معك، فقال عليه السلام: ما بالكم:
لا سددتم لرشد (1)، ولا هديتم لقصد، أفي مثل هذا ينبغي لي أن أخرج؟
إنما يخرج في مثل هذا رجل ممن أرضاه من شجعانكم وذوي بأسكم، ولا ينبغي لي أن أدع الجند والمصر وبيت المال وجباية الأرض والقضاء بين المسلمين والنظر في حقوق المطالبين، ثم أخرج في كتيبة أتبع أخرى أتقلقل تقلقل القدح في الجفير الفارغ (2)، وإنما أنا قطب الرحى تدور علي وأنا بمكاني، فإذا فارقته استحار (3) مدارها واضطرب ثفالها (4) هذا لعمر الله الرأي السوء. والله لولا رجائي الشهادة عند لقائي العدو - لو قد حم لي لقاؤه - (5) لقربت ركابي (6)، ثم شخصت عنكم فلا أطلبكم ما اختلف جنوب وشمال. إنه لا غناء في كثرة عددكم (7) مع قلة اجتماع قلوبكم. لقد حملتكم على الطريق الواضح التي لا ____________________
أطراف أعماله بعد واقعة صفين (1) سدده: وفقه للسداد (2) القدح بالكسر السهم قبل أن يراش وينصل. والجفير الكنانة توضع فيها السهام. وإنما خص القدح لأنه يكون أشد قلقلة من السهم المراش حيث أن حد الريش قد يمنعه من القلقلة أو يخففها (3) استحار: تردد واضطرب (4) الثفال كغراب وكتاب: الحجر الأسفل من الرحى وككتاب ما وقيت به الرحى من الأرض (5) حم: قدر (6) حزمت إبلي وأحضرتها للركوب. وشخصت أي بعدت عنكم وتخليت عن أمر الخلافة (7) الغناء - بالفتح والمد - النفع
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٣٢
| 232 | 1 |
يهلك عليها إلا هالك (1)، من استقام فإلى الجنة ومن زل فإلى النار 120 - (ومن كلام له عليه السلام) تالله لقد علمت تبليغ الرسالات، وإتمام العدات (2)، وتمام الكلمات. وعندنا أهل البيت أبواب الحكم وضياء الأمر. ألا وإن شرائع الدين واحدة، وسبله قاصدة (3). من أخذ بها لحق وغنم، ومن وقف عنها ضل وندم. اعملوا ليوم تذخر له الذخائر، وتبلى فيه السرائر. ومن لا ينفعه حاضر لبه فعازبه عنه أعجز (4)، وغائبه أعوز (5).
واتقوا نارا حرها شديد، وقعرها بعيد، وحليتها حديد، وشرابها صديد (6). ألا وإن اللسان الصالح يجعله الله للمرء في الناس خير له من المال يورثه من لا يحمده (7) 121 - (ومن كلام له عليه السلام) وقد قام إليه رجل من أصحابه فقال: نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا ____________________
(1) الذي حتم هلاكه لتمكن الفساد من طبعه وجبلته (2) جمع عدة بمعنى الوعد (3) مستقيمة (4) عازبه: غائبه، أي من لم ينتفع بعقله الموهب له الحاضر في نفسه فأولى به أن لا ينتفع بعقل غيره الذي هو غائب عن نفسه. أي ليس من صفاتها بل من صفات الغير (5) عوز الشئ كفرح: أي لم يوجد (6) الصديد ماء الجرح الرقيق والحميم (7) اللسان الصالح: الذكر الحسن
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٣٣
| 233 | 1 |
بها فما ندري أي الأمرين أرشد؟ فصفق عليه السلام إحدى يديه على الأخرى ثم قال:
هذا جزاء من ترك العقدة (1). أما والله لو أني حين أمرتكم بما أمرتكم به حملتكم على المكروه الذي يجعل الله فيه خيرا، فإن استقمتم هديتكم، وإن اعوججتم قومتكم، وإن أبيتم تداركتكم، لكانت الوثقى، ولكن بمن وإلى من؟. أريد أن أداوي بكم وأنتم دائي، كناقش الشوكة بالشوكة وهو يعلم أن ضلعها معها (2). اللهم قد ملت أطباء هذا الداء الدوي (3)، وكلت النزعة بأشطان الركي (4). أين القوم الذين دعوا إلى الاسلام فقبلوه، وقرأوا القرآن فأحكموه. وهيجوا إلى القتال فولهوا وله اللقاح إلى أولادها (5)، وسلبوا السيوف أغمادها. وأخذوا بأطراف الأرض زحفا زحفا وصفا صفا. بعض هلك وبعض نجا. لا يبشرون بالأحياء (6)، ولا ____________________
(1) ما حصل عليه التعاقد من حرب الخارجين عن البيعة حتى يكون الظفر أو الهزيمة (2) الضلع بتسكين اللام الميل. وأصل المثل " لا تنقش الشوكة بالشوكة فإن ضلعها معها " يضرب للرجل يخاصم آخر ويستعين عليه بمن هو من قرابته أو أهل مشربه. ونقش الشوكة إخراجها من العضو تدخل فيه (3) الدوي بفتح فكسر: المؤلم (4) كلت: ضعفت. والنزعة جمع نازع. والأشطان جمع شطن وهو الحبل. والركي جمع ركية وهي البئر، أي ضعفت قوة النازعين لمياه المعونة من آبار هذه الهمم الغائضة الغائرة (5) اللقاح جمع لقوح وهي الناقة. وولهها إلى أولادها فزعها إليها إذا فارقتها.
(6) إذا قيل لهم نجا فلان فبقي حيا لا يفرحون لأن أفضل الحياة عندهم الموت في سبيل الحق.
ولا يحزنون إذا قيل لهم مات فلان فإن الموت عندهم حياة السعادة الأبدية.
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٣٤
| 234 | 1 |
يعزون عن الموتى. مره العيون من البكاء (1). خمص البطون (2) من الصيام. ذبل الشفاه من الدعاء (3). صفر الألوان من السهر. على وجوههم غبرة الخاشعين. أولئك إخواني الذاهبون. فحق لنا أن نظمأ إليهم ونعض الأيدي على فراقهم. إن الشيطان يسني لكم طرقه (4)، ويريد أن يحل دينكم عقدة عقدة، ويعطيكم بالجماعة الفرقة (5).
فاصدفوا عن نزغاته ونفثاته (6). واقبلوا النصيحة ممن أهداها إليكم، واعقلوها على أنفسكم (7).
122 - ومن كلام له عليه السلام قاله للخوارج وقد خرج إلى معسكرهم وهم مقيمون على إنكار الحكومة، فقال عليه السلام:
أكلكم شهد معنا صفين؟ فقالوا: منا من شهد ومنا من لم يشهد.
قال: فامتازوا فرقتين، فليكن من شهد صفين فرقة، ومن لم يشهدها فرقة حتى أكلم كلا بكلامه. ونادى الناس فقال: أمسكوا عن الكلام وانصتوا لقولي، وأقبلوا بأفئدتكم إلي، فمن نشدناه شهادة فليقل بعلمه فيها. ثم كلمهم عليه السلام بكلام طويل (منه):
____________________
(1) مره بضم فسكون جمع أمره من مرهت عينه إذا فسدت أو ابيضت حماليقها (2) خمص البطون ضوامرها (3) ذبلت شفته جفت ويبست لذهاب الريق (4) يسني يسهل (5) يعطيكم الفرقة بدل الجماعة كأنه يبيعهم الثانية بالأولى (6) فاصدفوا، أي فاعرضوا عن وساوسه (7) اعقلوها:
احبسوها على أنفسهم لا تتركوها فتضيع منكم فتخسرون.
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٣٥
| 235 | 1 |
ألم تقولوا عند رفعهم المصاحف حيلة وغيلة، ومكرا وخديعة:
إخواننا وأهل دعوتنا، استقالونا واستراحوا إلى كتاب الله سبحانه، فالرأي القبول منهم والتنفيس عنهم. فقلت لكم: هذا أمر ظاهره إيمان وباطنه عدوان، وأوله رحمة وآخره ندامة. فأقيموا على شأنكم، والزموا طريقتكم، وعضوا على الجهاد بنواجذكم. ولا تلتفتوا إلى ناعق نعق: إن أجيب أضل، وإن ترك ذل. وقد كانت هذه الفعلة، وقد رأيتكم أعطيتموها (1)، والله لئن أبيتها ما وجبت علي فريضتها، ولا حملني الله ذنبها. ووالله إن جئتها إني للمحق الذي يتبع. وإن الكتاب لمعي. ما فارقته مذ صحبته. فلقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وإن القتل ليدور على الآباء والأبناء والإخوان والقرابات، فما نزداد على كل مصيبة وشدة إلا إيمانا، ومضيا على الحق، وتسليما للأمر، وصبرا على مضض الجراح. ولكنا إنما أصبحنا نقاتل إخواننا في الاسلام على ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج والشبهة والتأويل.
فإذا طمعنا في خصلة (2) يلم الله بها شعثنا ونتدانى بها إلى البقية فيما بيننا رغبنا فيها وأمسكنا عما سواها.
____________________
(1) أنتم الذين أعطيتم لها صورتها هذه التي صارت عليها برأيكم (2) المراد من الخصلة بالفتح هنا الوسيلة. ولم شعثه: جمع أمره. ونتدانى: نتقارب إلى ما بقي بيننا من علائق الارتباط.
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٣٦
| 236 | 1 |
نهج البلاغة وهو مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام شرح الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبدة مفتي الديار المصرية سابقا الجزء الأول الناشر:
دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت لبنان
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١
| 1 | 2 |
من هو الإمام علي؟
اجتمع للإمام علي بن أبي طالب من صفات الكمال، ومحمود الشمائل، والخلال، وسناء الحسب وباذخ الشرف، مع الفطرة النقية، والنفس المرضية، ما لم يتهيأ لغيره من أفذاذ الرجال.
تحدر من أكرم المناسب، وانتمى إلى أطيب الأعراق، فأبوه أبو طالب عظيم المشيخة من قريش. وجده عبد المطلب أمير مكة وسيد البطحاء ثم هو قبل من هامات بني هاشم وأعيانهم، وبنو هاشم كانوا كما وصفهم الجاحظ: " ملح الأرض، وزينة الدنيا، وحلى العالم، والسنام الأضخم، والكاهل الأعظم، ولباب كل جوهر كريم، وشر كل عنصر شريف، والطينة البيضاء، والمغرس المبارك والنصاب الوثيق، ومعدن الفهم، وينبوع العلم. " واختص بقرابته القريبة من الرسول عليه السلام، فكان ابن عمه، وزوج ابنته وأحب عترته إليه، كما كان كاتب وحيه، وأقرب الناس إلى فصاحته، وبلاغته، وأحفظهم لقوله وجوامع كلمه، أسلم على يديه صبيا قبل أن يمس قلبه عقيدة سابقة أو يخالط عقله شوب من شرك موروث، ولازمه فتيا يافعا، في غدوه ورواحه وسلمه وحربه، حتى تخلق بأخلاقه، واتسم بصفاته وفقه عنه الدين، وثقف ما نزل به الروح الأمين، فكان من أفقه أصحابه وأقضاهم، وأحفظهم وأوعاهم، وأدقهم في الفتيا، وأقربهم إلى الصواب، وحتى قال فيه عمر: لا بقيت لمعضلة ليس فيها أبو الحسن، وكانت حياته كلها مفعمة بالأحداث، مليئة بجلائل الأمور، فعلى عهد الرسول عليه السلام، ناضل المشركين واليهود، فكان فارس الحلبة ومسعر الميدان صليب النبع جميع الفؤاد. ذلك هو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢
| 2 | 2 |
مقدمة الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبدة بسم الله الرحمن الرحيم حمد لله سياج (1) النعم. والصلاة على النبي وفاء الذمم. واستمطار الرحمة على آله الأولياء، وأصحابه الأصفياء، عرفان الجميل وتذكار الدليل (2): وبعد فقد أوفى لي حكم القدر بالاطلاع على كتاب (نهج البلاغة) مصادفة بلا تعمل. أصبته على تغير حال وتبلبل بال، وتزاحم أشغال، وعطلة من أعمال. فحسبته تسلية، وحيلة للتخلية فتصفحت بعض صفحاته، وتأملت جملا من عباراته. من مواضع مختلفات، وموضوعات متفرقات. فكان يخيل إلي في كل مقام أن حروبا شنت وغارات شنت وأن للبلاغة دولة، وللفصاحة صولة. وأن للأوهام عرامة (3) وللريب دعارة. وأن جحافل الخطابة، وكتائب الذرابة، في عقود النظام وصفوف الانتظام، تنافح بالصفيح الأبلج (4) والقويم الأملج. وتمتلج المهج برواضع الحجج. فتفل من دعارة الوساوس (5) وتصيب مقاتل الخوانس. والباطل منكسر ومرج الشك في خمود (6) وهرج الريب في ركود. وأن مدبر تلك الدولة، وباسل تلك الصولة، هو حامل لوائها الغالب، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
|
(١) السياج: ما أحيط به على شئ (٢) معرفة طريق الحق والهداية إليه.
(3) العرمة الشراسة. والدعارة سوء الخلق. والجحافل الجيوش. والكتائب الفرق منها والذرابة حدة اللسان في فصاحة. والكلام تخيل حرب بين البلاغة وهائجات الشكوك والأوهام.
(4) تنافح تضارب أشد المضاربة. والصفيح السيف والأبلج اللامع البياض. والقويم الرمح والأملج الأسمر. وهي مجازات عن الدلائل الواضحة والحجج القويمة المبددة للوهم وإن خفي مدركها وتمتلج أي تمتص. والمهج دماء القلوب لا تبقي للأوهام شيئا من مادة البقاء.
(5) فل الشئ ثلمه والقوم هزمهم. والخوانس خواطر السوء تسلك من النفس مسالك الخفاء.
(6) المرج الاضطراب. والهرج هيجان الفتنة
|
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٣
| 3 | 2 |
بل كنت كلما انتقلت من موضع إلى موضع أحس بتغير المشاهد. وتحول المعاهد فتارة كنت أجدني في عالم يغمره من المعاني أرواح عالية. في حلل من العبارات الزاهية تطوف على النفوس الزاكية. وتدنو من القلوب الصافية: توحي إليها رشادها.
وتقوم منها مرادها. وتنفر بها عن مداحض المزال. إلى جواد الفضل والكمال.
وطورا كانت تتكشف لي الجمل عن وجوه باسرة (1)، وأنياب كاشره. وأرواح في أشباح النمور، ومخالب النسور. قد تحفزت للوثاب، ثم انقضت للاختلاب فخلبت القلوب عن هواها، وأخدت الخواطر دون رماها. واغتالت فاسد الأهواء وباطل الآراء.
وأحيانا كنت أشهد أن عقلا نورانيا، لا يشبه خلقا جسدانيا، فصل عن الموكب الإلهي، واتصل بالروح الإنساني. فخلعه عن غاشيات الطبيعة وسما به إلى الملكوت الأعلى. ونما به إلى مشهد النور الأجلي. وسكن به إلى عمار جانب التقديس. بعد استخلاصه من شوائب التلبيس (2). وآنات كأني أسمع خطيب الحكمة ينادي بأعلياء الكلمة، وأولياء أمر الأمة، يعرفهم مواقع الصواب ويبصرهم مواضع الارتياب ويحذرهم مزالق الاضطراب. ويرشدهم إلى دقاق السياسة. ويهديهم طرق الكياسة، ويرتفع بهم إلى منصات الرئاسة ويصعدهم شرف التدبير، ويشرف بهم على حسن المصير ذلك الكتاب الجليل هو جملة ما اختاره السيد الشريف الرضي رحمه الله من كلام سيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. جمع متفرقة وسماه بهذا الاسم (نهج البلاغة) ولا أعلم اسما أليق بالدلالة على معناه منه. وليس في وسعي أن أصف هذا الكتاب بأزيد مما دل عليه اسمه، ولا أن آتي بشئ في بيان مزيته فوق ما أتى به صاحب الاختيار كما سترى في مقدمة الكتاب. ولولا أن غرائز الجبلة، وقواضي الذمة، تفرض علينا عرفان الجميل لصاحبه، وشكر المحسن على إحسانه، لما احتجنا إلى التنبيه على ما أودع نهج للبلاغة، من فنون الفصاحة.
وما خص به من وجوه البلاغة، خصوصا وهو لم يترك غرضا من أغراض الكلام إلا إسابة ولم يدع للفكر ممرا إلا جابه (3).
|
(1) باسرة: عابسة.
(2) التلبيس: التخليط التدليس (3) جابه يجوبه: خرقه ومضى به
|
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٤
| 4 | 2 |
إلا أن عبارات الكتاب لبعد عهدها منا، وانقطاع أهل جيلنا عن أصل لساننا قد نجد فيها غرائب ألفاظ في غير وحشية، وجزالة تركيب في غير تعقيد، فربما وقف فهم المطالع دون الوصول إلى مفهومات بعض المفردات أو مضمونات بعض الجمل. وليس ذلك ضعفا في اللفظ أو وهنا في المعنى وإنما هو قصور في ذهن المتناول.
ومن ثم همت بي الرغبة أن أصحب المطالعة بالمراجعة والمشارفة بالمكاشفة، وأعلق على بعض مفرداته شرحا وبعض جمله تفسيرا وشئ من اشاته تعيينا، واقفا عند حد الحاجة مما قصدت. موجزا في البيان ما استطعت. معتمدا في ذلك على المشهور من كتب اللغة والمعروف من صحيح الأخبار. ولم أتعرض لتعديل ما روي عن الإمام في مسألة الإمامة أو تجريحه، بل تركت للمطالع الحكم فيه بعد الالتفات إلى أصول المذاهب المعلومة فيها، والأخبار المأثورة الشاهدة عليها، غير أني لم أتحاش تفسير العبارة، وتوضيح الإشارة لا أريد في وجهي هذا إلا حفظ ما أذكر، وذكر ما أحفظ. تصونا من النسيان وتحرزا من الحيدان (1). ولم أطلب من وجه الكتاب إلا ما تعلق منه بسبك المعاني العالية في العبارات الرفيعة في كل ضرب من ضروب الكلام. وحسبي هذه الغاية فيما أريد لنفسي ولمن يطلع عليه من أهل اللسان العربي.
وقد عني جماعة من أجلة العلماء بشرح الكتاب وأطال كل منهم في بيان ما انطوى عليه من الأسرار، وكل يقصد تأييد مذهب وتعضيد مشرب. غير أنه لم يتيسر لي ولا واحد من شروحهم إلا شذرات وجدتها منقولة عنهم في بطون الكتب، فإن وافقت أحدهم فيما رأى فذلك حكم الاتفاق، وإن كنت خالفتهم فإلى صواب فيما أظن على أني لا أعد تعليقي هذا شرحا في عداد الشروح، ولا أذكره كتابا بين الكتب، وإنما هو طراز لنهج البلاغة وعلم توشى به أطرافه (2).
وأرجو أن يكون فيما وضعت من وجيز البيان فائدة للشبان من أهل هذا الزمان فقد رأيتهم قياما على طريق الطلب، يتدافعون لنيل الأرب من لسان العرب.
يبتغون لأنفسهم سلائق عربية وملكات لغوية، وكل يطلب لسانا خاطبا، وقلما كاتبا، لكنهم يتوخون وسائل ما يطلبون في مطالعة المقامات وكتب المراسلات مما
|
(1) الحيدان، كفيضان: الميل والجور. (2) العلم ما ينصب في الطريق ليهتدي به.
|
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٥
| 5 | 2 |
كتبه المولدون. أو قلدهم فيه المتأخرون. ولم يراعوا في تحريره إلا رقة الكلمات، وتوافق الجناسات. وانسجام السجعات. وما يشبه ذلك من المحسنات اللفظية والتي وسموها بالفنون البديعة. وإن كانت العبارات خلوا من المعاني الجليلة، أو فائدة الأساليب الرفيعة.
على أن هذا النوع من الكلام بعض ما في اللسان العربي وليس كل ما فيه، بل هذا النوع إذا نفرد يعد من أدنى طبقات القول، وليس في حلاه المنوطة بأواخر ألفاظه ما يرفعه إلى درجة الوسط. فلو أنهم عدلوا إلى مدارسة ما جاء عن أهل اللسان، خصوصا أهل الطبقة العليا منهم لأحرزوا من بغيتهم ما امتدت إليه أعناقهم، واستعدت لقبوله أعراقهم. وليس في أهل هذه اللغة إلا قائل بأن كلام الإمام علي بن أبي طالب هو أشرف الكلام وأبلغه بعد كلام الله تعالى وكلام نبيه صلى الله عليه وآله - وأغزره مادة وأرفعه أسلوبا وأجمعه لجلائل المعاني.
فأجدر بالطالبين لنفائس اللغة، والطامعين في التدرج لمراقيها أن يجعلوا هذا الكتاب أهم محفوظهم، وأفضل مأثورهم، مع تفهم معانيه في الأغراض التي جاءت لأجلها وتأمل ألفاظه في المعاني التي صيغت للدلالة عليها. ليصيبوا بذلك أفضل غاية وينتهوا إلى خير نهاية، وأسأل الله نجاح عملي وأعمالهم. وتحقيق أملي وآمالهم.
ولنقدم للمطالع موجزا من القول في نسب الشريف الرضي جامع الكتاب، وطرفا من خبره. فهو أبو الحسن محمد بن أبي أحمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى ابن إبراهيم بن موسى بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين ابن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. وأمه فاطمة بنت الحسين بن الحسن الناصر صاحب الديلم ابن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ولد الشريف الرضي في سنة تسع وخمسين وثلاثمائة. واشتغل بالعلم ففاق في الفقه والفرائض وبذ أهل زمانه في العلم والأدب.
قال صاحب اليتيمة هو اليوم أبدع أبناء الزمان وأنجب سادات العراق، يتحلى مع محتده الشريف ومفخره المنيف بأدب ظاهر، وفضل باهر، وحظ من جميع
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٦
| 6 | 2 |
المحامد وافر، تولى نقابة نقباء الطالبيين بعد أبيه في حياته سنة ثمانية وثمانين وثلاثمائة، ضمت إليه مع النقابة سائر الأعمال التي كان يليها أبوه، وهي النظر في المظالم، والحج بالناس. وكان من سمو المقام بحيث يكتب إلى الخليفة القادر بالله العباسي أحمد بن المقتدر من قصيدة طويلة: نفتخر بها ويساوي نفسه بالخليفة:
عطفا أمير المؤمنين فإننا * في دوحة العلياء لا نتفرق ما بيننا يوم الفخار تفاوت * أبدا، كلانا في المعالي معرق إلا الخلافة ميزتك فإنني * أنا عاطل منها وأنت مطوق ويروى أن القادر قال له عند سماع هذا البيت: على رغم أنفك الشريف ومن غرر شعره فيما يقرب من هذا قوله:
رمت المعالي فامتنعن ولم يزل * أبدا ينازع عاشقا معشوق وصبرت حتى نلتهن ولم أقل * ضجرا: دواء الفارك (1) التطليق وابتدأ يقول الشعر بعد أن جاوز عشر سنين بقليل. قال صاحب اليتيمة، وهو أشعر الطالبيين: من مضى منهم ومن غبر على كثرة شعرائهم المفلقين ولو قلت أنه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق. وقال بعض واصفيه رحمه الله: كان شاعرا مفلقا فصيح النظم ضخم الألفاظ قادرا على القريض متصرفا في فنونه، إن قصد الرقة في النسيب أتى بالعجب العجاب، وإن أراد الفخامة وجزالة الألفاظ في المدح وغيره أتى بما لا يشق له فيه غبار، وإن قصد المراثي جاء سابقا والشعراء منقطعة الأنفاس. وكان مع هذا مترسلا كاتبا بليغا متين العبارات سامي المعاني. وقد اعتنى بجمع شعره في ديوان جماعة، وأجود ما جمع منه مجموع أبي حكيم الحيري، وهو ديوان كبير يدخل في أربع مجلدات كما ذكره صاحب اليتيمة. وصنف كتابا في معاني القرآن العظيم قالوا يتعذر وجود مثله، وهو يدل على سعة اطلاعه في النحو واللغة وأصول الدين. وله كتاب في مجازات القرآن. وكان علي الهمة تسمو به عزيمته إلى أمور عظام لم يجد من الأيام عليها معينا فوقفت به دونها حتى قضى. وكان عفيفا متشددا في العفة بالغا فيها إلى النهاية لم يقبل من أحد صلة ولا جائزة حتى أنه رد صلات أبيه! وقد اجتهد بنو بويه على قبوله صلاتهم فلم يقبل. وكان يرضى بالإكرام وصيانة الجانب وإعزاز
|
(1) الفارك: المرأة الكارهة لزوجها.
|
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٧
| 7 | 2 |
الأتباع والأصحاب. حكى أبو حامد محمد بن محمد الأسفرائيني الفقيه الشافعي. قال:
كنت يوما عند فخر الملك أبي غالب محمد بن خلف وزير بهاء الدولة وابنه سلطان الدولة فدخل عليه الرضي (صاحب كلامنا الآن) أبو الحسن فأعظمه وأجل مكانه ورفع من منزلته وخلى ما كان بيده من القصص والرقاع وأقبل عليه يحادثه إلى أن انصرف. ثم دخل بعد ذلك المرتضى أبو قاسم (أخو الشريف الرضي) فلم يعظمه ذلك التعظيم ولا أكرمه ذلك الاكرام وتشاغل عنه برقاع يقرأها فجلس قليلا ثم سأله أمرا فقضاه ثم انصرف. قال أبو حامد فقلت: أصلح الله الوزير هذا المرتضى هو الفقيه المتكلم صاحب الفنون وهو الأمثل والأفضل منهما وإنما أبو الحسن شاعر. قال فقال لي إذا انصرف الناس وخلا المجلس أجبتك عن هذه المسألة. قال وكنت مجمعا على الانصراف فعرض من الأمر ما لم يكن في الحساب فدعت الضرورة إلى ملازمة المجلس حتى تقوض الناس. وبعد أن انصرف عنه أكثر غلمانه ولم يبق عنده غيري قال لخادم له هات الكتابين اللذين دفعتهما إليك منذ أيام وأمرتك بوضعهما في السفط الفلاني، فأحضرهما فقال هذا كتاب الرضي اتصل بي إنه قد ولد له ولد فأنفذت إليه ألف دينار وقلت هذا للقابلة فقد جرت العادة أن يحمل الأصدقاء وذوو مودتهم مثل هذا في مثل هذه الحال، فردها وكتب إلي هذا الكتاب فاقرأه، فقرأته فإذا هو اعتذار عن الرد وفي جملته: إننا أهل بيت لا يطلع على أحوالنا قابلة غريبة، وإنما عجائزنا يتولين هذا الأمر من نسائنا ولسن ممن يأخذن أجرة ولا يقبلن صلة. قال فهذا هذا. وأما المرتضى فإنا كنا وزعنا وقسطنا على الأملاك ببعض النواحي تقسيطا نصرفه في حفر فوهة النهر المعروف بنهر عيسى، فأصاب ملكا للشريف المرتضى بالناحية المعروفة بالداهرية من التقسيط عشرون درهما ثمنها دينار واحد، وقد كتب منذ أيام في هذا المعنى هذا الكتاب فاقرأه وهو أكثر من مائة سطر يتضمن من الخشوع والخضوع والاستمالة والهزء والطلب والسؤال في أسقاط هذه الدراهم المذكورة ما يطول شرحه قال فخر الملك فأيهما ترى أولى بالتعظيم والتبجيل: هذا العالم المتكلم الفقيه الأوحد ونفسه هذه النفس، أم ذلك الذي لم يشهر إلا بالشعر خاصة ونفسه تلك النفس؟.
فقلت وفق الله سيدنا الوزير والله ما وضع الأمر إلا في موضعه ولا أحله إلا في محله.
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٨
| 8 | 2 |
وتوفي الرضي في المحرم سنة أربع وأربعمائة ودفن في داره بمسجد الأنباريين بالكرخ ومضى أخوه المرتضى من جزعه عليه إلى مشهد موسى بن جعفر عليه السلام لأنه لم يستطع أن ينظر إلى تابوته ودفنه، وصلى عليه الوزير فخر الملك أبو غالب، ومضى بنفسه آخر النهار إلى المشهد الشريف الكاظمي فألزمه بالعود إلى داره. ومما رثاه به أخوه المرتضى الأبيات المشهورة التي من جملتها:
يا للرجال لفجعة جذمت يدي * ووددت لو ذهبت علي برأسي ما زلت أحذر وردها حتى أتت * فحسوتها في بعض ما أنا حاسي ومطلتها زمنا فلما صممت * لم يثنها مطلي وطول مكاسي لا تنكروا من فيض دمعي عبرة * فالدمع غير مساعد ومواسي لله عمرك من قصير طاهر * ولرب عمر طال بالأدناس وحكى ابن خلكان عن بعض الفضلاء أنه رأى في مجموع أن بعض الأدباء اجتاز بدار الشريف الرضي (صاحب الترجمة) بسر من رأى وهو لا يعرفها، وقد أخنى عليها الزمان وذهبت بهجتها وأخلقت ديباجتها، وبقايا رسومها تشهد لها بالنضارة وحسن الشارة، فوقف عليها متعجبا من صروف الزمان وطوارق الحدثان، وتمثل بقول الشريف الرضي:
ولقد بكيت على ربوعهم * وطلولها بيد البلي نهب فبكيت حتى شج من لغب * نضوي، ولج بعذلي الركب وتلفتت عيني فمذ خفيت * عني الطلول تلفت القلب فمر به شخص وهو ينشد الأبيات فقال له: هل تعرف هذه الدار لمن هي؟ فقال لا. فقال هذه الدار لصاحب الأبيات الشريف الرضي، فعجب كلاهما من حسن الاتفاق. وفي رواية العلماء من مناقب الشريف الرضي ما لو تقصيناه لطال الكلام، وإنما غرضنا أن يلم القارئ بسيرته بعض الالمام. والله أعلم.
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٩
| 9 | 2 |
مقدمة السيد الشريف الرضي بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد حمد الله الذي جعل الحمد ثمنا لنعمائه. ومعاذا من بلائه. وسبيلا إلى جنانه (1) وسببا لزيادة إحسانه. والصلاة على رسوله نبي الرحمة، وإمام الأئمة، وسراج الأمة. المنتخب من طينة الكرم (2) وسلالة المجد الأقدم. ومغرس الفخار المعرق (3) وفرع العلاء المثمر المورق وعلى أهل بيته مصابيح الظلم، وعصم الأمم (4) ومنار الدين الواضحة، ومثاقيل الفضل الراجحة. صلى الله عليهم أجمعين صلاة تكون إزاء لفضلهم (5) ومكافأة لعملهم. وكفاء لطيب فرعهم وأصلهم. ما أنار فجر ساطع وخوى نجم طالع (6) فإني كنت في عنفوان السن (7)، وغضاضة الغصن، ابتدأت بتأليف كتاب خصائص الأئمة عليهم السلام يشتمل على محاسن أخبارهم وجواهر كلامهم: حداني عليه غرض ذكرته في صدر الكتاب وجعلته أمام الكلام. وفرغت من الخصائص التي تخص أمير المؤمنين عليا عليه السلام. وعاقت عن إتمام بقية الكتاب
|
(1) في بعض النسخ ووسيلا وهو جمع وسيلة وهي ما يتقرب به. ورواية سبيلا أحسن (2) طينة الكرم أصله وسلالة المجد فرعه (3) الفخار قال بعضهم بالكسر ويغلط من يقرأ بالفتح لأنه مصدر فاخر، والمصدر من فاعل الفعال بكسر أوله، غير أنه لا يبعد أن يكون مصدر فخر. والثلاثي إذا كانت عينه أو لامه حرف حلق جاء المصدر منه على فعال بالفتح نحو سمح سماحا (4) العصم جمع عصمة وهو ما يعتصم به: والمنار الأعلام واحدها منارة. والمثاقيل جمع مثقال وهو مقدار وزن الشئ، تقول مثقال حبة ومثقال دينار، فمثاقيل الفضل زناته أي أن الفضل يعرف بهم مقداره (5) إزاء لفضلهم أي مقابلة له (6) خوى النجم سقط وخوت النجوم انحلت فلم تمطر كأخوت وخوت بالتشديد (7) عنفوان السن أولها.
|
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٠
| 10 | 2 |
محاجزات الزمان (1) ومماطلات الأيام. وكنت قد بوبت ما خرج من ذلك أبوابا.
وفصلته فصولا فجاء في آخرها فصل يتضمن محاسن ما نقل عنه عليه السلام من الكلام القصير في المواعظ والحكم والأمثال والآداب دون الخطب الطويلة والكتب المبسوطة.
فاستحسن جماعة من الأصدقاء والإخوان ما اشتمل عليه الفصل المقدم ذكره معجبين ببدائعه ومتعجبين من نواصعه (2) وسألوني عند ذلك أن أبدأ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في جميع فنونه، ومتشعبات غصونه، من خطب وكتب ومواعظ وآداب علما أن ذلك يتضمن عجائب البلاغة وغرائب الفصاحة وجواهر العربية وثواقب الكلم الدينية والدنيوية ما لا يوجد مجتمعا في كلام (3) ولا مجموع الأطراف في كتاب. إذ كان أمير المؤمنين عليه السلام مشرع الفصاحة وموردها (4) ومنشأ البلاغة ومولدها. ومنه عليه السلام ظهر مكنونها. وعنه أخذت قوانينها. وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب (5) وبكلامه استعان كل واعظ بليغ. ومع ذلك فقد سبق وقصروا. وتقدم وتأخروا. لأن كلامه عليه السلام الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي (6) وفيه عبقة من الكلام النبوي. فأجبتهم إلى الابتداء بذلك عالما بما فيه من عظيم النفع ومنشور الذكر ومذخور الأجر.
واعتمدت به أن أبين من عظيم قدر أمير المؤمنين عليه السلام في هذه الفضيلة مضافة إلى المحاسن الدائرة والفضائل الجمة (7). وأنه عليه السلام انفرد ببلوغ غايتها عن جميع السلف الأولين الذين إنما يؤثر عنهم منها القليل النادر والشاذ الشارد (8). وأما كلامه فهو من البحر الذي لا يساجل (9)، والجم الذي لا يحافل (10) وأردت أن يسوغ لي
|
(1) محاجزات الزمان ممانعاته ومماطلات الأيام مدافعاتها.
(2) النواصع الخالصة، وناصع كل شئ خالصه (3) الثواقب المضيئة ومنه الشهاب الثاقب، ومن الكلم ما يضئ لسامعها طريق الوصول إلى ما دلت عليه فيهتدي بها إليه (4) المشرع تذكير المشرعة مورد الشاربة كالشريعة (5) حذا كل قائل اقتفى واتبع (6) عليه مسحة من جمال، أي علامة وأثر، وكأنه يريد بهاء منه وضياء. والعبقة الرائحة (7) اعتمدت قصدت، والدائرة بفتح فسكون الكثيرة (8) يؤثر أي ينقل عنهم ويحكي (9) لا يغالب في الامتلاء وكثرة الماء (10) لا يغالب في الكثرة من قولهم ضرع حافل أي ممتلئ كثير اللبن
|
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١١
| 11 | 2 |
التمثل في الافتخار به عليه السلام بقول الفرزدق - أولئك آبائي فجئني بمثلهم * إذا جمعتنا يا جرير المجامع ورأيت كلامه عليه السلام يدور على أقطاب ثلاثة: أولها الخطب والأوامر. وثانيها الكتب والرسائل وثالثها الحكم والمواعظ. فأجمعت بتوفيق الله تعالى على الابتداء باختيار محاسن الخطب (1) ثم محاسن الكتب ثم محاسن الحكم والأدب، مفردا لكل صنف من ذلك بابا ومفصلا فيه أوراقا لتكون مقدمة لاستدراك ما عساه يشذ عني عاجلا ويقع إلي آجلا. وإذا جاء شئ من كلامه عليه السلام الخارج في أثناء حوار (2) أو جواب سؤال أو غرض آخر من الأغراض في غير الأنحاء التي ذكرتها وقررت القاعدة عليها نسبته إلى أليق الأبواب به وأشدها ملامحة لغرضه (3). وربما جاء فيما أختاره من ذلك فصول غير متسقة، ومحاسن كلم غير منتظمة، لأني أورد النكت واللمع ولا أقصد التتالي والنسق. ومن عجائبه عليه السلام التي إنفرد بها وأمن المشاركة فيها أن كلامه عليه السلام الوارد في الزهد والموعظ والتذكير والزواجر إذا تأمله المتأمل وفكر فيه المتفكر وخلع من قلبه أنه كلام مثله ممن عظم قدره ونفذ أمره وأحاط بالرقاب ملكه لم يعترضه الشك في أنه من كلام من لا حفظ له في الزهادة ولا شغل له بغير العبادة، وقد قبع في كسر بيت (4) أو انقطع في سفح جبل. لا يسمع إلا حسه ولا يرى إلا نفسه ولا يكاد يوقن بأنه كلام من يتغمس في الحرب مصلتا سيفه (5) فيقطع الرقاب ويجدل الأبطال (6) ويعود به ينطف دما ويقطر مهجا، وهو مع تلك الحال زاهد الزهاد وبدل الأبدال (7). وهذه من فضائله العجيبة وخصائصه
|
(1) أجمع عليه عزم، والمحاسن جمع حسن على غير قياس (2) بالفتح وبالكسر المحاورة (3) الملامحة الإبصار والنظر، والمراد هنا المناسبة لأن من ينظر إلى شئ ويبصره كأنه يميل إليه ويلائمه (4) قبع القنفذ كمنع أدخل رأسه في جلده، والرجل أدخل رأسه في قميصه، أراد منه انزوى وكسر البيت جانب الخباء، وسفح الجبل أسفله (5) أصلت سيفه جرده من غمده، ويقط الرقاب يقطعها عرضا، فإن كان القطع طولا قيل يقد، قال ابن عائشة: كانت ضربات علي أبكارا إن اعتلى قد وإن اعترض قط، ومنه قط القلم (6) يجدل الأبطال يلقيهم على الجدالة كسحابة وهي وجه الأرض وينطف من نطف كنصر وضرب نطفا وتناطفا سال، والمهج جمع مهجة وهي دم القلب والروح (7) الأبدال قوم صالحون لا تخلو الأرض منهم، إذا مات منهم واحد أبدل الله مكانه آخر
|
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٢
| 12 | 2 |
اللطيفة التي جمع بها بين الأضداد، وألف بين الأشتات (1). وكثيرا ما أذكر الإخوان بها واستخرج عجبهم منها. وهي موضوع للعبرة بها والفكرة فيها. وربما جاء في أثناء هذا الاختيار اللفظ المردد والمعنى المكرر والعذر في ذلك أن روايات كلامه تختلف اختلافا شديدا. فربما اتفق الكلام المختار في رواية فنقل على وجهه، ثم وجد بعد ذلك في رواية أخرى موضوعا غير وضعه الأول، إما بزيادة مختارة أو بلفظ أحسن عبارة، فتقتضي الحال أن يعاد استظهارا للاختيار، وغيرة على عقائل الكلام (2). وربما بعد العهد أيضا بما اختير أولا فأعيد بعضه سهوا أو نسيانا لا قصدا واعتمادا. ولا أدعي مع ذلك أني أحيط بأقطار جميع كلامه عليه السلام (3) حتى لا يشذ عني منه شاذ ولا يند ناد، بل لا أبعد أن يكون القاصر عني فوق الواقع إلى، والحاصل في ربقتي دون الخارج من يدي (4) وما على إلا بذل الجهد وبلاغ الوسع، وعلى الله سبحانه نهج السبيل (5) ورشاد الدليل إن شاء الله ورأيت من بعد تسمية هذا الكتاب بنهج البلاغة إذ كان يفتح للناظر فيه أبوابها.
ويقرب عليه طلابها. فيه حاجة العالم والمتعلم وبغية البليغ والزاهد، ويمضي في أثنائه من الكلام في التوحيد والعدل وتنزيه الله سبحانه وتعالى عن شبه الخلق ما هو بلال كل غلة (6) وجلاء كل شبهة. ومن الله سبحانه أستمد التوفيق والعصمة.
وأتنجز التسديد والمعونة، وأستعيذه من خطأ الجنان قبل خطأ اللسان، ومن زلة الكلام قبل زلة القدم. وهو حسبي ونعم الوكيل.
باب المختار من خطب أمير المؤمنين عليه السلام وأوامره ويدخل في ذلك المختار من كلامه الجاري مجرى الخطب في المقامات المحصورة والمواقف المذكورة والخطوب الواردة
|
(1) موضع العجب أن أهل الشجاعة والإقدام والمغامرة والجرأة يكونون في العادة قساة فتاكين متمردين جبارين. والغالب على أهل الزهد وأعداء الدنيا وهاجري ملاذها المشتغلين بالوعظ والنصيحة والتذكير أن يكونوا ذوي رقة ولين وضعف قلوب وخور طباع. وهاتان حالتان متضادتان فاجتماعهما في أمير المؤمنين كرم الله وجهه مما يوجب العجب، فكان كرم الله وجهه إشجع الناس وأعظمهم إراقة للدم، وأزهدهم وأبعدهم عن ملاذ الدنيا وأكثرهم وعظا وتذكيرا وأشدهم اجتهادا في العبادة، وكان أكرم الناس أخلاقا وأسفرهم وجها وأوفاهم هشاشة وبشاشة حتى عيب بالدعابة.
(2) عقائل الكلام كرائمه، وعقيلة الحي كريمته (3) أقطار الكلام جوانبه. والناد النافر (4) الربقة عروة حبل يجعل فيها رأس البهيمة (5) نهج السبيل إبانته وإيضاحه (6) الغلة العطش وبلالها ما تبل به وتروى.
|
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٣
| 13 | 2 |
1 - ومن خطبة له عليه السلام " يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم " الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون. ولا يحصي نعماءه العادون. ولا يؤدي حقه المجتهدون، الذي لا يدركه بعد الهمم (1) ولا يناله غوص الفطن (2). الذي ليس لصفته حد محدود (3) ولا نعت موجود. ولا وقت معدود ولا أجل ممدود. فطر الخلائق بقدرته.
ونشر الرياح برحمته. ووتد بالصخور ميدان أرضه (4). أول الدين معرفته (5) وكمال معرفته التصديق به. وكمال التصديق به توحيده.
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٤
| 14 | 2 |
وكمال توحيده الاخلاص له. وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة. فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه. ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله (1). ومن جهله فقد أشار إليه.
ومن أشار إليه فقد حده (2). ومن حده فقد عده، ومن قال فيم ____________________
العالم وليس منه بدون تنزيه وهي معرفة ناقصة وكمالها التصديق به ذاته بصفته الخاصة التي لا يشركه فيها غيره وهي وجوب الوجود: ولا يكمل هذا التصديق حتى يكون معه لازمه وهو التوحيد لأن الواجب لا يتعدد كما عرف في فن الإلهيات والكلام. ولا يكمل التوحيد إلا بتمحيض السر له دون ملامحة لشئ من شؤون الحوادث في التوجه إليه واستشراق نوره، ولا يكون هذا الاخلاص كاملا حتى يكون معه نفي الصفات الظاهرة في التعينات المشهودة في المشخصات، لأن معرفة الذات الأقدس في نحو تلك الصفات اعتبار للذات ولشئ آخر مغاير لها معها فيكون قد عرف مسمى الله مؤلفا لا متوحدا، فالصفات المنفية بالإخلاص صفات المصنوعين وإلا فللإمام كلام قد ملئ بصفاته سبحانه، بل هو في هذا الكلام يصفه أكمل الوصف الجهل يستلزم القول بالتشخيص الجسماني وهو يستلزم صحة الإشارة إليه تعالى الله عن ذلك (2) إنما تشير إلى شئ إذا كان منك في جهة فأنت تتوجه إليها بإشارتك، وما كان في جهة فهو منقطع عن غيرها فيكون محدود أي له طرف ينتهي إليه، فمن أشار إليه فقد حده، ومن حد فقد عد، أي أحصى وأحاط بذلك المحدود لأن الحد حاصر لمحدوده. وإذا قلت لشئ فيم هو فقد جعلته في ضمن شئ ثم تسأل عن تعيين ذلك الذي تضمنه، وإذا قلت على أي شئ فأنت ترى أنه مستعل على شئ بعينه وما عداه خال منه
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٥
| 15 | 2 |
فقد ضمنه. ومن قال علام فقد أخلى منه. كائن لا عن حدث (1) موجود لا عن عدم. مع كل شئ لا بمقارنة. وغير كل شئ لا بمزايلة (2). فاعل لا بمعنى الحركات والآلة. بصير إذ لا منظور إليه من خلقه (3). متوحد إذ لا سكن يستأنس به ولا يستوحش لفقده (4). أنشأ الخلق إنشاء. وابتدأه ابتداء. بلا روية أجالها (5). ولا تجربة استفادها. ولا حركة أحدثها. ولا همامة نفس اضطرب فيها (6). أحال الأشياء لأوقاتها (7). ولأم بين مختلفاتها (8). وغرز غرائزها (9) وألزمها أشباحها (10) عالما بها قبل ابتدائها محيطا بحدودها وانتهائها. عارفا بقرائنها ____________________
(1) الحدث الإبداء أي هو موجود لكن لا عن إبداء وإيجاد موجد، والفقرة الثانية لازمة لهذه لأنه إن لم يكن وجوده عن إيجاد موجد فهو غير مسبوق الوجود بالعدم (2) المزايلة المفارقة والمباينة (3) أي بصير بخلقه قبل وجودهم (4) العادة والعرف على أنه لا يقال متوحد إلا لمن كان له من يستأنس بقربه ويستوحش لبعده فانفرد عنه. والله متوحد مع التنزه عن السكن (5) الروية الفكر، وأجالها أدارها ورددها. وفي نسخة أحالها بالمهملة أي صرفها (6) همامة النفس بفتح الهاء اهتمامها بالأمر وقصدها إليه (7) حولها من العدم إلى الوجود في أوقاتها، أو هو من حال في متن فرسه أي وثب وأحاله غيره أوثبه، ومن أقر الأشياء في أحيانها صار كمن أحال غيره على فرسه (8) كما قرن النفس الروحانية بالجسد المادي (9) الغرائز جمع غريزة وهي الطبيعة. وغرز الغرائز كضوأ الأضواء أي جعلها غرائز. والمراد أودع فيها طبائعها (10) الضمير في أشباحها للغرائز. أي ألزم الغرائز أشباحها أي أشخاصها لأن كل
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٦
| 16 | 2 |
وأحنائها (1). ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء (2) وشق الارجاء وسكائك الهواء (3). فأجرى فيها ماء متلاطما تياره (4)، متراكما زخاره. حمله على متن الريح العاصفة، والزعزع القاصفة. فأمرها برده (5)، وسلطها على شده، وقرنها إلى حده. الهواء من تحتها فتيق (6)، والماء من فوقها ____________________
مطبوع على غريزة لازمته، فالشجاع لا يكون خوارا مثلا (1) جمع حنو بالكسر أي الجانب، أو ما أعوج من الشئ بدنا كان أو غيره، كناية عما خفي. أو من قولهم أحناء الأمور أي مشتبهاتها وقرائنها ما يقترن بها من الأحوال المتعلقة بها والصادرة عنها (2) ثم أنشأ الخ الترتيب والتراخي في قول الإمام لا في الصنع الإلهي كما لا يخفى.
والأجواء جمع جو وهو هذا الفضاء العالي بين السماء والأرض. واستفيد من كلامه أن الفضاء مخلوق وهو مذهب قوم كما استفيد منه أن الله خلق في الفضاء ماء حمله على متن ريح فاستقل عليها حتى صارت مكانا له ثم خلق فوق ذلك الماء ريحا أخرى سلطها عليه فموجته تمويجا شديدا حتى ارتفع فخلق منه الأجرام العليا. وإلى هذا يذهب قوم من الفلاسفة منهم تالسين الإسكندري يقولون إن الماء أي الجوهر السائل أصل كل الأجسام كثيفها من متكاثفه ولطيفها من شفائفه، والأرجاء الجوانب واحدها رجا كعصا (3) السكائك جمع سكاكة بالضم وهي الهواء الملاقي عنان السماء وبابها نحو ذؤابة وذوائب (4) التيار الموج. والمتراكم ما يكون بعضه فوق بعض. والزخار الشديد الزخر أي الامتداد والارتفاع. والريح العاصفة الشديدة الهبوب كأنها تهلك الناس بشدة هبوبها وكذلك الزعزع كأنها تزعزع كل ثابت. وتقصف أي تحطم كل قائم (5) أمرها برده أي منعه من الهبوط لأن الماء ثقيل وشأن الثقيل الهوى والسقوط وسلطها على شده أي وثاقه كأنه سبحانه أوثقه بها أو منعه من الحركة إلى السفل التي هي من لوازم طبعه.
وقرنها إلى حده أي جعلها مكانا له أي جعل حد الماء المذكور وهو سطحه الأسفل مماسا لسطح الريح التي تحمله أو أراد من الحد المنع أي جعل من لوازمها ذلك (6) الفتيق
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٧
| 17 | 2 |
دفيق. ثم أنشأ سبحانه ريحا اعتقم مهبها (1) وأدام مربها. وأعصف مجراها وأبعد منشاها. فأمرها بتصفيق الماء الزخار (2)، وإثارة موج البحار. فمخضته مخض السقاء، وعصفت به عصفها بالفضاء. ترد أوله إلى آخره، وساجيه إلى مائره (3). حتى عب عبابه، ورمى بالزبد ركامه فرفعه في هواء منفتق، وجو منفهق (4). فسوى منه سبع سماوات جعل سفلاهن موجا مكفوفا (5) وعلياهن سقفا محفوظا. وسمكا مرفوعا. بغير عمد يدعمها، ولا دسار ينظمها (6). ثم زينها بزينة الكواكب، وضياء الثواقب (7). وأجرى فيها سراجا مستطيرا (8)، وقمرا منيرا. في فلك دائر، وسقف سائر، ورقيم مائر (9) ثم فتق ____________________
المفتوق والدفيق المدفوق (1) اعتقم مهبها جعل هبوبها عقيما. والريح العقيم التي لا تلقح سحابا ولا شجرا وكذلك كانت هذه لأنها أنشئت لتحريك الماء ليس غير. والمرب ميمى من أرب بالمكان مثل ألب به أي لازمه. فأدام مربها أي ملازمتها، أو أن أدام من أدمت الدلو ملأتها. والمرب بكسر أوله المكان والمحل (2) تصفيقه تحريكه وتقليبه.
ومخضته حركته بشدة كما يمخض السقاء بما فيه من اللبن ليستخرج زبده. والسقاء جلد السخلة يجذع فيكون وعاء للبن والماء جمعه أسقية وأسقيات وأساق. وعصفت به الخ الريح إذا عصفت بالفضاء الذي لا أجسام فيه كانت شديدة لعدم المانع وهذه الريح عصفت بهذا الماء ذلك العصف الذي يكون لها لو لم يكن مانع (3) الساجي الساكن والمائر الذي يذهب ويجئ أو المتحرك مطلقا. وعب عبابه ارتفع علاه. وركامه أثبجه وهضبته وما تراكم منه بعضه على بعض (4) المنفهق المفتوح الواسع (5) المكفوف الممنوع من السيلان، ويدعمها أي يسندها ويحفظها من السقوط (6) الدسار واحد الدسر وهي المسامير أو الخيوط تشد بها ألواح السفينة من ليف ونحوه (7) الثواقب المنيرة المشرقة (8) مستطيرا منتشر الضياء وهو الشمس (9) الرقيم اسم من أسماء
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٨
| 18 | 2 |
ما بين السماوات العلا. فملأهن أطوارا من ملائكته (1) منهم سجود لا يركعون، وركوع لا ينتصبون، وصافون لا يتزايلون ومسبحون لا يسأمون. لا يغشاهم نوم العين. ولا سهو العقول.
ولا فترة الأبدان. ولا غفلة النسيان. ومنهم أمناء على وحيه، وألسنة إلى رسله، ومختلفون بقضائه وأمره. ومنهم الحفظة لعباده والسدنة لأبواب جنانه. ومنهم الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم، والمارقة من السماء العليا أعناقهم، والخارجة من الأقطار أركانهم، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم. ناكسة دونه أبصارهم (2).
____________________
الفلك، سمي به لأنه مرقوم بالكواكب. ومائر متحرك. ويفسر الرقيم باللوح. وشبه الفلك باللوح لأنه مسطح فيما يبدو للنظر (1) جعل الملائكة أربعة أقسام: الأول أرباب العبادة ومنهم الراكع والساجد والصاف والمسبح، وقوله صافون أي قائمون صفوفا لا يتزايلون أي لا يتفارقون. والقسم الثاني الأمناء على وحي الله لأنبيائه والألسنة الناطقة في أفواه رسله والمختلفون بالأقضية إلى العباد، بهم يقضي الله على من شاء بما شاء. والقسم الثالث حفظة العباد كأنهم قوى مودعة في أبدان البشر ونفوسهم يحفظ الله الموصولين بها من المهالك والمعاطب، ولولا ذلك لكان العطب ألصق بالانسان من السلامة. ومنهم سدنة الجنان جمع سادن وهو الخادم، والخادم يحفظ ما عهد إليه وأقيم على خدمته. والقسم الرابع حملة العرش كأنهم القوة العامة التي أفاضها الله في العالم الكلي فهي الماسكة له الحافظة لكل جزء منه مركزه وحدود مسيره في مداره فهي المخترقة له النافذة فيه الآخذة من أعلاه إلى أسفله ومن أسفله إلى أعلاه. وقوله المارقة من السماء: المروق الخروج. وقوله الخارجة من الأقطار أركانهم: الأركان الأعضاء والجوارح. والتمثيل في الكلام لا يخفى على أهل البصائر (2) الضمير في دونه للعرش
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٩
| 19 | 2 |
متلفعون تحته بأجنحتهم. مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزة وأستار القدرة. لا يتوهمون ربهم بالتصوير. ولا يجرون عليه صفات المصنوعين. ولا يحدونه بالأماكن. ولا يشيرون إليه بالنظائر صفة خلق آدم عليه السلام ثم جمع سبحانه من حزن الأرض وسهلها، وعذبها وسبخها (1)، تربة سنها بالماء حتى خلصت. ولاطها بالبلة حتى لزبت (2). فجبل منها صورة ذات أحناء ووصول (3) وأعضاء وفصول. أجمدها حتى استمسكت، وأصلدها حتى صلصلت (4). لوقت معدود. وأمد معلوم. ثم نفخ ____________________
كالضمير في تحته. ومتلفعون من تلفعت بالثوب إذا التحفت به (1) الحزن بفتح فسكون: الغليظ الخشن والسهل ما يخالفه. والسبخ ما ملح من الأرض. وأشار باختلاف الأجزاء التي جبل منها الإنسان إلى أنه مركب من طباع مختلفة وفيه استعداد للخير والشر والحسن والقبيح (2) سن الماء صبه والمراد صب عليها أو سنها هنا بمعنى ملسها كما قال:
ثم خاصرتها إلى القبة الخضراء * تمشي في مرمر مسنون وقوله حتى خلصت أي صارت طينة خالصة. وفي بعض النسخ حتى خضلت بتقديم الضاد المعجمة على اللام أي ابتلت ولعلها أظهر. لاطها خلطها وعجنها أو هو من لاط الحوض بالطين ملطه وطينه به. والبلة بالفتح من البلل. ولزب ككرم تداخل بعضه في بعض وصلب، ومن باب نصر بمعنى التصق وثبت واشتد (3) الأحناء جمع حنو وهو بالكسر والفتح كل ما فيه اعوجاج من البدن كعظم الحجاج واللحى والضلع أو هي الجوانب مطلقا. وجبل أي خلق (4) أصلدها جعلها صلبة ملساء متينة. وصلصلت
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٠
| 20 | 2 |
فيها من روحه فمثلت إنسانا ذا أذهان يجيلها (1). وفكر يتصرف بها، وجوارح يختدمها (2)، وأدوات يقلبها. ومعرفة يفرق بها بين الحق والباطل والأذواق والمشام والألوان والأجناس. معجونا بطينة الألوان المختلفة (3)، والأشباه المؤتلفة. والأضداد المتعادية والأخلاط المتباينة. من الحر والبرد. والبلة والجمود. واستأدى الله سبحانه الملائكة وديعته لديهم (4) وعهد وصيته إليهم. في الاذعان بالسجود له والخشوع لتكرمته. فقال سبحانه اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس اعترته الحمية وغلبت عليه الشقوة (5) ____________________
يبست حتى كانت تسمع لها صلصلة إذا هبت عليها رياح وذلك هو الصلصال. واللام في قوله لوقت متعلقة بمحذوف كأنه قال حتى يبست وجفت معدة لوقت معلوم، ويمكن أن تكون متعلقة بجبل أي جبل من الأرض هذه الصورة ولا يزال يحفظها لوقت معدود ينتهي بيوم القيامة (1) مثل كرم قام منتصبا. والأذهان قوى التعقل، ويجيلها يحركها في المعقولات (2) يختدمها يجعلها في مآربه وأوطاره كالخدم الذين تستعملهم في خدمتك وتستعملهم في شؤونك. والأدوات جمع أداة وهي الآلة. وتقليبها تحريكها في العمل بها فيما خلقت له (3) معجونا صفة إنسانا. والألوان المختلفة الضروب والفنون. وتلك الألوان هي التي ذكره من الحر والبرد والبلة والجمود (4) استأدى الملائكة وديعته طلب منهم أداءها. والوديعة هي عهده إليهم بقوله إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين.
ويروى الخنوع بالنون بدل الخشوع هو بمعنى الخضوع. وقوله فقال اسجدوا الخ عطف على استأدى (5) الشقوة بكسر الشين وفتحها ما حتم عليه من الشقاء. والشقاء ضد السعادة وهو النصب الدائم والألم الملازم. وتعززه بخلقة النار استكباره مقدار نفسه
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢١
| 21 | 2 |
وتعزز بخلقة النار واستهون خلق الصلصال. فأعطاه الله النظرة استحقاقا للسخطة واستتماما للبلية. وإنجازا للعدة. فقال إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم. ثم أسكن سبحانه آدم دارا أرغد فيها عيشته، وآمن فيها محلته، وحذره إبليس وعداوته. فاغتره عدوه نفاسة عليه بدار المقام ومرافقة الأبرار (1). فباع اليقين بشكه والعزيمة بوهنه. واستبدل بالجذل وجلا (2). وبالاغترار ندما. ثم بسط الله سبحانه له في توبته. ولقاه كلمة رحمته، ووعده المرد إلى جنته.
____________________
بسبب أنه خلق من جوهر لطيف ومادة أعلى من مادة الصلصال. والصلصال الطين الحر خلط بالرمل أو الطين ما لم يجعل خزفا. والمراد من الصلصال هذا مادة الأرض التي خلق آدم عليه السلام منها. وجوهر ما خلق منه الجن - وهم من الجواهر اللطيفة - أعلى من جوهر ما خلق منه الإنسان وهو مجبول من عناصر الأرض. والنظرة بفتح فكسر الانتظار به حيا ما دام الإنسان عامرا للأرض متمتعا بالوجود فيكون من الشيطان في هذا الأمد ما يستحق به سخط الله وما تتم به بلية الشقاء عليه ويكون الله جل شأنه قد أنجز وعده في قوله إنك من المنظرين الخ (1) اغتر آدم عدوه الشيطان أي انتهز منه غرة فأغواه وكان الحامل للشيطان على غواية آدم حسده له على الخلود في دار المقام ومرافقته الأبرار من الملائكة الأطهار (2) أدخل الشيطان عليه الشك في أن ما تناول منه سائغ التناول بعد أن كان في نهى الله له عن تناول ما يوجب له اليقين بحظره عليه وكانت العزيمة في الوقوف عندما أمر الله فاستبد بها الوهن الذي أفضى إلى المخالفة. والجذل بالتحريك الفرح وقد كان في راحة الأمن بالإخبات إلى الله وامتثال الأمر فلما سقط في المخالفة تبدل ذلك بالوجل والخوف من حلول العقوبة وقد ذهبت عنه الغرة وانتبه إلى عاقبة ما اقترف فاستشعر الندم بعد الاغترار
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٢
| 22 | 2 |
وأهبطه إلى دار البلية (1)، وتناسل الذرية (2). واصطفى سبحانه من ولده أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم (3)، وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم لما بدل أكثر خلقه عهد الله إليهم (4) فجهلوا حقه، واتخذوا الأنداد معه (5).
واجتالتهم الشياطين عن معرفته (6)، واقتطعتهم عن عبادته. فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه (7) ليستأدوهم ميثاق فطرته (8). ويذكروهم منسي نعمته. ويحتجوا عليهم بالتبليغ. ويثيروا لهم دفائن العقول (9) ____________________
(1) أهبطه من مقام كان الإلهام الإلهي لانسياق قواه إلى مقتضى الفطرة السليمة الأولى إلى مقر قد خلط له وفيه الخير والشر واختط له فيه الطريقان ووكل إلى نظره العقلي وابتلي بالتمييز بين النجدين واختيار أي الطريقين، وهو العناد الذي تكدر به صفو هذه الحياة على الآدميين (2) تناسل الذرية من خصائص تلك المنزلة الثانية التي أنزل الله فيها آدم وهو مما ابتلي به الإنسان امتحانا لقوته على التربية واقتداره على سياسة من يعولهم والقيام بحقوقهم وإلزامهم بتأدية ما يحق عليهم (3) أخذ عليهم الميثاق أن يبلغوا ما أوحى إليهم ويكون ما بعده بمنزلة التأكيد له أو أخذ عليهم أن لا يشرعوا للناس إلا ما يوحى إليهم (4) عهد الله إلى الناس هو ما سيأتي يعبر عنه بميثاق الفطرة (5) الأنداد الأمثال وأراد المعبودين من دونه سبحانه وتعالى (6) اجتالتهم بالجيم صرفتهم عن قصدهم الذي وجهوا إليه بالهداية المغروزة في فطرهم. وأصله من الدوران كأن الذي يصرفك عن قصدك يصرفك تارة هكذا وأخرى هكذا (7) واتر إليهم أنبياءه أرسلهم وبين كل نبي ومن بعده فترة لا بمعنى أرسلهم تباعا بعضهم يعقب بعضا (8) كأن الله تعالى بما أودع في الإنسان من الغرائز والقوى وبما أقام له من الشواهد وأدلة الهدى قد أخذ عليه ميثاقا بأن يصرف ما أوتي من ذلك فيما خلق له وقد كان يعمل على ذلك الميثاق ولا ينقضه لولا ما اعترضه من وساوس الشهوات فبعث إليه النبيين ليطلبوا من الناس أداء ذلك الميثاق أي ليطالبوهم بما تقتضيه فطرتهم وما ينبغي أن تسوقهم إليه غرائزهم (9) دفائن العقول أنوار العرفان التي
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٣
| 23 | 2 |
ويروهم الآيات المقدرة من سقف فوقهم مرفوع، ومهاد تحتهم موضوع. ومعايش تحييهم وآجال تفنيهم. وأوصاب تهرمهم (1).
وأحداث تتابع عليهم. ولم يخل سبحانه خلقه من نبي مرسل، أو كتاب منزل. أو حجة لازمة، أو محجة قائمة (2). رسل لا تقصر بهم قلة عددهم. ولا كثرة المكذبين لهم. من سابق سمي له من بعده، أو غابر عرفه من قبله (3). على ذلك نسلت القرون (4). ومضت الدهور. وسلفت الآباء. وخلفت الأبناء. إلى أن بعث الله سبحانه محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله لإنجاز عدته (5)، وتمام نبوته.
مأخوذا على النبيين ميثاقه، مشهورة سماته (6)، كريما ميلاده. وأهل ____________________
تكشف للانسان أسرار الكائنات وترتفع به إلى الإيقان بصانع الموجودات وقد يحجب هذه الأنوار غيوم من الأوهام وحجب من الخيال فيأتي النبيون لإثارة تلك المعارف الكامنة وإبراز تلك الأسرار الباطنة (1) السقف المرفوع السماء. والمهاد الموضوع الأرض. والأوصاب المتاعب (2) المحجة الطريق القويمة الواضحة (3) من سابق بيان للرسل، وكثير من الأنبياء السابقين سميت لهم الأنبياء الذين يأتون بعدهم فبشروا بهم كما ترى ذلك في التوراة. والغابر الذي يأتي بعد أن يشير به السابق جاء معروفا بتعرف من قبله (4) نسلت بالبناء للمجهول ولدت. وبالبناء للفاعل مضت متتابعة (5) الضمير في عدته لله تعالى لأن الله وعد بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم على لسان أنبيائه السابقين. وكذلك الضمير في نبوته لأن الله تعالى أنبأ به وأنه سيبعث وحيا لأنبيائه. فهذا الخبر الغيبي قبل حصوله يسمى نبوة. ولما كان الله هو المخبر به أضيفت النبوة إليه (6) سماته علاماته التي ذكرت في كتب الأنبياء السابقين
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٤
| 24 | 2 |
الأرض يومئذ ملل متفرقة. وأهواء منتشرة. وطوائف متشتتة.
بين مشبه لله بخلقه أو ملحد في اسمه أو مشير إلى غيره (1). فهداهم به من الضلالة. وأنقذهم بمكانه من الجهالة. ثم اختار سبحانه لمحمد صلى الله عليه وآله لقاءه. ورضي له ما عنده وأكرمه عن دار الدنيا ورغب به عن مقارنة البلوى. فقبضه إليه كريما صلى الله عليه وآله:
وخلف فيكم ما خلفت الأنبياء في أممها إذ لم يتركوهم هملا. بغير طريق واضح. ولا علم قائم (2): كتاب ربكم فيكم مبينا حلاله وحرامه (3) وفرائضه وفضائله وناسخه ومنسوخه. ورخصه وعزائمه.
وخاصه وعامه. وعبره وأمثاله. ومرسله ومحدوده. ومحكمه ____________________
الذين بشروا به (1) الملحد في اسم الله الذي يميل به عن حقيقة مسماه فيعتقد في الله صفات يجب تنزيهه عنها. والمشير إلى غيره الذي يشرك معه في التصرف إلها آخر فيعبده ويستعينه (2) أي أن الأنبياء لم يهملوا أممهم مما يرشدهم بعد موت أنبيائهم وقد كان من محمد صلى الله عليه وسلم مثل ما كان منهم فإنه خلف في أمته كتاب الله تعالى حاويا لجميع ما يحتاجون إليه في دينهم (3) حلاله كالأكل من الطيبات، وحرامه كأكل أموال الناس بالباطل، وفرائضه كالزكاة أخت الصلاة، وفضائله كنوافل الصدقات التي يعظم الأجر فيها ولا حرج في التقصير عنها، وناسخه ما جاء قاضيا يمحو ما كان عليه الضالون من العقائد أو إزالة السابق من الأحكام كقوله تعالى قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه الآية. ومنسوخه ما كان حكاية عن تلك الأحكام كقوله وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر الآية. ورخصه كقوله فمن اضطر في مخمصة. وعزائمه كقوله ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه. وخاصه كقوله يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك الآية، وعامه كقوله يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن. والعبر كالآيات التي تخبر
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٥
| 25 | 2 |
ومتشابهه مفسرا مجمله ومبينا غوامضه. بين مأخوذ ميثاق في علمه وموسع على العباد في جهله. وبين مثبت في الكتاب فرضه، ومعلوم في السنة نسخه، وواجب في السنة أخذه، ومرخص في الكتاب تركه. وبين واجب بوقته. وزائل في مستقبله. ومباين بين محارمه (1) من كبير أوعد عليه نيرانه. أو صغير أرصد له غفرانه. وبين مقبول في أدناه موسع في أقصاه (2).
____________________
عما أصاب الأمم الماضية من النكال ونزل بهم من العذاب لما حادوا عن الحق وركبوا طرق الظلم والعدوان. والأمثال كقوله ضرب الله مثلا عبدا مملوكا الآية. وقوله كمثل الذي استوقد نارا وأشباه ذلك كثير. والمرسل المطلق. والمحدود المقيد. والمحكم كآيات الأحكام والأخبار الصريحة في معانيها. والمتشابه كقوله يد الله فوق أيديهم. والموسع على العباد في جهله كالحروف المفتتحة بها السور نحو ألم والر. والمثبت في الكتاب فرضه مع بيان السنة لنسخه كالصلاة فإنها فرضت على الذين من قبلنا غير أن السنة بينت لنا الهيئة التي اختصنا الله بها وكلفنا أن نؤدي الصلاة بها، فالفرض في الكتاب.
وتبيين نسخه لما كان قبله في السنة، والمرخص في الكتاب تركه ما لم يكن منصوصا على عينه. بل ذكر في الكتاب ما يشتمله وغيره كقوله فاقرأوا ما تيسر منه وقد عينته السنة بسورة مخصوصة في كل ركعة فوجب الأخذ بما عينته السنة ولو بقينا عند مجمل الكتاب كان لنا أن نقرأ في الصلاة غير الفاتحة جوازا لا مؤاخذة معه. والواجب بوقته الزائل في مستقبله كصوم رمضان يجب في جزء من السنة ولا يجب في غيره. (1) ومباين بين محارمه بالرفع لا بالجر خبر لمبتدأ محذوف أي والكتاب قد خولف بين المحارم التي حظرها فمنها كبير أوعد عليه نيرانه كالزنا وقتل النفس، ومنها صغير أرصد له غفرانه كالنظرة بشهوة ونحوها (2) رجوع إلى تقسيم الكتاب. والقبول في أدناه الموسع في أقصاه كما في كفارة اليمين يقبل فيها إطعام عشرة مساكين. وموسع
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٦
| 26 | 2 |
(منها ذكر في الحج) وفرض عليكم حج بيته الحرام الذي جعله قبلة للأنام يردونه ورود الأنعام ويألهون إليه ولوه الحمام (1) جعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته وإذعانهم لعزته. واختار من خلقه سماعا أجابوا إليه دعوته. وصدقوا كلمته. ووقفوا مواقف أنبيائه. وتشبهوا بملائكته. المطيفين بعرشه يحرزون الأرباح في متجر عبادته. ويتبادرون عند موعد مغفرته. جعله سبحانه وتعالى للاسلام علما والعائذين حرما. فرض حجه وأوجب حقه وكتب عليكم وفادته (2) فقال سبحانه ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين.
2 - ومن خطبة له بعد انصرافه من صفين (3) أحمده استتماما لنعمته. واستسلاما لعزته. واستعصاما من معصيته. وأستعينه فاقة إلى كفايته إنه لا يضل من هداه. ولا يئل من عاداه (4) ولا يفترق من كفاه. فإنه أرجح ما وزن (5) وأفضل ما ____________________
في كسوتهم وعتق الرقبة (1) يألهون إليه أي يفزعون إليه أو يلوذون به ويعكفون عليه (2) الوفادة الزيارة.
(3) صفين كسجين محلة عدها الجغرافيون من بلاد الجزيرة (ما بين الفرات والدجلة) والمؤرخون من العرب عدوها من أرض سوريا وهي اليوم في ولاية حلب الشهباء وهذه الولاية كانت من أعمال سوريا (4) وأل يئل خلص (5) الضمير في فإنه
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٧
| 27 | 2 |
خزن. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. شهادة ممتحنا إخلاصها. معتقدا مصاصها (1) نتمسك بها أبدا ما أبقانا. وندخرها لأهاويل ما يلقانا (2) فإنها عزيمة الإيمان. وفاتحة الإحسان ومرضاة الرحمن. ومدحرة الشيطان (3) وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أرسله بالدين المشهور. والعلم المأثور (4) والكتاب المسطور. والنور الساطع. والضياء اللامع. والأمر الصادع. إزاحة للشبهات.
واحتجاجا بالبينات. وتحذيرا بالآيات. وتخويفا بالمثلات (5) والناس في فتن انجذم فيها حبل الدين (6) وتزعزعت سواري اليقين (7) واختلف النجر (8) وتشتت الأمر. وضاق المخرج وعمي المصدر (9) فالهدى خامل والعمى شامل. عصي الرحمن. ونصر الشيطان. وخذل الإيمان ____________________
للحمد المفهوم من أحمده (1) مصاص كل شئ خالصه (2) الأهاويل جمع أهوال جمع هول فهي جمع الجمع (3) مدحرة الشيطان أي تبعده وتطرده (4) العلم بالتحريك ما يهتدى به وهو هنا الشريعة الحقة. والمأثور المنقول عنه (5) المثلات بفتح فضم العقوبات جمع مثلة بضم الثاء وسكونها بعد الميم وجمعها مثولات ومثلات وقد تسكن ثاء الجمع تخفيفا (6) انجذم انقطع (7) السواري جمع سارية العمود والدعامة (8) النجر بفتح النون وسكون الجيم الأصل أي اختلفت الأصول فكل يرجع إلى أصل يظنه مرجع حق وما هو من الحق في شئ (9) مصادرهم في أوهامهم وأهوائهم مجهولة غير معلومة خفية غير ظاهرة فلا عن بينة يعتقدون ولا إلى غاية صالحة ينزعون
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٨
| 28 | 2 |
فانهارت دعائمه (1)، وتنكرت معالمه (2)، ودرست سبله (3)، وعفت شركه. أطاعوا الشيطان فسلكوا مسالكه. ووردوا مناهله (4) بهم سارت أعلامه. وقام لواؤه في فتن داستهم بأخفافها. ووطئتهم بأظلافها (5) وقامت على سنابكها. فهم فيها تائهون حائرون جاهلون مفتونون في خير دار وشر جيران (6). نومهم سهود وكحلهم دموع. بأرض عالمها ملجم وجاهلها مكرم (ومنها يعني آل النبي عليه الصلاة والسلام) موضع سره ولجأ أمره (7) وعيبة علمه (8) وموئل حكمه وكهوف ____________________
(1) انهارت هوت وسقطت. والدعائم جمع دعامة وهي ما يستند إليه الشئ ويقوم عليه. ودعامة السقف مثلا ما يرتفع عليه من الأعمدة (2) التنكر التغير من حال تسر إلى حال تكره أي تبدلت علاماته وآثاره بما أعقب السوء وجلب المكروه (3) درست كاندرست أي انطمست، والشرك قال بعضهم جمع شراك ككتاب وهي الطريق والذي يفهم من القاموس أنها بفتحات جواد الطريق أو ما لا يخفى عليك ولا يستجمع لك من الطرق، اسم جمع لا مفرد له من لفظه. وعفت بمعنى درست (4) المناهل جمع منهل وهو مورد الشاربة من النهر (5) الأظلاف جمع ظلف بالكسر للبقر والشاء وشبههما كالخف للبعير والقدم للانسان. السنابك جمع سنبك كقنفذ طرف الحافر (6) خير دار هي مكة المكرمة. وشر الجيران عبدة الأوثان من قريش. وقوله نومهم سهود الخ كما تقول فلان جوده بخل وأمنه مخافة فهم في أحداث أبدلتهم النوم بالسهر والكحل بالدمع. والعالم ملجم لأنه لو قال حقا والجمهور على الباطل لانتاشوه ونهشوه والجاهل مكرم لأنه على شاكلة العامة مشايع لهم في أهوائهم فنزلته عندهم منزلة أوهامهم وعاداتهم وهي في المقام الأعلى من نفوسهم. وهذه الأوصاف كلها لتصوير حال الناس في الجاهلية قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم (7) اللجأ محركة الملاذ وما تلتجئ إليه كالوزر محركة ما تعتصم به (8) العيبة بالفتح الوعاء. والموئل المرجع أي أن حكمه وشرعه يرجع
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٩
| 29 | 2 |
كتبه. وجبال دينه. بهم أقام انحناء ظهره وأذهب ارتعاد فرائصه (1).
(ومنها يعني قوما آخرين) زرعوا الفجور: وسقوه الغرور. وحصدوا الثبور (2) لا يقاس بآل محمد صلى الله عليه وآله من هذه الأمة أحد ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا. هم أساس الدين. وعماد اليقين. إليهم يفئ الغالي. وبهم يلحق التالي (3) ولهم خصائص حق الولاية. وفيهم الوصية والوراثة. الآن إذ رجع الحق إلى أهله (4) ونقل إلى منتقله 3 - ومن خطبة له وهي المعروفة بالشقشقية (5) أما والله لقد تقمصها فلان (6) وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب ____________________
إليهم وهم حفاظ كتبه يحوونها كما تحوى الكهوف والغيران ما يكون فيها. والكتب القرآن، وجمعه لأنه فيما حواه كجملة ما تقدمه من الكتب ويزيد عليها ما خص الله به هذه الأمة (1) كنى بانحناء الظهر عن الضعف وبإقامته عن القوة وبهم آمنه من الخوف الذي ترتعد منه الفرائص (2) جعل ما فعلوا من القبائح كزرع زرعوه وما سكنت إليه نفوسهم من الامهال واغترارهم بذلك بمنزلة السقي فإن الغرور يبعث على مداومة القبيح والزيادة فيه ثم كانت عاقبة أمرهم هذا الثبور وهو الهلاك (3) يريد أن سيرتهم صراط الدين المستقيم فمن غلا في دينه وتجاوز بالإفراط حدود الجادة فإنما نجاته بالرجوع إلى سيرة آل النبي وتفيؤ ظلال أعلامهم. وقوله وبهم يلحق التالي يقصد به أن المقصر في عمله المتباطئ في سيره الذي أصبح وقد سبقه السابقون إنما يتسنى له الخلاص بالنهوض ليلحق بآل النبي ويحذو حذوهم (4) الآن ظرف متعلق برجع وإذ زائدة للتوكيد، سوغ ذلك ابن هشام في نقله عن أبي عبيدة أو أن إذ للتحقيق بمعنى قد كما نقله بعض النحاة (5) لقوله فيها إنها شقشقة هدرت ثم قرت كما يأتي (6) الضمير
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٣٠
| 30 | 2 |
من الرحى. ينحدر عني السيل (1) ولا يرقى إلي الطير. فسدلت دونها ثوبا (2) وطويت عنها كشحا. وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء (3) أو أصبر على طخية عمياء (4) يهرم فيها الكبير. ويشيب فيها الصغير.
ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه (5) فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى (6) فصبرت وفي العين قذى. وفي الحلق شجا (7) أرى تراثي نهبا ____________________
يرجع إلى الخلافة. وفلان كناية عن الخليفة الأول أبي بكر رضي الله عنه (1) تمثيل لسمو قدره كرم الله وجهه وقربه من مهبط الوحي وأن ما يصل إلى غيره من فيض الفضل فإنما يتدفق من حوضه ثم ينحدر عن مقامه العالي فيصيب منه من شاء الله وعلى ذلك قوله ولا يرقى الخ غير أن الثانية أبلغ من الأولى في الدلالة على الرفعة (2) فسدلت الخ كناية عن غض نظره عنها. وسدل الثوب أرخاه.
وطوى عنها كشحا مال عنها. وهو مثل لأن من جاع فقد طوى كشحه ومن شبع فقد ملأه فهو قد جاع عن الخلافة أي ما لم يلتقمها (3) وطفقت الخ بيان لعلة الاغضاء.
والجذاء بالجيم والذال المعجمة والدال المهملة، وبالحاء المهملة مع الذال المعجمة بمعنى المقطوعة ويقولون رحم جذاء أي لم توصل وسن جذاء أي متهتمة، والمراد هنا ليس ما يؤيدها كأنه قال تفكرت في الأمر فوجدت الصبر أولى فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا (4) طخية بطاء فخاء بعدها ياء ويثلث أولها أي ظلمة. ونسبة العمى إليها مجاز عقلي. وإنما يعمى القائمون فيها إذ لا يهتدون إلى الحق وهو تأكيد لظلام الحال واسودادها (5) يكدح يسعى سعى المجهود (6) أحجى ألزم من حجي به كرضي أولع به ولزمه ومنه هو حجى بكذا أي جدير وما أحجاه، وأحج به أي أخلق به.
وأصله من الحجا بمعنى العقل فهو أحجى أي أقرب إلى العقل. وهاتا بمعنى هذه أي رأى الصبر على هذه الحالة التي وصفها أولى بالعقل من الصولة بلا نصير (7) الشجا ما اعترض في الحق من عظم ونحوه. والتراث الميراث
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٣١
| 31 | 2 |
حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده (1) (ثم تمثل بقول الأعشى) شتان ما يومي على كورها * ويوم حيان أخي جابر (2) فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته (3) إذ عقدها لآخر بعد وفاته ____________________
(1) أدلى بها ألقى بها إليه.
(2) الكور بالضم الرحل أو هو مع أداته. والضمير راجع إلى الناقة المذكورة في الأبيات قبل في قوله.
- وقد أسلى الهم إذ يعتري * بجسرة دوسرة عاقر والجسر العظيم من الإبل. والدوسرة الناقة الضخمة. وحيان كان سيدا في بني حنيفة مطاعا فيهم وكان ذا حظوة عند ملوك فارس وله نعمة واسعة ورفاهية وافرة وكان الأعشى ينادمه. والأعشى هذا هو الأعشى الكبير أعشى قيس وهو أبو بصير ميمون ابن قيس بن جندل. وأول القصيدة:
علقم ما أنت إلى عامر * الناقض الأوتار والواتر وجابر أخو حيان أصغر منه، ومعنى البيت أن فرقا بعيدا بين يومه في سفره وهو على كور ناقته وبين يوم حيان في رفاهيته فإن الأول كثير العناء شديد الشقاء والثاني وافر النعيم وافي الراحة ويتلو هذا البيت أبيات منها:
في مجدل شيد بنيانه * يزل عنه ظفر الطائر ما يجعل الجد الظنون الذي * جنب صوب اللجب الماطر مثل الفراتي إذا ما طما * يقذف بالبوصى والماهر (المجدل كمنبر القصر. والجد بضم أوله البئر القليلة الماء. والظنون البئر لا يدرى أفيها ماء أم لا. واللجب المراد منه السحاب لاضطرابه وتحركه. والفراتي الفرات. وزيادة الياء للمبالغة. والبوصي ضرب من السفن معرب بوزى والماهر السابح المجيد) ووجه تمثل الإمام بالبيت ظاهر بأدنى تأمل (3) رووا أن أبا بكر قال بعد البيعة أقيلوني فلست بخيركم. وأنكر الجمهور هذه الرواية عنه والمعروف عنه وليتكم ولست بخيركم.
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٣٢
| 32 | 2 |
لشد ما تشطرا ضرعيها (1) فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها (2) ويخشن مسها. ويكثر العثار فيها. والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة (3) إن أشنق لها خرم. وإن أسلس لها تقحم فمني الناس لعمر الله بخبط وشماس (4) وتلون واعتراض. فصبرت على طول المدة وشدة المحنة. حتى إذا مضى لسبيله. جعلها في جماعة زعم أني ____________________
(1) لشد ما تشطرا ضرعيها جملة شبه قسمية اعترضت بين المتعاطفين، فالفاء في فصيرها عطف على عقدها. وتشطرا مسند إلى ضمير التثنية وضرعيها تثنية ضرع وهو للحيوانات مثل الثدي للمرأة. قالوا إن للناقة في ضرعها شطرين كل خلفين شطر ويقال شطر بناقته تشطيرا صر خلفين وترك خلفين. والشطر أيضا أن تحلب شطرا وتترك شطرا، فتشطرا أي أخذ كل منهما شطرا، سمي شطرى الضرع ضرعين مجازا وهو هنا من أبلغ أنواعه حين أن من ولى الخلافة لا ينال الأمر إلا تاما ولا يجوز أن يترك منه لغيره سهما، فأطلق على تناول الأمر واحدا بعد واحد اسم التشطر والاقتسام كأن أحدهما ترك منه شيئا للآخر، وأطلق على كل شطر اسم الضرع نظرا لحقيقة ما نال كل (2) الكلام بالضم الأرض الغليظة. وفي نسخه كلمها وإنما هو بمعنى الجرح، وكأنه يقول خشونتها تجرح جرحا غليظا (3) الصعبة من الإبل ما ليست بذلول. وأشنق البعير وشنقه كفه بزمامه حتى ألصق ذفراه (العظم الناتئ خلف الأذن) بقادمة الرحل أو رفع رأسه وهو راكبه واللام هنا زائدة للتحلية ولتشاكل أسلس.
وأسلس أرخى. وتقحم رمى بنفسه في القحمة أي الهلكة. وسيأتي معنى هذه العبارة في الكتاب. وراكب الصعبة إما أن يشنقها فيخرم أنفها وإما أن يسلس لها فترمى به في مهواة تكون فيها هلكته (4) مني الناس ابتلوا وأصيبوا. والشماس بالكسر إباء ظهر الفرس عن الركوب والنفار. والخبط السير على غير جادة. والتلون التبدل والاعتراض السير على غير خط مستقيم، كأنه يسير عرضا في حال سيره طولا. يقال بعير
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٣٣
| 33 | 2 |
أحدهم فيا لله وللشورى (1) متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى ____________________
عرضي يعترض في سيره لأنه لم يتم رياضته، وفي فلان عرضية أي عجرفة وصعوبة (1) إجمال القصة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما دنا أجله وقرب مسيره إلى ربه استشار فيمن يوليه الخلافة من بعده فأشير عليه بابنه عبد الله فقال لا يليها (أي الخلافة) اثنان من ولد الخطاب حسب عمر ما حمل، ثم رأي أن يكل الأمر إلى ستة قال إن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو راض عنهم، وإليهم بعد التشاور أن يعينوا واحدا منهم يقوم بأمر المسلمين، والستة رجال الشورى هم علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم، وكان سعد من بني عم عبد الرحمن كلاهما من بني زهرة وكان في نفسه شئ من علي كرم الله وجهه من قبل أخواله لأن أمه جنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس ولعلي في قتل صناديدهم ما هو معروف مشهور. وعبد الرحمن كان صهرا لعثمان لأن زوجته أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط كانت أختا لعثمان من أمه، وكان طلحة ميالا لعثمان لصلات بينهما على ما ذكره بعض رواة الأثر وقد يكفي في ميله إلى عثمان انحرافه عن علي لأنه تيمي وقد كان بين بني هاشم وبنى تيم مواجد لمكان الخلافة في أبي بكر، وبعد موت عمر بن الخطاب رضي الله عنه اجتمعوا وتشاوروا فاختلفوا وانضم طلحة في الرأي إلى عثمان والزبير إلى علي وسعد إلى عبد الرحمن وكان عمر قد أوصى بأن لا تطول مدة الشورى فوق ثلاثة أيام وأن لا يأتي الرابع إلا ولهم أمير، وقال إذا كان خلاف فكونوا مع الفريق الذي فيه عبد الرحمن فأقبل عبد الرحمن على علي وقال عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده فقال علي أرجو أن أفعل وأعمل على مبلغ علمي وطاقتي، ثم دعا عثمان وقال له مثل ذلك فأجابه بنعم، فرفع عبد الرحمن رأسه إلى سقف المسجد حيث كانت المشورة وقال اللهم اسمع واشهد اللهم إني جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان وصفق بيده في يد عثمان وقال السلام عليك يا أمير المؤمنين وبايعه. قالوا وخرج الإمام علي واجدا، فقال المقداد بن الأسود لعبد الرحمن والله لقد تركت عليا وإنه من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون، فقال يا مقداد لقد
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٣٤
| 34 | 2 |
صرت أقرن إلى هذه النظائر (1) لكني أسففت إذ أسفوا (2) وطرت إذ طاروا. فصغى رجل منهم لضغنه (3) ومال الآخر لصهره (4) مع هن وهن (5) إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه (6) بين نثيله ومعتلفه.
وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع (7) إلى أن انتكث فتله. وأجهز عليه عمله (8) وكبت به بطنته (9) فما راعني ____________________
تقصيت الجهد للمسلمين. فقال المقداد والله إني لأعجب من قريش أنهم تركوا رجلا ما أقول ولا أعلم أن رجلا أقضى بالحق ولا أعلم به منه، فقال عبد الرحمن يا مقداد إني أخشى عليك الفتنة فاتق الله. ثم لما حدث في عهد عثمان ما حدث من قيام الأحداث من أقاربه على ولاية الأمصار ووجد عليه كبار الصحابة روي أنه قيل لعبد الرحمن هذا عمل يديك، فقال ما كنت أظن هذا به ولكن لله علي أن لا أكلمه أبدا، ثم مات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان، حتى قيل إن عثمان دخل عليه في مرضه يعوده فتحول إلى الحائط لا يكلمه. والله أعلم والحكم لله يفعل ما يشاء. (1) المشابه بعضهم بعضا دونه (2) أسف الطائر دنا من الأرض يريد أنه لم يخالفهم في شئ (3) صغى صغى وصغا صغوا مال، والضغن الضغينة يشير إلى سعد (4) يشير إلى عبد الرحمن (5) يشير إلى أغراض أخر يكره ذكرها (6) يشير إلى عثمان وكان ثالثا بعد انضمام كل من طلحة والزبير وسعد إلى صاحبه كما تراه في خبر القضية. ونافجا حضنيه رافعا لهما، والحضن ما بين الإبط والكشح. يقال للمتكبر جاء نافجا حضنيه. ويقال مثله لمن امتلأ بطنه طعاما، والنثيل الروث، والمعتلف من مادة علف موضع العلف وهو معروف أي لا هم له إلا ما ذكر (7) الخضم على ما في القاموس الأكل أو بأقسى الأضراس أول ملء الفم بالمأكول أو خاص بالشئ الرطب. والقضم الأكل بأطراف الأسنان أخف من الخضم، والنبتة بكسر النون كالنبات في معناه (8) انتكث فتله انتقض. وأجهز عليه عمله تمم قتله. تقول أجهزت على الجريح وذففت عليه (9) البطنة بالكسر البطر والأشر
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٣٥
| 35 | 2 |
إلا والناس كعرف الضبع إلي (1) ينثالون علي من كل جانب. حتى لقد وطئ الحسنان. وشق عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم (2) فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون (3) كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول. (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) بلى والله لقد سمعوها ووعوها. ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم (4) وراقهم زبرجها. أما والذي فلق الحبة. وبرأ النسمة (5) لولا حضور الحاضر (6) وقيام الحجة بوجود الناصر. وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم (7) ____________________
والكظة (أي التخمة) والاسراف في الشبع. وكبت به من كبا الجواد إذا سقط لوجهه (1) عرف الضبع ما كثر على عنقها من الشعر وهو ثخين يضرب به المثل في الكثرة والازدحام، وينثالون يتتابعون مزدحمين. والحسنان ولداه الحسن والحسين، وشق عطفاه خدش جانباه من الاصطكاك. وفي رواية شق عطافي والعطاف الرداء وكان هذا الازدحام لأجل البيعة على الخلافة (2) ربيضة الغنم الطائفة الرابضة من الغنم يصف ازدحامهم حوله وجثومهم بين يديه (3) الناكثة أصحاب الجمل، والمارقة أصحاب النهروان والقاسطون أي الجائرون أصحاب صفين (4) حليت الدنيا من حليت المرأة إذا تزينت بحليها، والزبرج الزينة من وشى أو جوهر (5) النسمة محركة الروح، وبرأها خلقها (6) من حضر لبيعته ولزوم البيعة لذمة الإمام بحضوره (7) والناصر الجيش الذي يستعين به على إلزام الخارجين بالدخول في البيعة الصحيحة. والكظة ما يعتري الآكل من امتلاء البطن بالطعام والمراد استئثار الظالم بالحقوق، والسغب شدة الجوع
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٣٦
| 36 | 2 |
لألقيت حبلها على غاربها (1) ولسقيت آخرها بكأس أولها. ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز (2) (قالوا) وقام إليه رجل من أهل السواد عند (3) بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته فناوله كتابا فأقبل ينظر فيه. قال له ابن عباس رضي الله عنهما. يا أمير المؤمنين لو أطردت خطبتك من حيث أفضيت. فقال هيهات يا ابن عباس تلك شقشقة (4) هدرت ثم قرت. قال ابن عباس فوالله ما أسفت على كلام قط كأسفي على هذا الكلام أن لا يكون أمير المؤمنين عليه السلام بلغ منه حيث أراد (قوله كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم وإن أسلس لها تقحم) يريد أنه إذا شدد عليها في جذب الزمام وهي تنازعه رأسها خرم أنفها وإن أرخى لها شيئا مع صعوبتها تقحمت به فلم يملكها. يقال أشنق الناقة إذا جذب رأسها ____________________
والمراد منه هضم حقوقه (1) الغارب الكاهل والكلام تمثيل للترك وإرسال الأمر (2) عفطة العنز ما تنثره من أنفها كالعفطة، عفطت تعفط من باب ضرب، غير أن أكثر ما يستعمل ذلك في النعجة، والأشهر في العنز النفطة بالنون، يقال ما له عافط ولا نافط أي نعجة ولا عنز، كما يقال ما له ثاغية ولا راغية، والعفطة الحبقة أيضا لكن الأليق بكلام أمير المؤمنين هو ما تقدم (3) السواد العراق وسمي سوادا لخضرته بالزرع والأشجار. والعرب تسمي الأخضر أسود قال الله تعالى " مدهامتان " يريد الخضرة كما هو ظاهر (4) الشقشقة بكسر فسكون فكسر شئ كالرئة يخرجه البعير من فيه إذا هاج، وصوت البعير بها عند إخراجها هدير، ونسبة الهدير إليها نسبة إلى الآلة، قال
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٣٧
| 37 | 2 |
بالزمام فرفعه وشنقها أيضا، ذكر ذلك ابن السكيت في إصلاح المنطق. وإنما قال أشنق لها ولم يقل أشنقها لأنه جعله في مقابلة قوله أسلس لها فكأنه عليه السلام قال إن رفع لها رأسها بمعنى أمسكه عليها.
4 - ومن خطبة له عليه السلام بنا اهتديتم في الظلماء. وتسنمتم العلياء (1) وبنا انفجرتم عن السرار. وقر سمع لم يفقه الواعية (2) وكيف يراعي النبأة من أصمته الصيحة (3). ربط جنان لم يفارقه الخفقان (4) ما زلت أنتظر بكم عواقب ____________________
في القاموس: والخطبة الشقشقة العلوية وهي هذه (1) تسنمتم العليا ركبتم سنامها وارتقيتم إلى أعلاها، والسرار كسحاب وكتاب آخر ليلة من الشهر يختفي فيها القمر. وانفجرتم دخلتم في الفجر. والمراد كنتم في ظلام حالك وهو ظلام الشرك والضلال فصرتم إلى ضياء ساطع بهدايتنا وإرشادنا والضمير لمحمد صلى الله عليه وآله والإمام ابن عمه ونصيره في دعوته. ويروى أفجرتم بدل انفجرتم وهو أفصح وأوضح لأن الفعل لا يأتي لغير المطاوعة إلا نادرا. أما أفعل فيأتي لصيرورة الشئ إلى حال لم يكن عليها كقولهم أجرب الرجل إذا صارت إبله جربى وأمثاله كثير (2) الواعية الصاخة، والصارخة والصراخ نفسه. والمراد هنا العبر والمواعظ الشديدة الأثر. ووقرت أذنه فهي موقورة ووقرت كسمعت صمت. دعاء بالصمم على من لم يفهم الزواجر والعبر (3) الصيحة هنا الصوت الشديد، والنبأة أراد منها الصوت الخفي، أي من أصمته الصيحة فلم يسمعها كيف يمكن أن يسمع النبأة فيراعيها.
ويشير بالصيحة إلى زواجر كتاب الله ومقال رسوله، وبالنبأة إلى ما يكون منه رضي الله عنه وقد رأينا هذا أقرب مما أشرنا إليه في الطبعة السابقة (4) ربط جأشه رباطة اشتد قلبه، ومثله رباطة
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٣٨
| 38 | 2 |
الغدر. وأتوسمكم بحلية المغترين (1) سترني عنكم جلباب الدين (2) وبصرنيكم صدق النية. أقمت لكم على سنن الحق في جواد المضلة (3)، حيث تلتقون ولا دليل. وتحتفرون ولا تميهون (4). اليوم أنطق لكم العجماء ذات البيان (5) غرب رأي امرئ تخلف عني (6) ما شككت في الحق مذ أريته. لم يوجس موسى عليه السلام خيفة على نفسه (7) أشفق من غلبة الجهال ودول الضلال. اليوم تواقفنا على سبيل الحق والباطل من وثق بماء لم يظمأ ____________________
الجنان أي القلب وهو دعاء للقلب الذي لازمه الخفقان والاضطراب خوفا من الله بأن يثبت ويستمسك (1) ينتظر بهم الغدر يترقب غدرهم ثم كان يتفرس فيهم الغرور والغفلة وأنهم لا يميزون بين الحق والباطل ولهذا لا يبعد أن يجهلوا قدره فيتركوه إلى من ليس له من الحق على مثل حاله. والحلية هنا الصفة (2) جلباب الدين ما لبسوه من رسومه الظاهرة، أي أن الذي عصمكم مني هو ما ظهرتم به من الدين وإن كان صدق نيتي قد بصرني ببواطن أحوالكم وما تكنه صدوركم. وصاحب القلب الطاهر تنفذ فراسته إلى سرائر النفوس فتستخرجها (3) المضلة بكسر الضاد وفتحها الأرض يضل سالكها، وللضلال طرق كثيرة لأن كل ما جار عن الحق فهو باطل، وللحق طريق واحد مستقيم وهو الوسط بين طرق الضلال، لهذا قال أقمت لكم على سنن الحق وهو طريقه الواضح فيما بين جواد المضلة وطرقها المتشعبة حيث يلاقي بعضكم بعضا وكلكم تائهون فلا فائدة في التقائكم حيث لا يدل أحدكم صاحبه لعدم علمه بالدليل (4) تميهون تجدون ماء من أماهوا أركيتهم أنبطوا ماءها، أو تستقون من أماهوا دوابهم سقوها (5) أراد من العجماء رموزه وإشاراته فإنها وإن كانت غامضة على من لا (خبرة) لهم لكنها جلية ظاهرة (لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) لهذا سماها ذات البيان مع أنها عجماء (6) غرب غاب، أي لا رأي إن تخلف عني ولم يطعني (7) (يعني)
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٣٩
| 39 | 2 |
5 - ومن خطبة له عليه السلام لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وخاطبه العباس وأبو سفيان بن حرب في أن يبايعا له بالخلافة أيها الناس شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة. وعرجوا عن طريق المنافرة وضعوا عن تيجان المفاخرة (1). أفلح من نهض بجناح. أو استسلم فأراح (2) هذا ماء آجن (3). ولقمة يغص بها آكلها. ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه (4) فإن أقل يقولوا حرص على الملك. وإن أسكت يقولوا جزع من الموت (5) هيهات بعد ____________________
بموسى عليه السلام إذ رموه بالخيفة ويفرق بين الواقع وبين ما يزعمون فإنه لا يخاف على حياته ولكنه يخاف من غلبة الباطل كما كان من نبي الله موسى، وهو أحسن تفسير لقوله تعالى (فأوجس في نفسه خيفة موسى) وأفضل تبرئة لنبي الله من الشك في أمره (1) قلب قصد به المبالغة. والقصد ضعوا تيجان المفاخرة عن رؤوسكم وكأنه يقول طأطئوا رؤوسكم تواضعا ولا ترفعوها بالمفاخرة إلى حيث تصيبها تيجانها، ويروى وضعوا تيجان المفاخرة بدون لفظ عن وهو ظاهر. وعرج عن الطريق مال عنه وتنكبه (2) المفلح أحد رجلين إما ناهض للأمر بجناح أي بناصر ومعين يصل بمعونته إلى ما نهض إليه، وإما مستسلم يريح الناس من المنازعة بلا طائل وذلك عند عدم الناصر، وهذا ينحو نحو قول عنترة لما قيل له إنك أشجع العرب فقال لست بأشجعهم ولكني أقدم إذا كان الإقدام عزما وأحجم إذا كان الإحجام حزما (3) الآجن المتغير الطعم واللون لا يستساغ، والإشارة إلى الخلافة، أي أن الإمرة على الناس والولاية على شؤونهم مما لا يهنأ لصاحبه بل ذلك أمر يشبه تناوله تناول الماء الآجن ولا تحمد عواقبه كاللقمة يغص بها آكلها فيموت بها (4) يشير إلى أن ذلك لم يكن الوقت الذي يسوغ فيه طلب الأمر فلو نهض إليه كان كمجتني الثمرة قبل إيناعها ونضجها وهو لا ينتفع بما جنى، كما أن الزارع في غير أرضه لا ينتفع بما زرع (5) إن
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٤٠
| 40 | 2 |
اللتيا والتي (1) والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه. بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة (2).
6 - ومن كلام له لما أشير عليه بأن لا يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال (3) والله لا أكون كالضبع تنام على طول اللدم (4). حتى يصل إليها طالبها ويختلها راصدها. ولكني أضرب بالمقبل إلى الحق المدبر عنه. وبالسامع المطيع العاصي المريب أبدا. حتى يأتي علي يومي ____________________
تكلم بطلب الخلافة رماه من لا يعرف حقيقة قصده بالحرص على السلطان وإن سكت وهم يعلمونه أهلا للخلافة يرمونه بالجزع من الموت في طلب حقه (1) أي بعد ظن من يرميني بالجزع بعد ما ركبت الشدائد وقاسيت المخاطر صغيرها وكبيرها. قيل إن رجلا تزوج بقصيرة سيئة الخلق فشقي بعشرتها ثم طلقها وتزوج أخرى طويلة فكان شقاؤه بها أشد فطلقها وقال لا أتزوج بعد اللتيا والتي يشير بالأولى إلى الصغيرة وبالثانية إلى الكبيرة فصارت مثلا في الشدائد والمصاعب صغيرها وكبيرها. وقوله هيهات الخ نفي لما عساهم يظنون من جزعه من الموت عند سكوته (2) أدمجه لفه في ثوب فاندمج، أي انطويت على علم والتففت عليه. والأرشية جمع رشاء بمعنى الحبل، والطوى جمع طوية وهي البئر، والبعيدة بمعنى العميقة، أو هي بفتح الطاء كعلي، بمعنى السقاء ويكون البعيدة نعتا سببيا أي البعيدة مقرها من البئر أو نسبة البعد إليها في العبارة مجاز عقلي (3) يرصد يترقب أو هو رباعي من الإرصاد بمعنى الإعداد، أي ولا يعد لهما القتال (4) اللدم الضرب بشئ ثقيل يسمع صوته. قال أبو عبيد يأتي صائد الضبع فيضرب بعقبه الأرض عند باب جحرها ضربا غير شديد وذلك هو اللدم ثم يقول خامري أم عامر بصوت ضعيف يكررها مرارا فتنام الضبع على ذلك فيجعل في عرقوبها حبلا ويجرها فيخرجها، وخامري أي استتري في جحرك ويقال خامر
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٤١
| 41 | 2 |
فوالله ما زلت مدفوعا عن حقي مستأثرا علي منذ قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم حتى يؤم الناس هذا 7 - ومن خطبة له عليه السلام اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكا (1)، واتخذهم له أشراكا.
فباض وفرخ في صدورهم (2). ودب ودرج في حجورهم (3). فنظر بأعينهم ونطق بألسنتهم. فركب بهم الزلل وزين لهم الخطل (4) فعل من قد شركه الشيطان في سلطانه ونطق بالباطل على لسانه.
8 - (ومن كلام له عليه السلام يعني به الزبير في حال اقتضت ذلك) يزعم أنه قد بايع بيده ولم يبايع بقلبه. فقد أقر بالبيعة وادعى الوليجة (5) فليأت عليها بأمر يعرف. وإلا فليدخل فيما خرج منه 9 - ومن كلام له عليه السلام وقد أرعدوا وأبرقوا، ومع هذين الأمرين الفشل. ولسنا نرعد ____________________
الرجل منزله إذا لزمه (1) ملاك الشئ بالفتح ويكسر قوامه الذي يملك به. والاشراك جمع شريك كشريف وأشراف فجعلهم شركاءه أو جمع شرك وهو ما يصاد به فكأنهم آلة الشيطان في الاضلال (2) باض وفرخ كناية عن توطنه صدورهم وطول مكثه فيها، لأن الطائر لا يبيض إلا في عشه. وفراخ الشيطان وساوسه (3) دب ودرج الخ أي أنه تربى في حجورهم كما يربى الأطفال في حجور والديهم حتى بلغ صوته وملك قوته (4) الخطل أقبح الخطأ. والزلل الغلط والخطأ (5) الوليجة الدخيلة وما يضمر في
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٤٢
| 42 | 2 |
حتى نوقع (1). ولا نسيل حتى نمطر.
10 - ومن خطبة له عليه السلام ألا وإن الشيطان قد جمع (حزبه). واستجلب خيله ورجله. وإن معي لبصيرتي ما لبست علي نفسي ولا لبس علي. وأيم الله لا أفرطن لهم حوضا أنا ماتحه (2) لا يصدرون عنه ولا يعودون إليه (3) 11 - ومن كلام له عليه السلام لابنه محمد بن الحنفية لما أعطاه الراية يوم الجمل تزول الجبال ولا تزل. عض على ناجذك (4). أعر الله جمجمتك. تد في الأرض قدمك (5). أرم ببصرك أقصى القوم. وغض بصرك (6) واعلم ____________________
القلب ويكتم، والبطانة (1) إذا أوقعنا بعدو أوعدنا آخر بأن يصيبه ما أصاب سابقه، وإذا أمطرنا أسلنا، أما أولئك الذين يقولون نفعل ونفعل وما هم بفاعلين فهم بمنزلة من يسيل قبل المطر وهو محال غير موجود فهم كالاعدام فيما به يوعدون (2) أفرطه ملأه حتى فاض. والماتح من متح الماء نزعه، أي أنا نازع مائه من البئر فمالئ به الحوض وهو حوض البلاء والفناء، أو أنا الذي أسقيهم منه (3) أي أنهم سيردون الحرب فيموتون عندها ولا يصدرون عنها ومن نجا منهم فلن يعود إليها (4) النواجذ أقسى الأضراس أو كلها أو الأنياب والناجذ واحدها. قيل إذا عض الرجل على أسنانه اشتدت أعصاب رأسه وعظامه ولهذا يوصى به عند الشدة ليقوي، والصحيح أن ذلك كناية عن الحمية فإن من عادة الإنسان إذا حمي واشتد غيظه على عدوه عض على أسنانه. وأعر أمر من أعار، أي ابذل جمجمتك لله تعالى كما يبذل المعير ماله للمستعير (5) أي ثبتها من وتد يتد (6) ارم ببصرك الخ أي أحط بجميع حركاتهم وغض
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٤٣
| 43 | 2 |
أن النصر من عند الله سبحانه 12 - ومن خطبة له عليه السلام لما أظفره الله بأصحاب الجمل وقد قال له بعض أصحابه وددت أن أخي فلانا كان شاهدنا ليرى ما نصرك الله به على أعدائك. فقال له عليه السلام أهوى أخيك معنا؟ (1) فقال نعم، قال فقد شهدنا. ولقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام في أصلاب الرجال وأرحام النساء، سيرعف بهم الزمان (2) ويقوى بهم الإيمان.
13 - ومن كلام له عليه السلام في ذم أهل البصرة كنتم جند المرأة. وأتباع البهيمة (3). رغا فأجبتم. وعقر ____________________
النظر عما يخيفك منهم أي لا يهولنك منهم هائل (1) هوى أخيك أي ميله ومحبته (2) يرعف بهم أي سيجود بهم الزمان كما يجود الأنف بالرعاف يأتي بهم على غير انتظار (3) يريد الجمل، ومجمل القصة أن طلحة والزبير بعد ما بايعا أمير المؤمنين فارقاه في المدينة وأتيا مكة مغاضبين، فالتقيا بعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فسألتهما الأخبار فقالا إنا تحملنا هربا من غوغاء العرب بالمدينة وفارقنا قومنا حيارى لا يعرفون حقا ولا ينكرون باطلا ولا يمنعون أنفسهم، فقالت ننهض إلى هذه الغوغاء أو نأتي الشام.
فقال أحد الحاضرين لا حاجة لكم في الشام قد كفاكم أمرها معاوية فلنأت البصرة فإن لأهلها هوى مع طلحة، فعزموا على المسير وجهزهم يعلى بن منبه وكان واليا لعثمان على اليمن وعزله علي كرم الله وجهه وأعطى للسيدة عائشة جملا اسمه عسكر ونادى مناديها في الناس بطلب ثأر عثمان فاجتمع نحو ثلاثة آلاف فسارت فيهم إلى البصرة وبلغ
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٤٤
| 44 | 2 |
فهربتم. أخلاقكم دقاق (1) وعهد كم شقاق، ودينكم نفاق، وماؤكم زعاق (2). والمقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه، والشاخص عنكم متدارك برحمة من ربه. كأني بمسجدكم كجؤجؤ سفينة (3) قد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها وغرق من في ضمنها.
(وفي رواية) وأيم الله لتغرقن بلدتكم حتى كأني أنظر إلى مسجدها كجؤجؤ سفينة. أو نعامة جاثمة (4). (وفي رواية) كجؤجؤ طير في لجة بحر. (وفي رواية) أخرى بلادكم أنتن بلاد الله تربة، أقربها من الماء وأبعدها من السماء. وبها تسعة أعشار الشر. المحتبس فيها بذنبه والخارج بعفو الله. كأني أنظر إلى قريتكم هذه قد طبقها الماء حتى ما يرى منها إلا شرف المسجد كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر ____________________
الخبر عليا فأوسع لهم النصيحة وحذرهم الفتنة فلم ينجح النصح. فتجهز لهم وأدركهم بالبصرة وبعد محاولات كثيرة منه يبغي بها حقن الدماء انتشبت الحرب بين الفريقين واشتد القتال، وكان الجمل يعسوب البصريين قتل دونه خلق كثير من الفئتين وأخذ خطامه سبعون قرشيا ما نجا منهم أحد وانتهت الموقعة بنصر علي كرم الله وجهه بعد عقر الجمل. وفيها قتل طلحة والزبير وقتل سبعة عشر ألفا من أصحاب الجمل وكانوا ثلاثين ألفا. وقتل من أصحاب علي ألف وسبعون (1) دقة الأخلاق دناءتها (2) مالح (3) الجؤجؤ الصدر (4) من جثم إذا وقع على صدره أو تلبد بالأرض. وقد وقع ما أوعد به أمير المؤمنين فقد غرقت البصرة جاءها الماء من بحر فارس من جهة الموضع المعروف بجزيرة الفرس ومن جهة الجبل المعروف بجبل السنام ولم يبق ظاهرا
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٤٥
| 45 | 2 |
14 - ومن كلام له عليه السلام في مثل ذلك أرضكم قريبة من الماء. بعيدة من السماء. خفت عقولكم وسفهت حلومكم. فأنتم غرض لنابل (1)، وأكلة لآكل، وفريسة لصائل.
15 - ومن كلام له عليه السلام فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان رضي الله عنه (2) والله لو وجدته قد تزوج به النساء وملك به الإماء لرددته فإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق (3).
16 - ومن كلام له عليه السلام لما بويع بالمدينة ذمتي بما أقول رهينة (4). وأنا به زعيم إن من صرحت له العبر ____________________
منها إلا مسجدها الجامع، ومعنى قوله أبعدها من السماء أنها في أرض منخفضة والمنخفض أبعد عن السماء من المرتفع بمقدار انخفاضه وارتفاع المرتفع (1) الغرض ما ينصب ليرمى بالسهام. والنابل الضارب بالنبل (2) قطائع عثمان ما منحه للناس من الأراضي (3) أي أن من عجز عن تدبير أمره بالعدل فهو عن التدبير بالجور أشد عجزا، فإن الجور مظنة أن يقاوم ويصد عنه، وهذه الخطبة رواها الكلبي مرفوعة إلى أبي صالح عن ابن عباس إن عليا خطب ثاني يوم من بيعته في المدينة فقال: ألا أن كل قطيعة أقطعها عثمان وكل ما أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شئ، ولو وجدته قد تزوج الخ (4) الذمة العهد تقول هذا الحق في
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٤٦
| 46 | 2 |
عما بين يديه من المثلات (1) حجزته التقوى عن تقحم الشبهات. ألا وإن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيكم صلى الله عليه وآله (2) والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة. ولتغربلن غربلة. ولتساطن سوط القدر (3) حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم.
وليسبقن سابقون كانوا قصروا. وليقصرن سباقون كانوا سبقوا (4).
____________________
ذمتي كما تقول في عنقي وذلك كناية عن الضمان والالتزام. والزعيم الكفيل. يريد أنه ضامن لصدق ما يقول كفيل بأنه الحق الذي لا يدافع (1) العبر بكسر ففتح جمع عبرة بمعنى الموعظة، والمثلات العقوبات، أي من كشف له النظر في أحوال من سبق بين يديه وحقق له الاعتبار والاتعاظ أن العقوبات التي نزلت بالأمم والأجيال والأفراد من ضعف وذل وفاقة وسوء حال إنما كانت بما كسبوا من ظلم وعدوان وما لبسوا من جهل وفساد أحوال ملكته التقوى وهي التحفظ من الوقوع فيما جلب تلك العقوبات لأهلها فمنعته عن تقحم الشبهات والتردي فيها، فإن الشبهة مظنة الخطيئة والخطيئة مجلبة.
العقوبة (2) إن بلية العرب التي كانت محيطة بهم يوم بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم هي بلية الفرقة ومحنة الشتات حيث كانوا متباغضين متنافرين يدعو كل إلى عصبيته وينادي نداء عشيرته يضرب بعضهم رقاب بعض، فتلك الحالة التي هي مهلكة الأمم قد صاروا إليها بعد مقتل عثمان، بعثت العداوات التي كان قد قتلها الدين، ونفخت روح الشحناء بين الأمويين والهاشميين واتباع كل ولا حول ولا قوة إلا بالله (3) لتبلبلن أي لتخلطن. من نحو تبلبلت الألسن اختلطت، ولتغربلن أي لتقطعن من غربلت اللحم أي قطعته ولتساطن من السوط وهو أن تجعل شيئين في الإناء وتضربهما بيدك حتى يختلطا. وقوله سوط القدر أي كما تختلط الابزار ونحوها في القدر عند غليانه فينقلب أعلاها أسفلها وأسفلها أعلاها، وكل ذلك حكاية عما يؤولون إليه من الاختلاف وتقطع الأرحام وفساد النظام (4) ولقد سبق معاوية إلى مقام الخلافة وقد كان في قصوره عنه بحيث لا يظن وصوله إليه، وقصر آل بيت النبوة عن بلوغه
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٤٧
| 47 | 2 |
والله ما كتمت وشمة (1) ولا كذبت كذبة. ولقد نبئت بهذا المقام وهذا اليوم. ألا وإن الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها وخلعت لجمها فتقحمت بهم في النار (2). ألا وإن التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها وأعطوا أزمتها فأوردتهم الجنة. حق وباطل. ولكل أهل (3) فلئن أمر الباطل لقديما فعل. ولئن قل الحق فلربما ولعل. ولقلما أدبر شئ فأقبل (4). أقول إن في هذا الكلام الأدنى من مواقع ____________________
وقد كانوا أسبق الناس إليه (1) الوشمة الكلمة وقد كان رضي الله عنه لا يكتم شيئا يحوك بنفسه، كان أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر لا يحابي ولا يداري ولا يكذب ولا يداجي، وهذا القسم توطئة لقوله ولقد نبئت بهذا المقام أي أنه قد أخبر من قبل على لسان النبي صلى الله عليه وسلم بأن سيقوم هذا المقام ويأتي عليه يوم مثل هذا اليوم (2) الشمس بضمتين وضم فسكون جمع شموس وهي من شمس كنصر أي منع ظهره أن يركب، وفاعل الخطيئة إنما يقترفها لغاية زينت له يطلب الوصول إليها فهو شبيه براكب فرس يجريه إلى غايته، لكن الخطايا ليست إلى الغايات بمطايا فإنها اعتساف عن السبيل واختباط في السير، لهذا شبهها بالخيل الشمس التي قد خلعت لجمها لأن من لم يلجم نفسه بلجام الشريعة أفلتت منه إلى حيث ترديه وتتقحم به في النار. وتشبيه التقوى بالمطايا الذلل ظاهر فإن التقوى تحفظ النفس من كل ما ينكبها عن صراط الشريعة فصاحبها على الجادة لا يزال عليها حتى يوافي الغاية والذلل جمع ذلول وهي المروضة الطائعة السلسة القياد (3) أي أن ما يمكن أن يكون عليه الإنسان ينحصر في أمرين الحق والباطل ولا يخلو العالم منهما، ولكل من الأمرين أهل، فللحق أقوام وللباطل أقوام. ولئن أمر الباطل أي كثر بكثرة أعوانه فلقد كان منه قديما لأن البصائر الزائغة عن الحقيقة أكثر من الثابتة عليها. ولئن كان الحق قليلا بقلة أنصاره فلربما غلبت قلته كثرة الباطل ولعله يقهر الباطل ويمحقه (4) هذه الكلمة صادرة
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٤٨
| 48 | 2 |
الاحسان ما لا تبلغه مواقع الاستحسان. وإن حظ العجب منه أكثر من حظ العجب به وفيه مع الحال التي وصفنا زوائد من الفصاحة لا يقوم بها لسان. ولا يطلع فجها إنسان (1). ولا يعرف ما أقول إلا من ضرب في هذه الصناعة بحق. وجرى فيها على عرق (2). (وما يعقلها إلا العالمون).
ومن هذه الخطبة شغل من الجنة والنار أمامه (3) ساع سريع نجا (4) وطالب بطئ ____________________
من ضجر بنفسه يستبعد بها أن تعود دولة لقوم بعد ما زالت عنهم ومن هذا المعنى قول الشاعر.
وقالوا يعود الماء في النهر بعد ما * ذوي نبت جنبيه وجف المشارع فقلت إلى أن يرجع النهر جاريا * ويوشب جنباه يموت الضفادع (1) لا يطلع من قولهم اطلع الأرض أي بلغها، والفج الطريق الواسع بين جبلين في قبل من أحدهما (2) العرق الأصل أي سلك في العمل بصناعة الفصاحة والصدور عن ملكتها على أصولها وقواعدها (3) شغل مبني للمجهول نائب فاعله من والجنة والنار مبتدأ خبره أمامه. والجملة صلة من أي كفى شاغلا أن تكون الجنة والنار أمامك. ومن كانت أمامه الجنة والنار على ما وصف الله سبحانه فحري به أن تنفد أوقاته جميعها في الاعداد للجنة والابتعاد عما عساه يؤدي إلى النار (4) يقسم الناس إلى ثلاثة أقسام الأول الساعي إلى ما عند الله السريع في سعيه وهو الواقف عند حدود الشريعة لا يشغله فرضها عن نفلها ولا شاقها عن سهلها والثاني الطالب البطئ له قلب تعمره الخشية وله صلة إلى الطاعة لكن ربما قعد به عن السابقين ميل إلى الراحة فيكتفى من العمل بفرضه وربما انتظر به غير وقته وينال من الرخص حظه وربما
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٤٩
| 49 | 2 |
رجا ومقصر في النار هوى. اليمين والشمال مضلة. والطريق الوسطى هي الجادة (1). عليها باقي الكتاب وآثار النبوة. ومنها منفذ السنة وإليها مصير العاقبة. هلك من ادعى وخاب من افترى. من أبدى صفحته للحق هلك (2) وكفى بالمرء جهلا أن لا يعرف قدره. لا يهلك على التقوى سنخ أصل (3). ولا يظمأ عليها زرع قوم. فاستتروا ببيوتكم. وأصلحوا ذات بينكم. والتوبة من ورائكم ولا يحمد حامد إلا ربه ولا يلم لائم إلا نفسه ____________________
كانت له هفوات ولشهوته نزوات على أنه رجاع إلى ربه كثير الندم على ذنبه فذلك الذي خلط عملا صالحا وآخر سيئا فهو يرجو أن يغفر له والقسم الثالث المقصر وهو الذي حفظ الرسم ولبس الاسم وقال بلسانه أنه مؤمن وربما شارك الناس فيما يأتون من أعمال ظاهرة كصوم وصلاة وما شابههما وظن أن ذلك كل ما يطلب منه ثم لا تورده شهوته منهلا إلا عب منه ولا يميل به هواه إلى أمر إلا انتهى إليه فذلك عبد الهوى وجدير به أن يكون في النار هوى (1) اليمين والشمال مثال لما زاغ عن جادة الشريعة.
والطريق الوسطى مثال للشريعة القويمة. ثم أخذ يبين أن الجادة والطريق الوسطى وهي سبيل النجاة جاء الكتاب هاديا إليها والسنة لا تنفذ إلا منها فمن خالف الكتاب ونبذ السنة ثم ادعى أنه على الجادة فقد كذب ولهذا يقول خاب من ادعى أي من ادعى دعوة وكذب فيها ولم يكن عنده مما يدعيه إلا مجرد الدعوى فقد هلك لأنه مائل عن الجادة (2) الرواية الصحيحة هكذا من أبدى صفحته للحق هلك أي من كاشف الحق مخاصما له مصارحا له بالعداوة هلك ويروى من أبدى صفحته للحق هلك عند جهلة الناس وعلى هذه الرواية يكون المعنى من ظاهر الحق ونصره غلبته الجهلة بكثرتهم وهم أعوان الباطل فهلك (3) السنخ المثبت يقال ثبتت السن في سنخها أي منبتها، والأصل لكل شئ قاعدته وما قام عليه بقيته فأصل الجبل مثل أسفله الذي يقوم عليه
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٥٠
| 50 | 2 |
17 - ومن كلام له عليه السلام في صفة من يتصدى للحكم بين الأمة وليس لذلك بأهل إن أبغض الخلائق إلى الله رجلان: رجل وكله الله إلى نفسه (1) فهو جائر عن قصد السبيل مشغوف بكلام بدعة. ودعاء ضلالة. فهو فتنة لمن افتتن به. ضال عن هدي من كان قبله. مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته. حمال خطايا غيره. رهن بخطيئته (2) ورجل قمش جهلا. (3) ____________________
أعلاه، وأصل النبات جذره الذاهب في منبته، وهلاك السنخ فساده حتى لا يثبت فيه أصول ما اتصل به ولا ينمو غرس فيه، وكل عمل ذهبت أصوله في أسناخ التقوى كان جديرا بأن تثبت أصوله وتنمو فروعه ويزكو بزكاء منبته ومغرس أصله وهو التقوى وكما أن التقوى سنخ لأصول الأعمال كذلك منها تستمد الأعمال غذاءها وتستقي ماءها من الإخلاص وجدير بزرع يسقى بماء التقوى أن لا يظمأ وعليها في الموضعين في معنى معها، وقد يقال في قوله سنخ أصل أنه هو على نحو قول القائل إذا خاص عينيه كرى النوم، والكرى هو النوم، والسنخ هو الأصل، والأليق بكلام الإمام ما قدمناه (1) وكله الله إلى نفسه تركه ونفسه وهو كناية عن ذهابه خلف هواه فيما يعتقد لا يرجع إلى حقيقة من الدين ولا يهتدي بدليل من الكتاب، فهذا جائر عن قصد السبيل وعادل عن جادته، والمشغوف بشئ المولع به وكلام البدعة ما اخترعته الأهواء ولم يعتمد على ركن من الحق ركين (2) هذا الضال المولع بتنميق الكلام لتزيين البدعة الداعي إلى الضلالة قد غرر بنفسه وأوردها هلكتها فهو رهن بخطيئته لا مخرج له منها وهو مع ذلك حامل لخطايا الذين أضلهم وأفسد عقائدهم بدعائه كما قال تعالى وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم (3) قمش جهلا جمعه والجهل
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٥١
| 51 | 2 |
موضع في جهال الأمة (1) عاد في أغباش الفتنة. عم بما في عقد الهدنة (2) قد سماه أشباه الناس عالما وليس به. بكر فاستكثر من جمع ما قل منه خير مما كثر (3) حتى إذا ارتوى من آجن. واكتنز من غير طائر (4). جلس بين الناس قاضيا. ضامنا لتخليص ما التبس على ____________________
هنا بمعنى المجهول وكما يسمى المعلوم علما بل قال قوم إن العلم هو صورة الشئ في العقل وهو المعلوم حقيقة كذلك يسمى المجهول جهلا بل الصورة التي اعتبرت مثالا لشئ وليست بمنطبقة عليه هي الجهل حقيقة بالمعنى المقابل للعلم بذلك التفسير السابق فالجهل المجموع هو المسائل والقضايا التي يظنها جامعها تحكي واقعا ولا واقع لها (1) موضع في جهال الأمة مسرع فيهم بالغش والتغرير وضع البعير أسرع وأوضعه راكبه فهو موضع به أي مسرع به، وقوله عاد في أغباش الفتنة الأغباش الظلمات واحدها غبش بالتحريك وأغباش الليل بقايا ظلمته. وعاد بمعنى مسرع في مشيته أي أنه ينتهز افتتان الناس بجهلهم وعماهم في فتنتهم فيعدو إلى غايته من التصدر فيهم والسيادة عليهم بما جمع مما يظنه الجهلة علما وليس به. ويروى غار في أغباش الفتنة من غره يغره إذا غشه وهو ظاهر (2) عم وصف من العمى أي جاهل بما أودعه الله في السكون والاطمئنان من المصالح، وقد يراد بالهدنة إمهال الله له في العقوبة وإملاؤه في أخذه ولو عقل ما هيأ الله له من العقاب لأخذ من العلم بحقائقه وأوغل في النظر لفهم دقائقه ونصح لله ولرسوله وللمؤمنين (3) بكر بادر إلى الجمع كالجاد في عمله يبكر إليه من أول النهار فاستكثر أي احتاز كثيرا من جمع بالتنوين أي مجموع قليله خير من كثيره إن جعلت ما موصولة فإن جعلتها مصدرية كان المعنى قلته خير من كثرته، ويروى جمع بغير تنوين ولا بد من حذف على تلك الرواية أي من جمع شئ قلته خير من كثرته (4) الماء الآجن الفاسد المتغير الطعم واللون شبه به تلك المجهولات التي ظنها معلومات وهي تشبه العلم في أنها صور قائمة بالذهن فكأنها من نوعه كما أن الآجن من نوع الماء لكن الماء الصافي ينقع الغلة ويطفئ من الأوار والآجن يجلب العلة ويفضي
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٥٢
| 52 | 2 |
غيره (1). فإن نزلت به إحدى المبهمات هيأ لها حشوا رثا من رأيه ثم قطع به (2). فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت (3).
لا يدري أصاب أم أخطأ فإن أصاب خاف أن يكون أخطأ. وإن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب. جاهل خباط جهالات. عاش ركاب عشوات (4) لم يعض على العلم بضرس قاطع (5) يذري الروايات إذراء الريح الهشيم. لا ملئ والله بإصدار ما ورد عليه. ولا هو أهل لما ____________________
يشار به إلى البوار. واكتنز أي عدما جمعه كنزا وهو غير طائل أي دون خسيس (1) التخليص التبيين، والتبس على غيره اشتبه عليه (2) المبهمات المشكلات لأنها أبهمت عن البيان كالصامت الذي لم يجعل على ما في نفسه دليلا ومنه قيل لما لا ينطق من الحيوان بهيمة، والحشو الزائد لا فائدة فيه، والرث الخلق البالي ضد الجديد أي أنه يلاقي المبهمات برأي ضعيف لا يصيب من حقيقتها شيئا بل هو حشو لا فائدة له في تبينها ثم يزعم بذلك أنه بينها (3) الجاهل بشئ ليس على بينة منه فإذا أثبته عرضت له الشبهة في نفيه وإذا نفاه عرضت له الشبهة في إثباته فهو في ضعف حكمه في مثل نسج العنكبوت ضعفا ولا بصيرة له في وجوه الخطأ والإصابة فإذا حكم لم يقطع بأنه مصيب أو مخطئ وقد جاء الإمام في تمثيل حاله بأبلغ ما يمكن من التعبير عنه (4) خباط صيغة مبالغة من خبط الليل إذا سار فيه على غير هدى، ومنه خبط عشواء، وشبه الجهالات بالظلمات التي يخبط فيها السائر وأشار إلى التشبيه بالخبط. والعاشي الأعمى أو ضعيف البصر أو الخابط في الظلام فيكون كالتأكيد لما قبله، والعشوات جمع عشوة مثلثة الأول وهي ركوب الأمر على غير هدى (5) من عادة عاجم العود أي مختبره ليعلم صلابته من لينه أن يعضه فلهذا ضرب المثل في الخبرة بالعض بضرس قاطع أي أنه لم يأخذ العلم اختبارا بل تناوله كما سول الوهم وصور الخيال ولم يعرض على محض الخبرة ليتبين أحق هو أم باطل (6) الهشيم ما يبس من النبت وتفتت. وأذرته الريح
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٥٣
| 53 | 2 |
فوض إليه (1). لا يحسب العلم في شئ مما أنكره * ولا يرى أن من وراء ما بلغ مذهبا لغيره. وإن أظلم أمر اكتتم به (2) لما يعلم من جهل نفسه. تصرخ من جور قضائه الدماء. وتعج منه المواريث (3) إلى الله أشكو من معشر يعيشون جهالا (4) ويموتون ضلالا ليس فيهم سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته (5). ولا سلعة أنفق بيعا ولا أغلى ثمنا من الكتاب إذا حرف عن مواضعه. ولا عندهم أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر.
18 - ومن كلام له عليه السلام في ذم اختلاف العلماء في الفتيا ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها ____________________
إذراء أطارته ففرقته ويروى تذرو الروايات كما تذرو الريح الهشيم وهي أفصح قال الله تعالى (فأصبح هشيما تذروه الرياح) وكما أن الريح في حمل الهشيم وتبديده لا تبالي بتمزيقه واختلال نسقه كذلك هذا الجاهل يفعل في الروايات ما تفعل الريح بالهشيم (1) الملئ بالقضاء من يحسنه ويجيد القيام عليه وهذا لا ملئ بإصدار القضايا التي ترد عليه وإرجاعها عنه مفصولا فيها النزاع مقطوعا فيها الحكم أي غير قيم بذلك ولا غناء فيه لهذا الأمر الذي تصدر له وروى ابن قتيبة بعد قوله لا ملئ والله بإصدار ما ورد عليه (ولا أهل لما قرظ به) أي مدح به بدل ولا هو أهل لما فوض إليه (2) اكتتم به أي كتمه وستره (3) العج رفع الصوت وصراخ الدماء وعج المواريث تمثيل لحدة الظلم وشدة الجور (4) إلى الله متعلق بأشكو. وفي رواية إسقاط لفظ أشكو فيكون إلى الله متعلقا بتعج، وقوله من معشر يشير إلى أولئك الذين قمشوا جهلا (5) تلي حق تلاوته أخذ على وجهه وما يدل عليه جملته وفهم كما كان النبي
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٥٤
| 54 | 2 |
برأيه ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم (1) فيصوب آراءهم جميعا وإلههم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد. أفأمرهم الله تعالى بالاختلاف فأطاعوه. أم نهاهم عنه فعصوه. أم أنزل الله دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه. أم كانوا شركاء له. فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى أم أنزل الله سبحانه دينا تاما فقصر الرسول صلى الله عليه وآله عن تبليغه وأدائه والله سبحانه يقول (ما فرطنا في الكتاب من شئ) فيه تبيان كل شئ وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضا وأنه لا اختلاف فيه فقال سبحانه (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا). وإن القرآن ظاهره أنيق (2). وباطنه عميق. لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ولا تكشف الظلمات إلا به ____________________
وأصحابه صلى الله عليه وسلم يفهمونه، وأبور من بارت السلعة كسدت، وأنفق من النفاق بالفتح وهو الرواج وما أشبه حال هذا المعشر بالمعاشر من أهل هذا الزمان (1) الإمام الذي استقضاهم الخليفة الذي ولاهم القضاء (2) أنيق حسن معجب، وآنقني الشئ أعجبني
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٥٥
| 55 | 2 |
19 - ومن كلام له عليه السلام قاله للأشعث بن قيس وهو على منبر الكوفة يخطب فمضى في بعض كلامه شئ اعترضه الأشعث فقال يا أمير المؤمنين هذه عليك لا لك (1) فخفض عليه السلام إليه بصره فقال ما يدريك ما علي مما لي عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين. حائك ابن حائك (2) منافق بن كافر (3) والله لقد أسرك الكفر مرة والاسلام أخرى (4). فما فداك من واحدة منهما مالك ولا حسبك وإن امرأ دل ____________________
(1) كان أمير المؤمنين يتكلم في أمر الحكمين فقام رجل من أصحابه وقال نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها فلم ندر أي الأمرين أرشد فصفق بإحدى يديه على الأخرى وقال هذا جزاء من ترك العقيدة فقال الأشعث ما قال وأمير المؤمنين يريد هذا جزاؤكم فيما تركتم الحزم وشغبتم وألجأتموني لقبول الحكومة (2) قيل إن الحائكين أنقص الناس عقلا وأهل اليمن يعيرون بالحياكة، والأشعث يمني من كندة قال خالد بن صفوان في ذم اليمانيين. ليس فيهم إلا حائك برد أو دابغ جلد أو سائس قرد ملكتهم امرأة وأغرقتهم فأرة ودل عليهم هدهد (3) كان الأشعث في أصحاب علي كعبد الله بن أبي ابن سلول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كل منهما رأس النفاق في زمنه (4) أسر مرتين مرة وهو كافر في بعض حروب الجاهلية وذلك أن قبيلة مراد قتلت قيسا الأشج أبا الأشعث فخرج الأشعث طالبا بثأر أبيه فخرجت كندة متساندين إلى ثلاثة ألوية على أحدها كبش بن هانئ وعلى أحدها القشعم ابن الأرقم وعلى أحدها الأشعث فأخطأوا مرادا ووقعوا على بني الحارث بن كعب فقتل كبش والقشعم وأسر الأشعث وفدى بثلاثة آلاف بعير لم يفد بها عربي قبله
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٥٦
| 56 | 2 |
على قومه السيف. وساق إليهم الحتف. لحري أن يمقته الأقرب.
ولا يأمنه الأبعد (1). * 20 - ومن كلام له عليه السلام فإنكم لو عاينتم ما قد عاين من مات منكم لجزعتم ووهلتم (2) وسمعتم وأطعتم. ولكن محجوب عنكم ما قد عاينوا.
وقريب ما يطرح الحجاب (3) ولقد بصرتم إن أبصرتم وأسمعتم إن ____________________
ولا بعده، فمعنى قول أمير المؤمنين فما فداك لم يمنعك من الأسر وأما أسر الاسلام له فذلك أن بني وليعة لما ارتدوا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وقاتلهم زياد بن لبيد البياضي الأنصاري لجأوا إلى الأشعث مستنصرين به فقال لا أنصركم حتى تملكوني فتوجوه كما يتوج الملك من قحطان فخرج معهم مرتدا يقاتل المسلمين وأمد أبو بكر زيادا بالمهاجرين أبي أمية فالتقوا بالأشعث فتحصن منهم فحاصروه أياما ثم نزل إليهم على أن يؤمنوه وعشرة من أفار به حتى يأتي أبا بكر فيرى فيه رأيه وفتح لهم الحصن فقتلوا كل من فيه من قوم الأشعث إلا العشرة الذين عزلهم وكان المقتولون ثمانمائة ثم حملوه أسيرا مغلولا إلى أبي بكر فعفا عنه وعمن كان معه وزوجه أخته أم فروة بنت أبي قحافة (1) دلالة السيف على قومه وسوق الحتف إليهم تسليمهم لزياد بن لبيد وفتح الحصن عليهم حتى قتلهم كما تقدم وإن كان الذي ينقل عن الشريف الرضي أن ذلك إشارة إلى وقعة جرت بين الأشعث وخالد بن الوليد في حرب المرتدين باليمامة وأن الأشعث دل خالدا على مكامن قومه ومكر بهم حتى أوقع بهم خالد فإن ما نقله الشريف لا يتم إلا إذا قلنا أن بعض القبائل من كندة كانت انتقلت من اليمن إلى اليمامة وشاركت أهل الردة في حروبهم وفعل بهم الأشعث ما فعل وعلى كل حال فقد كان الأشعث ملوما على ألسنة المسلمين والكافرين وكان نساء قومه يسمينه عرف النار وهو اسم للغادر عندهم (2) الوهل الخوف وهل يوهل (3) ما مصدرية أي قريب
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٥٧
| 57 | 2 |
سمعتم وهديتم إن اهتديتم. بحق أقول لكم لقد جاهرتكم العبر (1) وزجرتم بما فيه مزدجر. وما يبلغ عن الله بعد رسل السماء إلا البشر (2) 21 - ومن خطبة له عليه السلام فإن الغاية أمامكم (3) وإن وراءكم الساعة تحدوكم. تخففوا تلحقوا (4). فإنما ينتظر بأولكم آخركم (5) (أقول إن هذا الكلام لو وزن بعد كلام الله سبحانه وبعد كلام رسول الله صلى الله عليه ____________________
طرح الحجاب وذلك عند نهاية الأجل ونزول المرء في أول منازل الآخرة. (1) جاهرتكم العبر انتصبت لتنبهكم جهرا وصرحت لكم بعواقب أموركم، والعبر جمع عبرة والعبرة الموعظة لكنه أطلق اللفظ وأراد ما به الاعتبار مجازا فإن العبر التي جاهرتهم إما قوارع الوعيد المنبعثة عليهم من ألسنة الرسل الإلهيين وخلفائهم وإما ما يشهدونه من تصاريف القدرة الربانية ومظاهرة العزة الإلهية (2) رسل السماء الملائكة أي إن قلتم لم يأتنا عن الله شئ فقد أقيمت عليكم الحجة بتبليغ رسول الله وإرشاد خليفته (3) الغاية الثواب أو العقاب والنعيم والشقاء فعليكم أن تعدوا للغاية ما يصل بكم إليها ولا تستبطئوها فإن الساعة التي يصيبونها فيها وهي يوم القيامة آزفة إليكم فكأنها في تقربها نحوكم وتقليل المسافة بينها وبينكم بمنزلة سائق يسوقكم إلى ما تسيرون إليه (4) سبق سابقون بأعمالهم إلى الحسنى فمن أراد اللحاق بهم فعليه أن يتخفف من أثقال الشهوات وأوزار العناء في تحصيل اللذات ويحفز بنفسه عن هذه الفانيات فيلحق بالذين فازوا بعقبى الدار. وأصله الرجل يسعى وهو غير مثقل بما يحمله يكون أجدر أن يلحق الذين سبقوه (5) أي أن الساعة لا ريب فيها وإنما ينتظر بالأول مدة لا يبعث
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٥٨
| 58 | 2 |
وآله بكل كلام لمال به راجحا وبرز عليه سابقا. فأما قوله عليه السلام تخففوا تلحقوا فما سمع كلام أقل منه مسموعا ولا أكثر محصولا وما أبعد غورها من كلمة. وأنقع نطفتها من حكمة (1).
وقد نبهنا في كتاب الخصائص على عظم قدرها وشرف جوهرها.) 22 - ومن خطبة له عليه ألا وإن الشيطان قد ذمر حزبه (2) واستجلب جلبه. ليعود الجور إلى أوطانه. ويرجع الباطل إلى نصابه (3). والله ما أنكروا علي منكرا، ولا جعلوا بيني وبينهم نصفا (4) وإنهم ليطلبون حقا هم تركوه. ودما هم سفكوه. فلئن كنت شريكهم فيه فإن لهم لنصيبهم منه ولئن كانوا ولوه دوني فما التبعة إلا عندهم. وإن أعظم حجتهم لعلى أنفسهم يرتضعون أما قد فطمت (5). ويحيون ____________________
فيها حتى يرد الآخرون وينقضي دور الإنسان من هذه الدنيا ولا يبقى على وجه الأرض أحد فتكون الساعة بعد هذا وذلك يوم يبعثون (1) من قولهم ماء ناقع ونقيع أي ناجع أي إطفاء العطش، والنطفة الماء الصافي (2) حثهم وحضهم والجلب بالتحريك ما يجلب (3) النصاب الأصل أو المنبت (4) النصف بالكسر العدل أو المنصف أي لم يحكموا العدل بيني وبينهم أو لم يحكموا عادلا (5) إذا فطمت الأم ولدها فقد انقضى إرضاعها وذهب لبنها يمثل به طلب الأمر بعد فواته
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٥٩
| 59 | 2 |
بدعة قد أميتت. يا خيبة الداعي. من دعا وإلام أجيب (1) وإني لراض بحجة الله عليهم. وعلمه فيهم. فإن أبوا أعطيتهم حد السيف.
وكفى به شافيا من الباطل وناصرا للحق. ومن العجب بعثهم إلي أن أبرز للطعان. وأن أصبر للجلاد هبلتهم الهبول (2) لقد كنت وما أهدد بالحرب ولا أرهب بالضرب. وإني لعلى يقين من ربي. وغير شبهة من ديني.
23 - ومن خطبة له عليه السلام أما بعد فإن الأمر ينزل من السماء إلى الأرض كقطرات المطر إلى كل نفس بما قسم لها من زيادة أو نقصان فإذا رأى أحدكم لأخيه غفيرة في أهل أو مال أو نفس (3) فلا تكونن له فتنة؟ فإن المرء المسلم البرئ من الخيانة ما لم يغش دناءة تظهر فيخشع لها إذا ذكرت وتغرى بها لئام الناس كان كالفالج الياسر (4) الذي ينتظر أول فورة من قداحه ____________________
(1) من استفهامية وما المحذوفة الألف لدخول إلى عليها كذلك. وهذا استفهام عن الداعي ودعوته تحقيرا لهما. والكلام في أصحاب الجمل والداعي هو أحد الثلاثة الذين تقدم ذكرهم في قصة الجمل عند الكلام في ذم البصرة (2) هبلتهم ثكلتهم والهبول بالفتح من النساء التي لا يبقى لها ولد وهو دعاء عليهم بالموت لعدم معرفتهم بأقدار أنفسهم فالموت خير لهم من حياة جاهلية (3) عفيرة زيادة وكثرة (4) الفالج الظافر فلج يفلج كنصر ينصر ظفر وفاز ومنه المثل من يأتي الحكم وحده يفلج. والياسر الذي يلعب بقداح
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٦٠
| 60 | 2 |
توجب له المغنم. ويرفع بها عنه المغرم وكذلك المرء المسلم البرئ من الخيانة ينتظر من الله إحدى الحسنيين. إما داعي الله فما عند الله خير له. وإما رزق الله فإذا هو ذو أهل ومال ومعه دينه وحسبه. إن المال والبنين حرث الدنيا والعمل الصالح حرث الآخرة وقد يجمعهما الله لأقوام فاحذروا من الله ما حذركم من نفسه.
واخشوه خشية ليست بتعذير (1). واعملوا في غير رياء ولا سمعة فإنه من يعمل لغير الله يكله الله إلى من عمل له (2). نسأل الله منازل الشهداء. ومعايشة السعداء ومرافقة الأنبياء.
____________________
الميسر أي المقامر. وفي الكلام تقديم وتأخير ونسقه كالياسر الفالج كقوله تعالى (غرابيب سود) وحسنه أن اللفظتين صفتان وإن كانت إحداهما إنما تأتي بعد الأخرى إذا صاحبتها يريد أن المسلم إذا لم يأت فعلا دنيئا يخجل لظهوره وذكره ويبعث لئام الناس على التكلم به فقد فاز بشرف الدنيا وسعادة الآخرة فهو شبيه بالمقامر الفائز في لعبه لا ينتظر ألا فوزا أي أن المسلم إذا برئ من الدناءات لا ينتظر إلا إحدى الحسنيين إما نعيم الآخرة أو نعيم الدارين فجدير به أن لا يأسف على فوت حظ من الدنيا فإنه إن فاته ذلك لم يفته نصيبه من الآخرة وهو يعلم أن الأرزاق بتقدير رزاقها فهو أرفع من أن يحسد أحدا على رزق ساقه الله عليه وقوله فاحذروا ما حذركم الله من نفسه يريد احذروا الحسد فإن مبعثه انتقاص صنع الله تعالى واستهجان بعض أفعاله وقد حذرنا الله من الجرأة على عظمته فقال وإياي فارهبون وإياي فاتقون وما يفوق الكثرة من الآيات الدالة على ذلك (1) مصدر عذر تعذيرا لم يثبت له عذر أي خشية لا يكون فيها تقصير يتعذر معه الاعتذار (2) العامل لغير الله لا يرجو ثواب عمله من الله وإنما يطلبه ممن عمل له فكأن الله قد تركه إلى من عمل له
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٦١
| 61 | 2 |
أيها الناس إنه لا يستغني الرجل وإن كان ذا مال عن عشيرته ودفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم وهم أعظم الناس حيطة من ورائه (1) وألمهم لشعثه وأعطفهم عليه عند نازلة إذا نزلت به. ولسان الصدق يجعله الله للمرء في الناس خير له من المال يورثه غيره (2) (منها) ألا لا يعدلن أحدكم عن القرابة يرى بها الخصاصة أن يسدها بالذي لا يزيده إن أمسكه ولا ينقصه إن أهلكه (3). ومن يقبض يده عن عشيرته فإنما تقبض منه عنهم يد واحدة وتقبض منهم عنه أيد كثيرة ومن تلن حاشيته يستدم من قومه المودة (أقول الغفيرة ههنا الزيادة والكثرة من قولهم للجمع الكثير الجم الغفير والجماء الغفير. ويروى عفوة من أهل أو مال. والعفوة الخيار من الشئ يقال أكلت عفوة الطعام. أي خياره. وما أحسن المعنى الذي أراده عليه السلام بقوله. ومن يقبض يده عن عشيرته إلى تمام الكلام فإن الممسك خيره عن عشيرته إنما يمسك نفع يد واحدة فإذا احتاج ____________________
وجعل أمره إليه (1) حيطة كبينة أي رعاية وكلاءة ويروى حيطة بكسر الحاء وسكون الياء مخففة مصدر حاطه يحوطه أي صانه وتعطف عليه وتحنن. والشعث بالتحريك التفرق والانتشار (2) لسان الصدق حسن الذكر بالحق وهو في القرابة أولى وأحق (3) الخصاصة الفقر والحاجة الشديدة ينهى أمير المؤمنين عن إهمال القريب إذا كان فقيرا ويحث
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٦٢
| 62 | 2 |
إلى نصرتهم واضطر إلى مرافدتهم (1) قعدوا عن نصره وتثاقلوا عن صوته فمنع ترافد الأيدي الكثيرة وتناهض الأقدام الجمة.
24 - ومن خطبة له عليه السلام ولعمري ما علي من قتال من خالف الحق وخابط الغي من إدهان ولا إيهان (2) فاتقوا الله عباد الله وفروا إلى الله من الله. وامضوا في الذي نهجه لكم وقوموا بما عصبه بكم (3). فعلي ضامن لفلجكم آجلا وإن لم تمنحوه عاجلا (4) 25 - ومن خطبة له عليه السلام وقد تواترت عليه الأخبار باستيلاء أصحاب معاوية على البلاد وقدم عليه عاملاه على اليمن وهما عبيد الله بن العباس وسعيد بن نمران لما غلب عليها بسر بن أبي أرطاة (5) فقام عليه السلام إلى المنبر ____________________
على سد حاجته بالمال وأنواع المعاونة فإن ما يبذل في سد حاجة القريب لو لم يصرفه في هذا السبيل وأمسكه لنفسه لم يزده في غناه أو في جاهه شيئا ولو بذله لم ينقصه من ذلك كذلك ومعنى أهلكه بذله (1) المرافدة المعاونة (2) الادهان المنافقة والمصانعة ولا تخلو من مخالفة الظاهر للباطن والغش. والإيهان الدخول في الوهن وهو من الليل نحو نصفه وهو هنا عبارة عن التستر والمخاتلة وقد يكون مصدر أوهنته أضعفته أي لا يعرض علي فيه ما يضعفني. وخابط الغي والغي يخبطه وهو أشد اضطرابا ممن يخبط في الغي (3) عصبه بكم ربطه بكم أي كلفكم به وألزمكم بأدائه ونهجه بكم أوضحه وبينه (4) لفلجكم أي لظفركم وفوزكم (5) يقال بسر بن أبي أرطاة وبسر بن أرطاة وهو عامري من
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٦٣
| 63 | 2 |
ضجرا بتثاقل أصحابه عن الجهاد ومخالفتهم له في الرأي فقال ما هي إلا الكوفة أقبضها وأبسطها (1). إن لم تكوني إلا أنت تهب أعاصيرك (2). فقبحك الله (وتمثل بقول الشاعر) لعمر أبيك الخير يا عمرو إنني * على وضر من ذا الإناء قليل (3) (ثم قال عليه السلام) أنبئت بسرا قد اطلع اليمن (4) وإني والله ____________________
بني عامر بن لؤي بن غالب سيره معاوية إلى الحجاز بعسكر كثيف فأراق دماء غزيرة واستكره الناس على البيعة لمعاوية وفر من بين يديه وإلى المدينة أبو أيوب الأنصاري ثم توجه واليا على اليمن فتغلب عليها وانتزعها من عبيد الله بن العباس وفر عبيد الله ناجيا من شره فأتى بسر بيته فوجد له ولدين صبيين فذبحهما وباء باثمهما قبح الله القسوة وما تفعل ويروى أنهما ذبحا في بني كنانة أخوالهما وكان أبوهما تركهما هناك وفي ذلك تقول زوجة عبيد الله.
يا من أحس بابني اللذين هما * كالدرتين تشظى عنهما الصدف يا من أحس بابني اللذين هما * قلبي وسمعي فقلبي اليوم مختطف من ذل والهة حيرى مدلهة * على صبيين ذلا إذ غدا السلف خبرت بسرا وما صدقت ما زعموا * من إفكهم ومن القول الذي اقترفوا أنحى على ودجي ابني مرهفة * مشحوذة وكذاك الإثم يقترف ويروى هذه الأبيات بروايات شتى فيها تغيير وزيادة ونقص (1) أقبضها وأبسطها أي أتصرف فيها كما يتصرف صاحب الثوب في ثوبه يقبضه أو يبسطه (2) جمع أعصار ريح تهب وتمتد من الأرض نحو السماء كالعمود أو كل ريح فيها العصار وهو الغبار الكثير إن لم يكن لي ملك الكوفة على ما فيها من الفتن والآراء المختلفة فأبعدها الله وشبه الاختلاف والشقاق بالأعاصير لإثارتها التراب وإفسادها الأرض (3) الوضر غسالة السقاء والقصعة وبقية الدسم في الإناء (4) اطلع اليمن بلغها وتمكن منها وغشيها بجيشه
| null |
نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٦٤
| 64 | 2 |
Subsets and Splits
No community queries yet
The top public SQL queries from the community will appear here once available.